الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحراك المدني في لبنان: خطوتان إلى الأمام، خطوة إلى الوراء

فؤاد سلامة

2015 / 10 / 16
مواضيع وابحاث سياسية


ثمة جيل سياسي جديد أخذ بالتبلور على وقع الحراك المدني الشبابي في لبنان، إنه جيل ما بعد 8 و14 آذار، جيل ما بعد الحرب الأهلية الباردة المستمرة منذ 2005 أي منذ اغتيال رفيق الحريري وانقسام اللبنانيين بين معسكرين أهليين متناحرين ومعطلين للدولة. في الوقت الضائع في منطقة الشرق اﻷ-;-وسط الحبلى بالمفاجآت، المشتعلة بالحروب والصراعات، نشهد في لبنان على هامش الإنقسام الأهلي المديد، تواجها لجيلين من النخب "الديمقراطية": جيل الحرب اﻷ-;-هلية التائب والخائف، وجيل ما بعد 8 و14 آذار المحبط والمشاكس. كما نشهد بداية تبلور تيارين داخل صفوف 14 آذار: تيار أكثري يرفض مغادرة الخطاب التقليدي ل 14 آذار وتيار أقلوي يريد التحرر من ثنائية 8 و14 السقيمة ومن الثنائيات عموما. وأما داخل جمهور 8 آذار فيبدو أن هناك استعداداً أكبر عند الجيل الشاب للخروج من الثنائية المذكورة، في مقابل تصلب الجيل المؤدلج لهذا التيار.
يمكن بناءً على ما يجري أمام أعيننا وما نسمعه ونقرأه في وسائل الإعلام والتواصل الإجتماعي استنتاج أن ثمة بداية تكون عند النخب المتعلمة/ المثقفة لوعي جديد يتجاوز الثنائيات السياسية والثقافية والطائفية. اﻷ-;-زمة المعمقة للنظام اللبناني وانغلاق المخارج السياسية التام واﻹ-;-فلاس المريع للطبقة السياسية الحاكمة منذ 1990 أي منذ الطائف، تجعل من بروز هذا الوعي المتجاوز للثنائيات اﻷ-;-مل الضئيل الوحيد للخروج من النفق. وكما كتب جهاد الزين في "النهار" فإن ظاهرة الحراك المدني أنتجت مشهدا رائعا لفئات شبابية حداثية من الطبقات الوسطى قذفت على المسرح لتؤدي عرضا مذهلاً قد يكون أخيراً قبل أن تهاجر للخارج تاركة بلداً غير طبيعي يقوم على معادلة "النظام القوي والدولة التافهة".

سؤال يتبادر للذهن: لماذا تخلف الكثير من المثقفين / الجامعيين الليبراليين المتحدرين من 14 آذار من أصول سنية ومسيحية والمؤيدين للثورة السورية عن دعم الحراك المطلبي لمده بالزخم السياسي ـ الثقافي المطلوب؟ لماذا هذا الرهاب الهوسي من المشاركة في حراك ديمقراطي يصب في النهاية ضد الفكر الإستبدادي الشمولي المتمثل في 8 آذار ومرجعياتها الخارجية؟ هذا السؤال ينبغي طرحه على المثقفين المؤيدين وغير المؤيدين للحراك المدني لمحاولة فهم الوسيلة التي يمكن بواسطتها رأب الصدع الحاصل بين القوى الديمقراطية اللبنانية. ذلك أنه يبدو أن هناك مسألة تتعدى صراع اﻷ-;-جيال واختلاف الأفكار تمنع تلاقي كل المؤيدين للثورة السورية وللربيع العربي، تلاقيهم حول وسائل تحريك الوضع اللبناني المنغلق والمسدود من أجل الخروج من نفق الحرب اﻷ-;-هلية الباردة في لبنان. ما هي موانع المشاركة الواسعة لكل الديمقرطيين في الحراك المدني السلمي طبعا؟ أشدد على السلمي رغم كل ما أصاب الحراك من لوثات عنف تبقى برأيي هامشية ولا تستدعي هذا الكم من المخاوف والتشكيك والإعتراض.
في إجابة شخصية أولية على السؤال أذكر عائقاً مهماً هو التفسير المؤامراتي المولد لاعتقاد قاطع بوجود محركين سريين يوجهون الحراك وفق أجندة حزبية في خدمة محور المقاومة / الممانعة الأسدي ـ الإيراني. يدعم تلك الحجة مشاركة الأحزاب "الوطنية" ذات الأيديولوجيا الشمولية والإرتباطات الإقليمية عبر وسائط حراكية وشخصيات معروفة ومنفرة. وأما العائق الثاني فهو غياب أي ذكر للسلاح غير الشرعي الذي يعتبره البعض على رأس أسباب ضعف الدولة واستشراء الفساد وغياب الأمن، ويطالبون بناء على ذلك بوضع مطلب نزع السلاح غير الشرعي على رأس أهداف الحراك مقدمة لمشاركة مئات الآلاف فيه كما يقول البعض.

ما يغيب عن بال المعترضين والمشككين بالحراك المدني هو أن ثنائية 8 و14 آذار الإستقطابية الحادة، هي سبب أساسي لشلل الحياة السياسية في لبنان، ولإعادة إطلاق هذه الحياة لا بد من تجاوز هذه الثنائية المعطلة للسياسة. لا شك أن السلاح غير الشرعي هو في خلفية تعطيل الدولة والمؤسسات وفي سيطرة الشعور بعدم الأمان لدى النخب السياسية وفي تعطيل وحرف القضاء وفي أمور كثيرة كحماية الفاسدين والمهربين ووو.. ولكن ماذا يستطيع فعله حراك شبابي جنيني وأعزل في الوقت الذي لم يستطع فيه تيار كبير مثل 14 آذار أن يفعل شيئاً في مواجهة هذا السلاح بل واضطر للتعايش معه واقتسام السلطة والفساد وإياه كأمر واقع لا بأس من الإستفادة منه!
وأما فيما يختص بمشاركة الأحزاب الشمولية الداعمة للدكتاتوريين وللسلاح غير الشرعي، مشاركتها في الحراك المدني عبر بعض امتداداتها، فهذه مسألة ثانوية برأيي لا تؤثر على جوهر الحراك طالما ينضبط المشاركون بإطاره العام. يمكن لكل القوى المؤيدة لمطالب الحراك المدني ولبرنامجه المعلن، بدءاً بحل بيئي للنفايات وتأمين الخدمات ومحاسبة الفاسدين، يمكن لكل هذه القوى المشاركة والإلتزام بنهج الحراك وأسلوبه السلمي وأهدافه المعلنة، كون ذلك يصب في مصلحة كل المواطنين من دون استثناء.

لقد تعرض الحراك المدني الشبابي لانتكاسة كانت متوقعة بسبب تضافر القوى السياسية والطائفية ضده وهذا ما يستدعي استراحة تبدو ضرورية لالتقاط الأنفاس وإعادة التقويم بهدف تصويب المسار والأساليب. لا ينفع القول بوجود إصرار من معظم مكونات الحراك المدني على الحفاظ على سلميته بالرغم من الإستفزازات التي تعرض لها المشاركون. يُفهم أن حراكاً مطلبياً لا قيادة حديدية له وفيه تنوع كبير، ولديه إمكانيات تنظيمية محدودة ، لا يستطيع السيطرة على الأرض. ينبغي التشديد على أهمية أن ينطلق نقد الحراك من موقع غير أبوي أو سلطوي، وأن يهدف لتطويرالحراك الحاضر وأي حراك مستقبلي، لا تهشيمه من خلال وضعه على قدم المساواة مع حكم جائر وناهب يعرفه الجميع ويعرف من يمارسه من أمراء الحرب الذين يحكمون البلد منذ نهاية الحرب الأهلية. يبقى أن النقد ضروري فالحراك ليس صنماً نعبده وليس هدفاً بذاته، إنه مجرد وسيلة للوصول إلى المبتغى وهو نظام يحترم المواطن ويقوم بدوره ويؤمن الخدمات الأساسية من دون منة. وأما هو أبعد من ذلك أي تطوير الصيغة الدستورية وتحقيق إصلاحات جوهرية تمهد لقيام الجمههورية الثالثة، فلا يتوهمن أحد أن تلك مهمة أي حراك مدني مطلبي. ذلك الهدف البعيد يتطلب وجود قوى سياسية تقبل بإعادة التفاوض على أسس الجمهورية بدءاً من الإقرار بأنه يستحيل استمرار صيغة النظام المركزي "القوي" والدولة الضعيفة والفاشلة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نور الغندور ترقص لتفادي سو?ال هشام حداد ????


.. قادة تونس والجزائر وليبيا يتفقون على العمل معا لمكافحة مخاطر




.. بعد قرن.. إعادة إحياء التراث الأولمبي الفرنسي • فرانس 24


.. الجيش الإسرائيلي يكثف ضرباته على أرجاء قطاع غزة ويوقع مزيدا




.. سوناك: المملكة المتحدة أكبر قوة عسكرية في أوروبا وثاني أكبر