الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأمريكيون ... والعودة الروسية للشرق الأوسط ... ؟

علي الأسدي

2015 / 10 / 12
الارهاب, الحرب والسلام


الأمريكيون ... والعودة الروسية للشرق الأوسط ... ؟

علي الأسدي

كتب السيد زبيغنيف بريزينسكي مستشار الأمن القومي للرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر مقالا في صحيفة الفايننشيال تايمز اللندنية حول التعاون الروسي - السوري في محاربة المنظمات الارهابية المدعومة خليجيا وغربيا. من يطلع على المقال سيتساءل مع نفسه هل حقا يصغي الرؤساء الامريكيون لمثل هذا الهراء من شخص يفترض ان تؤهله ثقافته وبعد نظره السياسي إبداء أقصى الحرص على قضية السلام العالمي واحترام القانون الدولي لا اقحام بلده في صراعات عسكرية خطرة قد تشعل حربا عالمية ثالثة ؟

ملخص ما قاله السيد بريزينسكي : " ان الأسطول الروسي في البحر الابيض المتوسط معزول جغرافيا عن البلد الأم وبناء عليه يجب على الولايات المتحدة تجريده من السلاح اذا ما استمر الروس في استفزازهم لأمريكا ". ويستدرك فيقول : " لكن ما يزال هناك أمل في حث روسيا على العمل مع أمريكا لانجاز حلول للمشاكل الاقليمية". ولعلم القارئ الكريم ان بريزينسكي هذا هو من اقترح على الرئيس كارتر حينها تأسيس حركة المجاهدين العرب والافغان بقيادة الارهابي الدولي اسامة بن لادن لاسقاط الحكومة التقدمية في أفغانستان عام 1978 ومن ثم شنهم حرب عصابات ضد الوجود السوفييتي هناك تكفلت السعودية بالترويج له وتمويلهم وتجنيد المجاهدين بينما قامت السي آي أيه بتدريبهم وامدادهم بالسلاح والمعدات والاشراف على عملياتهم التخريبية.

هذا النمط من الشخصيات على ما يبدو نموذجا شائعا بين محترفي السياسة الامريكيين وبخاصة بين النخبة في مجلسي الكونغرس من كلا الحزبين الجمهوري والديمقراطي من أمثال السيناتور الجمهوري جون ماكين وقبله السيئ الصيت السيناتور مكارثي قائد حملة توجيه الاتهام بالشيوعية لكل التقدميين داخل المجتمع الامريكي من سياسيين وكتاب ومسرحيين وصحفيين واساتذة جامعات ونقابيين وغيرهم إبان الخمسينيات من القرن الماضي. جون ماكين كالمستشار بريزينسكي يضغط لاعلان الحرب على روسيا في سوريا بعد فشله في اشعال حرب ضد روسيا في أوكرانيا. فقد طالب ماكين الرئيس أوباما باعلان منطقة حظر جوي في سوريا لمنع روسيا من قصف مناطق هي تحت سيطرة الجهاديين المعتدلين المنضوين تحت اسم الجيش السوري الحر. ماكين الذي يكره روسيا أشد الكره يعرف جيدا ان اوباما لن يدخل الحرب مع روسيا بسبب سوريا وعندها سيوجه هجومه ضد أوباما متهما اياه بالجبن لتخليه عن حركة المجاهدين " المعتدلين ".

ماكين وأمثاله لا يفكرون أبدا بمصالح الشعب السوري ونحن نعرف ذلك فالقصف الأمريكي المستمر للسنة الرابعة عشرة على دول أفغانستان والعراق وليبيا واليمن وسوريا بحجة مقاومة الارهاب لم يحقق أي تقدم بل بالعكس تعزز وجوده فيها وبخاصة في سوريا والعراق. لقد طالبت روسيا الولايات المتحدة بتشكيل تحالف دولي لاستئصال الارهاب تنسق بموجبه العمليات العسكرية الجوية والاستخباراتية مع السلطات المسئولة في الدول المعنية ، لكن الأمريكيين كعادتهم لهم أجندتهم الخاصة التي لا يشاركون أحدا فيها ولذلك لم يستجيبوا للطلب الروسي. وليس ذلك فحسب ، بل ما أن باشر الروس عملياتهم الجوية ضد مواقع الارهابيين بناء على طلب رسمي من الحكومة السورية راحوا ينشرون الاشاعات عن استهداف الروس لفصائل المعارضة السورية المعتدلة في حين بدأت وسائل اعلامهم هجوما مضادا لتشويه الحملة الروسية. أمام هذا الاصرارعلى تجاهل الدعوة الروسية للأمريكين للتعاون اضطرت هذه لتشكيل خلية أزمة مقرها بغداد تضم سوريا والعراق وايران وروسيا وتركت الباب مفتوحا لانضمام أمريكا لاحقا بعد تجاوز الخلافات في الرأي المثارة حول من هي المنظمات المستهدفة من قبل روسيا. وقد أبدا العراق رغبة في توسيع نشاط الطيران الروسي ليشمل المناطق التي تتحصن فيها داعش في العراق. وبحسب تصريح السيدة فالنتينا ماتفينكو رئيسة البرلمان الروسي قولها " ان روسيا على استعداد لتوسيع نشاط الطيران الروسي الى العراق في حالة تلقت روسيا طلبا رسميا من الحكومة العراقية."

لكن التدخل الروسي قد أثار غضب تركيا التي تعمل منذ سنوات للاطاحة برئيس النظام السوري ولهذا الغرض تدعم المنظمات الجهادية داخل سوريا. وكان رجب طيب أردوغان رئيس الوزراء التركي قد صرح الأسبوع الماضي تعليقا على تحد الطيران الروسي لطائرات تركية على منطقة الحدود مع سوريا قوله : "ان الاعتداء على تركيا هو اعتداء على الناتو واذا فقدت روسيا صديقا مثل تركيا التي لها تعاون متعدد الاغراض فان روسيا تخسر كثيرا". وكانت طائرات ميغ 29 الروسية التي تراقب الحدود السورية التركية قد تحدت 8 طائرات ف16 تركية بالتشويش على راداراتها مما أفشل نشاط الطيران التركي في تلك المنطقة. وقد صرح السكرتير العام لحلف الناتو جينز ستولتنبيرغ " لا يبدو ان التصرف الروسي مجرد حادث عرضي فهو يحدث للمرة الثانية" بحسب باتريك كوكبيرن في صحيفة الاندبيندينت اللندنية.

لكن برغم الضجة المفتعلة المثارة من قبل تركيا وأمريكا فان الطيران الروسي يحقق النجاح في ملاحقة واستئصال الارهاب داخل سوريا باعتراف الكثير من المحللين السياسيين المحايدين. ففي مقال للكاتب الأمريكي مايك وتني في 6 الشهر الجاري بين فيه بأن السبب الذي يجعل الروس ينجحون في حين فشل الامريكيون في حربهم ضد داعش هو ان الروس يقرنون حملتهم الجوية بنشاط الجيش السوري على الأرض الذي يلاحق قوات الارهاب. وقد حدث هذا في عدة مواقع في أدلب وشرقي الرقة. فعلى الجبهة الجنوبية استسلم الأحد بداية هذا الشهر 700 ارهابي لقوة عسكرية تعدادها 142 جنديا من وحدة الدبابات. وهذا ما يحصل بعد كل قصف جوي تقوم به الطائرات الروسية. وقد حصل ان الكثير من الارهابيين اما استسلموا أو انقطعت بهم السبل فيقعون في أيدي الجنود السوريين. وتقوم الطائرات الروسية أيضا بمراقبة الحدود السورية مع الاردن واسرائيل وتركيا والعراق فقامت بتدمير الطريق الرابط بين سوريا والعراق بالكامل بسبب استخدامه من قبل داعش لايصال الامدادات ومنفذا للهروب.

لكن ليس من المتوقع أن يسمح الأمريكيون للروس بتحقيق النجاح في سوريا وبخاصة وقد أبدا العراق رغبته في التعاون مع روسيا في حملته للقضاء على نفوذ داعش في شمال غربي العراق. وبالفعل باشر الأمريكيون الحديث من جديد حول تدريب المعارضة المعتدلة لارسالها الى داخل سوريا على أن يسبقها استحداث منطقة داخل سوريا تكون تحت حمايتهم لايصال امدادات السلاح والمقاتلين والمستشارين الأمريكيين للمساعدة والاشراف على عملياتهم ضد النظام السوري. الأمريكيون يدركون جيدا ان نجاح الروس في سوريا وربما في العراق يعني عودة روسيا لاحتلال موقع الاتحاد السوفييتي السابق في منطقة الشرق الأوسط وهو في رأي المحافظين الجدد واحدا من الخطوط الحمراء التي لا يمكن للولايات المتحدة المساومة حولها وأن اضطرت لدخول حرب مع الروس. وعلينا توقع استخدام ما يسمى بالمعارضة المعتدلة ومرتزقة أجانب لشن عمليات مسلحة ضد الوجود الروسي داخل سوريا حيث له هناك قاعدتين عسكريتين وكذلك ضد أسطولها في البحر الابيض المتوسط. ومن الآن فصاعدا سنشهد تجنيد المرتزقة الاجانب على غرار حركة المجاهدين التي شكلوها عام 1978 في أفغانستان فقد حققت النجاح هناك باجبار القوات السوفييتية على الانسحاب منها.

فوفق ما صرح به المتحدث باسم وزارة الدفاع الأمريكية بيتر كوك ان الولايات المتحدة تنوي تقديم معدات وأسلحة لمجموعة مختارة من القادة المعارضين، ليستطيعوا مع وحداتهم لاحقا دخول الأراضي التي يسيطر عليها تنظيم "الدولة الإسلامية" وهو تبرير لا يمكن تفسيره بغير الاستعداد لخوض الحرب ضد الوجود الروسي في سوريا. فأي نجاح تحققه روسيا في المنطقة سيفسر بكونه نصرا على حساب الولايات المتحدة وهي الدولة التي توجت نفسها سيدة العالم بعد تفكك الدولة السوفييتية عام 1990 القطب العالمي الثاني المنافس لها. الأمريكيون جادون بالعودة بكل ثقلهم الى العراق فهم يستخدمون داعش لتعزيز وجودهم ونفوذهم هناك لعقود طويلة قادمة ويشكل اعادة احتلال العراق شعارا رئيسيا لبعض مرشحي الرئاسة الأمريكية من أقصى يمين الحزب الجمهوري معتبرين خروج القوات العسكرية الامريكية من العراق عام 2011 خطأ فادحا لا يغتفر لاوباما. مثل هذا الهذيان قاد الولايات المتحدة الى الكوارث كانت آخرها احتلالهم للعراق عام 2003 اذا نسوا كارثتهم في فيتنام.
علي الأسدي 11- 10 - 2015









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عقوبات أوروبية جديدة على إيران.. ما مدى فاعليتها؟| المسائية


.. اختيار أعضاء هيئة المحلفين الـ12 في محاكمة ترامب الجنائية في




.. قبل ساعات من هجوم أصفهان.. ماذا قال وزير خارجية إيران عن تصع


.. شد وجذب بين أميركا وإسرائيل بسبب ملف اجتياح رفح




.. معضلة #رفح وكيف ستخرج #إسرائيل منها؟ #وثائقيات_سكاي