الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الدعارة ..اختيار أم اضطرار

محمد البورقادي

2015 / 11 / 24
ملف : ظاهرة البغاء والمتاجرة بالجنس


هل يمكن القول أن الواقع الإجتماعي يدفع بعض الفتيات والنسوة للجوء لعوالم الدعارة والليل ؟ وهل يبرر الفقر الدخول إليه والإرتزاق منه ؟
إلى أي حد يمكن القول بأن المجتمع يسمح بتسليع الإنسان ! وهل يقبل إنسان عاقل على نفسه التسليع !
إن الفقر كداع رئيس لامتهان الدعارة لا يمكن إنكاره ولا يمكن إغفاله في ظل سعار الغلاء وارتفاع مستوى العيش العالمي الذي يفرضه تطور العالم المعاصر .
لكن هل تجوز الحاجة للعيش إسقاط الكرامة الإنسانية وتدنيس ماء الوجه ..أم أن الجسد لا ينتمي لصاحبه ولا يهمه أمره صلح أم فسد حتى يعيره للآخر ويبيعه مقابل المال ويضحي به من أجل سداد لقمة العيش ومد اليد للغير بالسؤال ..هل تبرر الغاية الوسيلة ..وهل تشرعن الحاجة التوغل في الدنس لسد مطلبها ..
إن المتأمل في دواعي الدخول لهذا العالم المشبوه يتلمس حقيقة أخرى قد لا تبررها الفاقة ..فبعض النسوة تجد من هذا العمل موردا لا ينضب ..وإيرادا لن تجد لتحصيله سبيلا إن آثرت عليه عملا آخر غيره ..فالعائد من بيع الجسد يعدل أضعاف أضعاف ما يُحصِّله امتهان أعمال أخرى خصوصا إن كانت العاملة صغيرة السن ممشوقة القوام حسناء المنظر.. فذلك رأسمال يجذب إليه كل من يدفع أكثر ..فالأجر يكون مضاعفا والمقابل هو الجسد حيث الريع هو محرك هكذا استثمار وليس ما يثمر إنتاجا كإعمال الفكر أو الطاقة في التحصيل والكسب ..وهذا رأسمال الكسلاء ..
لكن الثمن لذلك لا يستحق المخاطرة في كثير من الأحيان حيث ما إن تذبل زهرة الجسد وتلوح الترهلات حتى يشح المخزون وينقطع الإيراد بالتدريج إلى أن يصير المحصول صفرا في النهاية ..وليت الكسب انقطع فحسب بل يحين موعد دفع الضريبة التي تأتي آجلة في هكذا عمل ..الضريبة ليست نقذية الدفع كما يُعهد بها ..ولكنها من جنس الكسب ..من الجسد !!
حيث يصير هذا الأخير معقلا للأمراض ومزبلة لا يقدر إلا ذو حظ عظيم أن يخليها ويزكيها لتصير روضة كما كانت في بادئ الأمر..فالأمراض المنقولة من الجسد للجسد من أكثر الأمراض فتكا ومن أزمنها وأبقاها ..حيث تنخر الجسد رويدا رويدا.. كما تنخر الدودة ورقة الشجر.. إلا أن يحين الأجل ..
لكن غالب العاملات يحطن علما بتلك الضرائب ..ورغم ذلك لا يأبهن بذلك ولا يرون إلا الكسب الآني واللحظة الآنية حيث تعلن الشخصية ازدواجها ..في انفصام للجسد عن النفس وعن الضمير ..فالداخل إلى هناك يطرح جسده عنه كأنه غريب عنه وليس منه ..فيمقته تبعا لذلك كونه سبب ذلته ودنسه ..لكن يعود لمحاباته حين التزود بالزاد ليستجلب بذلك المراد في القادم من الأيام ..إنه الراحلة المنبوذة.. وتأشيرة المرور لعالم الظلام ..
وقد تجد من العائلات من تدفع البنات لذلك لجلب النفع ..(ولا تَكْرَهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إنْ أَرَدْنَ تَحَصُّن )..وتلومهن إن عادوا خاليي الوفاض ..فكيف بشاب يرضى بأن تعيله مومس وهو الخلف من بعد السلف ..!!
كما أن الأميّة داع لسلوك تلك الممارسة ..حيث لا تجد الفتاة رأسمال رمزي تعتمد عليه في طلب الرزق فتركن إلى السهل اليسير الذي لا يتكلف في إتقانه صحيح جسم ..
وقد تجد منهن من تهرب من البادية لعنف أخيها أو لقسوة أبيها ..لتجد نفسها في المدينة بلا حرفة تثقنها وبلا شهادة علمية تشفع لها عند من يشغلها ..فتسقط في البئر مستسلمة بعد أن يضنيها تعب الطلب ..والعنف والقسوة من الأسرة للنشء يولِّد حقارة للذات وإحساسا بالنقص إن لم يُدرَك في العاجل سبَّب احتقانا وُجِّه في منحى الظلام !
وقد تجد من فارقها زوجها أو انفصلت عنه لخلاف بينهما ..فتُترك مع أبناء صغار لا معيل لهم ..فتبيع من بعضها استرزاقًا وتكففًا ..
وقد تجد من البنات من لها صديقات من العالم الآخر ..قد أفلحن في تغريرها وجذبها لبراثن الدنس ..بعد غسيل دماغ يَبِين فيه المادي على الرمزي ..فتنقاذ مشدوهة قد أغراها الطمع وعدم النضج فإذا بها كالحشرة في خيوط العنكبوت ..
وقد تجد من أرادت الإنتقام من جسدها لسوء قد بدر منها في السابق ..لطيش حدث مع أحد الشباب.. قد غلبه السكر حتى وقع في المحظور .. فأورثها غدره ندامة وجدت طريقها في نكران الجسد الذي جلب العار..
والسير في تلك المتاهة اختيار وليس اضطرار كما تبرر ذلك أغلبهن ..إلا من أكرهن على ذلك من الأهل فهم في عداد المضطرات ..ولا يتدرع العامل بالفقر فيسلك ذلك المنحى ..فلقمة الحلال صائغة ولو كانت رغيف خبز فحسب ..والعمل الشريف بدخل يسير يحفظ ماء الوجه.. أفضل من العمل القدِر بدخل عال ورفضٍ من الذات وإقصاء من المجتمع ..فالفقر ليس بسبب تختفي وراءه ..بل طلب الغنى وعدم الرضى بالكفاف هو ما يجعل الغالب يتلهف لاستغلال لحمه والاكتساب منه ..
والقوانين وحدها لتثبيط هكذا عمل لا تكفي خصوصا في وطننا العربي حيث التحايل على القانون والتستر والتخفي وتسليم الرشاوى والفساد هو المستشري ..بل لَزم الوعي باحترام الذات والإستغناء عن مواطن الدنس بعفة الضمير ورجاحة العقل وعلو الهمة وعزة النفس ..
وللمجتع المدني دور في ذلك ..حيث ينبغي عليه توفير المأوى لمن هم في احتياج إليه ..والإعانة لمن لا يجدون لدواعي العيش الكريم سبيلا ..ولمن أودت بهم ظروفهم إلى ما صاروا إليه ..
ولا يقول أحد بأن دواعي المنكر أتت من الغرب ..وأن تحرير الجسد بات من حقوق الإنسان ومن دواعي التحرر ..وإلا ما فائدة العقل إن لم يحسن الإختيار ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هجوم إسرائيل -المحدود- داخل إيران.. هل يأتي مقابل سماح واشنط


.. الرد والرد المضاد.. كيف تلعب إيران وإسرائيل بأعصاب العالم؟ و




.. روايات متضاربة حول مصدر الضربة الإسرائيلية لإيران تتحول لماد


.. بودكاست تك كاست | تسريبات وشائعات المنتجات.. الشركات تجس الن




.. إسرائيل تستهدف إيران…فماذا يوجد في اصفهان؟ | #التاسعة