الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فلسطين ومخاض النكبة

ارنست وليم شاكر

2015 / 11 / 16
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني



لقد أضاعت الشعارات شعوب وحرقت جذور وجرفت أوطان - وكأنه كتب على العرب الغباء والبكاء بعد فوات كل أوان.

في 29 نوفمبر عام 1947 صدر قرار الأمم المتحدة رقم 181 والذي يدعو لقيام دولتين على أرض فلسطين – دولة لإسرائيل ودولة للفلسطينيين أحدهم عبرية والثانية عربية.
بحيث يضمن لكلا الدولتين نفس المساحة تقريبا مع تقاسم كل الحود الاستراتيجية على البحر الابيض المتوسط – على نهر الأردن – حتى على الحدود المشتركة مع مصر وتبقى منطقة القدس مشتركة – وتكون هناك نقطتان حدوديان مشتركتان تربطان كل دولة بأجزائها المختلفة .
دولة فلسطين على مساحة 11000 كم مربع ، ودولة اسرائيل على مساحة 15000كم مربع – وهي مساحات، رغم الفارق الظاهر، تعتبر متساوية من حيث القيمة لما تحتويه منطقة دولة اسرائيل من صحراء النقب الجرداء – ولكنها ربما تكون مجحفة لأنها لم تجعل لدولة فلسطين منفذا على البحر الأحمر – خليج العقبة – ولكن الفلسطينيون والعرب لم يقدموا اقتراحا بالتعديل بل أكتفوا بالرفض والشجب والتشنج وفنون الصياح وصياغة ابيات من شعر الحماسة والفخر وأنتهى الأمر.

** النكبة الحقيقية . وما فعله العرب في أنفسهم .

جرى التصويت على القرار بالموافقة 33 صوت بما فيهم اسرائيل – رفض القرار 13 دولة ، طبعا كانت في المقدمة الدول الرافضة كل الدول العربية المشاركة وكذلك ايران ، ثم انضمت لهم كل من كوبا واليونان والهند – وأمتنع عن التصويت 10 وعلى رأس الممتنعين كانت إنجلترا ....

وبناء على هذا القرار قامت اسرائيل بإعلان دولتها في 5 مايو 1848م – في حين امتنعت فلسطين على أقامة دولة لها في المقابل ، بل تركت الأمر للعرب دون وعي منها بأن لكل دولة عربية حساباتها ومصالحها الخاصة التي تتلخص غالبا في مصالح الزعامات الناعرة – وخاب من جعل العرب وليا ونصيرا - فهذه الرخاوة والتكاسل كان من بعض الأوجه بيع ثاني لسكان الأرض لوطنهم، بحسب وجهة نظر البعض، وربما كان طبيعيا لما حل بهم من انتكاسة بعد تصدي الانجليز لهم في ثورة فلسطين الكبرى من 1936 – 1939 م . والتي انتهت بتجريد الفلسطينيين من اسلحتهم فأنقلب ميزان القوى لصالح اليهود ونواة دولتهم العبرية الناشئة ولاسيما مع استمرار تدفق أعداد كبيرة من القادمين للاستيطان من اليهود عربا كانوا أم أجانب.

كانت ردة فعل العرب "النبهاء" – ردا على قيام دولة اسرائيل هو إعلان الحرب – فكانت النكبة ، وهي بداية نكباتنا العربية التي لا نحسبها قد انتهت بالنكسة عام 67 ، ما دمنا بكل هذا القدر من الفشل في أدراك الواقع واستمرارنا في التعامل مع هذا الواقع بكل هذا التهور وبلا سلاح غير سلاح الشعارات الجوفاء ، وما نحمله من حقد وضغينة -
من نتائج نكبة 48 استيلاء اسرائيل على أكثر من نصف ما كان مقررا أن يكون لدولة لفلسطين وفق قرار الأمم المتحدة رقم 181 ، بالإضافة إلى منطقة القدس التي كان يجب أن تكون منطقة محايدة أو مشتركة –
بعد نكسة 67م صارت كل أرض فلسطين مستباحة لإسرائيل .

ومنذ النكبة والفلسطينيون ما بين مهجر وشريد ومقيم في الخيام وفي العراء أو مَن تكرمت البلدان العربية باستضافتهم بعد أن ورطتهم فلم يعتبروا ذلك كرما بل اقل من الواجب بكثير، ومهما فعلت هذه الحكومات لاسترضائهم فهو يبقى أقل مما يُكفر عن جرم هذه الدول في حقهم ، ولهذا لم يكن الفلسطينيون في أغلب الأحيان إلا ناقمين رغم أنهم أحيانا كانوا موضع حسد من أهل البلدان التي حلوا بها .. لما حصل عليه بعضا منهم من رعاية خاصة لم يتلقى أبن البلد العادي مثلها ...
فكم اساءت هذه البلاد العربية التي اختصرت في زعامات غير جديرة بالمسؤولية والتي أوهمت الجماهير بأنها أهل للقيادة – اساءت لأنفسهم وللفلسطينيين الذين صاروا دمل في مؤخرة كل دولة استضافتهم – من صراعات داخل سوريا ثم الأردن ودورهم الكارثة في حرب لبنان، وفي كل قلاقل واغتيال يحدث في كل الواصم العربية هم عنصر رئيسي فيها ...

في عام 1988م أعلنت منظمة التحرير قبولها لقرار التقسيم والاعتراف بدولة اسرائيل وبدأت التفاوض على الحدود التي لا يمكن أن تكون بأكثر مما قام الملك عبد الله الأول ملك الأردن بضمة لدولته في 29 ابريل عام 1950م والذي أتهم وقتها بالخيانة – والذي بسببه قام المتحمسين باغتياله وهو على اعتاب المسجد الاقصى ليصلي في 20 يوليو 1950 م ( بالإضافة إلى قطاع غزة الذي صار أخواني حمساوي بالتنظيم والتنسيق مع دولة اسرائيل) –
هذا وبعد أن أُتهم أيضا الرئيس السادات الذي طلب من ياسر عرفات أن يكون جزء من المفاوضات التي انتهت بمعاهدة السلام في "كامب ديفيد" 1978 م ليحصل على أقصى ما يمكن بلوغه قبل أن يضيع ما بقي من فلسطين، فأستكبر وصال وجال وخون وأغتال كل من يقف في وجهه بجنون أحمق – فما نال ياسر عرفات من استكباره وشعاراته إلا أن يضيع فرصة تاريخية وقلص مجال التفاوض إلى الحد الأدنى الذي يمكن أن يتفاوض عليه ، دون أن يعترف ولو مرة أنه ضيع فرص كثيرة واهرق دماء عزيزة غزيرة لشباب في مقتبل العمر دون أن يكسب بهذا شبرا واحدا من الارض ، بل لو قبل بالسلم والتفاوض مع السادات في "كامب ديفيد" لحصل ربما على ضعف ما فاوض عليه بعد ذلك.

فعشر سنين كانت الفترة الزمنية الكفيلة بأن يغير ياسر عرفات موقفة من تخوين السادات لأعترافه بدولة اسرائيل ولقبوله التفاوض مع اسرائيل – إلى جلوسه هو للتفاوض نفسه بعد ذلك - ولكن كان كل منهم وبمفرده أضعف منهما لو أتحدى في موقف مشترك نحو سلام عادل قدر الإمكان وخلفهم كل الدول العربية مساندة داعمة مؤازرة –
عشر سنين مرت مابين "كامب ديفيد" 1978 م ، و"أسلو" 1988 م ، خلالها أهدرت طاقات العرب في التنابز والاغتيالات السياسية والصراعات الغبية – أهمل فيها الزعماء العرب بناء شعوبهم فازدادوا وهنا على وهن ، فبئس الزعامة كانت ما عليه الزعماء العرب في عمومهم – ولا نستثني منهم إلا الحبيب برقيبة –
فقط سؤال لمنظمة التحرير الفلسطينية : كم اغتيال سياسي لفلسطينيين وعرب اقترفتم ولوثتم أيديكم بدماء مَن غدرتم ، بحجة أنهم قبلوا التفاوض مع اسرائيل واعترفوا بدولة اسرائيل، ومن عارض ياسر عرفات ربكم الأعلى الذي خدم اسرائيل من حيث لم يحتسب وصار على من أحب لعنة سياسية ، وقبل أن تجلسوا أنتم في نهاية المطاف وعلى رأسكم فخر العرب أبو عمار الهمام للتفاوض على أقل مما كان يجب التفاوض عليه قبلا؟!!
ثم في نهاية مسيرة الأحزان والهوان جلست الأردن منفردة أيضا للتفاوض مع اسرائيل عام 1994 م – لعقد معاهدة "وادي عربة" .

كل هذه المعاهدات والمفاوضات جاءت متأخرة عشرات السنين عن توقيتها الصحيح – هذا الوقت دمر الزعماء العرب شعوبهم وازدادت فيه اسرائيل قوة – تمسكنا بالحرب الحنجرية وعند الملمات نصدر الأطفال أو نهرب كالأرانب – فقط أجاد العرب لعبة الاغتيالات وقتل المدنيين شفاء للغليل .
رفضنا السلام ونحن عاجزين عن الحرب .. في الوقت الذي كان فيه السلام واجب وحق ودليل قوة ورجاحة عقل.
قلبنا مائدة المفاوضات دون أن نملك استراتيجية بديلة، لها قيمة على أرض الواقع .
اعتمدنا على عروبتنا – وسيف كل عربي على رقبة اخيه ، والغدر في العروق يسير مع الدم.
اردنا استعطاف الشعوب الحرة – فشكلنا العصابات التي تغتال المدنيين والمفكرين والمعارضين وبدأنا بذوي القربى من الفلسطينيين أنفسهم .
أردتم دولة ذات سيادة ولما حصلتم على نواة دولة انقسمتم وصارت حرب أهلية – فهل تريدون دولة لتصير دولة عربية ؟! – فهل نجحت دولة عربية قبلكم ؟!
ناشدنا في الناس رابطة الدين – فتأسلم مَن تأسلم منا وصرنا منافقين نعقد الصفقات مع الشيطان ومع اسرائيل – ولا نعترف لا بحدود ولا بوطن بل بالشريعة والحدود، فقطع اليد عندكم يسبق زرع الحبوب .

لقد قتلتنا الشعارات الفارغة يا صاحب. فمتى نتعامل بعقل لا بانفعال وضغائن متوارثة لن تقتل من يعادينى بل تدمرنا ذاتيا. فيبدو أن العرب كتبت على جبينها الغباء والبكاء على اللبن المسكوب.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الشرطة الأمريكية تعتقل عشرات اليهود الداعمين لغزة في نيويورك


.. عقيل عباس: حماس والإخوان يريدون إنهاء اتفاقات السلام بين إسر




.. 90-Al-Baqarah


.. مئات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى وسلطات الاحتلال تغلق ا




.. المقاومة الإسلامية في لبنان تكثف من عملياتهاعلى جبهة الإسناد