الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المحافظون الجدد على ارض بابل:الحلقة الثالثة

سعد سلوم

2005 / 10 / 27
مواضيع وابحاث سياسية


المحافظون الجدد والتراث الريغاني

في الثمانينات، وفي عهد ادارة رونالد ريغان (1980-1988) لعب المحافظون الجدد الذين كانوا من الحزب الديمقراطي، ثم انضموا إلى الحزب الجمهوري دوراً سياسياً مهماً، حاثين ادارة ريغان على استعمال شدة أكثر قسوة مع الاتحاد السوفياتي من أجل اسقاط النظام الشيوعي هناك.وقد كانت المكارثية كأداة قد شغلت حيزاً مهماً في عملية التشكل الإيديولوجي في حقبة الحرب الباردة وسيشهد هذا التوجه إحياءً بعد ضمور، في عهد الرئيس الأميركي الجمهوري والمكارثي النشأة رونالد ريغان(1981-1989) ليشكل عهده منعطفاً جديداً في السياق ذاته على مستوى العلاقات الخارجية، وإنطلاقاً من إيديولوجيا صراعية ذات نكهة دينية واضحة. وهو العهد الذي شهد الحضور الأهم للنيوكونز في إي إدارة أميركية ومنحهم فرصة إعادة منهجة خطابهم وأجندتهم التي شغل "القضاء على الشيوعية" أولى أولوياتها كمقدمة لسيادة نظام عالمي جديد تحكمه الإمبراطورية الأميركية وأستعيدت مفردات خطابهم الإيديولوجية الدينية.
وفي خطابه الشهير أمام مجلس العموم البريطاني عام 1982 وصف ريغان الإتحاد السوفياتي بأنه "إمبراطورية الشر" التي على الولايات المتحدة وحلفائها بإعتبارها إمبراطورية الخير أن تهزمها. وهو ما انعكس على شكل سياسة أميركية جذرية حول العالم وفي الفضاء،من أوروبا الشرقية إلى الشرق الأقصى والكوريتين مروراً بالشرق الأوسط، وشمال أفريقيا (أفغانستان،الحرب العراقية - الإيرانية، لبنان،ليبيا) وإنتهاءً بأميركا اللاتينية (نيكاراغو) ليزيد هذا من حجم الإنفاق العسكري (35%). وهو إلى ذلك سيعلن ما سماه الحرب على "الإرهاب الدولي". المهمة التي سيستكملها نائبه وحامل أرثه جورج بوش في عهده الرئاسي(1989-1993) الذي سيتزامن مع السقوط المدوي للخصم الإيديولوجي مما سيفسح المجال أمام النيوكونز ليقدموا هذا السقوط على أنه نصر تحقق نتيجة سياستهم وإيدلوجيتهم مثل "وعد توراتي"، في حين سيعلن بوش "النظام العالمي الجديد" وفق رؤية يمينية مبشراً بحقبة الإمبراطورية الأميركية، في ما أعتبر لحظة تاريخية ثانية تفوت الولايات المتحدة للعودة إلى المدرسة الجفرسونية (نسبة لجفرسون) حيث تنشر الولايات المتحدة قيمها من داخل الحدود وليس من خارجها برفاهها ونجاحها كدولة رعاية،تحد من تدخلاتها الخارجية وما يترتب على ذلك من مخاطر والتزامات متزامنة، وفق تصنيف والتر راسل ميد للمدارس السياسية الأربع في الفكر السياسي الأميركي في كتابه اللافت(Special providence 2003). إلا أن التصور الجفرسوني أستبدل بتصور أكثر جذرية ويذهب إلى حيث رمى الخطاب اليميني في مساره الغائي الا وهو إقرار الإمبراطورية وذلك على حد ما يذهب اليه هشام حسين يونس، في مقاله (الامبريالي والديني بعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية)( المنشور في : www.mowaten.org)

تحالف اليمينين غير المقدس

هذه اللحظة التاريخية المقدسة حفزت على التحالف بين الايديولوجيا السياسية اليمينية والأيديولوجية الدينية والذي وصل الى ذروته اليوم. ومع صدور نتائج الانتخابات الرئاسية، دخلت الإمبراطورية الأميركية طوراً جديداً بلبوس ديني متجدد، حيث بات السلوك الإمبريالي جزءاً لا يتجزأ من إيديولوجيا دينية جماعية ومكوناً من مكونات وعيها وبالتالي نجح النيوكونز بالتحالف مع تيارات اليمين الديني البروتستنتي على وجه الخصوص، والكاثوليكي واليهودي في إشاعة إيديولوجيا الامبراطورية وترسيخها كمكون جماعي ذي مكنون ديني بعدما كانت تعبيراً عن سياسة الدولة وسلوكها. ولعل المراقب يستطيع تتبع مؤشرات هذا التحول إبتداءً من حقبة ما بعد الحرب العالمية الأولى وحلول الحرب الباردة. على الصعيد الاول كان ليو شتراوس بالمعنى الفلسفي العام الاب الروحي للحركة لكن على صعيد التنظير الميداني كان ايرفنج كريستول يضع اللبنات الفكرية الواقعية للمشروع. حدد كريستول مفهومه بأن «النيوكونز» ليسوا حركة وانما مجموعة تستهدف تحويل الحزب الجمهوري والاتجاه المحافظ الاميركي رغما عن ارادتهم الى نوع جديد من السياسة المحافظة للديمقراطية الحديثة، محافظة آمله وليست كئيبة ـ من وجهة نظره متطلعة للمستقبل وليست متشبثة بنوستاليجا الماضي ، روحه العامة، مستبشرة وليست تأسيسية.
بهذا المعنى انطلقت حركة النيوكونز تغير وتجمع وتكتل الفصائل المختلفة لليمين الاميركي حيث مدوا ايديهم لليمين الديني واجتذبوا اثنين من اهم قيادييه هما غاري بور وبل بينيت، كما دعموا مطلبهم التاريخي لايجاد حلول حكومية للمشاكل الثقافية الاميركية من الداروينيه الى رمزية مرجعية الوصايا العشر، وافسحوا الصفوف للمحافظين الدينيين في قلب تشكيلات الحزب الجمهوري حيث وصلوا الى 40% ووقفوا معهم في قضاياهم الاساسية مثل التصدي للاجهاض والاباحية ووقف تدهور المدارس.( خالد محمود،المحافظون الجدد في أمريكا يحكمون العالم، صحيفةالبيان،العدد 643،الثاني عشر من سبتمبر 2003)

أورشليم العالم الجديد

ولعل كثيرا من المراقبين يلاحظون انه لم يسبق ان تداخل الدين والسياسة في الولايات المتحدة كما يحصل اليوم: فالرئيس جورج بوش يظهر مرارا وتكرارا تعلقه بالدين، في شكل علني لم يعتمده اسلافه. وتشن السلطات الاميركية منذ احداث 11 ايلول حربا على الارهاب كان المسلمون في اميركا وخارجها ضحيتها الاساسية. ويبرز التيار الانجيلي المحافظ ناخبا اساسيا للحزب الجمهوري، بينما يشكل "المحافظون الجدد"، ذوو العلاقة القوية باللوبي اليهودي، الطرف الاكثر نفوذا في الادارة الحالية. واذا ما تسألنا عن سر هذا التحالف بين المحافظة "المتطرفة" والمسيحية "الصهيونية" المتطرفة؟!، فلان ذلك يرقى بالمعنى "الثقافي" و"التاريخي" الى القرن التاسع عشر الجنوبي، الى رجال الدين الذين روجوا حججا لتملك العبيد قبل الحرب الاهلية تستند الى "تكريس التوراة للعبودية". واذا جاز وصف "المحافظة الجديدة" "العلمانية" ومعها حليفها اليمين الديني المتشدد بـ "الاصولية الامريكية" فان هذه "الاصولية" ترقى في التاريخ الامريكي الى المهاجرين الاوائل من انجلترا الى ما سمي بـ "العالم الجديد" هؤلاء الذين اعتبروا امريكا "اورشليم الجديدة" وشبهوا انفسهم بالعبرانيين القدماء وانهم اي "البروتستانت البيورتانيين" "التطهريين" شعب الله المختار، والى المجموعة الثانية من المستوطنين الذين وصلوا الى شاطئ نيوانجلاند على ظهر السفينة "ماي فلاور" عام 1620، ووقعوا فيما بينهم عهد "ماي فلاور" الذي حددوا فيه اسس المجتمع المثالي في اسرائيل الجديدة( امريكا اوالعالم الجديد.)أما العالم القديم بالنسبة لهم،فكان هو مصر التي فروا منها.لقد عقدوا عهدا مع الرب: انه اذا أمنَ الرب ذهابهم الى العالم الجديد،فانهم سيؤسسون مجتمعا تحكمه القوانين الالهية.
امريكا "ارض الميعاد" تأسست حسب والترا أ. مكدوجال، على "العهد القديم"، فعكست فكر المهاجرين الاوائل حتى نهاية القرن التاسع عشر، وبعد اكتمال الاستيطان حتى الساحل الغربي تحولت الى امريكا "العهد الجديد" او "الدولة الصليبية" التي عكست تصور الامريكيين لانفسهم وسلوكهم في الشؤون العالمية خلال القرن العشرين، من منطلق ان لامريكا رسالة لخلاص البشرية ونشر الحرية والتقدم، وهي "رسالة الهية" من "العهد القديم" استعار الواسب "الانجلوسكسون البروتستانت البيض" فكرتهم عن "الحرية (الاستثنائية) و"الاحادية" او "الانعزالية"، و"التوسعية الاستيطانية" في الداخل الامريكي، اما من "العهد الجديد"، ودائما ـ حسب مكدوجال ـ فاستعيرت افكار "الامبريالية التقدمية" ومبدا ولسون "الليبرالية العالمية" و"الاحتواء" و(اصلاح العالم).
اذن "الحرية" في الثقافة الامريكية التاريخية،تتطابق مع "الاستثنائية" التي منحها الرب للمستوطن "المنشق" عن العالم القديم ليكون مستعليا على كل قبائل الارض.انها حرية اشتقت بداية من "الصليب" او من "القانون الطبيعي"، والامران يتطابقان في الفكر التوراتي الامريكي.. انها تعني ايضا الحرية المدنية والدينية التي تتيح الاستمتاع بالملكية الخاصة، وان يحصد المرء ثمار عمله دون ان يتدخل في شؤونه احد.. انها حرية من ترك وراءه كل الاحكام المسبقة والسلوكيات القديمة، واحتضن سلوكيات اخرى جديدة من طريقة الحياة الجديدة التي عشقها ويعبر عن ايمانه بالتفاني في العمل والبحث عن الفرص، وعندما يكسب تكون تلك هي مكافاة الرب له.
مايكل كوربت وجوليا ميتشل كوربت ،الدين والسياسة في الولايات المتحدة، الجزء الاول ، ترجمة:عصام فايز وناهد وصفي،مكتبة الشروق ،القاهرة 2001،ص 43-44 وانظر ايضا: شوقي ابو شعيرة،ادارة بوش:قصة المحافظين الجدد،جريدة الخليج،14-2-2002.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل باتت الحرب المفتوحة بين إسرائيل وحزب الله أقرب من أي وقت


.. حزمة المساعدات الأميركية لأوكرانيا وإسرائيل وتايوان..إشعال ل




.. طلاب جامعة كولومبيا الأمريكية المؤيدون لغزة يواصلون الاعتصام


.. حكومة طالبان تعدم أطنانا من المخدرات والكحول في إطار حملة أم




.. الرئيس التنفيذي لـ -تيك توك-: لن نذهب إلى أي مكان وسنواصل ال