الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ذاكرة بطعم الكتب

رفقة رعد

2015 / 9 / 24
الادب والفن


كانت تبعدني خطوات قليلة عنه ، حيث كان يجلس عندما كنت احدق بالأقلام الملونة و ملصقات الدفاتر الكارتونية و اخذتني الوان المساطر و الأغلفة في زقاق ضيق لا يسع بعرضه إلا لشخصين ، شارع يريد ان يستشعر مارته نفراً نفرا ، و ليدع ذاكرة المكان تتغلغل بين ذراتهم فما ان يسيروا فيه يعودوا إليه .. وهذا ما جعلني افهم كيف اختارت الكتب ان تسكن هناك بتلك الزاوية المصنوعة من ورق ، يتوسطها رجل يعرف كتبه بلمسه ، يطبطب على كل غلاف , بالوزن و الحجم يقيم جمال وأهمية كتاب فيجلسهم على حضنه , عشرات الكتب , ينام على بعض و يتوسد بعض و يأكل على بعض و يحكي مع بعض عن جلبابه المهترى كما يهترى اي كتاب يستعمل كثيراً أو يترك للزمن ، يتسائل في هدوئه كيف اقتات هو وولده من الورق ؟ ام تراها الكلمات هي من البست ابنه هذا الثوب و اطعمته من جوع و قادته إلى المدرسة !
ذلك الرجل القديم يزكي امواله بالكتب ، كأنه يقايض يعطيك كتاب تعطيه حفنة تمر أو غرامين من الكركم ، يده تلك السمراء الصلبة تعشق هذا الورق ملمس السعادة , فيمسك بإفواه كل الكاتبين ين يديه و يعتصر كل عقولهم و يطويها ، يجلس عليها أو يتوسدها , و في وقت انتظارهِ ينكز احد كتبه ليُصحيه كي لا يغفى حينما يأتي زبون لينقب فيه ، فليس من عادة الكتب النوم و الترجيع ، لتقوم بواجبها على اتم وجه.
اخذ منظره يتماهى مع كل شيء , لونه من لون القاموس وبشرته كبشرة كتب التاريخ و نظارته الزجاجية كنظارة فرويد المنسوخ على كتابه الحرب و الموت و الحب ، يسند ظهره على باب حديدي لمحل بين عامودين من الطابوق الأصفر القديم ، فتتوزع الكتب بين جانبيه ليس لها مكان بين الرفوف، وهل عناوين الكتب كتبت ليحميها سقف أو ليغطيها باب ، مكانها المكشوف هذا هو ما يدركه بائع كتب حقيقي ، يدرك ان المارة لا يقتفون أثار كتاب بين الزجاج مسجون و بين الخشب يضطجع ، هم يقتنصون بأستدارة اعينهم بكل الاتجاهات ما يريدون ، وهذا ما جعله يختار هذا الركن من العالم ، زاوية ورقية خفيفة ، وما احلى الزوايا الخفيفة التي لا تثقل ظهورنا بالهم بل على العكس نحن من نثقلها اذا ما فهمنا مقصد الكلام بغباء .
كما لكل وطن ما يميزه فقد كان هو ما يميز وطني ، بجماله البسيط الشفاف ، كرجل يزرع الرز في التبت أو رجل عجوز يعزف لطفل معاق ، صورة صياد يخيط شباكه و صورته وسط كتبه المكدسة ، هناك مركز الكون والكتب تحوم من حوله.
تجده في كل موسم , في الصيف يلبس كتاب واحد و في الشتاء يلبس كتبه كلها , واحياناً ترتفع ليصنع منها ساتر لا يظهر منها إلا وجهه ، هي مدفئته و براده و مسبحة قديمة يحفظ بها أسماء الكتب, فهناك تلة قواميس طبية و تلة كتب فلسفية وتلة كتب سياسية وتلة اخرى للاطفال ومجالات أزياء قديمة و اغلبها باللغة الانكليزية , تعطرها سجارته فتكتسب رائحتها الخاصة ، ماركتها المسجلة بطبعة اصابعه ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - شهادة لما نعيش
حمودي الحبابي ( 2015 / 10 / 23 - 17:56 )
نصّ أدبي جميل. كنتُ بدأت بقراءة مقالات لـ رفقة رعد منذ أواسط عام 2012 وتعجبني كثيرا أفكارها وروحها الأدبية. لغة رشيقة غير متكلفة وعميقة في ذات الوقت. أسلوب بدون ادعاءات كبيرة صاخبة لكنه يصل إلى القلوب والعقول. أتمنى لـ رفقة رعد النجاح المتواصل وأرجو أن تتحفنا في يوم ما قريب بشهادة عمّا يجري في العراق في الفترة التي أعقبت سقوط النظام السابق، فرغم كل الكتابات لا نكاد نعثر على شهادة حقيقية عن هذه الفترة التي بدأت تصبح تاريخا شيئا فشيئا. أنا واثق أن رفقة قادرة على تأليف كتاب يوثّق هذه، تلك، المرحلة ويجعلنا نفهم بعض ما جرى لنا.
أجمل التحيات لـ رفقة من حمودي


2 - شكرا جزيلا
رفقة رعد ( 2016 / 2 / 20 - 21:00 )
شكرا استاذ حمودي على حروفك و إطراءك ، يسعدني انك متابع بصمت طوال هذا الوقت ، بالنسبة لاقتراحك انا افكر منذ زمن بالموضوع ، و الصعوبة تكمن في صدق ما يجب ان نجمعه عن هذه الفترة وسط الفوضى التي يعيشها العراق ، يكاد يكون فهم الواقع والإلمام بكل جوانبه صعب جداً حتى على الذين يعيشون داخله ... تحياتي و سلامي

اخر الافلام

.. من الكويت بروفسور بالهندسة الكيميائية والبيئية يقف لأول مرة


.. الفنان صابر الرباعي في لقاء سابق أحلم بتقديم حفلة في كل بلد




.. الفنانة السودانية هند الطاهر في ضيافة برنامج كافيه شو


.. صباح العربية | على الهواء.. الفنان يزن رزق يرسم صورة باستخدا




.. صباح العربية | من العالم العربي إلى هوليوود.. كوميديا عربية