الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كطيف كونته مخيلتي

عايدة نصرالله

2005 / 11 / 1
الادب والفن


كان الفراش أوسع مما تحتمله وحدتي، نظيفا مرتبا أكثر مما يحتمله فوضى هواجسي، والهدوء الذي اشتهيته خرق مسامير اللحم في قلبي. هاج الحر في برودة البياض هذا. تحت سقف غرفة في مدينة غريبة، رنين الكنائس يرتفع بروحك للسماء. ارتفاع السماء فوقي هنا له طعم آخر حين يصبح الحنين للالتحام مع رجل هو عشق الهي. تراتيل مجموعة جاءت في زيارة نحتت الوهج في مقلتي. حتى لم تعد مسامة لاحتواء كل ذاك الصراخ المنعوف على جلدي.
وبدأت كالأفعى أتلوى على السرير الواسع دون أن أجرؤ الاقتراب من نصف السرير الآخر وكأنه أعد لمن سيأتي ويفح لهاثه جانبي.
" وحياة أمي وروح الشهداء سآتي"
لم يكن هناك داعي لروح الشهداء، كان تكفي أمه ليكذب. ولكن ليكن القسم أشد تأثيرا فلا بد من الشهداء الذين لم يعودوا إلا وسيلة للقسم حيث دمهم جف ولم يعد موجودا إلا في ذاكرة المنصات فوق مآدب الأكل الاحتفالية بموتهم.
أعددت أنا أيضا مأدبتي للاحتفال بالهدوء دونه.


يوم أن فتح القميص أثارتني الغابة
قلت له"اغلق القميص أرجوك"

استهواه ذلك. في العادة كان يقول "مرحبا"، "مشغول"، "أكتب اعذريني" ويودعني.. وأنا كنت أرى كذبه أمامي وأتغابى.. وكنت أراه مشغولا مع غيري وأتعامى، لماذا؟ لأني أحب ربما مخلفات لعبة "الغميضة". ولأني تعلمت لعبة الاكتشاف بعد أو وقعت ضحية خديعة حبيب ما زال ينخر نخاع عظامي.


أدركَ أنى أحب التيه في الغابات. وأدركتُ أنه أدرك. فحاولت الهروب.
قال: "خليك"
على أثر كلمة خليك قلت له "تعال"
ولم أعد الطيف ليكتبني.
"كطيف كونته مخيلتي أنتِ. من تكونين"؟ قال لي
"أكون طيفا ما دمت لم تعزف لحنك على مساماتي . وعندما ستكتبني ستشفى من طيفك". هجستُ
أيام وهو غارق في تلك المرأة الطيف التي لا تريد أن تعرِّف له نفسها.
"لم أنت مستغرب.. قد أكون أقرب إليك من رفة جفنك".
يخاف ويختفي.
مؤكد أن هواجسه تنقله إلى عالم الشك.. هكذا هو الرجل المسكون بألف صوت.. وألف تنهيدة.. عندما تختلط النهود على صدره. نهود منتصبة، سمراء بيضاء، متوثبة ومتهدلة.. والفروج تصبح لوحة سرمدية على كثرتها..حتى وإن أراد التمتع في لحظة خيالية تنصب عليه الصور فلا يعي في أي حليب يتيه وفي داخل أي فرج يندس فتنهزم متعته ويخرج منها متذمرا حائرا. و ينتابه حالة هلع إذا ما اصطدم بالوضوح الفجائي الذي ينصب على رأسه فيغلق بصيرته ويحمل حمالتا بنطلونه ويهرب.
"أرجوك ، أنا وحيد، احتاج من أشكو لها ألم رأسي.. وأقول لها أشعر ببرد غطيني، جائع أطعميني بيدك الصغيرة"
"وحيد؟ أنت محاط بالمعجبات"
"معجبات؟ أقول لك وحيد.. احتاج صديقة.. احتاجك".
قد مل اللحم.. يحتاج روحا تدثره .. تسبر غور هواجسه.. تنبس بعيون صحراء في ليلة قمرية.. يريد امرأة متوحشة كالغابة ورقيقة كالماء.. على أن تكون طيف في خياله.

ضحكت في سري. هو الجبان الذي يخاف من ظلي. كيف يحتاجني صديقة؟.
ثم قال " احتاجك ولتكوني من تكونين"
والواقع أني لم اكن إلا امرأة... لم اكن أي من تلك النساء اللاتي توهمهن.. أنا لست أكثر من مخلوق عاديوحتى أشكو من الهبل ، كل الأمر أنى حادثته ببساطة شديدة دون تكلف. حادثته كطفل.. وهو تعود أن يحدثنه كمعبود أنوثتهن.. وكمن أراد أن يسكب على جلدهن ماءه .. أيضا حدثهن كفحل بدوي غارق في فحولته حتى النخاع.
وهو يحدث الكثيرات بنفس التعبيرات:
"أود لو أذوق الشهد من هناك"
وهنا يسيل كثير من الماء.. وتبدأ الآهات تفعل فعلها.
"لو أتسلل إليك وأنت ساهمة، ارفع تنورتك، وابدأ الاحتكاك بك من الوراء"
هذا التسلل من الوراء يغري الرجل كثيرا.. فهو يشعر بذلك أقل مطاردة من العين التي ستنظر داخل عينيه لتكشف مشاعره الحقيقية.. سيشعر وهو يحتك من الوراء قدرة التركيز على الإيلاج السريع و سرعة التخلص من ثقله.. وكذلك سيشعر أنه هو صاحب الدفع والردع بلا منازع.

اعلم ماذا يقلن له وماذا يقول لهن.
ولم أكن لأفكر في تلك اللعبة أن أكون امرأة الطيف.
ولكن مرة جاءني حب استطلاع وداهمتني في ليلة قيظ حارة رغبة في أن اخلع السماء عن ظهري، وأنفض الأرض من تحت قدمي، وأخرق حدود الماء. هي نفسها الرغبة .. لا فرق بين شاعر وأمي..
هو نفسه الإيلاج، لا حاجة لثقافة جنسية. هي نفسها الآهات. واللمسات..

وعرفت انه شبع من الكلام ومن شهوة اللحم.. أراد شهوة روح تلجه فرآني.
ولأني أدركت ذلك لم اعترف له بأني أقرب عليه من رفة جفنه. و لم أكن طيفا ولا غيره.
في المدينة الغريبة وتحت قبة المسيح انتظرته لأجعل منه طيفا هو الآخر.. لأثبت له أن المرأة الطيف كانت بروح الطير، اللبؤة.. الغابة.. والماء..وبأني أيضا أملك قوة الردع والدفع مثله تماما.
اقسم بأمه وبروح الشهداء انه سيأتي..
عندما شعر انه أمام امرأة لن تكون طيف.. حمل أذيال ثوبه وهرب.. والسرير الأبيض أشتد بياضا والهدوء الخانق الذي تمنيت أن أغمره بالشموع ضج على فجأة ونفاني من الهدوء كله. نام السرير وحده وأنا نمت مع رجلي الغجري ما وراء الحدود. ذلك الرجل التائه هناك على تلة في بير زيت.

1082005








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الممثلة رولا حمادة تتأثر بعد حديثها عن رحيل الممثل فادي ابرا


.. جيران الفنان صلاح السعدنى : مش هيتعوض تانى راجل متواضع كان ب




.. ربنا يرحمك يا أرابيسك .. لقطات خاصة للفنان صلاح السعدنى قبل


.. آخر ظهور للفنان الراحل صلاح السعدني.. شوف قال إيه عن جيل الف




.. الحلقة السابعة لبرنامج على ضفاف المعرفة - لقاء مع الشاعر حسي