الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المعرفة غاية النص

محمد الأحمد

2015 / 11 / 17
الادب والفن


بات الكل يعارض مقولة "الناقد اديب فاشل"، كونها ضيّقة بكل غاياتها، وتحمل مفهوماً عابراً. حيث المحتوى المعرفي لصفة "الأديب/ الناقد"، تقع ضمن تفرّع واحد، لا يقبل جدلا الا ان يكون "الناقد من الاديب/ الاديب من الناقد"، فالأول؛ يدوّن فنه وفق بيئة من المعرفة التراكمية، والمترسخة عنده من منظومة موروثاته الاجتماعية (الاقتصادية، والجغرافية، والهوية).. لتكون شمولية النص الذي يلتقطه الثاني عبر المكونات المترسخة لديه من موروثه الاجتماعي أيضاً.. متفاعلا معه بكل ثقافته، متواصلا معه عبر منظومته، ومستقبلاً من النص ومضته المشعة ليُكيّف ذلك الانعكاس ضمن نهج معرفي مشرق، فوجد طريقة تعبير اخرى بعد ان ضاقت عليه الاولى، والناقدُ ذائقة متحسسة متبصرة بعد النص الذي خرج من عقل المبدع، ام للناقدِ دائرته التعبيرية الاخرى وينظم بها افكار غيره، باستناد النص الذي يتقدمه، كأن يكون المساعد على قراءة نص سبقه اليه الاديب، ولو حلماً، ومن يعتكز على تضييق ادوات التعبير، لا يكشف تعميق الدلالات وربطها جزئيا بنظرته التحليلية المتعلقة بمسألة خلود النص. ثمة حركة دائرية ازاؤها حركة ثالثة "الابداع/ التلقي/ الهوية"، مفتوحة ذهنيا الى انساق تعلن اعادة الولادة ما يجعلها المقابل الحقيقي للسكون، ويطلق عليها الناقد الولادة الجديدة للنص، وهي حركة تتجاوز السكون الكامن في الحركتين السابقتين.. الأول يطابق الثاني في الكشف، او يعارضه.. كل منهما يكمل وحدة أبستمولوجيا تبادلية بين المرسل والمتلقي. قيل للخليل بن أحمد الفراهيدي: "مالك تروي الشعر، ولا تقوله؟ قال: لأني كالمِسَنِّ: أشْحَذُ ولا أقطَعْ"، فيتطابق مع قول "جورج لوكاتش" ان "الشخصية الادبية لا تصبح مهمة ونموذجية الا حين يتسنى للفن الكشف عن الارتباطات العديدة بين الملامح الفردية، والمسائل الموضوعية العامة، وحين يعيش الفن امام اعيننا اشد قضايا العصر تجريدا وكأنها قضايا الفرد الخاصة.. مسألة حياة وموت"، وما يقوله فرويد من ان العملية الابداعية "لا تعدو ان تكون حلم يقظة انتقل من مستوى الفردي الفجّ الى مستوى ابداعي متطور استطاع مبدعه ان يعلن عنه للآخرين فحاز على قبلوهم، وتناغم مع ما في اعماقهم، ووجدوا فيه التعبير الناجح عما بداخلهم"، حيث تقسم المعرفية النقدية الى اربعة اشكال رئيسة، فالأول يجده في مراجعة الكتب وفي الصحافة الأدبية، ويكون الثاني هو التاريخ الأدبي الاكاديمي الذي ينحدر الينا من الاختصاصات التي كانت قائمة متأتية من تراكم الكمّ المعرفي الانساني، أي اضافة معرفة جيل فوق معرفة جيل، كدراسة الادب والفيلولوجيا، وتاريخ الحضارات، والثالث هو التقويم والتأويل من زاوية أدبية، وهو نقيض اسلافه، وليس مقصورا على المحترفين وعلى اولئك الكتاب الذين يبرزون من حين الى آخر، ومثلهم الذي تعلموا في الصف الدراسي كيفيه قراءة النص وكيفية الاستمتاع بالتعقيد الذي تنطوي عليه فكرة ميتافيزيقية، وكيفية وجوب تصورهم ان للأدب واللغة الرمزية ثمة سمات فريدة يستحيل تقليصها الى موعظة اخلاقية او سياسية بسيطة، ويأتي الشكل الرابع هو النظرية الأدبية المنهجية. وفق راي "ادوارد سعيد"؛ جاءت تلك الاشكال/ الطرائق لتقديم بعض النصوص النقدية دون تحديد متلفظيها هي طرائق غالبا ما ينهجها الناقد على امتداد النص المكتوب ككل، وكرد فعل منه على كثرة ما أخذه النص الاول لينشأ عليه نصا اخر، متعكزا على معانيه، يُظهر معارضه البديعة ويسير ضمن نقطة وجدها في اندلاع النص الاول، ليكون نص ثاني يتحكم بالقراءة بتأن، كنص مكتوب مطابق للنص الاول. كأنما هناك نصان متحركان باتجاه واحد، هو الثبات امام المتلقي في الدفاع امام كينونتها التي اشعلها النص، وتبريراته اللامعة.. قد تصل الى موعظة خجولة في بعض الاحيان لتنفرد بنص يشغل بال المتلقي، فهو يرى كل هذه الاشياء المنطقية التي تساومه على البقاء مع النص، بينما الناقد يساومه للخروج من النص وفق رؤيته، مفترضا نوع واحد من القراء الذين سوف يتخلون عن النص الاول، ويلحقون بنصه الذي يضيء متن النص الأول، بينما لم يكن في الافق سوى انطباع حالة من فرض آخر اوجده المبدع الأول قبل ان يوجده المبدع الثاني ناقدا ضمن منهجه حول وظائف الاول والاعتراض او التأييد عليها.. اما "دي سوسير" يؤكد ما كان يتعلق بالنص وفق نموذج النهج البنيوي "فالنسق في البنيوي العادي، هو القواعد العامة التي تحكم الكلام من خلال الرصد والتسجيل والضبط لشواهد الاستخدام الفردي للغة، وبدون هذا النسق يصبح اصواتا بلا معنى او دلالة، فهو مجموعة من القوانين والقواعد العامة التي تحكم الانتاج الفردي للنوع وتمكنه من الدلالة"، فليس هناك من يجهل (أو يتجاهل..!!) حقيقة واضحة هي: أن "الأدب نوعان أدب إنشائي وهي النصوص الأدبية بكل تنوعها، وأدب وصفي وهو النقد باتجاهاته كلها[1]"..
واخيرا اتذكر قولا من الاهمية بمكان ان ادعم به مقارنتي، سبق ان درجه ذات مرة استاذ السرد العراقي "محمد خضير"، ليكون الفاصل الذي لا يختلف عليه احد، "الأديب/ الناقد" بالكشف عن حركية ذهن الكاتب قبل ان يقرر نشر نصه فينظر اليه بتمحص اولي ناقدا اوليا لما جاء في متنه، يتحول معه من كاتب نص، مبتكر الى متعقب اثر، حيث يقلب المعادلة قبل ان يسلم به انه نصا قد اكتمل، فاراد اعادة الاشتغال عليه استعدادا لعرضه امام اعين القراء، حيث قال "سأقلب الملاحظات اليومية، واتحرّى المسودات والمشرعات الناقصة، الشذرات الخابية في فضاء المشاغل، والافكار المنطفئة حول اجساد النصوص الكاملة[2]". فالنص كائن لغوي يحمل في طياته عناصر صوتية وصرفية وتركيبية ودلالية تنتظم جميعا في بنية محكومة بقواعد التركيب. فما عاد الناقد الأدبي وحده هو من يستطيع تمييز الجيد من الرديء من الأدب سواء كان شعرًا أم نثرًا، ولم يعد الناقد هو الشخص الخبير الذي يمكنه تقييم اي عمل في مجاله، يقول خالد عاشور "مازال نقاد نجيب محفوظ يمدون ايديهم خارج النص من أجل معالجته، اما بالاستعانة بخلفيات سياسية او اجتماعية او دينية (ايدلوجية)، او بخلفيات نفسية.. أي مازال هذا النقد –كما يقول اندرسون- ينتمي الى نقد الدافع لا نقد الانجاز".. فكلّ نص يتخذ مكانه، يكون له شكلاً، وكتلة تقاوم التفتت.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الحلقة السابعة لبرنامج على ضفاف المعرفة - لقاء مع الشاعر حسي


.. الفنان أحمد عبد العزيز ينعى صلاح السعدنى .. ويعتذر عن انفعال




.. االموت يغيب الفنان المصري الكبير صلاح السعدني عن عمر ناهز 81


.. بحضور عمرو دياب وعدد من النجوم.. حفل أسطوري لنجل الفنان محمد




.. فنانو مصر يودعون صلاح السعدنى .. وانهيار ابنه