الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المسؤولية .. وادارة الخدمات

عبد الحسين العطواني

2015 / 11 / 20
مواضيع وابحاث سياسية


المسؤولية .. وإدارة الخدمات
د. عبد الحسين العطواني
هناك قول شائع يتردد على لسان معظم المسؤولين الذين يتولون المناصب في مؤسسات الدولة العراقية , مفاده انه كيف يمكن لمسؤول لم يمض على وجوده في المؤسسة سوى بضعة أشهر يستطيع أن يتغلب على معالجة سلبيات متراكمة ورثها من سوء إدارة ماسبقه في مركز صناعة القرار, ألم يشكل هذا التبرير اعترافا من المسؤولين بعدم فاعلية دورهم في إصلاح الأزمات التي يمر بها العراق , وتحمل مسؤولياتهم الوطنية نحو التطور والنهوض والتنمية , والذي يعني أيضا أن الدولة ضعيفة وغير قادرة على تنفيذ مشروعها التطويري .
ولعل ذلك اتضح من خلال عجز الحكومة عن توفير الخدمات الكفيلة بتصريف مياه الأمطار التي اجتاحت العاصمة بغداد وبعض المدن الأخرى منذ أيام وتسببت في غرق غالبية مساكن المواطنين وأدت إلى تدمير ممتلكاتهم , بالوقت الذي كان فيه الشعب يأمل خيرا عن عدم تكرار الكارثة التي حلت بهم عام 2013بعد التصريحات التي أطلقها المسؤولون في الأمانة عن إكمال جميع الاستعدادات والتحضيرات لمواجهة أسوء الاحتمالات في التقلبات المناخية خاصة في زيادة كمية الأمطار الساقطة .
فمازال العراق يمر بمرحلة حساسة ومنعطف خطير تفاقمت فيه الأزمات وتعقدت في تراكمها وتداعياتها , فلابد من التعامل معها بمنطق عقلاني يساهم في إكمال التغييرات , وتجاوز الأزمات لإدارتها للوصول إلى العراق الجديد وفق ترتيبات سياسية واقتصادية تضعه في إطار الدول المستقرة والسائرة في اتجاه البناء والتجديد , لذلك يتطلب وضع صيغة واضحة لإعادة ترتيب إستراتيجية النظام الحاكم وفلسفته السياسية في بناء الدولة , مع تحليل موضوعي في المجالات الاقتصادية والاجتماعية المحددة لمستقبل العراق وفق معرفة فاحصة لمتطلبات المجتمع , ومدى فاعلية القوى الرسمية والأهلية , وتقديم رؤية معمقة في صيغة مسار العراق السياسي بعد التغيير من خلال التركيز على ممكنات التحول السياسي , بحجم التحديات التي تواجه العراق , وهنا لابد أن تستند هذه الرؤية إلى نتائج الدراسات العلمية لتخرج العراق من أزماته .
فمن أهم دلالات التباين في العراق تكمن في تباين القوى الاجتماعية والسياسية التي تسلمت السلطة بعد الاحتلال الأمريكي من حيث مشروعها السياسي وأيديولوجياتها , فقد حاولت إجراء تغييرات , وتحولات بنيوية ومؤسسية دون الاستناد إلى إستراتيجية واضحة , وما يجدر ملاحظته هو أن من أهم الأهداف التي تسعى الدولة إلى تحقيقها والتي يجب أن تحظى باهتمام المسؤولين , بوصفها أهداف النظام الحاكم ليست في درجة واحدة من الاهتمام , بل هناك ترتيب فيما بينها , يستدعي أن تكون على درجة من الوعي والبصيرة هذا أولا , وثانيا بأنها بحاجة إلى قوة واقتدار تحملي لممارسة الضغط لضمان حركة النهوض وتقدمه للوصول إلى الأهداف والمقاصد الأساسية من جهة , ومواجهة الموانع والمشكلات الداخلية والاعتداءات والتهديدات من قبل الأعداء في الداخل والخارج من جهة ثانية , وعدم التسليم للضغوط والعراقيل وأنواع الابتزاز الأخرى .
والملاحظ أن جميع الحكومات التي تعاقبت بعد 2003 كانت تتعمد الإهمال , أو التقليل من أهمية الخدمات اللازمة لبنية العراق التحتية على الرغم من المطالبة والتحذيرات التي أطلقها الشعب العراقي من خطورة هذا الموضوع وانعكاساته على حياة الشعب , إلا أن الحكومة تجاهلته , وهنا تبرز الحاجة إلى دولة قوية متماسكة قادرة على إيجاد فلسفة اقتصادية وسياسية لتحقيق نظام اقتصادي يتمكن من تشكيل سياسة مالية تحمي الأوضاع الاقتصادية من الفقر والديون , وتلبي طموحات الشعب .
فغياب المؤسسات القادرة على إدامة الخدمات العامة يدفع بالناس إلى التمرد وقلب موازين الأمور, وعجز الميزانية يثير هو الأخر شكوكا لاغبار عليها في مواجهة مشروع الإصلاح والأعمار المفترض في البنية التحتية وفي مقدمتها مشاريع الصرف الصحي, ومجاري تصريف المياه , وتوفير الماء الصالح للشرب, والكهرباء , فضعف الدولة في فرض وجودها القانوني والمؤسسي , وبالتالي وجودها الرمزي , أدى بالأفراد إلى الارتباط بالعصبويات التقليدية من اجل تحقيق متطلباتهم ومصالحهم , وأدى بهمم إلى البحث عن وسائل تمكين وضبط اجتماعي غير رسمي بدلا من وسائل الضبط الرسمي القانونية التي يجب أن تكون أهم آليات الدولة وسلطتها الحاكمة . فهنا لابد من فك الارتباط بين الدولة بطابعها الرسمي وجماعات الضغط بمنظوماتها العصرية التي شكلت عاملا للتدخل الاقليمي , لولوج العراق في الحداثة السياسية , وحكم القانون والممارسة الديمقراطية .

لماذا اخفق المسؤولين في مسارهم من بناء الدولة ؟ , ولماذا تنتكس تجاربهم في هذا الصدد؟ , وما ممكنات بناء الدولة وفق العوامل المتغيرة والثابتة في سياق مجتمعي يبرز فيه الخصوصية التاريخية عاملا تقل معه مجالات استيعاب التراكم الحضاري وخبراته الناظمة للدولة المنشودة ؟, وهنا يمكن القول أن الاستفادة اقتصاديا , واجتماعيا , وسياسيا من الدولة يكون عن طريق التنظيمات التقليدية العصبوية , والعلاقات الشخصية والقرابية , والمصالح المتبادلة , من خلال ما يوكل لها من مشاريع خدمية جل اهتمامها المنافع الشخصية , دون إعطاء أي قيمة للمقاييس الهندسية, وهنا كانت العقبة في عملية العبور , تلتها عقبات أخرى اصطنعتها النخب الحاكمة , ولم يكن في مجملها ترغب هذا المسار , لان واقعها السائد هو ما يمنحها استملاكما للسلطة والثروة وفق مرجعيات جهوية مفارقة لمنطق الدولة وآلياتها المؤسسية والقانونية .

ولتجاوز هذا المسار المضاد للدولة , والمتجاهل لحقوق الشعب ومستلزماته , لابد من إبراز الرشد السياسي لدى مختلف الكتل السياسية , وتعظيم المصلحة الوطنية , وذلك أن مفتاح الاستقرار والتطور في بلادنا مرهون ببناء الدولة , واعتماد نظام سياسي في إدارة الدولة ومشروعيتها الوطنية .والعمل على إعادة بناء البنى التحتية وتعميق الارتباط بها حتى تتخلص السلطة من وقوعها تحت طائلة المسائلة المجتمعية الذي برز فيه قصور فعل الدولة الخدمي , مع الحديث عن التنمية والتطور باعتبارها تغيرا شكلانيا مظهريا , مقابل واقع يزداد فقرا وحرمانا , وتتسع فيه المشكلات , ويزداد الاستقطاب بين مجموعة حاكمة وثرية , وملايين الشعب محكومة وفقيرة , تعاني من حرارة الجو وانقطاع الكهرباء صيفا , ومن الغرق وطفح المجاري شتاء , وتسلط المفسدين على ثرواتهم ظلما وإجحافا , دون هناك أي شعور أو اهتمام يمكن أن ينعكس بشكل جدي على إدارة الخدمات.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سقوط قتلى وجرحى في غارة إسرائيلية على سيارتين في منطقة الشها


.. نائب المتحدث باسم الخارجية الأمريكية: الوضع بغزة صعب للغاية




.. وصول وفد أردني إلى غزة


.. قراءة عسكرية.. رشقات صاروخية من غزة باتجاه مستوطنات الغلاف




.. لصحتك.. أعط ظهرك وامش للخلف!