الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الفرق بين الشخصية الدولية والأهلية الدولية

محمد ثامر

2015 / 10 / 11
مواضيع وابحاث سياسية


الفرق بين الشخصية الدولية والأهلية الدولية
ا.د.محمد ثامر السعدون
يكاد الفقه يجمع على أن المقصود بالشخصية الدولية أو الشخص القانوني لكل نظام هو من تخاطبه أحكام ذلك النظام وقواعده، فتقرر له حقوقا أو تملي عليه التزامات. أي انه غاية ذلك النظام ، ومحل اهتمامه وعنايته ، به تقوم الحقوق والواجبات التي ينص عليها ومن اجله وجدت ، فكل نظام قانوني يتكون من مجموعة من القواعد القانونية يتمتع المخاطبون بها بوصف الشخص القانوني ، ويتولى هذا النظام تحديد الأشخاص المخاطبين بإحكامه ، وبما يفرضه من التزامات ويقره من حقوق( ) ، أما أهلية الشخص القانوني فهي على نوعين : أهلية الوجوب ، وهي الأهلية المجردة التي تكسب صاحبها أمكان التمتع بمجموعة معينة من الحقوق والواجبات ، وأهلية الأداء ، وهي التي تكسب الشخص القدرة على المباشرة الفعلية لهذه الحقوق والواجبات ، وقد عرف القانون الدولي العام كسائر القوانين هذين النوعين من الأهلية ، ويبدو أن الشخص الدولي لايكتسب أهلية الأداء إلا إذا كان له القدرة الفعلية على مباشرته لأهلية الوجوب ، فالدول المحمية مثلا ، تتمتع بما تتمتع به كافة الدول من الحقوق والالتزامات ، غير أنها موقوفة عن مباشرتها أو مباشرة قسم منها بحسب الأحوال بسبب خضوعها لنظام الحماية ، فهي إذا عديمة الأهلية أو ناقصتها من ناحية الأداء ، ولا تكون هذه الأهلية أو تكتمل إلا إذا زال عنها هذا النظام ، وبذلك تنتقل أهليتها من نطاقها العام الوجوبي المجرد إلى نطاقها الفعلي الأدائي المحدد ( )، فالأهلية إذن تنصب على اكتساب الحقوق والالتزام بالواجبات ، وكذلك المحافظة عليها عن طريق رفع الدعاوى القضائية ( ) . وصاحب الأهلية القانونية بنوعيها الأدائي والوجوبي إما شخص طبيعي ، وهو المألوف ، أو شخص اعتباري ، أي شخص يقوم على فكرة اعتبارية مقتضاها إعطاء جماعة في نطاق نشاط معين شخصية قانونية تخولهم التمتع بالحقوق والالتزامات لتحقيق الأهداف التي وجدت من اجلها هذه الشخصية ، ولطالما تعرضت هذه الفكرة لنقد شديد في الفقه الحديث كان من شانه التشكيك بقيمتها العلمية وإضعاف مكانتها بين نظريات القانون المعتمدة ، وليس ثمة شك في أن التسليم بفكرة الشخصية المعنونة على اعتبار أنها كالأشخاص الآدمية سواء بسواء هو محض مجاز وخيال ووهم ، إذ ليس من المقبول عقلا أن يكون لغير الإنسان إدراك وإرادة تمكنه من التصرف في المجال القانوني ، بيد إن الكشف عن طبيعة وجود هذه الفكرة وحقيقة أهدافها في الحياة القانونية ، يهدم من الأساس كل النقد الموجه إليها فهذه الشخصية لم تقم على فكرة الإدراك والإرادة التي لا يتمتع بها غير الإنسان ، بل قامت في حقيقة الأمر على أنها طريقة وأداة قانونية مثلى أريد بها خدمة الجماعات على اختلافها ، ذلك لان الإفراد الذين لهم مصالح وأهداف متحدة لايمكن أن يحققوا لهذه المصالح والأهداف كيانا مستقلا عن المصالح الخاصة لكل فرد ، إلا على أساس الاعتراف للجماعة بشخصية قانونية مستقلة عن الأشخاص الأعضاء الذين تمثلهم ، وهذه الشخصية بعد ذلك قد أملت ضرورة وجودها في مجال القانون ضرورات عملية على جانب كبير من الأهمية ، فنشاط الجماعات على اختلاف وجوهه يتعذر مباشرته من قبل أعضائها ، لذلك أصبح لزاما أن تسند هذه المباشرة لأشخاص معينين من قبل الجماعة ، يقومون بتمثيلها وممارسة ما يتفرع عن شخصيتها المعنوية من حقوق وواجبات باسمها وهكذا يبدو واضحا أن الشخصية المعنوية توجد بعناصر اجتماعية وقانونية معينة ، فلابد أولا من وجود مصالح عامة مشتركة تمثل اجتماع واتحاد مصالح فردية معينة على صعيد واحد ، يرمي إلى تحقيق الغايات الاجتماعية التي وجدت من اجلها الشخصية ، ولابد ثانيا من وجود وسائل قانونية ومالية تستخدم لتحقيق هذه الغاية ، ولابد ثالثا من أن يكون التوجه مناط بجهاز قادر على التعبير عن هذه الشخصية والتصرف بشؤونها ، إذن فإرادة الشخصية المعنوية ليست في الحقيقة سوى إرادة أعضائها إذا ما تم استعمال هذه الإرادة في حدود الاختصاص المقرر بمقتضى هذه الشخصية ، فالمجتمع الذي يحكمه القانون لايوجد فيه الأشخاص تلقائيا وإنما يتحقق وجودهم فيه بالحدود التي يقرها القانون ( ) ، وإذا كان هناك ثمة إجماع بشان أن النظام القانوني ، هو الذي يحدد أشخاصه وان الأهلية الدولية تنقسم إلى أهلية أداء وأهلية وجوب ، فأن التعاريف التي ساقها الفقه للشخصية القانونية تنطوي على تداخل للمفهومين ، الشخصية والأهلية ، فالشخصية الدولية هي صلاحية كيان أو وحدة سياسية معينة لاكتساب الحقوق وتحمل الالتزامات وفقا لقواعد النظام القانوني الدولي دون وسيط ، أي الاتصال مباشرة بقواعد هذا النظام ( ) أو هي نوع من العلاقة تقوم بين نظام قانوني معين وبين الأشخاص الذين يتمتعون بالحقوق التي يقرها ، ويلتزمون بما يفرضه من التزامات ( )، أو هي القدرة على اكتساب الحقوق ، وتحمل الالتزامات والقيام بالتصرفات القانونية ورفع الدعوى إمام القضاء ( ) أو بشكل أكثر تحديدا ، هي أهلية اكتساب الحقوق والالتزام بالواجبات مع القدرة على حمايتها والمطالبات الدولية بها ، سواء كان ذلك عن طريق رفع الدعاوى أو بطريق آخر ( ) .
وهكذا فان هناك ثمة تداخل يكاد يكون مطبقا بين تعريف الأهلية الدولية والشخصية الدولية، حتى إن البعض عرفها صراحة بأنها: (( أهلية اكتساب الحقوق والالتزام....... )) والحقيقة أن إزالة هذا التداخل يتم عن طريق تحديد، وقبل ذلك الإقرار بالرابطة القوية بينهما، وبالسؤال الحتمي الذي يمكن إن ينساق هناك، هل إن الشخصية القانونية الدولية تعني الأهلية القانونية الدولية ؟ ، أو بشكل أكثر بساطة هل يعني تمتع الدولة بالشخصية القانونية الدولية تمتعها بالأهلية القانونية الدولية.
أن مراعاة الدقة هنا واجبة ، إذ إن القول بأن الشخصية القانونية تعني الأهلية القانونية هو قول تعوزه الدقة وينقصه التحديد ، والحقيقة أن اكتساب الشخصية القانونية الدولية ، يعني اكتساب أهلية الوجوب دون أهلية الأداء ، أو أنها تمام أهلية الوجوب مع تمام أهلية الأداء أو أهلية الأداء لناقصة ، فالمؤكد إذن هو تمام أهلية الوجوب بمجرد اكتساب الشخصية القانونية الدولية ، باختصار شديد الشخصية القانونية تعني نصف الأهلية الدولية القابل للزيادة تبعا لتغير المركز القانوني .
والظاهر أن الاستقرار النسبي للوصف القانوني وما يحدثه من أثر في نشاط الشخص القانوني الذي سيتمتع به يجعل الوصف امتداد للشخصية القانونية وضابطا يميز طوائف الأشخاص القانونية بعضها من بعض في دائرة العلاقات القانونية ، ومعيارا لتحديد دائرة المخاطبين بأحكام القواعد القانونية ، وهذه الوسيلة الفنية ، وسيلة إطلاق الأوصاف القانونية الذاتية على الأشخاص القانونية ليس لها في الدائرة الدولية شأن كبير ، كما هي الحال في الدائرة الداخلية ، ذلك لان عدد أشخاص القانون الدولي محدود ، ولان القواعد القانونية الدولية تنشأ بالتراضي بينهم فهي من صنعهم ، ولا تخاطب إلا من انشانها ، ويضاف إلى ذلك أن الغالبية العظمى للقواعد القانونية الدولية تتمتع بوصف الخصوصية في التطبيق ، بمعنى إن عملية إنشائها تتضمن في الوقت نفسه عملية تحديد دائرة الأشخاص المخاطبين بأحكامه فالحاجة إذن لا تدعو اللجوء إلى وسيلة إطلاق الأوصاف القانونية الذاتية لتحديد دائرة المخاطبين بأحكام نوع معين من القواعد القانونية ، إذ يكفي في هذا الصدد تحديد الأشخاص التي أنشأت أحكام هذا النوع من القواعد بالتراضي عليه فيما بينهم ( ) .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لماذا خصّ الرئيس السنغالي موريتانيا بأول زيارة خارجية له؟


.. الجزائر تقدم 15 مليون دولار مساهمة استثنائية للأونروا




.. تونس: كيف كان رد فعل الصحفي محمد بوغلاّب على الحكم بسجنه ؟


.. تونس: إفراج وشيك عن الموقوفين في قضية التآمر على أمن الدولة؟




.. ما هي العقوبات الأميركية المفروضة على إيران؟ وكيف يمكن فرض ا