الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دور المثقف في صناعة المجتمع..قراءة في كتاب -واحد مصري- لوليد علاء الدين

هويدا صالح

2015 / 9 / 21
مواضيع وابحاث سياسية


دور المثقف في صناعة المجتمع..قراءة في كتاب "واحد مصري" لوليد علاء الدين
د.هويدا صالح
في ظل التغيرات السياسية والاجتماعية التي تشهدها المنطقة العربية وخاصة في ظل ما يُسمّى بالربيع العربي ، وغياب المثقف الطليعي والتنويري عن قيادة هذا الحراك بات من الملح أن نطرح مفهوم المثقف وصوره المختلفة، ربما يساعد هذا على فهم التحوّلات الاجتماعية والتاريخية والاقتصادية التي طرأت على مجتمعاتنا العربية، خاصة أن الدور الواقعي للمثقف شهد انزياحات كثيرة عن دوره التاريخي، وانحرافات لم يكن لها من مبرر إلا أن السلطة استطاعت أن تسلبه دوره التاريخي عبر المنح والمنع، فمن قبل المنح من المثقفين وقف غير عابئ بدوره التاريخي على يمين السلطة، ومن رفض المنح استطاعت السلطة أن تهمش دوره وتقصيه، وترسم له صورة باهتة لا قيمة لها عبر وسائل إعلامها المختلفة. وفي الفترات التي كان للمثقف العربي دور حقيقي في المجتمع اتخذ صفات دالة وكاشفة لما ينتظر منه من أدوار مثل : المثقف التنويري و المثقف النهضوي، والمثقف الطليعي، لكن أبدا لم يكن طموح المثقف في تلك المجتمعات النامية المتطلعة إلى الحرية والتنموية أن يصير مثقفا مؤسساتيا يساند السلطة، ويقف على يمينها. لذا من المهم في هذا التوقيت طرح ومناقشة إشكاليات من هو المثقف؟ وما هي الأدوار المنوط به أن يؤديها؟ وكيف يساهم في بناء وعي مجتمعي يؤهل المجتمع العربي أن يشارك في صناعة الحضارة الإنسانية، ولا يظل مجرد مستهلك للمنتج الحضاري العالمي، هذه الخلفية المعرفية هي التي تحكم قراءة كتاب :"واحد مصري، خطاب مفتوح إلى رئيس الجمهورية " الذي صدر حديثا عن دار صفصافة بالقاهرة للشاعر والكاتب وليد علاء الدين.
خطاب مفتوح إلى رئيس مصر، يوجهه له "واحد مصري"، وفيه رسالة واضحة وهي أن من يحب مصر والمصريين عليه أن ينتقد أداء النظام الحاكم، أيا كان هذا النظام، وأن من يحبهم فعلا عليه ألا ينفخ في بالونات الوهم لديهم حتى لا يختنقوا بها. حاول الكاتب أن يجيب عن سؤال المثقف وعلاقته بقضايا وطنه، وعلاقته بالسلطة.و يقدم للكتاب الدكتور أيمن بكر بمقدمة طويلة لا يتحدث فيها عن جماليات الكتابة عند وليد علاء الدين فقط، بل يستجلي فيها دور المثقف الذي بدأه بحوار مهم بين مشيل فوكو وجيل دولوز عن الدور السياسي للمثقف، فيرى فوكو أن المثقف حين يسهم في المشهد السياسي إنما :"هو نتاج ملمحين مختلفين لفعاليته: الملمح الأول هو موقعه كمثقف في مجتمع برجوازي، ضمن نظام إنتاج رأسمالي بما يفرزه أو يفرضه هذا النظام من أيدلوجية، يتحدد هذا الموقف بمدى شجاعة المثقف،فقره، قدرته على الرفض، عنصريته، لا أخلاقيته..ألخ، والملمح الثاني هو قدرة خطابه على توضيح حقيقة معينة ، من شأنها أن تفضح علاقات سياسية لم تكن محط شك من قبل".
ويرى أيمن بكر أن الملمحين يتحكمان في إسهام المثقف سياسيا من وجهة نظر فوكو، وما يعنيه هو ما يمكن أن ينيره الحوار الدائر بين فوكو ودولوز في تجربة وليد علاء الدين كمثقف قرر أن يلعب دورا ثقافيا وسياسيا في آن، واختار لهذا الدور شكل المقال الأسبوعي.
وقد كان وليد علاء الدين قد بدأ كتابة مقال أسبوعي في جريدة "المصري اليوم" وهي تعد من أوسع الجرائد المصرية اليومية انتشارا، مما يشير إلى تأثير كتابة مقال أسبوعي فيها من إقامة جسر من التواصل بين وليد علاء الدين الذي يمثل المثقف، وبين القارئ لجريدة يومية الذي يمثل الشعب، وأهمية طرح قضايا خلافية يقوم فيها المثقف بانتقاد السلطة، وما يطرحه ذلك من تساؤل حول طبيعة المثقف والسلطة.
في مقدمة الكتاب يطرح علاء الدين تساؤلا مهما حول طبيعة المقال الصحفي وقدرته ليس على التاثير الوقتي في القارئ وإنما على طرح الأسئلة، وإثارة قضايا خلافية، وقدرة هذه القضايا على تطوير الوعي لدى القارئ العام:" كثيرٌ من مقالات الرأي تحمل أفكارًا تكتسب أهمية تفوق بكثير وقتها، لأنها تتعامل مع الأحداث اليومية بوصفها مثيرات تفتح الحديث في أمور لا مفر من مناقشتها وطرحها واقتراح حلول لها، أمور تتجاوز اليومي والخبري لتبحث في ما هو أعمق، في ما إذا لم ننتبه إليه فسوف يتكرر الحدث مرات ومرات ونظل نراه يتكرر كثيرًا إلى أن يقع في دئرة المعتاد وننسى بالأصل كيف نفكر فيه. ..هل يصبح النشر في كتاب محاولة لتمديد مساحة الأمل في أن تعثر الفكرة في قارئها ذات يوم؟ نعم، هذ الكتاب هو محاولة للتشبث بحبال الأمل، هو رسالة مفتوحة لشاب مصري ربما يكون ذات يوم رئيسًا لمصر بعد أن نجح المصريون في كسر طبيعة العلاقة بين الحاكم والمحكوم".
ليس الانشغال بالشأن المصري مقتصرًا على الباحثين السياسيين، وليس كل حديث في شأن مصر هو حديث سياسة، وليست السياسة شأنًا قاصرًا على فئة بعينها وليست هي الحكم فقط، الشأن المصري هو المجال الذي يحق لكل مصري- بل يجب عليه- أن يهتم به، كل واحد من زاوية نظره وبخبراته المختلفة، لذا يرى الكاتب أن من حقه كواحد مصري أن ينشغل بكل ما يعانيه وطنه من مشكلات، ويحاول أن يفكك كل القضايا التي تتحكم في مصير الوطن في لحظته الفارقة:"في هذا الكتاب، أنا "واحد مصري"، وهي صفة تثير الفخر في جنبات روحي، ولكنها كذلك تثير بداخلي غيرة على حال المصريين الذين يستحقون الأفضل. نحن نستحق الأفضل، وهذ الكتاب إنما هو ممارسة لواجبي وحقي في الاهتمام بالشأن المصري سعيًا وراء هذا الأفضل. وسوف أترك التواضع جانبًا لأقول إن ما تضمه دفتي هذا الكتاب هو أفكار لا تموت، ولا تسقط بالتقادم، ولا تنتهي بانتهاء الحدث الذي أثارها، هي صحيح شحنات عاطفية قد يصفها البعض بالانطباع، ولكن من قال إن الانطباع عيب طالما هو خارج عن خبرة ودراية وراءهما اجتهاد في الفهم والتحصيل، وقبل كل ذلك نية صادقة!".
يرى أيمن بكر أن أكثر ما يميز أسلوب وليد علاء الدين في كتابه تلك السردية التي يتخذها طريقة جمالية لعرض أفكاره، فمن يقرأ مقالات وليد سيلحظ انسياب اللغة بلا عنت أو تكلف، ما يعني انسياب الأفكار بوضوح يسمح لك بمعارضتها. ولعل قدرة الوعي على إنتاج أفكار قابلة للنقد من المعايير الأساسية في صلاحية هذه الأفكار وقدرتها على التأثير في وعي القراء. وبعيدا عن الوصف المجرد أود هنا الوقوف عند ملمح رئيس تكاد مقالات هذا الكتاب تجتمع حوله ألا وهو القالب السردي الذي اختاره علاء الدين ليطرح من خلاله أفكاره الناقدة. يمكن تقريب كتابات وليد النقدية هنا من نوعين سرديين هما القصة القصيرة والمسرحية. لوليد علاء الدين خبرة في الكتابة السردية، حيث فاز في العام 2006 بجائزة الشارقة للإبداع العربي بمسرحيته ""البحث عن العصفور.
يضم الكتاب ثلاثة أنواع من الكتابة - القاسم المشترك بينها - بخلاف المؤلف هو الانشغال بالشأن المصري في أبعاده المختلفة.

يضم القسم الأول مجموعة مقالات الرأي التي انتظم الكاتب أسبوعيًا في كتابتها لصحيفة "المصري اليوم" على مدار عام "من مارس 2014 إلى مارس 2015"، ثم يأتي القسم الثاني ليضم التدوينات التي نشرها الكاتب على صفحته على الفيس بوك منذ اندلاع الثورة حتى تاريخ البدء في كتابة المقالات، وتأتي هذه التدوينات لتعبر عن موقف الكاتب من أحداث ثورة يناير 2011 ، ويرى أن نشر هذه التدوينات ربما تساعد الباحثين في قراءة تاريخ الثورة وأنها رافد من روافد كتابة هذا التاريخ.

يأتي القسم الثالث من الكتاب ليظهر شخصية الباحث الأكاديمي التي يتمتع بها وليد علاء الدين، فهذا الجزء هو دراسة علمية جادة بعنون "صدمة اكتشاف وهم الصورة الذهنية" سبق للكاتب أن نشرها في مجلة أدب ونقد المصرية ، محاولا فيها أن يكشف عن تحولات الشخصية المصرية، انشغل بها الكاتب منذ عام 2003م مأخوذًا بقدر التوحش الذي لاحظ انتشاره في الشارع المصري، وسمحت له غربته منذ عام 1997م بالانتباه إليه، في حين لا ينتبه إليه -بهذا القدر من المفارقة- هؤلاء المغروسون في ترابه أو من شملهم التحول في طريقه. وهي دراسة ما زالت مفتوحة على المزيد من العمل والبحث.
يبدأ وليد علاء الدين مقالاته بشكل تنازلي، فقد بدأها بآخر مقال قام بنشره في جريدة " المصري اليوم " في منتصف مارس 2015 متزامنا مع المؤتمر الاقتصادي الذي تم في مصر" آية ..والمؤتمر الاقتصادي"، يطرح فيه رؤيته للمؤتمر، وما ينتظره منه كواحد مصري، ثم بدأ يعود في الزمان بالترتيب، ليقدم لنا مقالا نشر في 9 مارس من ذلك الشهر، وهو بعنوان:" المتباكون على الخلافة العثمانية! وفيه يستجلي تاريخ الخلافة العثمانية، ويعود في التاريخ ليسرد حقائق عن " الخلافة" وعلاقة الأسرة العلوية والأزهر والمحتل الإنجليزي منها في نهايات القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين، ثم يعرض بشئ من التفصيل والتحليل الدقيق لكتاب "الدولة العثمانية المجهولة" للباحث أحمد آق كوندز، ويرد فيه على مزاعم الباحث في قضية " الخلافة". ثم يواصل العودة في الزمن، ليقدم لنا مقالا بتاريخ 17 من فبراير ، وهو بعنوان:" الأزهر وجرائم الدواعش!، وفيه يكشف عن أزمة الأزهر وموقفه من الفكر الداعشي، ويعرض لموقف الأزهر من المفكر علي عبد الرازق، وإشكالية كتابه " الإسلام وأصول الحكم" الذي نفي فيه وجود فكرة الخلافة في الإسلام.
ثم يرجع أيضا بالتاريخ ليقدم لنا مقالا نشر في 9 فبراير بعنوان:" بمناسبة الدم ..خطاب مفتوح للرئيس" وفيه يستجلي وليد علاء الدين بداية القتل وممارسة العنف الذي مارسته جماعة الإخوان المسلمين وما حدث إسالة دماء في فض اعتصام "رابعة "، وما تلى ذلك من عنف موجه ضد الدولة والشعب، ويطالب الرئيس أن يقدم من أخطأ ومن أجرم للمحاكمة:" خطاب مفتوح للرئيس :
سيدي الرئيس، نعرف أنك لم تَعِد المصريين سوى بالعمل، وأنك كنت واضحًا منذ البداية في حديثك عن "الإرهاب المحتمل"، ولا نشكك في النوايا ولا نعتقد أبدًا أن الدم وسيلة لاستعادة النظام - كما يروج المغرضون ويسوقون الكثير من الشواهد التي يمكن أن تكون خادعة.
ولكن وسط هذه الفوضى سوف تفقد الكثير من المؤمنين بك، بسبب المحيطين بك.
أرجوك، من فضلك، كن حاسمًا وواضحًا، مع حكومتك، كما كنت حاسمًا وواضحًا معنا، اطلب منهم أن يعملوا على كشف الجناة بدلًا من التبريرات الغريبة التي يروجون لها في وسائل الإعلام في أعقاب كل واقعة تسقط فيها الضحايا على مرأى ومسمع من الناس، وسط مئات الجنود من الشرطة والجيش! كأن "اللهو الخفي" يملك مصنعًا لطواقي الإخفاء" .
وهكذا يواصل الكاتب مقالاته في عام كامل، ثم ينشر تدويناته على موقع التواصل الاجتماعي وينهي الكتاب بذلك المقال المنهجي عن التحولات التي طالت الشخصية المصرية، وأسباب هذه التحولات:" وفي اعتقادي أن الأزمة الحقيقية تكمن في المرحلة الحالية التي ينبغي الانتباه إليها وهي مرحلة تلقي الصدمة التي بدأ المجتمع المصري يتعرض لها بالفعل، دون أن تكون هناك محاولات لتوقع وقياس ردود الأفعال على تلك الصدمة، وبالتالي غياب سيناريوهات متماسكة للتعامل معها، والتجهيز للتحولات المذهلة التي من شأن هذا الانفتاح الصادم أن يحدثها في طبيعة وتركيبة الشخصية المصرية واضعين في الاعتبار ما عاشت عليه تلك الشخصية طوال عقود من أوهام التفرد والسبق والريادة".
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مقال نشر في مجلة أدب ونقد، عدد سبتمبر 2015










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المحكمة العليا تنظر في حصانة ترامب الرئاسية في مواجهة التهم


.. مطالب دولية لإسرائيل بتقديم توضيحات بشأن المقابر الجماعية ال




.. تصعيد كبير ونوعي في العمليات العسكرية بين حزب الله وإسرائيل|


.. الولايات المتحدة تدعو إسرائيل لتقديم معلومات بشأن المقابر ال




.. صحيفة الإندبندنت: تحذيرات من استخدام إسرائيل للرصيف العائم س