الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فقدان الاتجاه أم واقع سياسي جديد في تونس؟

رضا لاغة

2015 / 11 / 13
مواضيع وابحاث سياسية


التاريخ متقلب ، ليس فيه استقرار ، يحكمه ضجيج اللاتوازن ، و اللاتماثل ، تمتزج فيه حروب سرّية و علنيّة ، وهو موضوع صفقات و مؤامرات لتمكين الغزاة أحيانا أو معاقبتهم و طردهم أحيانا أخرى . في الوضعية الأولى نحن نتحدث عن تاريخ المنهزمين ، تاريخ خبيث يحمل مطالب التدجين كإطار مرجعي يخترق استقلالية القرار الوطني من أقصاه إلى أقصاه . و في الوضعية الثانية نحن نتحدث عن تاريخ المنتصرين ، تاريخ حافل بالبطولة . فمن أي نقطة سنبدأ ضمن العناصر المشكّلة للمرحلة الانتقالية التي تشهدها تونس؟
نتابع الأحداث و ننظر إلى التحوّل الصريح الذي عمدت فيه قوى غامضة إلى تسريب نوع من التدجين الذي يحرق شعار استقلالية القرار الوطني و هتك وهجه و بريقه و لمعانه مقابل تقوية النفوذ الخارجي .
إن الافتتان بسحرية الفاعل الخارجي كضامن للسلطة يمتدّ و ينتشر بشكل يضيّع مجد تاريخ الأسلاف . إنها لحظة معطوبة صمّمت لنا تاريخا شاحبا كوريث لسلالة متفسّخة متذمّرة من وطن مستقل.
يخلع النداء حقيقته المخبّأة و المشتقّة من انسيابية الدور الخارجي الذي يشكّل مرجعية الحكم ، و بقابلية مزودة بصدمة الانقسام يتحوّل كيري وزير الخارجية الأمريكي إلى تونس ليلتقي السيد الطيب البكوش وزير خارجية تونس للإشراف على أشغال الدورة الثانية للحوار الإستراتيجي التونسي الأمريكي تفعيلا لاتفاقية الشريك غير العضوي لتونس في حلف الناتو و تمهيدا لتنسيق لوجستي مهذّب لتركيز قاعدة عسكرية أمريكية في مثلّث الجنوب الشرقي الذي يربط بين ليبيا و الجزائر و تونس.
إن هذه الخطوة تنسج بكلمات طاهرة و نقيّة من قبيل الدفاع عن التجربة الديمقراطية التونسية من الخطر الداعشي . و هكذا يستكمل التدخل الخارجي توظيف و تشغيل البعد ألاستخباراتي الذي يقترب من فكرة أنطونيو نيغري و مايكل هاردت حين قالا:" تتجسّد الإمبراطورية أمام أعيننا " . هذه الحقيقة الجديدة أصبح يتغنّى بها كل من تحطّمت شجاعته و نزل إلى جحيم الاستعباد ليظهر بمظهر المحنّك الذي يدرأ الشعب من المخاطر الكامنة في منازلة الإمبراطورية . إن التهلّيل بهذه الحقيقة يتنزّل بوصفه " حقيقة إغلاق القنوات المؤسساتية التي تمكّن المواطن من التأثير أو التصدّي لمنطق رأسمال بارد قائم على الربح" .
ورغم ذلك فإن هذا المنحى أصبح بمرور الزمن سببا في جعل الأحزاب الحاكمة أنحف و أكثر فقرا في مستوى جماهيريتها بشكل مادي ملموس . فحزب النداء خسر ثراءه و غناه.
و لا تعود المشكلة في نحاجه في رأب الصدع من عدمه بل في افتضاح فكرة التتابع المنتظم للخلاف بداخله و هو ما ينشأ الخوف لدى الشعب من المستقبل فيفقده اليقين بطبيعة الدور الذي يمكن أن يلعبه في مجابهة الاستحقاقات الاجتماعية و الوصول إلى توازن اقتصادي جديد و مثمر. و ما زالت كذلك حركة النهضة كحزب حاكم فرضية مستنفذة و غير ذات جدوى رغم صلابتها التنظيمية . من الواضح تماما أن المدخل الشكلي ( غير الوظيفي ) لفكرة التشاركية هو ما يبقي لحركة النهضة دورا مرتقبا في الحياة السياسية . بمعنى أن الترابطات السياسية تستبعد إنهاء دور حركة النهضة و لكن مع حسم مبدئي لفكرة أنه لا ينبغي لتجربة الترويكا أن تعاد. من هنا نفهم لماذا تهمل حركة النهضة حقيقة انقسام النداء كمدخل لإزاحته من الحكم. نخطئ إذا كنا نظن أن انقسام النداء ليس أمرا مبهجا للنهضة و لكننا نظل جاهلين بمقتضيات المتغيّر السياسي إن راودنا اعتقاد بأن حركة النهضة ستحاول العثور على اتجاهات ضائعة للحكم من جديد.
إن انقسام النداء ذو قيمة عظيمة و لكن تفشل حركة النهضة لو وضعته في سياق أنه منطلق للحكم من جديد بالمنوال القديم ( الترويكا ). هي تقول لا نفع من إسقاط حكومة السيد الحبيب الصيد كتفسير سببي لعلاقتها بهدف الحكم و لكن هذا التصريح فيه ترشيد لسلوك يجب أن يتّخذ و يتضمّن حكما بخصوص حكومة السيد الحبيب الصيد و الذي أعتقد أنه ينطوي على قرار لم يتّخذ بعض مضمونه تخريب الحكومة قصد إسقاطها من مداخل مغايرة تنطوي على تناقض داخلي لما صرّح به رئيس الحركة . كالتصعيد في قضية جامع سيدي اللخمي أو تسريب موقف تصعيدي لعناصرها في الإتحاد في ما يخص الإضراب حول القطاع الخاص. إن إسقاط الحكومة يصبح مسألة ضرورية خاصة في حال وجدت تسوية داخل أجنحة النداء . لأن ذلك يتناسب مع هدف حقيقي مفاده تآكل مكانة رئيس الجمهورية بوصفه مؤسسا للحزب و بالتالي رهن النداء أبديا للانقسام و بالتالي انعدام وجود حالة مثلى له.
هنا ينكشف جانب آخر من المشكلة يتعلّق بالمعنى الوظيفي لحوار يحقّق مقدارا من الاستقرار و لكنه يشتقّ من معطيين:
ــ معطى أول يطلّ على شخصية عمليّة ناجعة أرجّح أن تغازل السيد المهدي جمعة . و بهذا نفهم لماذا استبعد من حفل رئاسة الجمهورية لنيل الرباعي الراعي للحوار جائزة السلام. وهو نكز بالمعنى الافتراضي فيه توجّس و خشية من قبل رئيس الجمهورية لشخصية منافسة له في القادم من الأيام.
ــ معطى ثان يستوعب تفريعين من المعارضة و ليس كل المعارضة . بمعنى استدعاء الفصيل السياسي المحدد داخل الجبهة الشعبية و الفصيل السياسي المحدد للأحزاب الديمقراطية . إن هذه التوليفة هي التي ستتحكم في توجّهات حركة النهضة . وهو توجّه يهدف إلى تلافي شبهة العمالة التي أضحت صريحة في خيارات النداء عبر استيعاب نسختين أصليتين من المعارضة . و ليس مستبعدا أن تتحقّق هذه التوليفة آنيّا بشراكة فعلية للرباعي الراعي للحوار أو بعديا ( إثر مؤتمر الاتحاد العام التونسي للشغل ) لتموقع حيوي مرتقب في سلطة القرار.
و إذا ما عدنا بعد هذا إلى مناقشة مشروع استقلالية القرار الوطني الذي يتّخذ نقطة انطلاق هكذا حوار، سيصبح واضحا أن الصعوبة الأصلية تكمن في مدى قدرة الأحزاب الوازنة في الرجوع إلى سلطة قرار مستقلة عن التدخل الخارجي أو على الأقل في تقليص نفوذها .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رداً على روسيا: بولندا تعلن استعدادها لاستضافة نووي الناتو |


.. طهران تهدد بمحو إسرائيل إذا هاجمت الأراضي الإيرانية، فهل يتج




.. «حزب الله» يشن أعمق هجوم داخل إسرائيل بعد مقتل اثنين من عناص


.. 200 يوم على حرب غزة.. ومئات الجثث في اكتشاف مقابر جماعية | #




.. إسرائيل تخسر وحماس تفشل.. 200 يوم من الدمار والموت والجوع في