الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الإرادة العليا وجدل العقل و المنطق ..

محمد البورقادي

2015 / 11 / 24
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


إن حق العباد على الله أن يعبدوه ..ويتقوه ..ويتبعوا أمره ويجتبنوا نهيه ..وأن لا يشركوا به شيئا وحقهم عليه أن يجيرهم من عذابه وأن لا يدخلهم ناره ..
وهذا هو المقصود في العبادة لله ..عبادة من أجل دفع العذاب ..أما أن يقول أحدهم بأنني أعبد الله لأدخل الجنة بعملي فلا يصح له ذلك ..إذ لا يملك عن الله شيئا .. قُلْ فَمَن يَمْلِكُ مِنَ اللّهِ شَيْئاً إِنْ أَرَادَ أَن يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَن فِي الأَرْضِ جَمِيعاً وَلِلّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ..
فالفضل لله يؤتيه من يشاء ولا يستلزم إتمام العبودية الحقة وجوب الدخول للجنة ..بل الإجارة من النار فقط ..أما الجنة فكرم وفضل وعطاء من الله ..
إننا لا نملك من أمرنا شيئا ..لا نملك حياتنا ولا موتنا ..لا رزقنا ولا عافيتنا ..لا خلقنا ولا تدبيرنا ..بل الأمر كله لله من قبل ومن بعد ..
هو الظاهر في كل المخلوقات وهو الحاضر الجلي ونحن الغيب المطلق ..
هو الوجود ونحن العدم ..
هو الحياة ونحن الموت ..
إنه وحده وليس من أحد سواه ..
هو الوجود كله ..هو كل شيء ونحن اللاشيء بعينه.
الكل له ومنه وبه وإليه وحده لا شريك له ليس له من ندّ ولا قرين ..تعالت قدرته ..وتمجدت أسمائه ..وتسامت ذاته عن الإحاطة وعن الإدراك ..الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ..
إن الخلق امتداد منه وأمانته ..إن الخلائق كلها تحيا بنعمائه وتحيا به ولا تحيا بنفسها وذاتها أبدا ..لا تملك لرزقها حيلة ولا سبيلا ..ولا لدفع الضر عنها قدرة ..ولا لجلب النفع إليها إلا بحول الله وقوته ..
إنها هو من حيث يتجلى فيها ..إنها منه يتبَدَّى فيها ..ويُستدل عليه بها ولا يُستدل بها عليه ..إنها له ومنه وبه وإليه ..وليس لها ذات متفردة ومستلقة بل إنها تابعة وملهَمَة في كل سكناتها وحركاتها ..
إن العقل كمحرك للفكر لا يملك أدنى قوة تحركه دون الإلهام من السماء ..دون الوحي المبَطَّن فيه ..دون صياغة تقوده وتوجهه وبوصلة تتحكم فيه وميزان يعدله ..وقد يعدِل ميزانه عن القسطاس ولا يعود معتدلا لضعف بدل منه نتيجة انفلاته من قناته ..والقناة هنا هي الفطرة التي فطر الله الناس عليها ..
إن ما يحرزه تقدم العقل من علوم ومعارف ومكتسبات يزخر بها العالم من حولنا ..ومن تكنولوجيات حديثة ومن كل الإختراعات التي عرفتها البشرية ..ليس لها من ذلك من شيء ولا تملكه ولا تحوزه ..لأنه ليس منها وليس لها إذ هو صناعة إلاهية ..فكل ما يقدم لنا هو رأسمال ..هو مادة أولية ..هو الأساس الذي يتشكل عليه كل شيء.. وأي شيء يأتي بعد التشكيل هو منسوب وراجع للمادة الأولى ..إذ هي أصله ومنها مبتدأه ولا تنفصل عنه بانفصال التشكُّل والتحول ..
إن العقل ملهَم من السماء وموحىً إليه ..ومركب تركيبا متناسقا وفق بديهيات منطقية ورياضية تقود بداياتها إلى نهاياتها وفق ذكاء ات فطرية موجودة في أصل الخلق ..لا يستلزم سوى صقلها وإذكائها لتؤتي أكلها ..وحتى الإذكاء هو موهبة من السماء ولا يستطيع العقل الدفع بقواه للأمام لولا الوحي والتوفيق من السماء..
ومن هنا لا يصح لعاقل أن يقدِّس عقله وعلمه وما وصل إليه بذكاءه وخبرته ..فذلك ليس له بل مستعار من السماء..مسخر ومقدر وفق منطق سببي ..ووفق قوانين بديهية مركبة في المادة منذ الأزل ..وكل ما يستطيعه العقل هو العمل وفق تلك القوانين والنظم الكونية ولا يحيد عنها ..إذ إن حاد اجتهادا منه لن تأتي أكلها ولن تبلغ المقصد منها ..ولو أعيد بناؤنا وتجربتها ملايين المرات ..
إن العالم يسير وفق فلسفة جاهزة ..ونسق تابث مؤسس لمنظومات متشابكة وغير متشابكة ..معقدة وغير معقدة ..تضمن سير الكون وفق حكامة لا نظير لها ..ووفق حكمة لا تنفُذ ..وعلم لا يُحاط به ..لعجز إدراك العقل عن الإحاطة بما لا يقدر أن يستصيغه لضعف في تكوينه ..أو لكونه محدود الأفق ومهمته لا تقتضي بلوغ ما لا يجوز بلوغه ..
الكل مدبر ومهيئ من الظاهر الذي يظهر في كل شيء وعلى كل شيء.. لدرجة لا يبين فيها الظاهر للمظهور فيه فيخيل للأخير أنه حر قد ملك نفسه وتحرر واستقل وأنه ليس بتابع ..
إنه صنع الحكيم الذي أتقن كل شيء ..
فما إن يبطش حتى يشعر بأنه هو من بطش بحوله وقوته ..وقس على ذلك كل الحركات ..وكل اجتهادات العقل ..وكل تخطيطات الفكر ..إن الإنسان هيكل مركب حر وليس بحرّ ..يختار وفق مشيئته وإرادته.. لكن هاته المشيئة لا تخالف القوانين العليا ..لا تتجاوز حدود المُعْطى الأول ..لا تسبح في غير مجالها الذي حدد لها سلفا ..ولا تقدر على التحويل ولا التبديل ..
إنها الإرادة العليا والمشيئة العليا التي تؤسس وتركب وتقود وتعطي ..وقد يحدث أن لا تتوافق إرادة العقل مع رضى الظاهر ولكن لا يمكن لها أن تتجاوز مشيئته بحال ..
والصنع محكم لدرجة يصير فيها الإستقلال والحرية ظاهرة وعلنية ومدركة ...والعلاقة سببية لا تكاد تخطئ بديهياتها ..لدرجة يخيَّل للمخلوق أنه هو وليس إلا هو من صنع نفسه ..إذ كيف يتحكم في نفسه إن لم يكن هو صانعها ..كيف يبطش ويمشي ويتحرك ..كيف تنفصل الذات المخلوقة عن الذات الخالقة وتكون مرتبطة بها ممتدة لها في نفس الآن !
إنها إرادة الحق في تسليم مفاتيح القيادة للفرد ..وجعله خليفة وفق شروط هو يعلمها إذ هي مدسوسة في داخله ومخلوقة معه ..إن شاء عمل بها فحرر نفسه وإن شاء خالفها فعبد نفسه لنفسه فاستحق العذاب الموافق لعبودية النفس للنفس ولم يظفر بالسلام الموافق لعبودية النفس للفطرة التي جُعلت فيها ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل بدأ العد العكسي لعملية رفح؟ | #التاسعة


.. إيران وإسرائيل .. روسيا تدخل على خط التهدئة | #غرفة_الأخبار




.. فيتو أميركي .. وتنديد وخيبة أمل فلسطينية | #غرفة_الأخبار


.. بعد غلقه بسبب الحرب الإسرائيلية.. مخبز العجور إلى العمل في غ




.. تعرف على أصفهان الإيرانية وأهم مواقعها النووية والعسكرية