الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دعما للحركة الاحتجاجية وتشبثا بخط النضال الديمقراطي الاشتراكي

وديع السرغيني

2015 / 11 / 24
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي


دعما للحركة الاحتجاجية وتشبثا بخط النضال الديمقراطي الاشتراكي

* فتحت أي مبرر من المبررات، لا يمكن لأي مناضل ديمقراطي وبالأحرى اشتراكي، مؤمن أشد الإيمان بقضية التغيير الاشتراكي، بأن يبخس، أو يقلل باستهزاء مقيت من أهمية التشهير السياسي والاقتصادي في حق الدولة وحكومتها، وفي حق الباطرونا وجميع المالكين لوسائل الإنتاج.
لقد كان واجبا ولزاما على جميع الرفاق الشيوعيين المرتبطين عن حق بالمشروع الاشتراكي للثورة والتغيير، وبالرسالة التاريخية للطبقة العاملة، أن يظلوا صامدين مثابرين من أجل تشجيع الاحتجاجات الطبقية، وتوسيع دائرتها، وحمل شعلتها حتى النصر، وليس التهكم والاستهزاء بأشكالها النضالية على أنه "تحياح" وفقط !
* فالانتماء لماركس ولينين مسؤولية نظرية وسياسية وتنظيمية وميدانية مرتبطة أشد الارتباط بميادين الصراع الطبقي!. وارتباطا بهذا الانتماء يجب على جميع القوى الثورية المنظمة فعلا وليس ادعاءا، بألا تخجل من ارتباطها ودعمها لجميع الاحتجاجات الجماهيرية، عمالية وطلابية وداخل حركة المعطلين وصغار الموظفين وصغار الفلاحين وبسطاء المستهلكين..الخ باعتبار هذه المهمة مهمة من صلب المهام الثورية "فالمنظمة الثورية لا بد أن تكون مستعدة كل الاستعداد وفي كل الأوقات واللحظات لدعم كل احتجاج وكل انفجار لاستخدامه لتعزيز القوات المقاتلة القادرة على خوض النضال الحاسم"
* فجميع الرفاق المنخرطين في العملية الثورية القائمة، يجهدون النفس في النقاش والبحث، حول الفراغ التنظيمي في الساحة الثورية، وافتقاد الحركة العمالية لمنظمة ثورية تؤطر، وتنظم، وتقود نضالاتها بالشكل المطلوب. فما هي طبيعة المنظمة المطلوبة؟ وما هو هدفها المحدد؟ وما هي الخطة التي يجب السير على نهجها لتشكيل هذه المنظمة المطلوبة بإلحاح؟
* فمن السهل أن نتخيل سقوط النظام في أية لحظة، لأنه فعلا نظام قائم على الاستبداد والاستغلال والتفقير والنهب والتهميش..الخ لكن كيف سيتم ذلك؟ هل من خلال محاصرة منظمة، أو هجوم منظم من طرف جيش الثوار؟ الحالة الأكثر احتمالا، هو سقوطه بسبب الانفجارات العفوية، التي تشهدها باستمرار ساحات النضال في كل مكان، بالقرية والمدينة.. أو بسبب من التأثيرات السياسية للأوضاع الخارجية المحيطة والمهددة لاستقرار النظام باستمرار.. "ولكن يجب أن لا نعتمد على ذلك، وننتظر مكتوفي الأيدي، وإنما يجب أن نمضي في طريقنا وننفذ عملنا اليومي المنظم بمواظبة وانتظام. إذ كلما كان اعتمادنا أقل، على ما هو غير متوقع، كلما كان سقوط النظام أقل إمكانية"
* فهل من الصحيح أن ننكر على نفسنا واجب الانخراط في خط النضال الديمقراطي بمنظورنا الجذري الاشتراكي، الذي يهدف إلى الإطاحة بالنظام والقضاء على الرأسمالية وتنحية البرجوازية من السلطة، "لأننا لن نكون حقا ساسة وماركسيين لينينيين إلا بالقول، إذا لم ندرك أن من واجبنا أن نستفيد من جميع مظاهر الاستياء على اختلافها، وأن نجمع وندرس جميع بذور الاحتجاج ولو كان في حالة جنينية" وهو الشيء الذي نعمل به حقا ونتبناه نظريا وعمليا، هذا المبدأ الماركسي السليم والقويم هو الذي اعتمدته الحركة العمالية العالمية منذ نشأتها، فهل هناك فعلا ضرورة موضوعية للقطع معه؟ هل هناك من أضرار على الاستمرار في التشبث به، وممارسته على أرض الواقع؟ فلسنا هنا بصدد مبارزة فكرية مجردة في إطار الرد على ما ورد في بيان "الجذريين"، نحن نعيش الأزمة ونعاني من خنق هذه الأزمة لطموحاتنا في التجدر والتوسع والانتشار داخل الأوساط المعنية بالتغيير.. وبالتالي فنحن لا نخجل من هذا الاعتراف الذي هو في صلب منهجيتنا، أما وأن ندفن رؤوسنا في الرمال، ونعلن بأن المشكل هو في اقتصار البعض من المجموعات المناضلة على "التحياح" فتلك مصيبة كبرى، سنضطر معها إلى إعادة النقاش حول جدوى النضال الديمقراطي، وأهميته داخل المنظومة الفكرية السياسية والماركسية واللينينية؟
* لقد كان تعامل لينين وقبله ماركس وإنجلز، صارما تجاه الأفكار والتوجهات اليسراوية الرفضوية، والتي كانت ترفض النضال من أجل الحقوق الديمقراطية، تحت أي مبرر من المبررات، والحال أن الماركسية انخرطت مبكرا في هذا النضال ولم تبخسه قط.. واستمرت "الجريدة الرينانية" التي كان يديرها ماركس ورفاقه، في متابعة مهامها رغم القمع والمنع والمتابعة القضائية، بهدف نشر الأفكار الديمقراطية الاشتراكية على جدول النضال، فالحقوق الديمقراطية مثلها مثل جميع الحقوق بدون استثناء، صعبة على التحقيق في ظل الرأسمالية، ولكن أي اشتراكي ـ ديمقراطي، ماركسي لينيني بلغة المرحلة الحالية، مستقيم، لن يعتبر مع ذلك من ينكرون هذا الحق اشتراكيين، ليس نقدا وحسب، بل لن يعتبرهم ديمقراطيين أيضا"، هي ذي الماركسية التي نومن بها، وتوجه مواقفنا وسياساتنا الميدانية، وتعرضنا يوميا للحصار والضرب والتنكيل، بغية إخراس أصواتنا حتى لا يصل الصدى ويحدث الضجيج داخل "نظام السلم الاجتماعي" و"الجبهة الداخلية المتماسكة" و"الإجماع الوطني"..الخ
فلم يكن لينين مترددا في الإعلان "على أن جوهر القضية كله، هو أن كل "الديمقراطية" تتلخص في إعلان وتحقيق "حقوق" قابلة للتحقيق قليلا جدا، ونسبيا جدا، في ظل الرأسمالية. والواقع أن الاشتراكية تستحيل بدون مثل هذا الإعلان، بدون النضال في سبيل الحقوق، على الفور، وفي الحال، بدون تربية الجماهير بروح مثل هذا النضال" وهو الشيء الذي ميّز قناعتنا وممارستنا الثورية والجماهيرية في الميدان وداخل صفوف الحركة الثورية بالمغرب.
* فالعمل المنظم والواعي، لا بد عليه أن يميز دائما بين دور المنظمة السياسية الثورية وبين دور المنظمات الجماهيرية، ووزن كل واحدة منها في العمل الثوري، وإستراتيجية الإنغراس والارتباط بالطبقة العاملة، باعتبارها طليعة وقائدة النضال من أجل التغيير خلال هذه المرحلة "فالمنظمات الجماهيرية على اختلافها، يجب أن توجد في كل مكان، وعلى أوسع نطاق، وتضم أكبر عدد من الجماهير، وتقوم بوظائف كثيرة التنوع ما أمكن، لكن من الخطأ والضرر أن نخلط بينها وبين منظمة الثوريين، أو أن نطمس الحد الفاصل بينهما" فهل يمكن في نظر الرفاق الكلام عن انتهاء هذه المرحلة، من النضال الديمقراطي الجماهيري، الذي لم تعد الجدوى من أساليبه؟ هل يمكن أن نمنع الرفاق من التوجه للاحتجاجات والاعتصامات التي تخوضها الجماهير الشعبية ضد غلاء المعيشة، أو العمالية ضد إغلاق المعامل وتسريح العمال..الخ؟ بماذا تنصحونا إذن حتى نكون منسجمين مع الماركسية ولا نكتفي بترديد حقائقها العلمية الخالدة؟ فهل أصبح النضال الاحتجاجي مضرا بالنضال الثوري؟ هل يعمل حقا على التمييع، ويمنع الوعي على الانتشار في صفوف الطبقة العاملة وجميع الجماهير الملزمة بالانخراط في النضال والاحتجاج؟ فالجماهير المتضررة بالبطالة وبغلاء المعيشة، وبانعدام الخدمات في شتى المجالات، وبالهجوم على الحريات..الخ تنخرط في غالب الأحيان بشكل عفوي في جميع هاته النضالات. وبالرغم من قلتنا كحركة يسارية مناهضة ومعارضة لهذه الأوضاع، نشارك في هذه النضالات، ونكسب من خلال هذه المشاركة سمعة الالتزام بهذه القضايا، والاستعداد للتضحية من أجلها، ونعمل خلال هذه المشاركة ممارسة حقنا في التشهير بالنظام القائم، ونفضح مساوئ مخططاته الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، ونفضح كذلك ارتباطاته بمراكز التوجيه والقرار الإمبريالي.. كل هذا ونحن كلنا طموح لتوسيع قاعدتنا الجماهيرية، عبر هذا الارتباط، وعبر الشرح اللازم لأفكارنا وبرامجنا وخططنا.. فهل هذا مضر بالنسبة لكم؟ هل هو انحراف عن مبادئ وأهداف النضال الثوري.. خلال هذه المرحلة التي نعيش أطوارها؟! كلا أيها الرفاق، فلا تخيبوا ظننا.
هو ذا ما نومن به في إطار التوجيهات والتعاليم الماركسية واللينينية الجذرية، والتي لا يخجلنا في شيء التشبث بها وكأنه فعلا استنساخ! فما العيب إذا استنسخنا بعض المبادئ والمواقف والتاكتيكات الغير متناقضة مع واقعنا وشروط الصراع الطبقي الداخلية؟! فما العيب، إذا أصبحت الماركسية استنساخا واللينينية إقحاما، والثورة الاشتراكية حلما جميلا؟ دون تناقض مع الواقع الذي نعيشه؟
* فعبثا، ما زالت قيادات أغلب المجموعات التي تصنف نفسها بالماركسية واللينينية حتى، تنكر وتجرّم الاستناد لخط النضال الديمقراطي، بدعوى عدم مطابقته وخدمته لإستراتيجية الثورة الوطنية الديمقراطية الشعبية، دون أن يتقدموا بالشرح والتفصيل لمراحلها ولآلياتها ولوسائلها العملية.. "فالعاجزون كليا عن التفكير، أو غير الملمين إطلاقا بالماركسية، هم وحدهم الذين يستنتجون من هنا إذن، لا داعي إلى الجمهورية، لا داعي، إلى حرية الطلاق، لا داعي إلى الديمقراطية، لا داعي إلى حق الأمم في تقرير مصيرها!" بطريقة تبخس المطالب الديمقراطية وتطرحها جانبا، وتعوضها بنضال جذري لا علم لنا بخططه وببرامجه وبأساليب عمله، سوى الرفض للتكتيك وللتحالفات كيفما كن نوعها، وكيفما كانت دواعيها ومجالات تفعيلها.. في تخلي تام عن المبدأ الماركسي الموجه لعملنا، والذي أوصى صراحة بضرورة التحالفات وحتى المؤقتة منها، فالماركسي القويم "لا يخاف التحالفات المؤقتة ولو مع أناس لا يركن إليهم.. وإنه لمن غير الممكن لأي حزب سياسي أن يعيش بمثل هذه التحالفات" أما الشرط الذي تطرحه الماركسية على الأحزاب أو التيارات الماركسية ببلادنا، والتي تود الانخراط في مثل هذه التحالفات الضرورية، والذي اعتبره لينين، ومنه نستمد تعاليمنا بكل فخر، كشرط لا بد منه لهذه التحالفات، هو أن تتوفر الإمكانية التامة للاشتراكيين ليبينوا للطبقة العاملة تناقضها العدائي مع البرجوازية" يعني أن يكون هذا الانخراط ملتزما تمام الالتزام بإستراتيجية الثورة الاشتراكية" التي لا تطمس التناقضات ولا ترفض الثورة، وديكتاتورية البروليتاريا، ولا تسعى لتحويل النضال الطبقي إلى نضال ضيق في سبيل الإصلاحات. الشيء الذي يعني عدم إنكار حق الاشتراكية في الاستقلال، والحق في الوجود. وبالتالي عدم تحويل حركة البروليتاريا إلى حركة ذيلية وراء اللبراليين"
بهذه الطريقة وبهذه المنهجية تبنى الماركسيون خط النضال الديمقراطي بكل صراحة ووضوح، واستعملوا مطالبه وشعاراته منذ فترة التأسيس أواخر الستينات وبداية السبعينات للرفع من وعي الجماهير العمالية والشعبية بكل حزم ومبدئية موضحين "أن الديمقراطية لا تقضي على الاضطهاد الطبقي، ولا تفعل غير أن تجعل النضال الطبقي أكثر نقاوة واتساعا وسفورا وحدّة، وهذا بالذات ما نريده" فلا نمجد بأي شكل من الأشكال، الديمقراطية البرجوازية، التي لا ننعم بحسناتها، نحن المغاربة المحكومين من طرف نظام استبدادي قمعي تسلطي خطير.. ولا ندعي بأية طريقة كانت، صريحة أو مبطنة، بأنه في ظل هذه الديمقراطية وفي ظل الحرية السياسية اللبرالية ستخف حدّة الفوارق الاقتصادية.. بل ستشتد وتتفاقم! بمعنى أن الديمقراطية البرجوازية ونظامها البرلماني، تكشف بوضوح تام حقيقة الديمقراطية البرجوازية ونواقصها بوصفها أجهزة للاضطهاد الطبقي وليس إلاّ.
فعادة ما يقع الخلط، والترويج لأفكار ومواقف لا علاقة لها بالماركسية وبالتراث اللينيني، الذي رسم لنا خطا واضحا نعتز بالانتماء إليه، والذي يقبل باعتماد التحالفات والتكتيكات التي من شأنها تعزيز القاعدة الجماهيرية لمشروعنا السياسي، فبدون هذه التحالفات لن يكون للحركة الاشتراكية المنظمة وجود يذكر، فتنظيمات وآليات الحركة تتطور باضطراد عبر مشاركتها في النضال، ومن خلال الصراع الذي تخوضه ضد انحراف خط النضال عن أهدافه المتوخاة، والتي تخوض الجماهير العمالية في سياقه نضالا ضاريا، على رأس جميع الطبقات المحرومة وغير المالكة، باعتبارها قائدة النضال والطبقة المؤهلة فعلا لتلك القيادة ولتلك الطليعية. فعلى مدى سنين وعقود طويلة لم يفهم بعد قيمة هذا الموقع، العديد من الثوار المغاربة الذين شككوا وما زالوا في صحته العديد من المنظرين الشعبويين الانتهازيين، وجماعات الرفضويين المقتفين لآثارهم، دون الاعتبار لخلاصة الرسالة التاريخية للطبقة العاملة، باعتبارها القائدة للصراع والنضال من أجل القضاء على الرأسمالية، كأصل لجميع الشرور، التي تكتوي بنارها الآن جميع الطبقات الشعبية.. وهو الشيء الذي لا يتوافق مع طبيعة وطموحات الفئات والطبقات الشعبية الأخرى. فلم يعد بالإمكان تجديد مثل هذه النقاشات في صفوف الحركة الماركسية اللينينية، بدعوى الإبداع والابتكار والتجديد، فانتماءاتنا الطبقية محسومة، ومرجعيتنا وسندها الفكري والعلمي والفلسفي محسومة كذلك، بالإضافة لخط الحركة الميداني، والذي يعتمد في بناءه وانتشاره، على مبدأ الانغراس المنظم داخل الأوساط العمالية، أي داخل مواقع الاشتغال ومن قلب مؤسسات الإنتاج، بالإضافة لأماكن الانتشار ومواقع السكن والتهميش، وكذلك عبر حلقات ومجموعات المثقفين الثوريين، وحركات التلاميذ والطلاب، وجميع المناهضين للغلاء والحرمان، والتهميش، أي من قلب القلع العمالية والشعبية..الخ
* لقد طال التشويه الماركسية لحد فاق كل التوقعات، بحيث أصبح الجميع ينتقد مبادئها وتصوراتها في التغيير والبناء الاشتراكي، وفي الإعداد للثورة وفي التاكتيكات والخطط اللازمة لذلك.. بدعوى اعتماد الرفاق الماركسيين لأفكار ووصفات جاهزة قديمة وأحيانا غير ملائمة للواقع المغربي ولمستوى الوعي الجماهيري والصراع الطبقي..الخ وهي نظرة قاصرة وأقل ما يمكن أن توصف به أنها متجنية، لأن بدائلها المقترحة لا تخرج هي الأخرى عن نفس النطاق، وبالتالي هي الأخرى قديمة، وعديمة الفعالية داخل الأوساط الشعبية والشبابية اليسارية، بل إن أغلب شعاراتها وتصوراتها عن التحالفات وعن ضرورات التاكتيك وخطط الحد الأدنى، تمت صياغتها للإجابة عن أوضاع الثورة الروسية حيث طالب صناعها البلاشفة بعدم التعميم، ولنا في تجربة لينين القيمة، التي عالجت بعمق خطورة الاستنساخ والنقل الأعمى والحرفي لمواقف وممارسات الثورة الروسية في محاولة فجة و"مضحكة" للواقع الألماني والهولندي..الخ في إطار ما يعرف بملف اليسراوية والصبيانية، والتي تكلفت عمليا بمناهضة العمل البرلماني والعمل الشرعي والعمل النقابي والعمل داخل الاتحادات والجمعيات..الخ
* وحيث إنه من اللازم على جميع قيادات الحركة الثورية المنظمة بأن يرتبطوا ميدانيا بجميع الحركات الاحتجاجية من أجل تنظيمها وتأطيرها وإنارة طريقها.. فالمؤطرون المناضلون الواعون بقضية الثورة كقضية طبقية، وجب "عليهم السير أمام الحركة العفوية لكي يدلوها على الطريق، ومتى استطاعوا أن يحلوا قبل غيرهم جميع القضايا النظرية والسياسية والتاكتيكية والتنظيمية التي تصطدم بها "عناصر" الحركة المادية بصورة عفوية".
فبدون هذا الالتزام وهذه المشاركة النضالية في جميع الاحتجاجات، التي تأخذ أبعادها الجماهيرية، والتي تنطلق في الغالب من مشاكل بسيطة، لتتطور، ولتأخذ أبعادا طبقية تعبر فعلا وبعمق عن درجة الحرمان الذي تعيشه طبقات وفئات شعبية عريضة، تشكل السواد الأعظم من الشعب المغربي.. لذا يترتب على الحركة الاشتراكية بوصفها مناضلا طليعيا من أجل الديمقراطية، أن تقود عمل مختلف الفئات المعارضة النشيطة، وأن توضح لها المغزى السياسي العام لاصطداماتها الخاصة والمهنية بالحكومة، وان تجتذبها إلى دعم الحركة الثورية، يتعين عليها أن تربي في بيئتها زعماء يستطيعون أن يمارسوا تأثيرا سياسيا في جميع الفئات المعارضة على اختلافها.
هو ذا التوجيه الماركسي الذي يلزمنا كرفاق ثوريين، مرتبطين أشد الارتباط بقضايا التغيير وتحويل المجتمع تحويلا اشتراكيا صريحا، ودون الاستخفاف بقضايا جميع الحركات الديمقراطية المعارضة، في سياق هذا النضال الإستراتيجي.
"فكل امتناع عن أداء هذا الدور، أيا كانت الجمل والتعابير المفخمة بصدد الصلة الوثيقة والعضوية مع النضال البروليتاري وما شابه، التي تـُجلب بها، إنما يعني "الدفاع" من جديد عن تأخر الاشتراكيين ـ الديمقراطيين، عن تأخرهم عن نهوض الحركة الديمقراطية الشعبية الشاملة، إنما يعني عن الدور القيادي في يد الديمقراطية البرجوازية".
* فمهمتنا الآن يجب أن تنصب على تنظيم قوانا كاشتراكيين وعلى تنظيم نضالات الطبقة العاملة في صراعها ضد رأس المال، وضد القوانين الاستبدادية، التي تشرعن الاستغلال، وتفتح له الأبواب على مصراعيها في الداخل والخارج، أي لفائدة الرأسمال المحلي الذي لا يمكنه أن يكون "وطنيا" في هذه المرحلة بالذات، ثم الرأسمال الأجنبي الإمبريالي الذي يعمل كل ما في جهده للحفاظ على علاقة الهيمنة والتبعية خدمة لأغراضه ولمصالحه.. وهو الشيء الذي سيرغمنا على تقدير إمكانياتنا الحقيقية، لتوظيفها أحسن توظيف، الشيء الذي لا نلمسه بتاتا خلال هذه النقاشات المعادية للوحدة والتنسيق، والتي لا تعترف بمختلف فصائل الحركة الاشتراكية كمناضلين يوحدهم الهدف النضالي الإستراتيجي، الذي هو القضاء على الرأسمالية وإقامة الاشتراكية على أنقاضها. لهم اختلافات في المنهج، وفي الطريقة المثلى لتعبئة الجماهير الكادحة والمحرومة، وفي الوسيلة القمينة لحسم الصراع مع البرجوازية وفي تحديد طبيعة الصراع القائم ضدها، هل هو صراع تناحري، أو لا يقتضي التحالف مع جزء من هذه البرجوازية "كقسم وطني معادي للإمبريالية ولمصالحها"؟! هل من الجائز استعمال الوسائل النضالية الديمقراطية المعتادة، دون اللجوء إلى العنف إلا لحظة الحسم التاريخي والنهائي، للانقضاض على السلطة وإعادة بناءها بالشكل الجديد؟..الخ من الأسئلة التي يجب أن تستمر دون إحراج ودون سب أو تهكم في حق جميع الفعاليات المناضلة، فلم تعد الآن الحاجة للتعبئة ضد أصحاب المواقف المخالفة عبر استعمال الوسائل الخسيسة وتحريف المواقف عن سياقاتها وقلب الحقائق والإدعاء! "بأنهم جبناء، وأعداء التحرر والخلاص.. منبطحين طفيليين، مدبرين للمؤامرات ويعملون على اختراق الجبهات المناضلة المزعجة..الخ" وهو أسلوب يذكرنا بثقافة "أنا وحدي نضوي البلاد"! فالحالة المتردية التي تعيشها حركة اليسار الجذري بكل مكوناتها الماركسية وغير الماركسية، تتطلب توحيد الجهود وتنمية القدرات، والوعي، وتوسيع دائرة الاستقطاب داخل صفوف الشبيبة العمالية والطلابية والمدرسية، وسائر الكادحين والمياومين والمعطلين، وتجار الرصيف، بالإضافة لفقراء ومعدمي البادية، وجميع ضحايا الفقر والتفقير والتهميش..الخ هو ذا هدفنا في المرحلة الذي لا يجب تأجيله، لأن الحركة النضالية في المغرب محتاجة لعطاءات جميع القوى المناضلة والمكافحة من أجل تحسين أوضاع الجماهير الكادحة.. دون الحاجة للتنازل عن المبادئ والأهداف الاشتراكية "فمن جهة أخرى، كان هناك المشعوذون من كل شاكلة وطراز، الذين يزعمون أنهم بمساعدة مختلف وصفاتهم السحرية وعلاجاتهم المرقعة، سيقضون على جميع أصناف البؤس الاجتماعي دون إلحاق أدنى ضرر بالرأسمال والربح".
* لم يتقبل الرفاق في "تيار البديل الجذري" كل تلك الحملة الموجهة ضدهم ولم يفهموا الأسباب، أو على الأقل هذا ما يدعونه! والحال أنهم لم يكونوا بتاتا في الحاجة لنقاش أفكارهم، أو التفاعل معها، لأنها لم تكن أفكارا، ولم تطرح تصورات لتغيير الأوضاع.. كان كلامهم مجرد إعلان عن وجود مناضلين يشتغلون تحت راية الماركسية اللينينية، دون أدنى تبرير لصلتهم بها، ماديا وفكريا وتنظيميا.. فجميع التيارات المناضلة والمتواجدة في الميدان "ولو في حدود الإمكانيات"، وجب أن تتعاضد، وتنسق ممارستها، بهدف تجميع القوى المكافحة وبهدف التعديل البين والملموس لموازين القوى الطبقية.. فخارج هذا التصور لن يتقدم العمل، ولن تقوى المجموعات المناضلة، ولن تكون لها القدرة على استقطاب وتنظيم الطلائع العمالية والشبابية المتواجدة على الأرض، في وسط القلع العمالية وعلى هوامش المدن والقرى، وفي قلب المناجم، ووسط أعلى المحيطات.. فعلى هذا الأساس نمت البلشفية وتقوى عودها وتصلب، دون أن تتنازل هي على مرونتها من خلال الحركة ، عبر عقد الاتفاقات والتحالفات مع جميع القوى المعارضة للنظام الاستبدادي، بحيث لم ترفض التحالف مع القوى اللبرالية والشعبوية والفوضوية والاشتراكية.. وهو ذا الاستنساخ الرفيع الذي يجب علينا التشبث به.
* فليست "الجذرية" في نظرنا، هي التفوق في السباب والشتيمة وفبركة الخلافات والتمايزات من داخل التيار الواحد وباسم نفس الممارسة، لأن الخلاف القائم داخل مكونات اليسار الجذري داخل الساحة المغربية، لا يستحق كل هذه العداوات والتشنيعات بين مكوناته، والتي لا يوجد بينها خلافات جوهرية، ويمكن توحيدها بسرعة على أرضية حد أدنى بين مكوناتها الاشتراكية ومختلف المكونات الثورية الأخرى، ما دامت جميعها تطمح لبناء الاشتراكية، كبديل للرأسمالية التبعية القائمة ببلادنا.
فمن هي هاته الجهات المنتقدة لمشروعكم التنظيمي بطريقة يمكن اعتبارها أنها زاغت عن الطريق والصواب؟ وما هو الأسلوب الناجع في نظركم لفتح النقاش بين مكونات اليسار الثوري ببلادنا؟ بل وما هي مقاييس "النضال" في نظركم، إذا أصبح الارتباط بالطبقة العاملة وبجماهير الشعب المحرومة والمكتوية بنار الغلاء، مجرد "تحياح" وليس إلاّ!؟ ووصف مهام النضال بالمؤامرات المدبرة، والنقاش بالجدال الفارغ والعقيم.. إنها اليسراوية في أبشع صورها، أي تلك اليسراوية التي لا تقدر التقدير الصحيح لقوة معسكر اليسار، والتي لا تريده سوى مشتتا مدررا، أو محصنا في أحسن الأحوال داخل "القلع الحمراء" التي انفتح لونها ولم تعد تنتج سوى البنفسجي من الألوان.. فكيفما كانت مواقفنا وآرائنا من التيارات العديدة المكونة لليسار الثوري والتي لا تختلف عن موقفنا من تيار "الجذريين"، والذي نعتبره تيارا مناضلا وميدانيا ولا شك في ذلك، فلا يمكن خلال هذه المرحلة الحرجة من حياة اليسار أن نقلل من جدوى التحالفات ومن أهمية برامج الحد الأدنى ومن دروس التاكتيكات الماركسية واللينينية، والتي لم ترفض قط التحالفات المؤقتة والإستراتيجية، سيان.. حيث أُرغمت في بعض اللحظات على عقدها مع ألذ أعداء الطبقة العاملة ومشروعها الطبقي الاشتراكي، فليس من العيب في شيء أن تكون لنا مرجعية وسند فكري نستلهم منه التعاليم والتوجيهات ونستشهد بافتخار، واعتزاز بنصوصه، ونعمل بتفاني وإخلاص على تطبيق جوهر خلاصاته.. إذ ليست المرة الأولى التي نصادف فيها هذا النوع المبتذل من النقاش والصراع، الذي يريد أن يحتكر لوحده حق النطق باسم الماركسية واللينينية والعلمية والتحليل الملموس..الخ إنها دروس وليست شعارات تردد، إنها برامج عمل نتقدم بها للميدان والساحة، بالأيادي الممدودة لجميع التيارات المخلصة لبرنامج التغيير الاشتراكي، دون أن يقف حاجزا أمامنا ولاء التيار المعني للأطروحة الماوية أو التروتسكية أو الماركسية اللينينية أو الشعبوية حتى.. ما دامت رماح الرفاق متجهة جميعها نحو صدر النظام، وبهدف الإطاحة بالرأسمالية ودك أركانها نهائيا وبلا رجعة.. فكل التيارات تستند على مرجعية فكرية وتقدمها لمناضليها وقواعدها ومناصريها، والمناهضين لمشروعها، على أنها المرجعية العلمية الصحيحة والوحيدة الموجودة، خصوصا إذا كان التيار الذي يتبناها يعتبر نفسه "بديلا تاريخيا".. والحال أننا لا نرى في التيار المعني جميع هذه المواصفات، سواء من حيث ما ينادي به، أو من حيث ما يقتفيه أنصاره من ممارسات، وضعته في خانة الشبهات، علاقة بخلايا الطلاب داخل جامعة ظهر المهراز بفاس، والتي استفردت بالعمل الطلابي منحرفة به لمنزلقات خطيرة، عطلت ولغمت العمل الطلابي التقدمي، ومنعت عنه النهوض والقيام بمهامه، وفق نظرة وحدوية وتنسيقية بين مكونات الصف الطلابي التقدمي والديمقراطي، معوضة هذه التقاليد الديمقراطية الطلابية العريقة، بأساليب العنف، والإكراه، والتشكيك، والمنع، والتصفية في حق الجميع، أي كيفما كانت المواقف والمرجعيات والتصورات..!
* لقد أخفق اليسار الطلابي مرة أخرى، بمساهمة هؤلاء الجذريين، في مهمته التي لا يمكن أن تكون، وخلال هذه المرحلة بالذات، سوى تقديم أحسن النماذج في تنظيم وتأطير الجماهير الطلابية المناضلة من داخل اتحادها التقدمي إوطم، بعد تجديد هياكله وتطوير تنظيماته القاعدية، وقيادة نضالاته المطلبية والديمقراطية، ورفع الوعي داخل قواعده، من أجل الاصطفاف إلى جانب الجماهير الشعبية في إطار النضال من أجل الحرية والديمقراطية والاشتراكية.
* فإذا كانت المناسبة التي دفعت بالرفاق من داخل التيار هي مناسبة ذكرى التأسيس، فأعتقد أنه كان حريا بهم أو بقيادتهم عرض برنامج المرحلة أو تركيزه في نقط محددة، توضح للرأي العام المناضل وجميع القواعد المتعاطفة، ما هو المطلوب في هذه المرحلة. يعني ما القول في برنامج الثورة (1) التي ستدّك النظام الحالي القائم وتقطع نهائيا مع التبعية للإمبريالية (2) وستقيم الديمقراطية الجديدة القائمة، على ديمقراطية المجالس العمالية والشعبية (3) وستشرف على برنامج التأميم ومصادرة الأملاك في المدن والأرياف (4) وستنظم التعاونيات الإنتاجية داخل الوسط الفلاحي الفقير وداخل الورشات الصغرى بالمدن (5) وستحرر المستعمرات، سبتة ومليلية والجزر الجعفرية (6) وستضع حدا نهائيا لقضية الصحراء وفق مبدأ تقرير المصير (7) وستقيم برنامجا يعترف بكل المكونات الثقافية واللغوية وفق نظرة تقدمية تحارب العنصرية والظلامية، وتساوي بين جميع المكونات بشكل ديمقراطي ينسجم مع تطلعات ومطالب الجماهير الشعبية الكادحة..الخ
* هو ذا البرنامج الذي نطلب مناقشته دون مزايدة أو تشنج. إذ أمام كل عمل ثوري جاد ومنظم، لا بد وأن تطفو إلى السطح الفقاقيع الكاذبة والتي يعمل أصحابها كل ما في جهدهم لتبريرها، وتبرير وجودها، كتميز بديل في الساحة، لم يكن له القدرة بأن يقدم أية إشارة عن نوع هذا البديل، وعن حجم حضوره النضالي، وقيمة مبادراته الجماهيرية، وعن خطواته الوحدوية..الخ لأن البلاشفة نفسهم قيموا وقدروا جميع مكونات حركة المعارضة، ثم قدموا البرامج التي اعترفت بضرورة التنسيق، بضرورة صياغة الحد الأدنى مع اللبراليين في مرحلة معينة ثم مع الاشتراكيين والشعبويين ومختلف التيارات الثورية في مرحلة أخرى.. هذا ودون أن يتخلوا عن المشاركة في النضالات الجماهيرية اليومية، واعترفوا علنا بأهمية النضال من أجل الإصلاحات، ومن أجل تحسين أوضاع الكادحين.. دون إهمال للنضال ضد المجموعات والتيارات التي تتبنى نظرة التغيير الإصلاحية التي تعمل ما في جهدها للحد من تطلعات النضال العمالي والجماهيري، وتسقيفه بالإصلاحات والوعود. "فسنكون سخفاء ورجعيين إذا استنتجنا من ذلك، أنه ينبغي لنا أن ننسى أو نتجاهل أو نحتقر المهمات الملحة في الوقت الحاضر، حتى لو كانت عرضية، مؤقتة.. فازدراء هاته المهام بالنسبة للاشتراكيين، يعني خيانة الاشتراكية وخدمة الرجعية".
فما من ثابت في برامجنا العملية سوى إستراتيجية الثورة الاشتراكية، التي تعتبر مدخلا مهما وعمليا للبناء الاشتراكي، والتقدم بخطى ثابتة، وعبر تنسيق عمالي أممي، لتشييد النظام الشيوعي.. أما الباقي فكله عرضي ومؤقت، على حد لسان أستاذنا الرفيق لينين، الذي اعتبر "أن دكتاتورية البروليتاريا والفلاحين الديمقراطية الثورية ليست بلا جدال، سوى مهمة عرضية مؤقتة بالنسبة للاشتراكيين، بيد أنه من باب الرجعية على وجه الضبط، تجاهل هذه المهمة في عصر الثورة الديمقراطية".
* فمن السخافة، أن نرجع بنقاشنا للزمن الغابر من تاريخ النضال الديمقراطي، الذي قادته ونوّعت في أساليبه الحركة الاشتراكية العمالية.. ونطلق الأحكام على عواهنها، وفق تصور يدعي لوحده امتلاك، حقيقة الجذرية، والماركسية واللينينية.. لينعت كل من سوّلت له نفسه الانتقاد أو الاعتراض بأنه لا يفهم التعاليم، ولا يعمل سوى على "الترديد، وإحداث الصخب والضجيج و"التحياح" وزرع الأحقاد والأكاذيب..".. فلا مجال لهذا الصنف من النقاش، الذي يحاول يائسا التضخيم من ذاته على حساب كافة الفرقاء، الذين أبانوا عن تواجدهم وعن حنكتهم وميدانيتهم، رغم الجحود الغير المبرر، والغير المفهوم، في هذه الظرفية بالذات التي نحن في أمس الحاجة لجميع أصوات المعارضة الديمقراطية.. حيث يلزمنا الظرف وموازين القوى، الناتجة عن ضعف الأداء، وبالتالي، ضعف الوعي في صفوف الجماهير العمالية والكادحة.. تقوية هذه الجبهة وخوض الصراع من أجل سيادة المشروع الاشتراكي الثوري.
* فإغفال البرنامج خلال هذه المحطة المهمة، التي هي ذكرى الإعلان عن وجود تيار سياسي يسمى "البديل الجذري"، لم تسقط سهوا وهكذا، بل تعكس مستوى تفكير "القادة الثوريين"، الذين يتجهون في غالبية الأحيان إلى الهجوم على الحلفاء باعتبارهم "منافقين شرسين، يخططون ويبيتون في الليل، وعبر الوسائل الماكرة والمدمرة، لجهود المناضلين الصادقين الأوفياء لمصالح الجماهير، ولمشروع الثورة المستقبلي..الخ" حجة ماكر يعيش بواسطة الاستشهادات والاقتباسات، وليس إلا!
"فالبرنامج هو عبارة عن بيان موجز، وواضح، ودقيق عن كل ما يريد الحزب، أو التيار، بلوغه وعن كل ما يناضل في سبيله" وهذا ملزم للتيار في كل مرحلة ومحطة مهمة، حتى تتم مصاحبة هذا الإعلان بتقييم الأداء بين المحطتين أو السنتين، وكذا إجراء التعديلات اللازمة كنتيجة لخلاصات التقييم.. فليس العيب في الترديد لتعاليم وأفكار ومواقف تاريخية تـُعرّف بما يهدف له التيار، ويعمل من أجله، وكله ثقة في خطه ومذهبه النضالي، والجماهير المتعاطفة معه، والمدعمة على طول الخط، لمشروعه التحرري.. فالعيب كله أن نظل نحارب طواحين الهواء وصبّ الماء في طواحين أخرى، لا مصلحة ولا هم لها سوى الحفاظ على الأوضاع وديمومة نظام الاستبداد والاستغلال الرأسمالي والعمالة للإمبريالية والشركات الرأسمالية العابرة للقارات..الخ
فلم تخطو جماعة ماركس إنجلز الشيوعية، خطوتها الأولى حتى عرّفت بنفسها، معلنة عن تصورها ومواقفها حول ما يقع في أوربا والعالم، وتاريخ البشرية، وصراع المصالح والطبقات، والرسالة التاريخية المنوطة بالطبقة العاملة، لقيادة الصراع من أجل تحرير جماهير الشغيلة غير المالكة من الاستغلال والاضطهاد، الذي يمارسه الرأسمال وطبقته البرجوازية، وحلفاؤه الملاكون العقاريون الكبار.. عوض هذه المنهجية المثلى والضرورية، يجهد الرفاق أنفسهم لكيل الشتائم لحلفائهم في المذهب، والخط، والميدان بهذه الطريقة المسعورة التي لا تميز بين الصديق والعدو، وبين الاشتراكي وكافة أعداء الحرية والتحرر.. فمن الصعب جدا أن نبني تصورنا على الأوهام التي توحي لنا، في إطار نظرية المؤامرة، العزيزة على أنفس الأغبياء، بأن الجميع يعادينا، ويناهض مشروعنا الثوري والتحرري ويعرقل مسيرتنا النضالية.. عبر التشويش الإعلامي، و"التحياح" المكشوف، وكأن الأمر يستلزم من المناضلين الميدانيين "تحياحا" مقنـّعا، أو الصبر حتى تدق ساعة الثورة والتغيير، "إذ لا يكفي أن نعلن أن الحياة صعبة وندعو إلى الثورة، فإن أي ثرثار يعرف كيف يفعل ذلك، ولكن بدون فائدة كبيرة، ينبغي أن يدرك الشعب العامل سبب تعاسته ومع من ينبغي أن يتحد للنضال في سبيل الخلاص من البؤس" الشيء الذي يتطلب منا رؤية شاملة للنضال، ولبرامج العمل في الميدان، قصد تكثيف الجهود وتقوية التنسيقات والعمل المشترك، في إطار روابط واتحادات، تعترف بخطورة الوضع وضراوة العدو الطبقي، التي لا تحتاج "لسوبرمان" منقذ بواسطة "بديله الجذري"، لكن بالتقدير العلمي والموضوعي لقدراتنا، وإمكانياتنا في اللحظة الحالية لكي نحشد الهمم ونقوي أواصر التعاضد والتعبئة في صفوف الفقراء والمحرومين والشغيلة، من داخل معمعان النضال الجماهيري المكشوف بشعاراته وبمواقفه وببرنامجه التاكتيكي والإستراتيجي الاشتراكي.. فلا معنى أن نبقى تائهين مشردين فكريا وسياسيا وتنظيميا نردد اللاُآت بدون فائدة.
* فالمناضل الماركسي عليه التزامات يجب أن يجهد النفس للقيام بها أحسن قيام، ولن يكون المناضل نافعا لتنظيمه بأي شكل من الأشكال إذا لم يكن قادرا على تفجير مواهبه في مجال من المجالات، المجال الدعوي والمجال التحريضي والمجال التنظيمي.. والتنظيم في نظرنا مخطط تاريخي يبدأ من أصغر المجموعات والحلقات، ليتطور ويأخذ أبعاده الجماهيرية والطبقية خلال اللحظات الثورية الحاسمة، إذا اتخذ المواقف اللازمة التي تجيب على مصالح الجماهير الشعبية والعمالية وأتقن التاكتيك وجلب ما يكفي من الحلفاء الطبقيين والسياسيين..الخ "فاليوم تجابهنا مهمة سهلة نسبيا، هي أن ندعم الطلاب الذين يتظاهرون في شوارع المدن الكبرى. وغدا قد تجابهنا مهمة أصعب، مثلا، مهمة دعم حركة العاطلين عن العمل في منطقة معينة، وبعد غد متعين علينا أن نكون في مراكزنا لكي نسهم بقسطنا الثوري في تمرد فلاحي".
لاحظوا الالتزام وواجب الالتزام والبراعة التنظيمية، ومهمة التأطير لجميع الحركات الاحتجاجية بمختلف فئاتها وتنوع انتماءاتها الطبقية والشعبية.. دون إسفاف أو تهكم من الرفيق لينين، الذي خبر عن قرب أهمية النضال الاحتجاجي، ودوره في الاستقطاب ورفع الوعي، داخل الأوساط الجماهيرية المحرومة والمضطهدة.
وعجبا يتفوه بعض المنبهرين بالشكل التنظيمي الذي قدمه لينين للحزب الاشتراكي، لكي يتجاوز أزمته التنظيم، حيث أن الانبهار لم يكن مقتصرا سوى على السرية في العمل. لأن "التحياح" في نظر هؤلاء الرفاق يكشف المناضلين، ويسهـّل سقوطهم في شباك البوليس والمخابرات.. الشيء الذي يبين ويفضح قصور نظرة الرفاق للتنظيم، ولدوره في الاستقطاب، والتأطير، ورفع الوعي الجماهيري والعمالي.. فلا ولن يتبع التنظيم الثوري خطا وأسلوبا واحدا باعتبارها الوصفة الواقعية ضد هجومات العدو الطبقي.
فلكل معركة، وميدان، ومجال، ومرحلة.. أساليبها وأشكالها الدفاعية والهجومية، لأن المعركة تقام في ساحة حرب طبقية لا تقبل الهدنة، أو الاستثناء، لكن مدتها قد تقصر أو تطول، يعني "الفترة الرمادية والفترة السلمية" كما كان يسميها لينين، مع التذكير أن للثوريين الماركسيين نظرتهم الخاصة لتدبير المرحلة السلمية، وهي التي لا تدفعهم للانسحاب من الساحة الاحتجاجية، أو التهاون بقيمتها، وما يرتبط بأساليبها التوعوية والتصعيدية، حيث المهم في الأمر هو عدم إهمال العمل اليومي والدقيق وإعداد القوى اللازمة لجميع المعارك والاحتجاجات الشعبية والطبقية.. فلكل فترة أشكالها وأساليبها فالحركة الاشتراكية المغربية في وضعها الحالي المتميز بالضعف، والشتات، وقلة المبادرات وانعدام الصلات التنظيمية مع الطبقة العاملة وجماهير الشعب بشكل عام "لا تمتلك وسائل نضالية شاملة، قادرة على فصل البروليتاريا عن الفئات القائمة بعض الشيء فوقها أو تحتها، بواسطة ضرب من سد الصين، إن الحركة الاشتراكية تستعمل وسائل مختلفة، تبعا للأزمنة، وتخضع دائما تطبيق هذه الوسائل، لشروط فكرية وتنظيمية، محددة تحديدا دقيقا"
* فمن لا قدرة له على تقدير هذه الاحتجاجات ذات الطابع الشعبي والجماهيري، لا يمكنه بتاتا أن يفهم طليعة الطبقة العاملة في النضال، ودور الإضراب الجماهيري في الصراع، ودور وسائلها الكفاحية الخاصة بها، بمعنى الإضراب الذي لا يأخذ طابعه الجماهيري إلا لحظة الانتفاضة والعصيان الشعبي والمشاركة في الاحتجاج تحت راية الطبقة العاملة وتوجيهات حزبها الماركسي الثوري.. لن يفهم أبدا الحكمة في استعمال جميع أشكال وآليات الصراع، أي بما فيها "الشرعية والعلنية" للدفاع عن مصالح الجماهير العمالية والشعبية.. هو ذا التاكتيك الصحيح الذي تعلمناه عن حق من خلال الممارسة، والارتباط بالطبقة العاملة، وكذا من قراءة النصوص، وفهمها واستيعاب خلاصاتها بطريقة علمية ومنهجية، تميزنا عن باقي المجموعات اليسارية المناضلة الأخرى..
فلم نرتبط بماركس وإنجلز ولينين بالصدفة، فتعاليمهم ومنهجيتهم وأطروحتهم النظرية والسياسية، بالإضافة لقدرتهم على الارتباط وتبني الاحتجاج وتحويل الإضرابات بسرعة إلى إضراب ثوري وإلى انتفاضة شعبية يشارك في معمعانها جميع الكادحين والمقهورين في المدن والأرياف.. كان سببا من بين أسباب أخرى في الارتباط بالخط البروليتاري وللدفاع عن المهمة الاشتراكية وعن الرسالة التاريخية للطبقة العاملة "إنه من اللازم الجمع بين الأشكال الشرعية للنضال والأشكال غير الشرعية، وإنه من اللازم الاشتراك في أكثر البرلمانات رجعية وفي عدد من المؤسسات الأخرى التي تسيرها قوانين رجعية كصناديق التأمين مثلا..الخ"، فلن نأتي بعد هذه القناعة لنشكك في أهمية الديمقراطية وفي نجاعة خط النضال الديمقراطي كمسار ثوري، ملزم للحركة المناضلة من أجل تحقيق الاشتراكية "فللديمقراطية أهمية كبرى في نضال الطبقة العاملة ضد الرأسمالية من أجل تحررها ولكن ليست بأية حال حدا لا يمكن تخطيه". هنا الحكمة اللينينية والرؤيا الثاقبة لمسار النضال العمالي والاشتراكي.
* هذه حقائق وخلاصات نظرية أثبتت جدارتها داخل الساحة المغربية، ولن تحتاج منا إلى دليل لتفنيد الأطروحات الرفضوية، التي لا تقبل بالنضالات، ولا تشير إليها، بل تعمل كل ما في جهدها لطمسها أو إنكارها، عدا ما شاركت فيه عناصرها، أو أحد ممن يمثلها ويدافع عن خطها وتصوراتها.. فنحن والرأي العام، وكافة المتتبعين لتجربة هذا "التيار الجذري"، نعلم جيدا اقتناع زعيم التيار بأهمية هذا النضال، وانخراطه عمليا في ممارسة خلاصاته، سواء عبر الانخراط في مجال النضال "الحقوقي"، وفي تحمل المسؤولية داخل أجهزة "الجمعية المغربية لحقوق الإنسان"، وقيادة نضالاتها خلال مرحلة من المراحل عبر متابعة ملف المعتقلين، والمطالبة بإطلاق سراحهم.. إضافة لهذا لم يمانع التيار في مشاركة بعض أعضاءه في العمل النقابي، والجلوس في ضيافة المركزية البيروقراطية، وأخذ الأوامر والتوجيهات من هذه القيادة البيروقراطية التي لا تخفي اقتناعها، ودفاعها عن اللبرالية وعن الاستبداد، وعن النظام الملكي.. إضافة لعدائها الصريح للتحرر، والانعتاق، والديمقراطية، والاشتراكية.
فليس هذا يعني إننا نشجع الرفاق على الانسحاب من النقابة، كما فعل الرفاق في "التوجه الديمقراطي"، على العكس نعتبر ذلك موقفا صحيحا يتجه فعلا إلى كسب قواعد عمالية إضافية للحركة المطالبة بالاشتراكية.. لكنه مثله مثل الالتزامات الأخرى، يصب في طاحونة النضال الديمقراطي بكل مستلزماته التاكتيكية والإستراتيجية. فلا غرابة إذن، أن نجد في برنامج لينين الحزبي، الذي يوضح مهام الحزب والتي هي "مساعدة نضال الطبقة العاملة بتطوير وعي العمال الطبقي، وبإسهام الحزب في تنظيمهم.. دون أن يفصل نفسه عن الحركة العمالية وسوف يدعم كل حركة اجتماعية ضد الحكومة الأوتوقراطية وضد سلطتها التي لا حدود لها" والمواجهة النضالية والميدانية للغلاء ولفواتير الماء والكهرباء، نعتبرها مواجهة طبقية والالتزام ببرنامجها التزام طبقي إلى جانب العمال وجميع الكادحين من ذوي الدخل المحدود.
* فعلى العموم نتمنى أن نكون قد أسأنا الفهم خلال هذه الملاحظات الأولية، حيث الدعوة ما زالت قائمة لتقريب وجهات النظر بين جميع الفرقاء، داخل الحركة الثورية والديمقراطية.. فالرفاق داخل التيار خيبوا الآمال وأحبطوا الرهانات، من أجل فتح جبهة تنسيق عريضة للنهوض بالمهام الديمقراطية والثورية، دون الدخول في هذه الحملات العدوانية ضد جميع الديمقراطيين والاشتراكيين، ودون التشكيك في صدق أداء المناضلين جميعا وما ارتبط بهم من فعاليات وحركات ميدانية مناضلة تواكب الاحتجاجات وتنخرط في صفوفها من مواقع فكرية وسياسية تقدمية وديمقراطية واشتراكية، مختلفة.
انتهى
وديع السرغيني
نونبر 2015








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اضطرابات في حركة الطيران بفرنسا مع إلغاء نحو 60 بالمئة من ال


.. -قصة غريبة-.. مدمن يشتكي للشرطة في الكويت، ما السبب؟




.. الذكرى 109 للإبادة الأرمينية: أرمن لبنان.. بين الحفاظ على ال


.. ماذا حدث مع طالبة لبنانية شاركت في مظاهرات بجامعة كولومبيا ا




.. الاتحاد الأوروبي يطالب بتحقيق بشأن المقابر الجماعية في مستشف