الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


وجه الحقيقة والحقن بالبوتكس

فاتن نور

2015 / 11 / 24
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني



..قد تشوّه وجه الحقيقة تماماً.. ولا يحتمل المزيد من حُقن البوتكس..

لماذا يتهافت المسلمون، وتتهافت المنظمات الإسلامية، ويتهافت زعماء الدول الإسلامية، ويتهافت هذا وذاك؛ للإعلان عن براءة الإسلام عند حدوث أي عمل إرهابي في العالم يقوم به مسلمون؟
وغالباً ما يلجأ المتهافت الى التعريف بسماحة الإسلام وخصائصه الإنسانية وكأننا في زمن الدعوة والتبليغ، والتذكير بمنهجه الأخلاقي العظيم مشفوعاً بنص قرآني أو حديث. والآية 33 من سورة الإسراء "وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ" تكون غالباً هي المرشحة بقوة في مثل هذه الأحوال؛ لتوكيد حظر القتل في الإسلام وبيان أنه من أعظم الذنوب والكبائر التي نهى عنها الله.
وهذه الآية في الحقيقة، هي ترخيص واضح بقتل النفس، وضوء أخضر لقتلها بالحق مع سبق الإصرار والترصد!
ومع أن "الحق" هو مسألة نسبية التقدير، فما أراه حقاً قد يراه الآخر باطلاً والعكس صحيح، ولا أحد يمتلك الحق الشرعي المطلق لتسليط سيفه على رقاب الآخرين؛ إلاّ أن إله الإسلام أوصى البشر بقتل النفس بالحق، وهذا ما تُفصِح عنه الآية بوضوح.
قوام الإسلام وقيامه هو إمتلاك الحقيقة المطلقة، فالمسلمون خير أمة أخرجت للحق ضد الباطل، ورسولها خاتم الرسل، وكتابها الناطق بالحق والمشرع له خاتم الكتب.. (يعني الموضوع محسوم ولا مجال للتريث).
وهذا التهافت المشفوع بآيات قرآنية تتكرر مع كل مجزرة تحت ظلال التخلف والعجز، يبدو محاولة جد بائسة لتجميل وجه الحقيقة بحُقن أضافية من البوتكس.. ولا أدري كم من حقن البوتكس تحتمل الحقيقة..
ويحدث التهافت عادة دون أن يوَجّه إي إتهام من قبل الجهة المتضررة الى الإسلام. فالمتهافتون هم غالباً مدافعون استباقيون وسبّاقون للعب في حلبات الجرائم. ينطبق عليهم المثل "اللي بعبّه صخل يمعمع" بمعنى؛ المجرم يكشف عن نفسه.. فقد يحوم حول مكان الجريمة، أو يحوم حول فقه اقتراف الجرائم ونصوصه مدافعاً!

ولكن السؤال المفصلي هنا والمهم؛ هل سننصف الحقيقة لو قلنا؛ في داخل كل مسلم، داعشيّ صغير.. يمكن له أن يكبر فجأة وتتحول أسنانه اللبنية الى أنياب، أم سنحقن وجهها بحقنة بوتكس لتلميع صورة غير المسلم؟
أنا مسلمة.. في داخلي داعشيّ صغير
ماذا عن المسيحي، اليهودي، البوذي والهندوسي، عن الكافر واللاديني.. والخ.
ماذا في دواخلهم؟.. قطط صغيرة لا يبدر عنها غير المواء أم زغب القطا؟

الحقيقة كما أراها، أن في داخل كل إنسان داعشيّ صغير قد يخرج من بيضته أو لا يخرج، هذا لو نظرنا الى الموضوع بحيادية وموضوعية، ومن زاوية الصراع من أجل البقاء وسنن الطبيعة. فمع أن الفاصلة بين إنسان الغاب وإنسان الحاضر تمتد الى مليوني سنة، وبين إنسان بداية التاريخ والحضارة وإنسان الحاضر، من جهة أخرى، تمتد الى ما يقارب الستة الآف سنة؛ إلاّ إن الغاب ظل هو الوطن الأم بكل ما يحمله من مكونات الأصل والهوية. لأنه المهد الأول الذي ارتضع فيه الجنس البشري، تربى وترعرع وسط قوانينه الفطرية حتى تراكمت خبراته ومهاراته فغادره مفطوماً، بحثاً عن وطن أفضل وهوية، وراح يشرع لنفسه قوانين كابحة لطفولته، أي إنسان الغاب داخله. وما زالت بعض فصائله تبحث حتى اليوم عن وطن وهوية! وما زالت القوانين المتراكمة غير كافية لضبط إنسان الوطن والحضارة.
نحن بالكاد منضبطون تحت سقف حضاري متخم بالقوانين والدساتير أينما ولينا وجهتنا، لكل مجال أو شق من شقوق الحياة أكداس من القوانين تحكمه. لكل تحرك أو فعل، ضابط قانوني وتعاليم.
لماذا أنتج الإنسان كل هذه القوانين ليضبط نفسه إذا كان يدعي الحضارة؟ وهل كثرة القوانين وتراكمها ميزان للرقي الإنساني؟ تخيلوا كيف سيكون شكل العالم بدون قوانين.. أرجوكم تخيَّلوا واحكموا بأنفسكم.
كل إنسان يمكن أن يكشّر عن أنيابه تحت طائلة ظروف معينة، أن يتعامل بوحشية من أجل أن يبقى أو تبقى عشيرته أو فصيله أو جنسه. كل إنسان ممكن أن تنتفض في دواخله نوازع الشرور والتوحش وتتضاخم حد الإدمان على اقتراف الجرائم دون وازع من ضمير؛ لأن الضمير مكون أخلاقي مخلوق؛ تصنعه ظروف الجماعة وحاجات عيشها وتوازنها النفسي والغرائزي. وما لم نشبع هذا وذاك كما ينبغي؛ يصبح الحديث عن ضمير إنساني محض هراء.
وحتى يكبر الداعشي الصغير داخل إنسان؛ لابد من توافر المناخ المناسب والوسط الحراري كما في مفاقس الدجاج، وعوامل شتى متداخلة ومركبة يصعب توافرها في الأحوال الطبيعية، لكن بتوافرها ستكفل له الخروج من البيضة. ومع توافر الأمصال المغذية، واللقاحات المضادة للوعي ومنبهات التحضر وسلامة العقل، يترعرع الداعشيّ في داخل الإنسان وينمو حتى يسترجع مؤهلاته السحيقة لدخول عالم الغاب مجدداً، محملاً هذه المرة بأنياب تكنولوجية ومخالب معاصرة، ومستقطعاً لنفسه من الغاب مقاطعة إلكترونية يتصيد من خلالها ويبث فحيحه المسموم.
أما في الأحوال غير الطبيعية، فالهرمونات المنشطة التي تحيل النطفة الى بيضة والبيضة الى فرخة، والفرخة الى دجاجة سمينة بسرعة قياسية يعرفها أصحاب مطاعم الوجبات السريعة؛ قادرة على أن تدفع الفرنسي، على سبيل المثال لا الحصر، أن يضع بيضته الداعشيّة التي قد تفقس وحسب توافر العوامل والظروف وحسب فاعلية المنشطات المتاحة.

نعم تحضرنا دون شك.. كنّا ننام في البراري المكشوفة بأمان أكثر من نومنا اليوم قلقين في المحميّات، تحت سقوف البيوت وبين جدرانها، وفي مدن فارهة، ملغومة بالكاميرات ومحطات التنصت والمراقبة، ودول تستنزف المال العام لحماية حدودها وأساطيلها الحربية ورؤوسها النووية. اليوم نحتاج الى جيوش جرارة لحماية أنفسنا.
أشهد أننا قد تحضرّنا.. بسيادة التوحش، وسيادة الخوف والتوجس من المتوحش الآخر؛ إذ بات الإنسان يصطاد الإنسان ويترك الغزال رفقاً بالحيوان. ما زلنا مجتمعات صيّادة ولكن بثوب جديد وروحية تبريرية..
والحقيقة غالباً؛ هي ضحية الإدمان على التجميل بالبوتكس.. كلنا اليوم خبراء تجميل ثرثارون، وكلٌّ يحقن الخد الذي يرى عورته فيه، هكذا تشوه وجه الحقيقة وفيه أكثر من خدٍّ وخد.

فاتن نور
Nov 23, 2015








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. #shorts - 80- Al-baqarah


.. #shorts -72- Al-baqarah




.. #shorts - 74- Al-baqarah


.. #shorts -75- Al-baqarah




.. #shorts -81- Al-baqarah