الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تعاطُف

حسين مهنا

2015 / 10 / 24
الادب والفن


حسين مهنّا

تَعاطُفٌ .. !
(قِصًّة )

رَأَى الحَمَلُ الوَديعُ والِدَهُ الكَبْشَ الوَقورَ مَهْمومَاً ، فَسَأَلَهُ : ما لي أَراكَ يا أَبَتِ مَهْمومَاً مُقَطِّبَ الوَجْهِ ، وكُنْتَ فيما مَضى مِمْراحَاً طَليقَ المُحَيّا ؟ فَأَجابَ والِدُهُ : لا تَمْلأْ رَأْسَكَ الصَّغيرَ بِهَذِهِ الأَسْئِلَةِ الثَّقيلَةِ الحَمْلِ يا وَلَدي ! ما عَليكَ إلّا أَنْ تَتَمَتَّعَ بِحَياتِكَ قَدْرَ اسْتِطاعَتِكَ .. وَعِنْدَما لَمْ يَجِدْ في رَدِّ والِدِهِ جَوابَاً مُرْضِيَاً ، قالَ : ولَكِنِّي بَدَأْتُ أَراكَ على غَيرِ عادَتِكَ كُلَّ يومٍ ! تَبَسَّمَ الوالِدُ لِصَغيرِهِ ، وبَعْدَ أَنْ قَبَّلَهُ قُبْلَةَ الأَغنامِ لِبَعْضِها هَمَسَ في أُذُنِهِ : هكَذا خُلِقْنا يا صَغيري .. الكِبارُ وُلِدُوا لِيُفَكِّروا ، والصِّغارُ وُلِدُوا لِيَلْعَبُوا وَيَسْعَدوا !
وراحَ الصَّغيرُ يَتَقافَزُ في الحَوشِ الرَّحْبِ المُعَدِّ لِلْكِباشِ والحُمْلانِ ؛ أَمَّا الكَبيرُ فَعادَ الى صَمْتِهِ يَجْتَرُّ هُمومَهُ .. كَيفَ لا يَعودُ الى وُجومَهِ وَقَدْ سَمِعَهُم يَقولونَ : اقْتَرَبَ العيدُ وها هِيَ ذي أُضْحِيَّتُنا قَدِ اكتَنَزَتْ لَحْمَاً وشَحْماً ... ! وانْتَقَلَ تَفْكيرُهُ نَحْوَ صَغيرِهِ الَّذي سَيُسَمَّنُ لعيدٍ آخَرَ قادِمٍ ، فَشَهَقَ وبَكى ولكِنْ بِغَيرِ دُموعٍ ، فالدُّموعُ لا تَليقُ بِكَبْشٍ ذي قَرْنَينِ مَجْدولَينِ !
أَعادوَا الحَمَلَ بَعْدَ أَنْ أَبْعَدوهُ عنْ حوشِهِ أَيّاماً ، وعِنْدَما لَمْ يَجِدْ والِدَهُ بَكى بُكاءً مُرَّاً ، وأَصْبَحَ لِزامَاً عَلَيهِ أَنْ يَعْتادَ حَياةَ اليُتْمِ بِفَقْدِ الأَبِ وغيابِ الأُمِّ الّتى اسْتَيقَظَ ذاتَ صَباحٍ مُغْطِشٍ على بُكائِها وهيَ تُوَدِّعُ والِدَهُ ، وتوصيهِ بِهِ وِصيَّةَ المَحْروقَةِ بِنارِ إبْعادِها عَنْ صَغيرِها .. فَقَدْ أَمَرَ السَّيِّدُ بِإعادَتِها الى بَني غَنَمٍ قَوْمِها ، لَيسَ مَحَبَّةً مِنْهُ أَو رَحْمَةً بَلْ لِأَنَّها نَعْجَةٌ لا تَزالُ شابَّةً وَظيفَتُها الحَمْلُ والإِنجاب . أَمَّا هُما فَقَدْ ظَلّا يَنْتَظِرانِ مَصيرَهـما المَحْتوم .......
....قالَ : .... وكَلَّمَ إسْحَقُ إبْرَهيمَ أَباهُ وقالَ يا أَبي .فقالَ هَأَنَذا يا ابْني .فَقالَ هُوَذا النّارُ والحَطَبُ ولكنْ أَينَ الخَروفُ لِلْمُحْرَقَةِ ..... وقالَ : ... ثُمَّ مَدَّ إبرَهيمُ يَدَهُ وأَخَذَ السِّكّينَ لِيَذْبَحَ ابْنَهُ ..... وقالَ : .... فَناداهُ مَلاكُ الرَّبِّ منَ السَّماءِ وقالَ ..... لاتَمُدَّ يَدَكَ الى الغُلامِ ولا تَفْعَلْ بهِ شَيئَاً .... وقالَ : ... فَرَفَعَ ابرَهيمُ عَينَيهِ ونَظَرَ وإذا كَبْشٌ وراءَهُ ... ( تَكوين / إصْحاح 22 ) .
لَمْ يَأْخُذِ الصَّغيرُ كَثيرَ وَقْتٍ كي يُدْرِكَ ما كانَ يَعْتَري والِدَهُ من حالاتِ الوُجومِ المُسْتَطيلَةِ في أَيّامِهِ الأَخيرَةِ . وأَدْرَكَ أَيضَاً لِماذا يَعْتَنونَ بِهِ ، هوَ ، كُلَّ هذا الاعْتِناءِ ، فالطَّعامُ وَفيرٌ ، والماءُ نَميرٌ ، وما عَلَيهِ إلّا أَنْ يَأْكُلَ ويَشْرَبَ ويَسْمَنَ .. وأَقْنَعَ نَفْسَهُ أَخيرَاً أَنْ يَعيشَ أَيّامَهُ بِدونِ تَفْكيرٍ ، مُتَمَنِّيَاَ لِنَفْسِهِ عُمْرَاً مَديدَاً ..!
وفي يَومٍ ، جاءَ السَّيِّدُ مَعَ سَيِّدٍ آخَرَ بِرِفْقَةِ زَوْجَتِهِ وراحوا يَنْظُرونَ الى الحَمَلِ الصَّغيرِ الوَديعِ نَظَراتٍ شَرِهَةٍ .. وخَمَّنَ المَوقِفَ مُعْتَمِدَاً على غَريزَتِهِ الّتي سَلَّحَهُ اللّهُ بِها كي تُنْذِرَهُ بِالخَطَرِ قَبْلَ وُقوعِهِ.. إنَّهُ سَيَنْتَقِلُ الى بَيتِ السَّيِّدِ القادِمِ بِرِفْقَةِ زَوجَتِهِ . فَكَّرَ : سَيِّدٌ بَدَلَ سَيِّدٍ ، وحَوشٌ بَدَلَ حَوشٍ ، وطَعامٌ وشَرابٌ ، لا فَرقَ ... !! المُهِمُّ أَنْ يَعيشَ حَياةً سَعيدَةً مَديدَةً ، وبَعْدَها يُلاقي وَجْهَ رَبِّهِ راضِياً مَرْضِيّاً .
وفي الطَّريقِ قالَتْ الزِّوجَةُ بِدَلَعٍ يَفْضَحُ شَهِيَّتَها المُنْدَلِقَةَ تُخاطِبُ زَوجَها الّذي يَهْوى دَلَعَها هَذا فَلا يَمْنَعُ عَنْها رَغْبَةً : إسْمَعْ ياعَزيزي ! أَنا لا أُحِبُّ لَحْمَ الكِباشِ الهَرِمَةِ ، لَحْمُ هذا الحَمَلِ لا بُدَّ مِنْ أَنْ يكونَ طَريئَاً ولَذيذاً ..... !!


( البُقَيعَة / الجليل / تشرين أَلأَوَّل 2015 )








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كل الزوايا - -شرق 12- فيلم مصري يشارك في مسابقة أسبوع المخرج


.. الفيلم اللبنانى المصرى أرزة يشارك فى مهرجان ترايبيكا السينما




.. حلقة #زمن لهذا الأسبوع مليئة بالحكايات والمواضيع المهمة مع ا


.. الذكاء الاصطناعي يهدد صناعة السينما




.. الفنانة السودانية هند الطاهر: -قلبي مع كل أم سودانية وطفل في