الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قراءة في رواية شاكر نوري ..- جحيم الراهب - .. التجديف خارج المتن السردي !!

محمد مزيد

2015 / 9 / 26
الادب والفن


في الاعمال الروائية التي تغيب فيها ( الحذاقة ) السردية ، وتعتمد على ( الهرطقة ) ستكون امامك محنة حقيقية في القراءة ، لاسيما اذا وقعت بين يديك رواية لكاتب تعتقد انه ( محترف ) وسبق له ان اصدر ربما اكثر من عشر روايات في هذا المجال ، ومازال يجدف في بحر الروائيين، ولعل رواية ( جحيم الراهب ) لشاكر نوري تصب في ها الاتجاه الذي ساقته هذه المقدمة .
هذه الرواية تمتاز بالافتعال والتراخي والضعف السردي ، كتبها الصحفي المعروف شاكر نوري ، متوقعا ان تثير في المتلقي البحث عن اسئلة ذات اشكالية حول الله ؟ وتتفرع منها اسئلة اخرى ، حول الذات الانسانية ؟ وكيف يمكن ان نجد انفسنا ، أفي الديانة والتمسك بالعقائد والتماهي بالرسائل الغيبية ، ام في البحث عن الماهيات والاخلاقيات والفلسفات الوجودية التي لم نصل الى يومنا الى الاجوبة المقنعة حولها ؟
ما سأذكره هنا سيثبت لماذا هي تجديف خارج المتن السردي ، فرواية " جحيم الراهب " التي صدرت عن شركة المطبوعات للتوزيع والنشر تأخذنا في سياحة متعثرة ،مفتعلة ، يشوبها القهر والتسقيط الى قلب هذه الاسئلة التي ذكرناها ، عبر ايقاعات اشكالية ، استفزازية ، يتوقع الروائي انها ستكون صادمة ، تتداخل فيها خطوط السرد بلعبة ميزتها عدم القدرة على الالمام بحذاقة الفن الروائي وقواعده المتعارف عليها ، بأسلوب يغلب عليه الاسترجاع او ما يسمى الفلاش باك ، وتثير لدى المتلقي نوعا من الحيرة والارباك والغموض ، التي هي نفس حيرة وغموض الاسئلة التي تقدمنا بها.
في تلخيص بسيط تقول الرواية انها تبحث عن الآباء الاشوريين الذين هربوا من بلاد وادي الرافدين واسسوا دير الايقونات في بيروت للحفاظ على هويتهم الشرقية ، وتكتشف من خلال الخوض في اعماق النص ان استلالا ناتئا مأخوذ من وثائق تبحث في هذا الامر ( ثلاثة ارباع الرواية هي وثائق مستله من بطون الكتب )، ويمكنك ان تتلمس بسهولة الضعف بين اداء الروائي و " حشريته " المفتعلة والنص المأخوذ – الوثيقة التي استل منها تلك المعلومات الغزيرة ، ويشرح السارد ( شاكر نوري ) أن الاب جوزيف الراعي الشيوعي هرب من قريته " مركا " في سهل الموصل الى بيروت ، وهناك بدأ بتأسيس " دير الايقونات " ، وسبب هروبه يعود لقتله احد اللصوص من عشيرة اخرى .
وهناك سارد آخر ، ولعله سيكون صوت الروائي نفسه او بعضا مما في نفسه يروي احداثا مر بها ليبث نوعا من سيرته " المفتعلة " بصيغة انا المتكلم وهو مسلم اسمه اسحق اعتنق المسيحية للخلاص من الظروف الصعبة التي عاشها في بلاده ، فالتجأ الى دير الايقونات في بيروت بحثا عن اوراق ثبوتية لاثبات وجوده الانساني ويعيش فيه سبع سنوات وهو يتدرج في الرهبنة حتى وصل مرحلة مكنته من الارتقاء في عالمها الشائك لتقديم اطروحته الاشكالية ليواجه بها الفاتيكان .. طبعا صعوده الى هذه المرتبة تشعرك بغياب ابسط مقومات التنامي السردي الا وهو التمهيد ما يعني حذلقة ما يقدمه الروائي من نتائج وخواتيم .
مثل هكذا نوع من التلخيص بالتأكيد لا يعطي الرواية حقها التي بنيت على " اطارية " ، كما اسلفنا ، تدور في الاسئلة المهمة والخطيرة ، وقد تكون بعيدة عن تمثلاتها الاشارية ، او تلميحاتها المبطنة التي تفضي الى المزيد من التعقيد والتشابك اكثر مما تطرح الاجابة التي تقربنا من الحقيقة ، وهي تلميحات واشارات غالبا ما تؤدي الى تشتيت ذهن المتلقي وحرفه عن متابعة جوهر البحث " الروائي " ، وتبعده عن سعيه لالتقاط بثها في متون تلك الخطوط السردية التي تدحرجت كراتها الثلجية باتجاه الهدف المرسوم للعمل الروائي برمته .
فالرواية ، تزعم انها ذات اطار فلسفي - اخلاقي – وجودي ، نهل الروائي معظم اشاراتها ، من بطون الكتب والوقائع التي خاضها المكون المسيحي في نشر رسالته داخل بلاد الرافدين ، وهنا لابد من الاشارة الى ما نسميه التسقيط في استعراض تاريخية العلاقة بين مسيحي الشرق والغرب والانشطار المذهبي القائم بينهما حاليا وقد اخذ هذا الاستعراض ثلثا الرواية ، ففي الاطار الاخلاقي يطفو الى السطح ما تسميه الرواية بالتسامح ، اذ ان قوانين دير الايقونات تقبل بوجود شخص مسلم مثل اسحق لينتمي الى المسيحية ، وهو انتماء اضطراري كما سيأتي كشفه في سياق ما يبثه النص ، جُعل " هذا الاضطرار " ليجسد " التسامحية " بقبول هذا المسلم ضمن الدير ومن ثم تدرجه في المجاهدة والصوم والصلاة والتقشف والفقر والعزلة والبتولية ، وتزعم الرواية ان هذه هي الفكرة الرئيسية التي بنيت عليها المسيحية الاشورية الشرقية التي تهدف الى مخالفة ما انتجته المسيحية الغربية في الفاتيكان من عقائد تتعارض مع الاشورية ومع قيم المسيح المبنية في الاطار " التسامحي " والذي يشير الى الانفتاح على كل ايقاعات الحياة الجمالية كالزاوج والعشق والحب والعمل في كل شؤون الحياة ومنها حراثة الارض كما فعل رهبان دير الايقونات .
وفي الاطار الوجودي ، سنجد رحلة جوزيف الراعي الذي كان شيوعيا في وقت مبكر من حياته ( هذه واحدة من الافتعالات السردية القهرية المزرية التي حفلت بها الرواية ) ،كان قد تزوج ارملة صديقه سيسيل بعد مقتله على يد قناص في حرب ايران ، ومن ثم رعايته لبناتها الثلاث وبعدها هروبه من قريته مركا الواقعة في سهل الموصل ، بسبب مواجهة لصوص ارادوا سرقة أغنامه فقتل أحد أولئك اللصوص . هذه الرحلة ، لعلها ستكون واحدة من الثيمات الرئيسة في استنطاق الاسئلة الاشكالية في البحث عن الناموسية الالهية ، طرحها شاكر نوري في لعبته المفتعلة مع رشقات سردية و مبثوثات يجتزئ فيها من سيرة هذا الراعي ما يلائم مخططه ، فالرسام اسحق ، الذي هو بعض ما في نفس الروائي شاكر نوري ، يرشقنا بخبطات لونية بالغة السوء ، بالغة الفجاجة عن حالة جوزيف الموسيقي الشيوعي المترهبن على امتداد 220 صفحة ، وتتموضع هذه الخبطات اللونية بهروب اسحق من بغداد ومقتل ابن اخته الذي رافقه في رحلته وصولا الى دمشق التي سجن فيها لانعدام وجود الاوراق الثبوتية وخروجه بعد سبع سنوات من السجن مسببة له المعاناة.. وقد حاول الروائي ان يجعل رحلة اسحق تتماهي مع رحلة جوزيف ، عبر ايقاعات ، جاءت تتناغم بينهما بافتعال واضح .
وفي الاطار الفلسفي سنجد الاب جوزيف قد تزوج سيسيل الارملة التي كان زوجها صديقا له وتكفل برعايتها مع بناتها الثلاث ، والذي هرب بمساعدة الاب " مار يوسف " بعد أن اواه في الدير طوال فترة هروبه درءً من الثأر به، هذا الهروب الذي حصل له من الموصل الى بيروت ادخله الى الرهبنة لانه وجد فيه الخلاص الانساني لحياته ( طبعا هناك مشاهد مثيرة للضحك وغير مقبولة ادرجها الروائي في كيفية رهبنة جوزيف ) ، ليحاول من خلاله ان يطرح اشكالية التحول في العقائد والقبول بما تفرضه قوانينها في الدير والتماهي بها الى حد الارتفاع والانطلاق الى الاجابة عن الاسئلة الكبيرة المهمة في البحث عن الذات الالهية .. ثم الاتقان والصعود في العرفانية الرهبانية الى مستوى بلغ بها حدا جعلت الفاتيكان تناقش طروحاته ومن ثم محاكمته واتهامه بالهرطقة !!
مستويان من البث السردي ، سار بهما الروائي ، ترك بينهما علامات واسماء واشارات حاولت ان تنهض في الوصول الى الهدف الذي كان ينشده ولكنه فشل فيهما فشلا ذريعا في اقناعنا بقبولهما لشروط الاتقان في اللعبة الروائية ، هذان المستويان ، يفترقان ويلتحمان ، كل حسب معطيات كرات الثلج الصغيرة المبثوثة هنا وهناك من القول السردي ، وما تركه نفعهما او ضرهما في خطاب المتن الحكائي كله ، وما تحمل خاصية ودلالة كل كرة ثلجية من تلك الاشارات في تثويرها المخيال الروائي لتمتين حقولها الاجرائية ، فسيسيل التي تزوجها جوزيف ، كانت حبلت باسكندر ، في وقت هروبه من الموصل ، و لانعرف بعدئذ بالمصير الذي لقيه الابن الا في وقت متأخر من النص وبطريقة ناتئة لا مبرر لها ، وثمة جريمة قتل تمت ضد الاب شربل المفاجئ داخل الدير بدون تمهيد ثم لا نعرف من الذي قتله ، ولماذا قتل ولماذا الشرطة جاءت وذهبت من دون ان تتمكن من الوصول الى الجاني ، اما الرسائل التي كتبها جوزيف الى اسحق والتي يسلمها له الاب سامر في المطار فهي واحدة من التسقيطات السمجة التي حفلت بها الرواية ، ثم هجرة الاشوريين من بلاد الرافدين في وقت الانتداب الفرنسي وفي تعداد عام 1932 حينما اعتبروا لبنانيين بالرغم من انهم بدون هويات ، تهمة الشيوعية طاردت الاشوريين لكون بعضهم جاء من روسيا ، كل هذه المبثوثات جعلت البطل اسحق يتنكر بجبة الكاهن فوجد نفسه مختبئا تحت ثياب الكهنوتية المزيفة !!
زمن الرواية ثلاث ساعات ، هي رحلة اسحق بطلنا الى الفاتيكان بعد حصوله على الجواز الاحمر الذي سيمكنه من الوصول الى اوروبا هدفه المنشود ، كما هي رحلة الاب الحقيقي " جوزيف في الارتقاء بدير الايقونات ، رغم ان دوافع انصهاره في الرهبنة كانت ابعد من الفطرة التي اشرنا اليها ، هذه الساعات الثلاث سنرى اسحق يتمنى فيها العيش بلذائذ الحياة والرسم والصعلكة ومطارحات الغرام ، وظهر ذلك من لحظة صعوده الطائرة التي وجد ان المضيفة الجميلة فيها تغمز له بالنزول معها في الفندق الذي ستسكنه ( انظر الى الافتعال والتزويق كيف يكون شكله ) حيث تتواعد معه بعد ان استبدل جلباب الرهبنة بالملابس المدنية الانيقة في حمام الطائرة .
ماذا يمكن ان تقوله الرواية في المآل الاخير ؟ حسب ظننا ان شاكر نوري اراد ان يطرح اسئلة من دون ان يتمكن من الاجابة عنها ، فضلا عن انه اراد ادانة تهجير المسيحيين في بلاد الرافدين وقتلهم ومطاردتهم من قبل العصابات الاجرامية ( وهنا نعثر على قمة في الافتعال والغمز الذي يبدو ان الروائي يجيده كثيرا ) ، مشيرا الى ما حصل في كنسية النجاة في بغداد ، وقد مر عليها مرور الكرام برشقة سردية لا تخلو من الفجاجة .
لابد من البيان في الاخير ان الرواية تركت اسئلتها على قارعة الطريق وعلى المتلقي ان يبحث عن الاجوبة الشافية لينتج من خلال فعل القراءة قراءته الخاصة في البحث عن ذات الروائي القلقة ، هروبا من الجحيم الارضي المنصوب فخاخه لعابري السبيل في هذه الحياة .
" جحيم الراهب " .. التجديف خارج المتن السردي !!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كل يوم - لقاء في الفن والثقافة والمجتمع مع الكاتب والمنتج د/


.. الفنان أحمد سلامة: الفنان أشرف عبد الغفور لم يرحل ولكنه باقي




.. إيهاب فهمي: الفنان أشرف عبد الغفور رمز من رموز الفن المصري و


.. كل يوم - د. مدحت العدل يوجه رسالة لـ محمد رمضان.. أين أنت من




.. كل يوم - الناقد الرياضي عصام شلتوت لـ خالد أبو بكر: مجلس إدا