الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العالم العربي بين مطرقة المؤامرة وسندان التآمر

هشام حمدي

2015 / 10 / 3
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


غالبا ما يعزو العالم العربي المآسي التي تحل بهم إلى الأعداء في الخارج، أي إلى الغرب المسيحي والصهيونية العالمية. ولا شك في أن دولا قوية وشركات اقتصادية هائلة تسعى إلى احتلال مواقع تضمن مصالحها في مختلف البلدان، عبر التدخل في شؤونها الداخلية على نحو مباشر أو غير مباشر. فالمناورات الخارجية والدسائس الأجنبية أمر قائم ولا ريب فيه، إلا أن ذلك لا يصلح تفسيرا دائما لكل شيء، لا سيما أن ذلك التدخل لا يحالفه النجاح إلا بفضل تأييد البعض من الداخل، وإلا لأن هذا الداخل قابل لمثل ذلك التدخل أو كما عبر عنه مالك بن نبي في كتابه "مشكلات الحضارة" بقابلية الشخصية العربية للاستعمار.
إن قصور نظرية التآمر تلك، حتى وإن وجدت لها بعض المبررات، يكمن في كونها تحول دون ممارسة النقد الذاتي (وهي شبه منعدمة الوجود في العالم العربي) الذي هو بوابة الخلاص. إن إلقاء اللوم والتبعات على الخارج يرفع كل مسؤولية عن الحكام والمسؤولين في الداخل، ولا يتوانى العالم العربي المتخلف في جملته عن التمسك بذلك الوهم، فلا يستغربن أحد إذن، إذا استخدم الحكام المستبدون هذا الوهم واستغلوه إلى أقصى حدود الاستغلال. حتى الأنظمة الديموقراطية لا تنجو من مغريات هذا الوهم: ففي الولايات المتحدة الأمريكية يسود الاعتقاد بأن الأزمة الاقتصادية ناتجة عن المنافسة الصينية اليابانية الغير المشروعة، كما يسود أغلب دول أوربا اعتقاد بأن هذه الأزمة سببها العمال المهاجرون. غير أن هذه الآراء في البلدان المتقدمة هي مجرد آراء بين أخرى كثيرة غيرها تناقضها وتنقضها، فالصحافة تحفل بآراء تذكر على الدوام بالمسؤوليات الجسيمة في الداخل، أضف إلى ذلك أن هذه السلطة الرابعة والخصوم السياسيين لا يتوانون من التذكير بالمسؤوليات الداخلية.
خلافا لذلك نجد في العالم العربي رغبة جامحة في تبرئة جرائم فعلية للقذافي وجرائر عملية لصدام بالقول بأن كليهما كان ضحية مؤامرة صهيو-أمريكية، والأدهى من ذلك أنهما أنفسهما انتهى إلى الاقتناع بصحة ذلك بعدم إبداء أي ندم على ما لحق شعبيهما من آلام وعذابات بفعل ما اقترفاه من أخطاء سياسية واستراتيجية قاتلة.
في العام 1945 عمد هتلر وبعض الجنرالات اليابانيين إلى الحكم على أنفسهم بالإعدام، ونفذوا الحكم وانتحروا. إلا أن قيم المجتمع البدوي الصحراوي لا تنطوي على فضيلة شبيهة بفضيلة الانتحار اليابانية (الهاراكيري)، يحفل تاريخ العالم العربي بملوك وأمراء ورؤساء دول عللوا وبرروا هزائمهم بالاستناد إلى أوهام التآمر مثل جمال عبد الناصر الذي عزا كل مصائب النكبة إلى التحالف الإسرائيلي الأمريكي وكذلك شاه إيران الذي اتهم شركات نفطية بريطانية وأمريكية كبرى بالتآمر لإسقاطه عن العرش، أما الإخوان المسلمون في مصر والنهضة في تونس وكثير من مختلف مشاربهم ومذاهبهم وطوائفهم ومن على شاكلتهم في الجزائر والمغرب، فهم لا يتحدثون إلا عن سهام المؤامرة الموجهة ضدهم ولهم عمادها غرب يهودي مسيحي كافر هدفه الوحيد والأوحد حسب عقيدتهم الظنية الفكرية إلغاء الإسلام ومحوه عن الأرض.
ومهما يكن من أوهام التآمر الخارجي وانتشاره واتساعه وتلاحق وتيرته، فإن الأسباب الداخلية هي أساس العلة في معظم الأحيان، وهي المسؤولة بخاصة عن جمود الفكر وتحريف المعرفة وتجريف العقول الذي توقف في القرن 5 الهجري-القرن 12 الميلادي، وتحول خطه الصاعد للشروع في انحداره السريع.
فماذا حدث بالضبط بين منتصف القرن 11 والقرن 12؟ أمور شتى في آن معا وفي ميادين مختلفة كالفكر الديني والسياسة والاقتصاد والثقافة والاجتماع...، لكن الحدث الأكبر الذي كان في رأيي حاسم الأهمية لأنه وقع في كل البلدان العربية كافة هو التحالف "الموضوعي" بين السلطة وقساوسة رجال الدين من المسلمين الذين نظروا فقهيا لمسائل سياسية كما يقول د. حسن حنفي؛ فقد جعل هذا التحالف من المجتمع سجين بنية فكرية جامدة تقوم على تفسير وتأويل ضيق ومتزمت للصوص الوحي الديني القطعي الثبوت والدلالة.
هكذا وفجأة، بدون مقدمات وبلا أي إنذار، تخلى العالم العربي عن إنجازاته الفكرية والفلسفية ومكاسبه ومكتسباته جميعا، وانغلق وتقوقع على نفسه كما لو أنه بات في إناء محكم الإقفال، وعوضا عن الاستمرار في التطور والتحرر، أخذ يراوح مكانه ويدور حول نفسه. بيد أن احتكاكه بأروبا المصنعة والمحاربة دفعه إلى الأخذ بالحداثة؛ فقامت فيه بضع محاولات التحديث، على أن التعصب والتطرف والتزمت ظل مهيمنا داخله برغم بعض الإصلاحات التي كان لابد منها. ومازالت المواقف الفقهية المتدينة التي ترسخت في القرن 12 لم تتغير بعد، يتمسك بها فقهاء الشرع والشريعة كالعميان، فلا يتواذون عن إدانة أية مخالفة لتلك المواقف مهما كانت طفيفة. هذا التعصب المتزمت في مواجهة عالم غير إسلامي سريع التطور والتحرر يفسر الظهور الشاذ للاتجاهات والمسالك المذكورة أعلاه.
ليست الحركات الإسلامية التي تقلق مضجع الغرب والحكام العرب على حد سواء بجديدة، ولا هي تختلف كثيرا عما حدث في الزمن التاريخي الماضي؛ وإنما هي البذرة نفسها التي أنبتت من جديد في ظروف مؤاتية ومواتية، والفرق الوحيد بين المواقف والحركات الإسلامية في حاضرنا وماضيا هو الصدى الإعلامي الواسع الذي يحظى به المتأسلمون من قبل وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي وعبر الانترنيت والتلفزيون والصحافة المكتوبة...
لذا ينبغي ألا تخدعنا نجاحاتهم المباغثة؛ فمواطنو الشعوب لا يمكن لها العيش في حالة استنفار دائم؛ والتقيد بالقوانين الصارمة يتراخى مع الزمن؛ والأصولية الإسلامية، شأنها في ذلك شأن كل صراطية دينية أو مدنية تنام بين الفينة والفينة لتصحو ولتستيقظ بعد ذلك وتنتفض فجأة. من هنا منشأ الانطباع بأن كل هبٌة تنطوي على جديد ما أو تبشر بيقظة ما.
الإنسانية هي الحل








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لابيد: كل ما بقي هو عنف إرهابيين يهود خرجوا عن السيطرة وضياع


.. عام على حرب السودان.. كيف يعرقل تنظيم الإخوان جهود الحل؟ | #




.. خالد الجندي: المساجد تحولت إلى لوحة متناغمة من الإخلاص والدع


.. #shorts yyyuiiooo




.. عام على حرب السودان.. كيف يعرقل تنظيم الإخوان جهود الحل؟ | #