الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كفاح الشعوب بين عصر المقاومة وفقه المساومة

خالد فضل

2015 / 9 / 28
مواضيع وابحاث سياسية



المتأمل في كفاح معظم شعوب العالم الثالث خلال القرن الماضي ,يلحظ , أنّ ذلك الكفاح قد ارتبط بأدب مقاومة جاد وحقيقي لأوضاع استثنائية كانت سائدة وما تزال بعض مترتباتها تسود حتى الآن . وبخاصة في قارة افريقيا والعالم العربي . بينما تحوّل ذلك الأدب النضالي الرفيع منذ سنوات القرن الأخيرة ومطلع القرن الحالي الى ما يمكن تسميته ب (فقه المساومة).
كانت معظم دول افريقيا والبلدان العربية , تخضع للحكم الاستعماري المباشر بوساطة الأوربيين من مختلف دولهم , ولذلك اكتسبت حركات المقاومة صدقيتها وامتدادها الأفقي , مع تأييد واسع وحماس منقطع النظير لأطروحات حركات المقاومة التي كانت تشكّل بؤر الأمل في الانعتاق والحرية والشعور بالكرامة والعزّة الانسانية , وشكّل قادتها الصورة الذهنية للبطل والبطولة , وحفروا عميقا في وجدان تلك الشعوب معاني الفداء والتضحية من أجل الوطن الحر والشعب السعيد, كما كانوا مصادر إلهام للشعراء والكتّاب والأدباء والمغنيين . لقد كانت صور الحياة في الوطن تمتلئ بالاحلام والوعود النبيلة , لهذا لم يكن أحد يلتفت للأخطاء الفادحة في مسيرة ذلك العمل الثوري , إذ كانت تكفي الشعارات وحدها لحشد التأييد دون غوص وتمحيص فيما يقدّم من أطروحات , كما كانت الشعارات على درجة عالية من الوضوح والمباشرة بحيث لم تكلّف كثيرا في تبنيها , خاصة وكاريزما القادة ترفعهم في نظر الجماهير الى مصاف القديسين , لقد كانت أسماء نايريري , وسيكيتوري, وجومو كينياتا, ونكروما, وعبدالناصر, وبن بللا ,وسنغور, ولوممبا , مثلا ؛ كفيلة وحدها باستقطاب حماس الجماهير وتدافعهم للالتحاق بركب حركات التحرر, وتأييد حكوماتها التي تشكلت من رحم النضال والمد الثوري الجارف , ولمّا نالت معظم تلك البلدان استقلالها سلما أو حربا , كانت فجيعة الشعوب في الاستقلال عظيمة لدرجة أنّ كاتبا افريقيا مرموقا ؛ هو أرماه أرماه, كتب رواية ناقدة عنونها ب (الجميلون لم يولدوا بعد ) وفي العنوان ملخص لخيبة الأمل الكبيرة التي ظلّت هي السمة المميزة لأجيال البلدان المُستقلّة (بكسر القاف), حتى نشأت أجيال كافرة بالوطن نفسه , فاختارت اللجوء والهجرة واعادة التوطين في ذات البلدان التي استعمرتهم لعقود من السنوات , بحثا عن سبل الحياة الكريمة , بل بحثا عن النجاة بالروح التي صار ازهاقها أيسر مما كان على عصر الاستعمار , على الأقل كان المستعمر يلاحق بالقتل والاعتقال النشطاء السياسيين والثوار الذين يشكلون تهديدا لسلطاته وسطوته , أمّا وقد نالت البلدان استقلالها , وأسلمها الثوار الى الاستبداد , حتى ضجّ أمل دنقل بقوله الشهير , مبديا اليأس في التغيير , لا تحلموا بعالم سعيد , فخلف كل قيصر يموت قيصر جديد , فقد تفنن الوطنيون في صنوف الإذلال لشعوبهم , كأنّما بينهم وبين شعوبهم ثارات وإحن , وكأنّما تلك الثورات والمقاومة كانت من أجل المجد الشخصي للثوار وحصد المكاسب فوق رقاب الشعوب , لم يعد القتل للموقف السياسي فحسب , بل صارت الحياة كلها سكة خطر , الأدباء والشعراء والصحفيون باتوا على لوائح المطلوبين لمشانق الحكام الوطنيين والمعتقلات صارت نزلا للمبدعين , بل صارت الاثنيات تتقاتل والقبائل تتصارع , وشب وقود الأديان سريع الاشتعال , فارتفعت رايات الجهاد الاسلامي , ومورست عمليات الابادة الجماعية والتطهير العرقي بين القوميات والاثنيات الافريقية , وتوزعت الطوائف أركان المجتمعات الشرقية , لقد ظللت حياة الشعوب ما بعد الاستعمار كل مخازي وبطش الانسان وقسوته عندما ينفلت من لجام القانون , ويفلت من رقابة المجتمع, فلا يعصمه وازع أخلاقي أو تغشاه مسحة روحية من أي معتقد كان , إنّها صور أباطرة تداولوا الاستبداد والقمع والقهر ضد شعوبهم , فحولوها الى شعوب منكسرة الخاطر , ضنينة العطاء بائسة وفقيرة ؛ ليس ماديا فحسب بل الأنكى والأفدح (معنويا) , لقد تباعدت أو تلاشت في الواقع صور التضامن الشعبي الحر والطليق على وقع الشعارات العظيمة بحثا عن الكرامة والحرية والسلم والعدالة الاجتماعية , وصار كل شعب من شعوب افريقيا والعالم العربي ينؤ بثقل همّه اليومي , وتدنت المطامح الى حدود العشيرة والقبيلة والطائفة والعرق وعندما تتسع رويدا تستوعبها جماعات الجهاد ,واساطير جوزيف كوني عن جيش الرب . كل هذا حدث وما يزال يحدث في بلداننا هذه , لقد أعجزت الحالة (الطب والطبيب ) كما في قول سوداني شعبي في مثل مواقف الحيرة هذي , لقد شيّعت النخب الوطنية باللعنات , وسكبت أطنان من المداد في ذمّها والقدح في كل مشروعاتها للحكم , ولحقت اللعنات المؤسسات العسكرية والأمنية حتى لم يبق في جسد الدولة الوطنية مليمترا واحدا لا يستحق اللعنة والتقريع , ولكن ما بال الحال تبلغ حالة (آل بوربون ) الذين لا يتعلمون ولا ينسون ؟ صارت أدبيات المساومة هي العملة الرائجة , كأنّما هناك استسلام جماعي وتسليم بحق الطغاة ليفعلوا ما يشاؤون , وصارت التقية هي حيلة هذا العصر , ما بال الشعوب هكذا , والنخب !!!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مراسلنا: دمار كبير في موقع عسكري تابع لفصائل مسلحة في منطقة


.. إيران تقلل من شأن الهجوم الذي تعرضت له وتتجاهل الإشارة لمسؤو




.. أصوات انفجارات في محافظة بابل العراقية وسط تقارير عن هجوم بط


.. جيش الاحتلال يعلن إصابة 4 جنود خلال اشتباكات مع مقاومين في ط




.. بيان للحشد الشعبي العراقي: انفجار بمقر للحشد في قاعدة كالسو