الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المسلمون الجدد- : حُجَجٌ ضِدَّهُمْ (2)

هادي بن رمضان

2015 / 10 / 4
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


المسلمون الجدد : حجج ضدهم

كيف إذا يتحايل المسلمون الجدد على النّصّ والتّاريخ وكيف يفرغ -الله- في منهجهم من ألوهيّته ؟

يعرّف المتديّنون -الله- على أنّه كليّ القدرة والمعرفة , القادر على كلّ شيئ والعارف بكل شيئ , وتلك صفات ملازمة لمبدأ الألوهيّة وزوال إحداها ينسف العقيدة الألوهيّة بأكملها . فالله هو رمز الكمال وصفاته المطلقة واجبة لكماله .


وكما عرضنا في الفصل الأوّل فالمسلمون الجدد هم جماعة من المصلحين من إنتفضوا في وجه الأصوليّة والإسلام التّاريخيّ السّائد منذ قرون بترسانته الفقهيّة والتّاريخيّة الهائلة . ويسعى هؤلاء الإصلاحيّون أو المسلمون الجدد إلى محاولة عقلنة وعصرنة وتحديث الإسلام لصياغته من جديد في نموذج تزول عنه شبهات العنف والإرهاب والرّجعيّة .

والقضايا التي يثيرها المسلمون الجدد كثيرة ولعل أبرزها قضايا حدّي الرّدّة والرّجم والمثليّة الجنسيّة والحاكميّة والممارسات البيدوفيليّة والحقائق العلميّة الجديدة والتي تتعارض مع الفهم الحرفيّ للنّصّ , كما يتهمون بذلك الأصوليّين والتّقليديّين .

إنّ محاولة إخضاع الإسلام للفكر النقدّي هو أحد كبرى متطلّبات العصر الحديث وهو ليس شأنا إسلاميا بحتا إنما يلقي بظلاله على العالم بأسره . فالإسلام نقيضا للمسيحيّة لازال محتفظا بنسخة بدائيّة ورجعيّة كانت السّبب في تنامي ظاهرة الإرهاب ونزوع المسلمين إلى التّطرّف والعنصريّة والطّائفيّة . والإسلام هو الدّين الأكبر والأوحد اليوم من يضرب ويستهدف كلّ أنحاء العالم وكلّ المذاهب والمعتقدات بأدوات القتل .

لكن , إذا كان الإسلام في حاجة إلى هذا الإصلاح حفاظا على بنيته وإستمراره فهل معنى ذلك أن المذهب الإصلاحيّ صاحب حجّة وبرهان ؟

يخبرنا هؤلاء المسلمون الجدد في قضية حدّ الرّدةّ أنّها محض أداة سياسيّة إستعملها الخليفة الأوّل لفرض سلطته وهيمنته , وأنّ الفقهاء ورجال الدين قد أساءوا فهم النّصّ القرانيّ وكذلك الحال مع الرّواية . وقد بسطوا منهجهم في كتب ومقالات ومحاضرات عديدة ليس هنا المجال لعرضها في مقاربة مع العقيدة التّقليديّة . والمهمّ أن نشير إلى أن حدّ الرّدّة والذي ينطلق أنصاره -وهم الغالبيّة العظمى- في قرائتهم من كتب القران والحديث قد فرض منذ قرون خلت وعملت به كبرى الممالك والإمبراطوريّات الإسلاميّة وكلّ الملوك و ولاّة الأمور . وهذا الحدّ معمول به حتى يومنا هذا , فالمملكة السعوديّة تعاقب على الرّدّة بالقتل وكذلك الجمهوريّة الإيرانيّة ودول أخرى وكذلك تنفّذه الجماعات الإسلاميّة المسلّحة في مناطق سيطرتها . وأما بقيّة القوانين العربيّة فقد حافظت على تهمة الرّدّة لتغيّر العقوبة إلى السّجن . وأعداد ضحايا هذا الحدّ تستحيل على الحصر , فقد تمّت ممارساته لأسباب سياسيّة وعقائديّة ولوحق به الفلاسفة والمفكّرون وضيّق به على الّروح النقديّة والبحث العلميّ طيلة قرون . واليوم يخبرنا المسلمون الجدد ببساطة أنّ كلّ ذلك إنما عائد لسوء قراءة للنّصّ والنّصّ التّاريخي ببساطة ! إنّ هؤلاء المسلمين الجدد إنّما يتناولون قضيّة التّجديد بمعزل عن نتائجها العقائديّة العميقة والتي تنسف صفات الألوهيّة . فالإله في حال لو إفترضنا صدق أطروحة المجدّدين وقدرتها على الصّمود أما حجج المدارس التّقليديّة , فهو في هذه الحالة إله لاإكتراثيّ ولامنطقيّ لانسقيّ , فإذا إفترضنا أنّ المقصد الإلهيّ كان ما يشير إليه المجدّدون فالأصحّ والأجدى أن تكون النّصوص واضحة لا غبار عليها لا تقبل الإلتباس ولا السّفسطة , ذات معنى واحد وذات نسق غائيّ . فهذا الإله كلّيّ القدرة والمعرفة لا بدّ أن يكون قد أحاط علما بمستقبل الأحداث , وبأن حدّا كحدّ الرّدّة سيغدو سببا في وقوع مذابح لا تعدّ ولا تحصى , وأنّه سيعطّل حركة الفكر والمجتمع وسيلقي به تحت سيف التّرهيب والتّخويف . فكيف يسمح هذا الإله بحدث عرضيّ كهذا ؟

إنّ حجج الأصوليّين والتّقليديّين ستغدو حينها أشدّ تماسكا وإقناعا , فالأصوليّة تصرّ على أن حدّ الرّدّة ليس محلاّ للتّشكيك . وقد تمت ممارسته في كلّ التّاريخ الإسلاميّ منذ زمن البعثة . وأمّا الطّرح الإصلاحيّ فسيبدو غاية في التّناقض والتّهافت ولهذا نراه يستلم قضايا بهذه الخطورة وبتداعياتها الهائلة على الدّين برمّته بمعزل عن صفات الله المطلقة . وقس على ذلك قضايا الرّجم والمثليّة والعبوديّة , فلهؤلاء المسلمين الجدد مآخذ على حدّ الرّجم , وقد سبق للدّاعية الفلسطينيّ "عدنان إبراهيم" أن أقام خطبة بعنوان " لا رجم في الإسلام " يعرض فيها الحجج والبراهين على أنّ الإسلام قد إكتفى بحدّ الجلد . وكذلك يوافقه المسلمون الجدد . ولنا هنا أن نتسائل كيف لهذا الإله أن يسمح بإلتباس مريب كإلتباس الرّجم , فهذا الحدّ قد عمل به لقرون وتنفّذه الجماعات المسلحة اليوم , والإله يفترض منه أن يكون على قدر من الحكمة والدّقّة ليضع نواميس لا تنهشها الشّبهات والمتناقضات من كلّ حدبٍ وصوبٍ . وليس من المنطق في شيئ أن يخبرنا المسلمون الجدد بأنّهم قد إكتشفوا أن هذا الحدّ باطل . فإنّ الله حينها سيظهر مجدّدا في ثوب اللامكترث والعاجز عن التوقّع والإحاطة بالغيب . لقد طعن عشرات المفكّرين والباحثين في هذا الحدّ وهو طعن لا يناقض نفسه , فهو يتعامل مع الإسلام كإختراع بشريّ قابل للتّأويل التعسفيّ والتّدليس والتّزوير . وإذا كان الأصوليّون يصرّون على أنّ الإسلام قد حرّض على السبي وإتّخاذ العبيد من الغلمان والجواري , فقد ظهر المسلمون الجدد برأي اخر , وهو رأي معاد للعبوديّة يعرض الإسلام (والذي حافظ على العبودية في زمن نبيّه) وقد أجبر على التّعامل مع مجريات الأحداث . فقد كانت العبوديّة ظاهرة شائعة والإسلام حثّ على العتق ولم يفرض على النّاس أن يتخلّوا عن عبيدهم لخشيته من تعرّضهم لأهوال التّشرّد والخصاصة ! وأنّ الإسلام قد إتّخذ منهجا متدرّجا في عمليّة التّحرير ! والغريب في هذه الأطروحة أن يفرض الإله سطوته لأجل قضايا جانبيّة لا ترقى لقضيّة العبوديّة في أهميّتها فنراه يفرضها بالتّرهيب والتّرغيب . وأمّا العبوديّة فقد أجبرته على الخضوع والسّير بأهواء العامّة ! وهذا التّصوّر الذي يفترض بأنّ الإسلام لم يتّخذ موقفا صارما من العبوديّة لحاجته للتّعامل مع الحالة العامّة بالتّدرّج , هو موقف في غاية التهافت . فالإسلام لم يعرف أبدا نسقا تدريجيّا في تحرير العبيد , فقد تفاقمت ظاهرة العبوديّة بشكل هائل مع عمر بن الخطّاب وقد هلك هو نفسه على يدي أحد أولئك العبيد وهو أبو لؤلؤة المجوسيّ . وثمّ تصاعد الأمر مع معاوية والدّولة الأمويّة والتي أطلقت يد الإرهاب شرقا وغربا حتى إمتلئت أسواق النّخاسة بأسرى الحرب من عرضوا للبيع بسعر البيضتين لأعدادهم الهائلة كما يخبرنا المؤرّخون المسلمون . وقد سبى -موسى بن النصير- في غزواته ما يفوق المائة ألف وكلّ ذلك في صدر الإسلام لوحده(1) , ويعرض لنا المؤرّخون حتى كيف طالب الخلفاء قادتهم العسكريّين بجلب السّبايا من ذوات النهود والقوام الحسن(2) ! فالإسلام لم يعرف نسقا للتّحرير بل عرف نسقا تصاعديّا لظاهرة السّبي . فالإله لو صدقت أطروحة المسلمين الجدد قد فشلت مقاصده فشلا ذريعا لا يضاهيها أيّ فشل . والنّسق الإستعباديّ الذي عرفه الإسلام يطعن في عقيدة الألوهيّة لو إفترضنا على سبيل الجدل صدق وجهة نظر الإصلاحيّين .

وأمّا في مسألة -البيدوفيليا- وهي إلتزام الأصوليّين والتّقليديّين بعقيدة أن الفتاة قد أحلّ نكاحها في سنّ السّابعة إمتدادا لنكاح نبي الإسلام لعائشة في سنّ صغيرة كما تحّدثنا الرّوايات , فقد طعن المسلمون في الجدد في صدق القصّة وقد ألّف الدّاعية الفلسطينيّ نفسه بحثا شاملا ومفصّلا يردّ فيه شبهة أنّ -عائشة- كانت في مثل تلك السّنّ إثر زواجها بنبيّ الإسلام . ودون أن نتطرّق للنّسق الذي يعرضه هذا الدّاعية فلنا هنا أن نفكّك هذا الإدّعاء مجدّدا على ضوء صفات الله المطلقة . إذ ونحن في القرن الواحد والعشرين تتوالى الأخبار عن أحداث وفاة مردّها نزيف حاد ّ لفتيات في ريعان الطّفولة قد زوّجن بالقوّة وباشرن الإتّصال الجنسيّ دون أن يكون جهازهنّ التّناسليّ في طور النضج . والأرقام مخيفة في بلد كاليمن , ولنا هنا أن نتسائل كيف للإله الكليّ في قدرته ومعرفته ورحمته أن يتجاوزه مثل هذا الأمر المريع والذي يفترض أنه قد توقّعه لكليّة علمه ! فإذا إفترضنا جدلا صدق المسلمين الجدد في ردّ ما إتفقت عليه كبرى المذاهب الإسلاميّة , فالإله قد إرتكب فاجعة لا يرتكبها الموصوف بالكمال .

وفي مسألة الميول الجنسيّة ذهب بعض من المسلمين الجدد لرفض حدّ الرّمي من شاهق وهو الحدّ الذي يعاقب به من أتّهم بممارسات جنسيّة مثليّة يصفها المعتقد الديني بلفظ -اللّواط- , ويرى هؤلاء في تفسيرهم التّعسفيّ للنّصّ بأنّ -قوم لوط- قد عوقبوا لطغيانهم وفرضهم لتوجّهاتهم الشّهوانية بالقوّة على الاخرين , وهو إدّعاء مردود كذلك لو تأمّلنا في حقيقة هلاك أعداد لا تحصى من المشبوهين والمتّهمين بالشّذوذ الجنسيّ . فكذلك الإله في هذه القضيّة يفصح عن حجم غير مسبوق من اللإكتراثيّة واللامنهجيّة في تعامله مع هذه الظّاهرة , لو إفترضنا طبعا صدق قول المسلمين الجدد . وقد إحتفظ البعض من المسلمين الجدد بموقف رجعيّ فأعلنوا ضرورة إخضاع -الشاذّ- لعلاج نفسيّ . والحقيقة أن الإسلام لم يتعامل أبدا بالمعارف النفسيّة ولا بالعلاج النفسيّ . بل تعامل مع المتّهمين بتهمة -الشّذوذ الجنسيّ- على أنهم قد إمتلكوا -إرادة حرّة- وعليهم التّعامل مع عواقب -الخطيئة- . فالإسلام لم يعرف مصحّات للعلاج الّنفسيّ ولا مختصّين في المعارف النّفسيّة وكلّ ما قدّمه في هذه المسألة هو القتل . وهذا القول لتهافته يحيل على أن أصحابه إنّما أرادوا الإحتفاظ برجعيّتهم والتّملّص من شبهة الإرهاب وحدّ الرمي من شاهق .

وقس على ذلك بقيّة القضايا التي تورّطت لقرون في حجم هائل من القتل والدمار , ما لا يستقيم أبدا مع صفات الله المطلقة لو سلّمنا برأي المسلمين الجدد . فكيف للإله أن يقصد بنصّه أمرا ما , فيمارسه النّاس ولقرون على أنه نقيض المقصد الإلهيّ , كيف لمثل هذا الإله أن يوصف بالكمال وكيف له أن يكون قائما ؟ إنّ حجم الخسائر التي فرضتها القضايا التي يتناولها المسلمون الجدد بالنّقد تنسف عقيدة الألوهيّة برمّتها .








المراجع :

1 - جرجي زيدان ج5 ص23 / إبن الأثير الكامل ج3 ص272
2 - كتاب الدولة الأغلبية 909-800 التاريخ السياسي .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الطريق الاسلم
نور الحرية ( 2015 / 10 / 5 - 12:32 )
دعنا نتفهم الامر جيدا الخروج عن الاسلام في منطقتنا الموبؤة به امر في غاية الخطورة قد يعرض صاحبه الى القتل وهذا ما يقتضي الحرص الشديد والتقية ومن هنا خلص الكثير ممن انعتق من دياجير الظلام على خوض هذا السبيل الذكي والهجومي والايجابي في نفس الوقت للتحرك بعيدا عن شبهات المسلمين. اذن انا في اعتقادي ان الكثير من هؤلاء اي المسلمين الجدد ما هم الا ممن ذكرناهم انفا او في احسن الاحوال هم في طريقهم الى دخول جنة العقل والحرية

اخر الافلام

.. بين الحنين والغضب...اليهود الإيرانيون في إسرائيل يشعرون بالت


.. #shorts - Baqarah-53




.. عرب ويهود ينددون بتصدير الأسلحة لإسرائيل في مظاهرات بلندن


.. إيهود باراك: إرسال نتنياهو فريق تفاوض لمجرد الاستماع سيفشل ص




.. التهديد بالنووي.. إيران تلوح بمراجعة فتوى خامنئي وإسرائيل تح