الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دمى آدمية

فاتح الخطيب

2015 / 10 / 21
مواضيع وابحاث سياسية


- الو,, اسف أنني أتصل بك في مثل هذا الوقت, لكن ضروري بأن التقيك.
- لا مشكلة, تعال.
- دقائق وأكون عندك.
فتحت الباب له وكان واضحا من ملامح وجهه بأن أمرا خطيرا قد حصل.
- أعتذر مرة اخرى بأنني أزعجك لكن حقا أحتاج للتحدث معك, اتذكر مرتضى بصول؟ ذلك الشاب الذي قمت انت بترجمة عقد العمل له؟
- أذكر بأنني قمت بترجمة طلب الالتحاق بالخدمات الأمريكية, لكن لا أذكر الشاب.
- كان ذلك العقد من أجل صديقي مرتضى. وقد قلت وقتها بأن شروط العقد والظروف المحيطة به من السوء بحيث يصبح كل من يلتحق بذلك العمل عبد, بل أسوأ من ذلك, يصبح روبوت يتحرك حسب ارادة الشركة.
- هذا صحيح, وكنت قد سألتك وقتها, أهو لك؟ فقلت لا انما هو لصديقك مرتضى, نعم الان تذكرت اسمه, فطلبت منك بأن تحذره من الاقدام على توقيع مثل ذلك العقد.
هنا انفجر عميد بالبكاء عندما أخبرني بموت صديقه. وبعد أن هدأ قليلا تابع حديثه بصوت مرتجف بأنهم اليوم جاؤوا بجثة مرتضى بصول من العراق اثرعملية انتحارية قام بها في عزاء شيعي. واتفقنا بان نذهب معا في اليوم التالي لبيت العزاء.
التقيت عميد في مساء اليوم التالي ودخلنا خيمة العزاء معا, والتي بدت مختلفة, حيث تظهر بها علامات الفرح اذ تنتشر صوره في ارجائها ويافطات تتحدث عن مرتضى البطل الذي قضى في عملية استشهادية نصرة للاسلام والمسلمين, حيث قام بتفجير نفسه بين الرافضة وقتل عشرين شخصا منهم. استغربت ما شاهدته وملت على عميد لأسأله هل كان صديقك متدين؟ فقال لا, بل انه لم يره يصلي ولو مرة.
بدت الأمور محيرة وثار فضول لدي بأن أتحدث لأحد من افراد أسرته, لافهم الحكاية, فأشار عميد الى أخيه سليم الذي كان يقدم القهوة للضيوف, انه أكبر من مرتضى بسنتين, وهو شاب مثقف وكان صديقا له. انتظرنا الى أن انتهى من تقديم القهوة لباقي الضيوف وطلبت من عميد أن يقول له بأنني أريد التحدث اليه, ففعل. وبدأت حديثي بتعزيتي له, وقلت له بصراحة ان هناك أمورا أحب أن أفهمها منك كونك أخوه والمقرب, فنظر سليم الى عميد متسائلا, فعرفه بي أنني صديق والده وأنني من قام بترجمة طلب العمل الذي ارتبط به مرتضى. زالت الدهشة من وجه سليم لكنه بقي حزينا صامتا.
- في الحقيقة أن هناك بعض الأمور التي أود التحقق منها.
- تعال نتمشى بعيدا عن الخيمة.
- كيف بدأ الامر مع مرتضى وكيف تعرف على هذا العمل؟
- عن طريق مكتب سياحة في ميدان القبة اسمه الاجنحة للسياحة والسفر. وكل الذي نعرفه بأن طبيعة العمل سوف يكون في الخدمة المدنية ولا علاقة له بالأمور العسكرية.
- وهل بقيتما على اتصال؟
- أبدا, لقد انقطع الاتصال معه منذ اليوم الأول الذي غادر به الأردن وذلك للاحتياطات الأمنية.
- أكان متدينا؟
- لا
- وما تفسير اليافطات الموجودة داخل خيمة العزاء؟
- في الحقيقة أن أمورا غريبة حصلت قبل أربعة أيام عندما جاء بعض الشيوخ لدكان والدي وتحدثوا عن الشيعة وخطرهم على الاسلام والمسلمين, وخطر المد الفارسي على المنطقة, وأن محاربتهم أصبحت واجبة. وكانت أفكارهم تشبه تماما تلك التي تبث في بعض الفضائيات التي لا شغل لها الا التشهير بالشيعة. ووالدي رجل بسيط وأظنه اقتنع بما قالوه. وبعد يومين جاء خبر وفاة أخي, فعادوا لوالدي وأخبروه بأنهم قد عرفوا مسبقا بالأمر وأن ابنه بطل وسوف يقيموا له خيمة تليق ببطولته وليس عزاء.
- وهل تعرف من هم هؤلاء الشيوخ؟
- أعرف واحد منهم, فهو مؤذن مسجدنا والاخرين كانت أول مرة اراهم بها.
حالة من الغضب والحزن سيطرت علي وتذكرت الانطباع السيء الذي شكلته عن عقد العمل الذي قمت بترجمته لعميد, حيث وجدت في بعض تفاصيله بأن للشركة الحرية المطلقة ارسال المستخدم الى أي مكان في العراق ولتنفيذ أية مهمة تحت مسمى الخدمات المدنية للقوات الأمريكية, وتساءلت وقتها ما الذي يمنع بأن يرسلوا هؤلاء الشباب للقيام بعمليات تفجير دون أن يكون لديهم أية معلومة عما يقوموا به.
وكان من ضمن شروط الالتحاق بالعمل امتلاك المستخدم رخصة للقيادة, مما يعني أنه يمكن أن يقود سيارة مفخخة دون أن يعلم. وتذكرت أيضا حادثة البصرة والتي القي القبض فيها على جنديين بريطانيين اثنين وبحوزتهما أسلحة ومعدات تستخدم للتفجير ويرتديان أزياء محلية والتي دارت أحاديث وقتها بأن أغلب عمليات العنف التي تجري في العراق تقف وراءها جهات مرتبطة بقوات الاحتلال بهدف زعزعة الوضع الأمني في العراق للبقاء أطول فترة ممكنة. وتوضحت الفكرة بأنهم بدل أن يقوموا بمثل هكذا مخاطرة بأنفسهم أن يستخدموا شبابا عربا ومن المذهب السني بالتحديد لكي يصيبوا أكثر من هدف في مقتل.
عدنا للخيمة ووعدته بأن أتابع الموضوع وأن أبقى على اتصال معه ثم ودعناه أنا وعميد وعدنا ادراجنا. وفي الطريق بقيت تحت تأثير حالة الغضب الشديد من الذي سمعته من سليم. وبعد قليل خرج عميد من صمته
- أنا وقعت في ورطة وأرجوك ساعدني
- لا تقل بانك وقعت العقد معهم....
- نعم وقبضت 700 دولار
- غبي غبي
- أرجوك ساعدني, فالمطلوب مني أن أسافر الى العراق خلال يومين, أرجوك لا تتخلى عني, اني خائف
طبعا لم اتمالك نفسي وبقيت العنه وأشتمه والعن الساعة التي جاء بها الي, حتى انني لم أشعر بالعطف عليه عندما بدأ بالبكاء. وبقينا دون كلمة بضعة دقائق الى أن وصلنا لبيته, قلت له أذهب الان وسوف نرى ما يمكن فعله.
طبعا لم أنم طيلة اللية حيث المشاهد تلاحقني الصورة تلو الأخرى, خيمة العزاء, الشيوخ الثلاثة, صورة الشاب الوسيم مرتضى المعلقة على بوابة الخيمة, الحرب في العراق, وتلك الفضائيات التي لا نعرف من يمولها ولحساب من تعمل.....يكاد رأسي ينفجر فحجم المؤامرة اكبر منا بكثير.
أول عمل قمت به في اليوم التالي هو أن ذهبت لمكتب السياحة, وبعد حديث قصير أدركت بأنهم مدربون جيدا ويعرفون كيف يصطادوا فرائسهم. بعدها هاتفت عميد وطلبت منه بأن يجهز نفسه لكي آخذه للمستشفى, فقد كانت أول فكرة تخطر ببالي لكي أخلصه من الورطة التي هو بها, أخذته للمستشفى الحكومي وطلبنا من الطبيب اجراء فحوصات للاشتباه باعراض فتق في أسفل بطنه, اذ كنا بحاجة لكسب الوقت بأن يكون في مكان آمنا حتى اتدبر أمر اعادة النقود التي اخذها ولكي يتحلل من العقد الذي وقعه. ومرت الأيام الثلاثة الأولى بسلام, وبعد مفاتحة بعض الأصدقاء في الموضوع أشاروا علي بأن أتفاوض مع مكتب السياحة لكي أعيد لهم النقود, ففعلت لكنهم أنكروا أية معرفة بعميد وبالنقود. فقررت أن أذهب لعمان حتى أستعين ببعض الأصدقاء الذين لهم اتصال بالسفارة الامريكية. وبالفعل فقد وعدونا خيرا وأن الموضوع سينتهي بسرعة وسوف يجدوا تلك الشركة. شعرت بالاطمئنان قليلا وهاتفت عميد وأخبرته بان الامر سوف ينقضي ولا داع للقلق, عدت لبيتي ونمت مباشرة من شدة التعب.
في اليوم التالي ذهبت للمستشفى لكني لم أجد عميد في غرفته, سألت الموظفين عنه فقالوا أنه غادر منذ الصباح الباكر حيث جاء أحدهم واصطحبه معه. ومباشرة هاتفت صديقي لكي أسأله عن ولده عميد فقال أنه لا يزال في المستشفى, شعرت بالقلق, وبعد ساعة هاتفت أبيه مرة أخرى فقال أنه لم يعد للبيت, فأخبرته بأنه غادر المستشفى, وان يهاتفني حال وصوله البيت. جاء الليل ولم يهاتفني والده مما يعني أنه لم يعد للبيت, وهذه ليلة أخرى لم أنمها من شدة القلق. في الصباح الباكر انطلقت بسيارتي نحو مكتب السياحة منتظرا حضور ذلك الموظف, وفي التاسعة شاهدت موظفين يفتحا المكتب, نزلت من سيارتي بسرعة متجها نحوهم وسألتهم:
- أين عميد؟
- فقال احدهم من هو عميد؟
- قلت يا كلاب ماذا فعلتم به؟ أين هو؟
- أخرج من هنا والا استدعينا لك الشرطة
- الشرطة يا خونة يا عملاء؟؟؟
- الو شرطة النجدة؟
فاتح الخطيب








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لماذا خصّ الرئيس السنغالي موريتانيا بأول زيارة خارجية له؟


.. الجزائر تقدم 15 مليون دولار مساهمة استثنائية للأونروا




.. تونس: كيف كان رد فعل الصحفي محمد بوغلاّب على الحكم بسجنه ؟


.. تونس: إفراج وشيك عن الموقوفين في قضية التآمر على أمن الدولة؟




.. ما هي العقوبات الأميركية المفروضة على إيران؟ وكيف يمكن فرض ا