الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


النعرة الطائفية و العلمانية السلفية

شوكت جميل

2015 / 9 / 19
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


أكاد أجزم أن التعصب كالحماقة يعيي من يداويه.. و الحق ما من كلامٍ عصيٍّ على تأويل المؤولين المغرضين إلى غير مقصد صاحبه، و ليس من النادر أن يؤول إلى نقيضه !.. وعلى كلٍ، لا أحسب الواحد فينا مسئولاً عن سوء فهم الآخرين لحديثه؛ فليس بمقدور أمثالنا من البشر المتواضعين أن يخلقوا عقولاً جديدة واعية، إذا كان سوء الفهم مردّه إلى عقلٍ معطوب، كما ليس بمقدروهم أن ينشئوا قلوباً قشيبة نضرة إذا كان سوء الفهم مرده إلى قلبٍ امتلأ بالمرض و التعصب و الظن السيىء ..و مناسبة هذا الكلام سطورٌ لي تحت عنوان "الأقباط و المحظور" تحدَّثتُ فيها منددا بتمييزٍ دينيٍّ تمارسه الدولة على طائفةٍ من مواطنيها في وظائفها العامة ؛ ثم ألحقتُ بهم الشيعة و البهائيين و اللادينيين مناشداً إياها رفع الغبن عن مواطنين كاملي المواطنة طبقاً للدستور؛ فكان من الأمر_ و كذا قدرت_ أن عاتبني أحدهم أشد العتاب ،و إنه ليشتَمّ في حديثي "النعرة الطائفية" التي تعافها نفسه الكريمة ! و لا تتسق مع العلمانية التي يبشر بها كلانا، ثم جنح بالحديث إلى سبيلٍ لم آتِ على ذكره، و مطلبٍ لم يدر لي بخلدٍ ، وما كان لمثلي أن ينشده ،فمضى يلومني و يسهب في وصف سوء المآل إذا ما كان وكدنا إبدال دين بدين ،و حكم ديني بحكمٍ ديني آخر؛ فليس بين القنافذ أملس. ثم صال و جال في لغوٍ لا خير فيه، وعلى غير صلة بقضيتنا ، و أنا اصطنع الصبر اصطناعا حتى أنهى مَكْلَمَتهُ ،فألفيتني أقلب كفي في دهشٍ، محدثاً نفسي : هل بات حقاً الحديث عن التمييز الديني و الإضطهاد ،و التنديد به و محاربته ،خروجاً على دين العلمانية ؟!!


و لئن كان طبعي الذي مردّت عليه نفسي طويلا ،ألّا ألتفت و أن أضرب صفحاً عن مثل تلك المهاترات المتهافتة، و التي لا تنطلي على طفلٍ يسيل اللعاب على شدقيه، حرصاً على بقية من حياةٍ لا أود استنفاذها في غير طائل ؛ إلا أني آثرت أن أخرق هذي القاعدة التي اصطنعتها لنفسي هذه المرة، و لسببٍ وجيه ؛ أما السبب فلأن منطق "النعرة الطائفية" هذا لطالما اتُّخِذَ كفزاعةٍ و ابتزازٍ و إرهابٍ لإخراس كل من تسول له نفسه الحديث و الكشف عن الاضطهاد الديني ، فيضع لسانه بحلقه مؤثراً السلامة ،و تجنباً لجرم اتهامه"بالطائفية" و معاداة العلمانية! ،و لطالما نجحت هذه الحيلة مع كثيرين، و لولا هذا لكانوا سنداً عظيماً في ظهر العلمانية!!.. و الحق لست أجد عذراً لصاحبنا المتجني في تجنيه؛ فهو و لو أدعى جهله بي و بمذهبي ، فليس في مقالتي من سببٍ يدعوه لهذا الاتهام ، و لا أرى العلة إذن سوى آفة العقل و القلب التي قدمنا .... و لا أرى بأساً الآن في تبيان موقفي _إذا كان حقاً في حاجة إلى تبيان_:


منذ حداثتي ومن زمن ليس بالقريب ،اطمأن عقلي و قر وجداني على أنه لا محيد عن العلمانية و فصل الدين_أي دين__ عن الدولة ،إذا صبونا إلى التقدم و الرقي ،و ليس إيماني بالعلمانية أيماناً صوفياً ، و إنما هو نتاج التجربة و الخطأ؛ فما فتأت تجربة الدولة الدينية تفشل فشلاً ذريعاً مرةً تلو المرة، و على مد قرون طوال،كسيزيف و حجره صعودا و هبوطا ،و من المحقق، أنه لما نفض الغرب يديه من حجره، و نبذه عنه ليتدحرج ما شاء له التدحرج؛ خفَّ ثقله ليستنم مكانته العالية في مراقي الإنسانية...و لكني بالرغم من هذا كله، ما زالت تلافيف عقلي تحتفظ بشيء من تضاعيفه ،فلا تساوي بين الأديان تلك المساواة الهوجاء المسحاء! ، ثم أني لا أوزع الصفعات كالأعمى بالتساوي على هذا و ذاك مرائيا حتى يقال" عادلا" و "نزيه"، و الواقع أن هذا ليس من النزاهة في شيء ،و لا من العدل في شيء، نعم أفرق! و لكني هنا لا أفاضل بينها و لا أفرق بينها تفريقاً ما ورائيا ، و إنما أردُّ الأديان إلى واقعها المادي الموضوعي ، و البيئة الثقافية و التأريخية التي نشأت بها ، فتتمايز الأديان على قدر تمايز ظرفها التأريخي و الثقافي ؛ فأفرق بين عقيدة ظهرت في أوج الثقافة الهلينية مثلا ،و أخرى في الصحراء الأفريقية الكبرى ،و أفرق بين عقيدة كالبوذية مثلا لا ترى في نفسها نظاماً للحكم ،و تكاد تتبع المقولة"أعطِ ما لقيصر للقيصر و ما لله لله " و بين عقيدة أخرى ترى في نفسها دينا و دولة، ثم أنظر إلى العقائد فأحدد أيا منها أكثر قدرة على التصالح من العلمانية في يسرٍ و بأقل خسائر و أيا منها أعسر..ثم اني أفرق بين عقيدة لم يفارق تأريخها العنف و البطش و الدم ،و أخرى كان العنف فيها طارئا لحقبة من الزمن ، ثم أنظر في نصوصها و أطيل النظر ،فأعلم أياً منها متى علمه الناس و أدركوه ازدادوا عنفا وكراهية و عنصرية(كالنازية مثلا)، وأيا منها ما كانت نصوصه مكبلة بالسلاسل لا تعرض على العامة فلا يطلع عليها سوى سدنة الدين في حقب عنفها ،فإذا أطلع عليه الناس باتوا أكثر تسامحا و تحضرا..و لكن رغم هذه الفروق الكبيرة بين العقائد التي أحصيها و أحصرها، و لا أملك رفاهية إغماض عيني عنها ، أقول لا أرى واحدة بصالحة أن تمتزج بالدولة ،مهما بلغت من سموٍ..فلماذا؟ ، لأنه إذا افترضنا للدولة عقيدة، فمهما بلغت هذه العقيدة من سمو فإن الدولة لن تستطيع الوقوف على مسافة واحدة من مواطنيها المختلفين عقائديا و لو حتى على المستوى المعنوي ،ثم أن حقوق الإنسان بالجسامة بحيث لا تترك معلقة و رهنا بفهم طائفة ما لعقيدتها، و يتبقى شيء نقوله : لماذ يلزمنا و لماذا يبات من التقصير جهلنا بالفروق الموضوعية بين العقائد؟..لأننا في هذه الحالة سنعدم الوسائل المناسبة الناجعة للتعامل مع كل عقيدة بما يناسبها و يناسب طبيعتها في طريقنا إلى العلمانية !



بيت القصيد
هل يعني تنديدي بالاضطهاد العرقي للأيزيديين أنني أيزيدي المذهب أدعوا إلى الخلافة الإيذيدية؟ ،و هل يعني تنديدي بالاضطهاد الديني لمسيحي العراق و مصر و غيرها أنني أدعوا إلى الحكم البابوي الديني؟ و هل يعني تنديدي بالاضطهاد الديني لمسلمي بورما أنني أدعو إلى الخلافة الإسلامية؟! أ يعني هذا بالضرورة أنني مسلم أو مسيحي أو أيزيدي متعصب عدو للعلمانية!..لماذا لا تقول أني أحاول قبل كل شيء أن أكون "إنسانا"، وهو لباب العلمانية لو أدرك البعض !








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بعد 40 عاماً من تقديم الطعام والشراب لزوار المسجد النبوي بال


.. الميدانية | عملية نوعية للمقاومة الإسلامية في عرب العرامشة..




.. حاخام إسرائيلي يؤدي صلاة تلمودية في المسجد الأقصى بعد اقتحام


.. أكبر دولة مسلمة في العالم تلجأ إلى -الإسلام الأخضر-




.. #shorts - 14-Al-Baqarah