الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العشيرة..أم القضاء

جمال الهنداوي

2015 / 9 / 22
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


لا يمكن انكار المكانة الوازنة للعشيرة في النظام الاجتماعي العراقي, ومن الخطأ التغافل عن الحالات الكثيرة التي كانت فيها الاعراف والسنن العشائرية هي الفيصل الاهم في حل النزاعات بين افراد المجتمع خصوصا مع غض النظر البراغماتي من قبل الدولة عن زيادة النفوذ العشائري والجاذبية التي تمثلها النزعة التصالحية لغالبية مثل هذه الحلول التي عوضت كثيرا عن خلل العلاقة بين المواطن والقضاء الرسمي, بسبب تشابك وتعرج مسالكه وبيروقراطيته العضال, والاهم القناعة الواسعة باستشراء الفساد والمحسوبية فيه.
ولكن تلك المكانة والايجابيات التي يحاجج بها مؤيدي التقاضي العشائري لا يمكن لها ان تحجب تأثير مثل هذه الظواهر على البنى الحضارية للمجتمع العراقي, وقيمه المدنية والديمقراطية من خلال التشويش على مركزية السلطات الادارية والسياسية والدفع تجاه التخندق خلف مرجعيات غير متفق عليها -بالضرورة- مما حدا بالعديد من الرموز الفكرية والسياسية لاثارة العديد من التساؤلات -ومنذ فترات ممعنة في القدم- حول هذه الممارسة من جانب تأثيرها على مبدأ سيادة القانون وتحقيقا لمنتهياته العليا في تحقيق المساواة والعدالة الاجتماعية.
وهذا الجدل العتيق قد يكون خلف الاستغراب من قيام ممثلي الشعب الى الاحتكام لـ"ألسنينة" العشائرية في التقاضي فيما بينهم دون الالتفات للرسائل السلبية التي تقدمها مثل تلك الممارسات- بل قد تكون التفلتات- على مجمل عملية بناء الدولة والاسس الديمقراطية والتي يكون اولها تدعيم وتحصين المؤسسات القضائية والقانونية في البلد وضمان استقلاليتها..
وان كان هناك بعض الفسحة لتقبل الامر -ولو على مضض- في قضية اتهام السيد ابو كلل بالاساءة الى النائبة حنان الفتلاوي للطبيعة الشخصية للموضوع, الا ان الطبيعة الجنائية للاتهام الخطير الذي ساقته السيدة النائبة عواطف نعمة لافراد حماية السيد وزير التربية محمد اقبال يجعله تحت طائلة الحق العام الذي ليس للعشيرة, بل للدولة العراقية, والدولة فقط, حق البحث والتحقيق فيه..
وهنا يجب ان نلاحظ ان القضية قد اخذت مداها الكامل على المستوى القانوني والسياسي من خلال قيام مجلس النواب بتكليف لجنتى الأمن والدفاع والتربية النيابية بمتابعة حادثة الاعتداء على النائبين حيدر المولى وعواطف نعمة، والتأكيد على ضرورة محاسبة كل من يثبت تورطه فى الحادثة فى أسرع وقت ممكن.واعتبار ان الاعتداء على نواب الشعب " بمثابة اعتداء على المؤسسة التشريعية وانتهاك صارخ على القانون، والدفاع عنه إنما هو دفاع عن المواطن العراقى الذى يمثله النائب". اضافة لمبادرة وزارة الداخلية بتشكيل لجنة تحقيق في الحادث للوقوف على ملابسات الحادث والاعلان عن " تم اتخاذ الإجراءات القانونية بحق قوة الحماية المكلفة بحراسة وزارة التربية وفق الأصول المرعية بهذا الشأن"..رغم تأكيد الناطق باسم عمليات بغداد ان الحادث لم يكن"محاولة اغتيال أو اختطاف" بل هو مجرد " احتكاك ما بين أفراد حماية مبني وزارة التربية وأفراد الحماية الشخصية للنائبين".. وهو ما سمعنا عنه وامثاله الكثير..وهو ما قد يجعل الالتجاء الى العشيرة -ومن خلال الفضائيات-اشعارا واضحا بعدم ثقة ممثلي الشعب بالسلطات التنفيذية والمؤسسة التي يتحصلون على شرف تمثيل الشعب من خلالها..او هذا ما قد يتبادر الى اذهان هذا الشعب على الاقل..
إن لجوء الأفراد إلى العشيرة في حل النوازل التي قد تطرأ عليهم يشير بوضوح الى ضعف الدولة في فرض القانون على المجتمع , وهو ما يحتم على السادة النواب تخليق الاليات التي تساعد على تدعيم سلطة الدولة وتعزيز الثقة والطمأنينة بالمؤسسات القضائية والدفع تجاه الاحتكام الى القانون في حل المنازعات لتثبيت هيبة وابوية الدولة في المجتمع, وهذا ما قد يجعلنا نجرؤ ان نرى في لجوء السيدة النائبة الى عشيرتها الكريمة لحسم دعوى ما زالت في طور التحقيق تقويضا مؤسفا لكل هذه الجهود..
ثقتنا بممثلينا تجعلنا نطالب السادة النواب بالتعاطي مع هذه الامور الماسة بسمعة القضاء العراقي بما يتطلبه الامر من حرص وتفانٍ في اعلاء كلمة القانون وبسط سلطة القضاء على جميع افراد الشعب, وتلك الثقة نفسها هي ما تدفع بنا الى الأمل بان تكون هذه الحادثة هي اخر المطاف في مسلسل اللجوء الى الاحكام العشائرية- عبر وسائل الاعلام المفتوح- في حسم القضايا الجنائية, او العمل بقاعدة (اذا بليتم..) على الاقل..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وسام قطب بيعمل مقلب في مهاوش ????


.. مظاهرات مؤيدة للفلسطينيين في الجامعات الأمريكية: رئيس مجلس ا




.. مكافحة الملاريا: أمل جديد مع اللقاح • فرانس 24 / FRANCE 24


.. رحلة -من العمر- على متن قطار الشرق السريع في تركيا




.. إسرائيل تستعد لشن عمليتها العسكرية في رفح.. وضع إنساني كارثي