الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حول ظاهرة -المظلوميّة- في الخطاب الإسلامي الحديث

هادي بن رمضان

2015 / 11 / 27
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


وقد عاد الإرهاب الإسلامي ليضرب مجددا قلب أوروبا وعاصمتها المعنوية مدينة "باريس" موقعا مئات القتلى والجرحى , عاد الخطاب الإسلامي الشائع ليتخذ موقفا عدائيا ممن أظهر قدرا من التعاطف مع الفرنسيين , محدثا عن الماضي الإحتلالي التوسعي للدولة الفرنسية مذكرا بضحاياها . هذا الأسلوب القائم على إستحضار الماضي السحيق لتبرير ما تمارسه الجماعات الإسلامية المسلحة اليوم ضد العالم , ليس وليد اللحظة أو المصادفة , ليس نتاجا للروح الوطنية أوالقومية ولا موجها ضد التوسع الإمبريالي . إن هذا الأسلوب السائد اليوم الذي أصبح غير مفارق لكل تمظهرات العقل الديني بخطابه الأصولي , له دوافعه العقائدية العميقة . من إستحضار الحروب الصليبية والحرب على الفرس مرورا بالقضيتين الفلسطينية والبوسنية والمسألة الطائفية بالعراق إلى اصطناع الإضطهاد بقضيتي بورما وأفريقيا الوسطى --;-- يفصح نسق الخطاب الإسلامي الحديث عن شكل جديد من البروبغندا الدعائية ذات التأثير الشعبي الساحق والقدرة الهائلة على الحشد العقائدي . إن فهم دوافع وحيل الطرائقية الحديثة للخطاب الديني بمعزل عن الأيديولوجيا النازية ومنظريها وفلاسفتها وطرائقية النظرية العرقية مع منظريها "تشمبرلين" و"غوبينو" يمنع عنا تبين الصلة الوثيقة بين مختلف الحركات الفاشية في تصورها للعالم .

يعرض المفكر المجري الماركسي الفذ "جورج لوكاش" في كتابه "تحطيم العقل" متتبعا لاعقلانية الطور الإمبريالي , كيف احتاجت النظرية العرقية القديمة مع "غوبينو" أن تتخذ شكلا حديثا قائما على حجج بيولوجية زائفة . تسعى النظرية العرقية القائمة على التفوق العرقي منذ إنهيار الإقطاعية ( العرق الجرماني مع الأيديولوجيا النازية ) لأن تتخذ شكلا علميا .

يكتب لوكاش :

حتى تصبح العرقية الأيديولوجيا المهيمنة للرجعية عليها أن تخلع غلافها الإقطاعي وأن تتخذ هيئة علم حديث . ليست القضية هنا تغير ديكور وحسب بل هي تحول في الطابق الطبقي للنظرية العرقية الجديدة . إنها مكرسة في شكلها الحديث للدفاع عن الامتيازات الطبقية بمساعدة حجج بيولوجية زائفة . لم تعد المسألة فقط مصير النبالة التقليدية التي مازال لها مكان غالب في فكر غوبينو بل امتيازات العروق الأوروبية إزاء الشعوب الملونة , امتيازات الشعوب الجرمانية إزاء الشعوب الأوروبية الأخرى . والمسألة أيضا مزاعم سيطرة الطبقة الرأسمالية داخل كل أمة , إذا مولد نبالة جديدة وليس بعد الان إبقاء الأرستقراطية الإقطاعية التقليدية . هذا التبدل الجوهري يتهيأ ببطء , نصف قرن تقريبا ينصرم قبل أن تجد النظرية العرقية الجديدة في ه.س تشمبرلين منظرا لامعا كما القديمة مع غوبينو . بين هاتين المرحلتين في العرقية تلعب الداروينية الاجتماعية دور الوساطة الحاسم ... نرى مع الداروينية ظهور تصور واحدي علمي للسوسيولوجيا . المجتمع يظهر قطعة من الكون قوانينه متجانسة تماما . المقولات الاقتصادية والطبقات تختفي من السوسيولوجيا . يحل محلها صراع العروق من أجل الحياة . مقولات الاضطهاد / اللامسواة / الاستثمار تتخذ شكل ظاهرات طبيعية , قوانين طبيعية لا يمكن تلافيها أو دحضها وإبطالها . بفضل هذه الطريقة العلمية المزعومة تحذف الداروينية الاجتماعية التاريخ . إن السوسيولوجيا الداروينية تبعد عن المعرفة الاجتماعية ليس فقط الاقتصادي بل الاجتماعي نفسه . تلك ضرورة طرائقية . بقدر ما تؤسس السوسيولوجيا على البيولوجيا والانتروبولوجيا , فهي لا تستطيع أن تقبل أي تحول جوهري وبالأحرى أي تقدم . إن تحولات الإنسان في الحقبة التاريخية ليست دات أصل بيولوجي بل اجتماعي . إن طرح المعضلة بحدود بيولوجية يقتضي جوهريا نفي كل تطور . ذلك مسلك هام في اتجاه التصور الفاشي للتاريخ .

ان العرقية الحديثة إذا بحجج بيولوجية زائفة تسعى لأن تقدم الصراع بين الأعراق كقانون طبيعي لتتملص بذلك من أي شبهة . بهذه الطريقة تقدم النظرية العرقية الإبادات الجماعية ضد اليهود والغجر والسود كضرورة طبيعية حتمية .

ان الأيديولوجيا النازية الساعية لبسط سيطرة العرق الاري تجد في الداروينية الإجتماعية الغطاء العلمي الزائف الأنسب لممارساتها العنصرية .

كم لعب منظرو العرقية دور التمهيد الأيديولوجي للتيارات العرقية الامبريالية بتقديم الصراع العرقي كقانون طبيعي , يحتاج قادة الخطاب الأصولي الإسلامي لما يشبه الداروينية الإجتماعية , يحتاجون لسبب مادي/عقلاني يكون الجسر بين الإرهاب في صيغته النصية الميتافيزيقية (القران/الحديث) والممارسة الواقعية . ان الإرهاب الديني ليس في حاجة لتقديم أي حجج مادية/عقلانية لممارساته اللاعقلانية فهو يعمل وفق نسق ميتافيزيقي محض يلتزم بالنص الديني , إنما يحتاج قادة الخطاب الإسلامي لهذين العنصرين لإستمالة العوام من يمكن أن يحملوا شيئا من الخوف والكراهية ضد الإرهاب الديني لضعف تكوينهم العقائدي .

يعلن -أبو بكر ناجي- في كتابه "إدارة التوحش" وهو ذروة التصور الإسلامي الأصولي لنموذج قيام الخلافة الحديثة :

"... إقامة خطة إعلامية تستهدف في كل هذه المراحل تبريرا عقليا وشرعيا للعمليات خاصة لفئة الشعوب ... وإنما الشعوب هي الرقم الصعب الذي سيكون ظهرنا ومددنا في المستقبل ..."

والتبرير الشرعي الذي ينشده صاحب الكتاب هو الدليل الشرعي النصي , أي البرهان الشرعي على توافق التوحش مع ما جاء بالقران والسنة . فالقران والسنة كلاهما يحرضان على الكراهية والعداء للكفار والمرتدين وكذلك القتل والتمدد والهيمنة . ان هذا البرهان الشرعي إذا ما قدم لوحده للشعوب لاضطربت وشعرت بالريبة والعجب . فالشعوب العربية كما يعلن الكاتب قد تمكنت منها الأنظمة العربية وزرعت فيها تصورا ساذجا مبتذلا للإسلام ليس له أي أصل شرعي . يعلن الكاتب : " ... أننا عندما نقول أن الشعوب هي الرقم الصعب ليس معناه أننا نعول عليها في الجملة بسبب ما أحدث الطواغيت في بنيتها وأنه لا صلاح للعامة إلا بعد الفتح ومن لا يستجيب من العوام ومتوقع أن يكونوا هم الكثرة فدور السياسة الإعلامية الحصول على تعاطفهم أو تحييدهم على الأقل..."

فالمنظر يعترف إذا بأن فئة الشعب لن يجد الإرهاب الإسلامي فيها الحاضنة الملائمة لإنسياقها خلف نمط حياتي "جاهلي" ما أبعده عن النمط الشرعي الديني , ولهذا نراه يضيف إلى الدليل الشرعي ما سماه "التبرير العقلي" .

هذا المصطلح هو بالضبط ما ستقوم عليه الدعاية الدينية الأصولية منذ الحرب الطائفية بالعراق حتى هجمات باريس الأخيرة .

ان الخطاب الإسلامي الحديث يقع في معضلة عويصة , فالعالم الإسلامي الذي فرضت عليه الأنظمة أن يكون غير ملم بالتفاصيل الشرعية للقتل والسبي والولاء والبراء والتي يراها تعاليم لاأخلاقية بالمرة , من المؤكد إذا أن يرفض أعمال التوحش , أن يرفض القتل والتهجير ضد الأمنيين والعسكريين , ضد المسيحيين , الشيعة , المتصوفة وغيرهم ...

ان الخطاب الإسلامي الدعائي هنا في حاجة لطريقة جديدة تتجاوز البرهان الشرعي الذي لم يُحط به العامة , فهو إذا في حاجة إلى تبرير عقلي مادي/تاريخي يقيم عليه عقيدة التوحش . والفرق بين الدليل الشرعي والعقلي في البروبغندا الإسلامية فرق جوهري , يقوم الدليل الشرعي على أسس عقائدية متينة تلقي بجذورها في كتب القران والحديث والسيرة . والعقل الديني ملزم إلتزاما صارما بإتباعها دون أن يخوض فيها عقلا . وأما الدليل العقلي هو تبرير مادي/تاريخي للتوحش وهو يستهدف عامة الشعب وفئة الشباب خاصة وهو أقوى تأثيرا على العوام من أي برهان شرعي .

ولنا مثل الهجوم على صحيفة "شارلي إيبدو" لتبين الطرائقية الجديدة للخطاب الديني , فالإسلام قد قال قولا صريحا بإجماع فقهاء الأمة بشرعية قتل شاتم نبي الإسلام والساخر منه والأدلة الشرعية في ذلك كثيرة . لكن يلاحظ قادة الخطاب الإسلامي أن الإسلام وحيدا في ساحة الإرهاب الديني . وحيدا في أعمال القتل والإبادة ذات السبب الديني منذ هجمات الحادي عشر من سبتمبر . يلاحظ هؤلاء أن الإسلام قد أصبح محط الأنظار . هذه اللاعقلانية المتطرفة القائمة على فتح جبهات قتال بكل أنحاء العالم ضد اليهود و"الصليبيين" والشيعة والأنظمة العربية والغربية أصبحت عارية يسهل الإجهاز عليها لطابعها اللاعقلاني الفاضح . فالخطاب الديني في حاجة ليصبغ لاعقلانيته بحجج عقلانية مادية وتاريخية تجعله أكثر قبولا , أكثر قدرة على التملص من شبهة إحتكار الإرهاب وأكثر قوة في تبرير التوحش بحجج عقلانية لها وقعها بين الأمة , نقيضا للبرهان الميتافيزيقي الشرعي الذي يلزم الإنصياع الأعمى للإرادة الإلهية .

تجد الدعاية الدينية بداية مع حرب العراق والحرب الطائفية الأدوات المناسبة لصبغ الطابع الميتافيزيقي للإرهاب بحجج عقلانية :

وهذه الطرائقية الجديدة تقوم على عنصرين :

- التذكير بأعمال القتل والإبادة لمختلف الأمم والحضارات تزامنا مع كل عمل للجماعات الإسلامية المسلحة , للتملص من شبهة إحتكار الإرهاب الإسلامي لأعمال القتل والتطهير -اليومية- .

- التذكير بالحروب الصليبية , بالحرب ضد الفرس , بالتاريخ الإستعماري للقارة الأوروبية وضحاياه , لتبرير أعمال التوحش تبريرا عقليا وإلباسها ثوب العمل النضالي الإنتقامي والواقع أنها أعمال ذات طابع ديني محض .

تبدأ الطرائقية الدعائية الحديثة في العمل منذ الحرب الطائفية بالعراق , ان الأيديولوجيا السلفية والتي تحمل حقدا هائلا ضد الطائفة الشيعية قد شكلت جماعتها المسلحة الأولى بالعراق , جماعة "التوحيد والجهاد" .

يطلق قائد التنظيم "أبو مصعب الزرقاوي" الته الحربية الطائفية ليوقع الاف القتلى والجرحى بتفجيرات مرقدي الإمامين العسكريين . هذا الهجوم العقائدي الفاضح يحتاج مباشرة لتجاوز البرهان الشرعي الذي يقيم عليه شرعية الإستهداف العسكري للشيعة , يتجاوز التنظيم البرهان الشرعي (كالشرك والوثنية والطعن في عرض الصحابة وأم المؤمنين الخ) مع إندلاع الحرب الطائفية الكبرى والرد الشيعي الإنتقامي .. يتجاوز ذلك مباشرة إلى تصنع الإضطهاد كتبرير عقلي لحشد المقاتلين من شتى أنحاء العالم ضد العالم الشيعي . يمعن التنظيم مباشرة عبر الته الإعلامية في إصطناع المظلومية بنشر شائعات مضخمة عن إغتصاب المقاتلين الشيعة لنساء أهل السنة والجماعة (يختار التنظيم المصطلح الشاعري المناسب -حرائر المسلمين-) , يطلق التنظيم الته الحربية صوب المسيحيين "الصليبيين" والايزيديين "المشركين" ... يزعم تعرض أهل السنة والجماعة للتامر والاضطهاد من قبل هاتين الجماعتين . بينما يستهدف كل الأهداف العسكرية والمدنية لأسباب عقائدية , تقدم الته الإعلامية الحرب كحرب ضد الإضطهاد الجماعي لأهل السنة والجماعة . ينجح التنظيم نجاحا ساحقا في السنوات اللاحقة عبر الالة الإعلامية السلفية الخارجية التي ألزمها الإنتماء العقائدي على التقاطع مع الدعاية التي يقدمها التنظيم . خلال عقد واحد , أصبح الإعتقاد السائد بين عوام المسلمين بشتى أنحاء العالم بأن الحرب الطائفية بالعراق سببها الإضطهاد الشيعي , تمكنت البروبغندا الدينية بشكل مثير بطمس السبب الحقيقي والأول للحرب وهو تفجير المعلمين الشيعيين . اليوم أصبحت هذه الصورة الذهنية الخيالية التي فرضها الإعلام السلفي هي الشائعة .

تستخدم الالة الإعلامية السلفية نفس الأسلوب لاحقا بسوريا , يقع الحشد العقائدي من المغرب مرورا بتونس وليبيا ومصر إلى الشرق الأوسط وفق نتائج نجاع الدعاية السلفية التي أعقبت الحرب الطائفية العراقية . أصبحت الكراهية ضد العالم الشيعي شائعة بين عوام المسلمين والشباب العرب بشتى أنحاء العالم , وفق نسق من الحجج الدينية المصحوبة بترير "عقلي" قوامه إصطناع الإضطهاد والمظلومية يقع حشد الاف المقاتلين لممارسة القتل الطائفي . في تونس , حيث تجد الأيديولوجيا السلفية صدى واسعا لا نظير له , يقوم قادة الخطاب السلفي بالتحريض على القتل وفق براهين شرعية تصحبها تبريرات "عقلية" . الجماعات السلفية التونسية في حاجة لإستمالة العوام لتحييدهم في المواجهة ضد المؤسستين الأمنية والعسكرية . تلجأ مباشرة إلى تصنع الإضطهاد , هذا التصنع المضخم للإضطهاد هدفه أن يكون تبريرا لأعمال العنف اللاحقة , والتي لكي تجد قبولا بين عوام التونسيين هي في حاجة لإرتداء ثوب رد الفعل الإنتقامي . تزعم الجماعات السلفية التونسية تعرض المنقبات للصفع والإيقاف بشكل يومي (تكرارا للسيناريو العراقي) , يصف قادتها الدولة التونسية بالعمالة للعالم "الصليبي اليهودي الإحتلالي" . تسوق مجموعة من الحجج والشائعات بشكل يومي لتصور الجماعات السلفية في حالة إضطهاد شامل . تضطر الالة الاعلامية للتكثيف من عنصر التبرير "العقلي" لطبيعة المجتمع التونسي بوازعه الديني الهش ... تزعم البروبغندا السلفية البراءة من أعمال العنف ضد المؤسستين الأمنية والعسكرية كسبا للوقت في إنهاك الدولة وإستمالة العوام . هذا التملص من أعمال العنف ذات الطابع الديني مرده هشاشة الشخصية الدينية للفرد التونسي الذي لم يتقبل بعد الدليل الشرعي الميتافيزيقي . لهذا تلجأ الجماعات السلفية للكذب والتدليس علنا والتحريض والتسليح في الخفاء إلى حين التمكن ...

في سوريا توجه الة الحرب السلفية لتشمل الأقليات الدينية , وأولها المسيحيون والدروز . يعلن "شيخ الاسلام بن تيمية" وهو أحد أركان الأيديولوجيا السلفية في خطابه ضد الدروز :

" كفر هؤلاء مما لا يختلف فيه المسلمون، بل من شك في كفرهم فهو كافر مثلهم لا هم بمنزلة أهل الكتاب ولا المشركين، بل هم الكفرة الضالون، فلا يباح أكل طعامهم، وتسبى نساؤهم وتؤخذ أموالهم فإنهم زنادقة مرتدون لا تقبل توبتهم، بل يقتلون أينما ثقفوا ويلعنون كما وصفوا، ولا يجوز استخدامهم للحراسة والبوابة والحفاظ، ويجب قتل علمائهم وصلحائهم لئلا يُضلوا غيرهم، ويحرم النوم معهم في بيوتهم ورفقتهم والمشي معهم وتشييع جنائزهم إذا علم موتها، ويحرم على ولاة أمور المسلمين إضاعة ما أمر الله من إقامة الحدود عليهم بأي شيء يراه المقيم لا المقام عليه، والله المستعان وعليه التكلان) "

فالموقف العقائدي السلفي من الدروز يعرضه "بن تيمية" , وللتسويق الدعائي تطلق الالة الإعلامية السلفية مجددا مجموعة من الحجج "العقلية" لصبغ الإرهاب الديني الميتافيزيقي بغطاء "عقلي" , يقع تصوير الدروز كموالين للنظام السوري ومشاركين في أعمال الإضطهاد ضد الطائفة السنية . بهذه النقطة تحسم الالة الاعلامية المسألة الدرزية لتضع الحجر الأساس في أعمال القتل والإبادة العقائدية والتي ستبرر مباشرة بالنقطة السابقة .

وقد بلغت الأيديولوجيا السلفية ذروتها بشكل غير مسبوق لتحكم قبضتها وسيطرتها على العقل الجمعي لعوام المسلمين بشتى أنحاء العالم , تفتح حربا جديدة بوسط أوروبا , بإستهداف الصحافة مع "شارلي إيبدو" والمدنيين مع أعمال "باريس" . ان هجمات "شارلي إيبدو" أعقبها أيضا التبرير الشرعي و"العقلي" . والتبرير الشرعي كان جاهزا بجواز قتل كل من مس نبي الإسلام بسوء . وأما التبرير "العقلي" والذي قدمته الالة الإعلامية الدينية للعوام فكان قوامه أن الصحيفة قد أعلنت الحرب على الإسلام برسومها الساخرة . هذا التبرير الساذج والذي يفترض بجواز الرد على الكلمة والصورة بالقتل يجد صداه وسط عوام المسلمين من يتمسكون بمواقف قروسطية تتصور العالم في حالة من الحرب الدينية الدائمة .

مع هجمات "باريس" التي أوقعت مئات القتلى من المدنيين , يسارع أنصار الإسلام السياسي لتكديس أحداث وصور الحقبة الإمبريالية . هذا الإستحضار للماضي يراد به أن يلعب دور التبرير "العقلي" لأعمال القتل والعنف ذات الطابع الديني . يستنكر الإسلاميون حملات التعاطف مع فرنسا وضحاياها .. يغرقون المجال الدعائي بتفاصيل الحقبة الإحتلالية . إنها طرائقية جديدة لتبرير الإرهاب الديني وإحياء الروح القومية والوطنية للعوام لحشدها لصالح الالة الدينية .

يهدف الإسلاميون بإستحضار حروب ونزاعات الماضي لجعل الحرب والكراهية المتبادلة بين العالمين الإسلامي و "الجاهلي" الحالة الطبيعية . وفور أن تطرح الحرب كحالة دائمة مستمرة تصبح كل أعمال القتل مسوغة بدافع حالة الحرب . ذلك ما يهدف إليه الخطاب الإسلامي الحديث . ان عرضه لبشاعات الحقبة التاريخية الماضية ليس بهدف الإحتجاج الأخلاقي أو النضالي , إنما بهدف التأسيس لفكرة أن الأصل في العلاقة بين الأمم هي الحرب والقتل , ليتمكن بذلك من توفير التبرير "العقلي" الأنسب لما سيمارسه المسلحون الإسلاميون .

ان تورط الإسلام السياسي في جبهات حروب عديدة فرض على الته الإعلامية أن تكثف من حجم الكذب والتدليس والتضليل لإصطناع حجم هائل مزيف من المظلومية يكون التبرير الملائم للحجم الهائل من الإرهاب . وسنرى كيف يلجأ الخطاب الإسلامي للكذب والتزوير في سبيل تصنع المظلومية لتبرير أعمال العنف العقائدية بأنها ردة فعل إنتقامية ضد الإضطهاد بما هي سلوك طبيعي .

يسارع المشرفون على البروبغندا الدينية الى تلقف القضية البورمية , مسألة الصراع بين الروهينغا المسلمين والسلطات البورمية ذات الأغلبية البوذية . تندلع أعمال عنف شعبية دامية ضد الروهينغا , تسارع الالة الدعائية الدينية إلى التضخيم المزور , تصور أعمال الإبادة على أنها ذات طابع عقائدي مرده الكراهية البوذية . تتحول القضية البورمية إذا إلى أداة جديدة في فن إصطناع المظلومية . بالتكرار والتدليس والتزوير شاعت بين عوام المسلمين خرافة أن سبب الخلاف بين البورميين والروهينغا ذو أصل ديني . وهكذا , ومع كل هجوم إرهابي مسلح للجماعات الإسلامية , يشن أنصار الإسلام السياسي وعوام المسلمين هجوما صوب المتعاطفين مع ضحايا الإرهاب ليسألوهم عن تضامنهم يوم أبيد المسلمون البورميون !!!

هذه الطرائقية الحديثة , تهدف إلى تصوير العالم برمته معاديا للإسلام بشتى أشكال المعاداة , ليكون من السهل على الالة الدينية التسويغ للهجمات الإرهابية . فإذا كان المسلمون يُقْتلون لمجرد إسلامهم فلماذا لا يَقْتل المسلمون الكفار لمجرد الكفر ! هذا ما ترمي إليه البروبغندا الدينية , بتصنع المظلومية لتبرير العمل المسلح العقائدي .

ان الخلاف بين البورميين وجماعة الروهينغا يعود إلى زمن بعيد , يرى البورميون بأن الروهنيغا هؤلاء مهاجرون غير جديرين بالإنتماء للأمة البورمية . فسبب الخلاف قومي بحت . يعلن أحد الكهنة البوذيين في خطاب موجه ضد الروهينغا شعارات مفرطة القومية دون أن يتعرض للإنتماء الديني لجماعة الروهينغا بكلمة واحدة . قبل إندلاع أعمال العنف الدامية تورط بعض شباب الروهينغا في إغتصاب فتاتين بوذيتين وقتلهما ما أطلق العنان للأعمال الإنتقامية . إن قناة الجزيرة نفسها والتي يفترض إنحيازها لجماعة الروهنيغا , قد عرضت أصل الخلاف كخلاف قومي تسبقه حادثة الإغتصاب .

ان الالة الدعائية الدينية لا يعنيها أصل الخلاف وإنما يعنيها أن تستغل ذلك لصالح أطروحة المظلومية . ولهذا لا يعنيها البحث في أصل وفصل الخلاف بين الروهينغا والبورميين وما يهمها هو إستعمال الإنتماء الديني لجماعة الروهينغا لتصوير الحرب كعدوان عالمي على الإسلام والمسلمين لتستخدم هذه الأكذوبة في تبرير الإرهاب الميتافيزيقي لاحقا. والإرهاب الميتافيزيقي هو الإرهاب الذي ينطلق مباشرة من الترسانة العقائدية القرانية والروائية , فهو إذا إرهاب يتلزم بالنص الشرعي الإلهي ولا يعنيه أن توجد أسباب عقلية ومادية للقتل . لكن كما رأينا مع كتاب "إدارة التوحش" فالالة الإعلامية الدينية تدرك أن هذا الشكل من الإرهاب يلقى نجاحا فقط في بؤر الإرهاب الحاضنة حيث كل الأفراد بتكوين شرعي صلب . ان التبرير "العقلي" للإرهاب الميتافيزيقي الذي ينشده "أبو بكر ناجي" موجه ضد الخطاب العلماني والليبرالي الذي يتهجم مباشرة على أصل الإرهاب وهو النص الشرعي , ولتجاوز الهجوم الذي يشنه الليبراليون والعلمانيون على النصوص القروسطية التي تضع العالم في حالة حرب دائمة تقدم الالة الدعائية حجج الإضطهاد والمظلومية ليتخذ الإرهاب شكلا عقليا / ماديا يلقى قبولا بين العامة وهو أشد قوة أمام إنتقادات المخالفين .

لقد أصبح من عادة الجماعات الإسلامية أن تشكل من حبة رمل قلعة وهمية من الإضطهاد .. فهي تتلقف بهذه الطرائفية حادثة تعرض أحد السنة للصفع لتبني عليها ما يشرع إستهداف مئات الالاف من المدنيين والمخالفين بالهجمات الإنتحارية . وهذه الإنتقائية الممارسة هدفها أن يتخذ الإرهاب الميتافيزيقي شكلا "عقليا" دفاعيا إنتقاميا . ان خرافة الإضطهاد التي أقامت عليها البروبغندا الدينية الحديثة متعددة الأوجه والأحداث نفسها , هاهي تمارس في الرد على منتقدي الإرهاب الإسلامي أسلوبا إنتقائيا مبتذلا يغلب عليه الكذب والتدليس . وكما دعم الخطاب الديني التبريري نفسه بالمسألة البورمية فهاهو يطرح مسألة جديدة : إنها "الحرب الصليبية على مسلمي أفريقيا الوسطى" !!

لقد تولت "قناة الجزيرة" زمام المبادرة في الترويج للدعاية المظلومية وإنهاك العقل الجمعي لعوام المسلمين فقد سارعت لتصور أحداث "أفريقيا الوسطى" كحرب كراهية تقودها الجماعات المسيحية المسلحة . وبالفعل فقد شكل الافريقيون جماعات مسيحية مارست أعمال قتل واسعة ضد مسلمي البلد . لكن هل تصلح القضية الافريقية لخطاب المظلومية . كلا .. فالإعلام العربي والإسلامي كان قد تفطن للتو إلى أمر وجود بلد يطلق عليه "أفريقيا الوسطى" وكان قد وصل متأخرا إلى مسرح الأحداث ليجد الجماعات المسيحية وقد أوغلت في دماء الأقلية المسلمة . وأما الواقع الموضوعي فكان أن جماعات "السيليكا" المسلحة وهي جماعات إسلامية قد قادت إنقلابا عسكريا دمويا وإستهدفت بالقتل والملاحقة مسيحيي البلد وهم الأغلبية العظمى بما يقارب التسعين بالمائة من السكان . وقد عثرت السلطات على مقابر جماعية لضحايا "السيليكا" ناهيك عن أعمال الإبادة التي أديرت بشكل علني . لو أن قبيلة صغيرة من المسلمين السنة قد تعرضت للقتل والإبادة لأقامت الدعاية الدينية من ذلك حجة لتبرر إرهاب الألف عام المقبلة . إنها بذلك تهدف للتخلص من ميتافيزيقية الإرهاب ذات التأثير الضعيف على العوام المفتقدين للتكوين الشرعي اللازم وهي في حاجة للتخلص من الطابع الميتافيزيقي للإرهاب لتصد حجج العلمانيين من يأخذون على الإرهاب الديني طابعه اللاعقلاني .

لقد سعت الدعاية السلفية داخل المجتمع التونسي لإستمالة العوام وتحييدهم بشكل مذهل , فالتونسيون من لم يعتادوا بعد على الحياة المتدينة ولم يحيطوا علما بالدليل الشرعي يصعب إستمالتهم مباشرة بحجج شرعية ميتافيزيقية . لقد أدرك قادة الخطاب السلفي ذلك منذ البداية واستغلوا الحالة التونسية المعرفية المنحطة من أجل إنتشار سريع واسع , فرفعوا شعارات المظلومية التي نشأت بسوريا والعراق , ونجحوا بالفعل في فترة زمنية قصيرة من تشويه الوعي التونسي وتضليله بالتكرار والكذب واللعن والبكاء فأصبح التصور التونسي للصراع الطائفي تصورا خرافيا أقامته خرافة المظلومية . وقد مارست الالة الاعلامية المزيد من الشحن العقائدي بإستحضار الإضطهاد الذي فرضه "بن علي" والإستعمار الفرنسي لتشرع بذلك أعمال العنف اللاحقة ضد المؤسستين الأمنية والعسكرية . فقد كان في البداية ولأجل تفادي الصدام مع الدولة إلى حين حشد الأنصار والعتاد , كان في البداية أن زعمت الدعاية السلفية أن المجتمع التونسي أرض دعوة لا جهاد . وأما من تهجموا على التيار السلفي عارضين الأدلة القاطعة على إعتناقه لمعتقدات تغلب عليها الكراهية واللاعقلانية المطلقة , ردت الالة الاعلامية على ذلك بعبارة شهيرة ألا وهي "إسمعوا منا ولا تسمع عنا" .. فما أن وجد هؤلاء أنفسهم وقد حشدوا عشرات الالاف من الأنصار وأعدادا هائلة من السلاح والجماعات المدربة , تحول الخطاب ليتخذ شكلا عدائيا . هو العبور من الكذب والتدليس والتضليل وإستمالة العوام وتحييدهم إلى الخطاب العقائدي المباشر الذي لا يعنيه التبرير "العقلي" في شيء ولا حياة المدنيين في شيء .

ان هذا الشكل من الدعاية كانت له النتائج المرعبة المدمرة , لقد إنتقل من طرائقية مبتدعة من قبل منظري الإرهاب إلى ركن من أركان العقل الإسلامي والوعي الجمعي لعوام العرب والمسلمين . ولم تعد هذه الطرائقية حكرا على الجماعات المسلحة بل فرضت نفسها لسنوات لتتحول إلى أداة شائعة بين كل أنصار الإسلام السياسي وحتى العوام من المسلمين . فما أن تنفذ الجماعات الإرهابية هجوما مسلحا ضد أهداف أجنبية إلا واستحضر العقل الإسلامي الحقبة الإمبريالية ليتهجم على المتعاطفين , وفظائع مختلف الأمم والحضارات ليحول القتل الجماعي والعقائدي إلى سلوك طبيعي اعتيادي . إنها الطرائقية الجديدة التي أرادت أن تنفي عن نفسها شبهة إحتكار الإرهاب بأن تزعم وتبرهن على أن القتل العقائدي هو الحالة الطبيعية للجنس البشري لئلا يكون الإسلام محلا للشبهة .

لقد أصبح لهذه الطرائقية أكثر من أي وقت مضى إنتشارا واسعا , لقد حولت الهجمات الإرهابية داخل الأراضي التونسية الأعمال الإرهابية إلى حدث روتيني بعد أن كان امرا غريبا على التونسيين , وفور أن يتحول الإرهاب إلى ممارسات روتينية فلن يكون للعوام مجددا الإرادة ولا الرغبة في الحزن والخوف بالدرجة التي صحبت الأعمال الأولى . ويوم اختطفت الجماعات الإرهابية الإسلامية أحد رعاة الغنم لتعدمه ذبحا بتهمة التعامل مع "الطواغيت" (العسكريين) لم يكن لهذا الخبر أي أثر أو صدى واسع في ساعاته الأولى .. وقد كان بعد ساعات قليلة أن أعلن عن هجمات "باريس" التي راح ضحيتها المئات ... باريس التي تستحق كل أشكال التعاطف لرمزيتها المعنوية , لأنها بلد أمن , لم يعتد العالم تعرضه لهجمات بهذا الشكل . حينئذ تطلق الالة الدعائية الدينية طرائقية إصطناع المظلومية ... فهذه الالة الدعائية تتعامل مع فرنسا كجمهورية علمانية شاذة وجاهلية , ويحز في نفسها أن ترى فرنسا بكلا دلالاتها المعنوية أن تجد أي شكل من أشكال التعاطف . ولهذا فقد ذهبت تستعرض الحقبة الإحتلالية لتبرر أعمال القتل , لتتهم المتعاطفين بالعمالة والخيانة . هو ذلك التبرير "العقلي" الذي يطالب به صاحب كتاب "إدارة التوحش" . ان الخطاب الإسلامي الحديث يمارس تحولا مذهلا تصحبه قدرة أقوى على الإقناع . فهو يشن هجوما مسلحا لأسباب عقائدية وميتافيزيقية بحتة لها أصلها الديني ومن ثم يتخذ تبريرا "عقليا" موجها صوب العوام والمجال الدعائي .

ان إكتشاف إحتكار الخطاب الإسلامي لهذا النسق التبريري ليس بالأمر الصعب , ولا صعبا أن يُكتشف الطابع الميتافيزيقي للإرهاب المتستر خلف الكذب والتضليل . لقد إشترك الإسلاميون بل وحتى البعض من اليساريين في الترويج لخرافة مفادها أن الأعمال الإرهابية التي يشنها تنظيم "الدولة الإسلامية" بالعراق سببها إنتقامي محض لا شأن له بالبرهان الشرعي الميتافيزيقي . لقد روج هؤلاء لأكذوبة الالة الدعائية السلفية والتي جوهرها أن أعمال الإغتيال والإبادة الواسعة ليست إلا ردا للفعل على الإغتيالات والإبادات التي مارستها الجماعات الشيعية المسلحة . لو كان بالفعل أن الإرهاب السني كان عملا إنتقاميا محضا فكيف يفسر هؤلاء وكيف تفسر الطرائقية المظلومية أعمال الإبادة التي طالت جماعات المسيحيين والايزيديين !!! ان عملا إنتقاميا ما لا بد أن يكون موجها حصرا لجماعة محددة أو جماعات إشتركت في ممارسات واحدة . أما الإرهاب الإسلامي وقد تمكن من أرض العراق فقد شن حربا شعواء على المسيحيين والايزيديين بالقتل والتهجير والسبي وليس لهؤلاء ما يربطهم بما يدعيه أنصار النظرية المظلومية . بل وسّع التنظيم من عمله ليستهدف الأكراد ليفصح عن الطابع الديني للعنف الممارس والذي لا يعنيه أن يوجد سبب عقلي/مادي من عدمه إلا ما كان موجها لأجل الدعاية .

لقد تورطت القارة الأوروبية في القرن العشرين في حربين عالميتين راح ضحيتها عشرات الملايين , وكان أن بلغت الكراهية العنصرية درجات قصوى مع قيام النازية والحرب العالمية الثانية . وأما الصراعات الأوروبية التي سبقت الحربين فلها الماضي الطويل الفظيع . لقد نجحت الشعوب الأوروبية في تجاوز أحقاد الماضي , وهي لا تستحضر أبدا صراعات الزمن البعيد لتبرر بها عنف وكراهية الحاضر . ان هذه الظاهرة أصبحت حكرا على المجتمع الإسلامي , فهو من يتمسك بتصنع المظلومية بالكذب والتضليل تارة , وبالحديث عن الحقبة الإستعمارية تارة أخرى . والعجيب أن نجد العالم الإسلامي متمسكا بهذه الطرائقية في تبرير الكراهية العمياء والأعمال الإرهابية وهو من لم تصل أعداد ضحاياه في تلك الحقبة لنصف أعداد ضحايا الأوروبيين بين بعضهم البعض . فكيف تكون الحقبة الماضية عاملا مبررا للكراهية والعنف الديني في الطرح الإسلامي ولا نجد لها أثرا بين الغربيين ! ان السبب في ذلك هو الرواج الذي يلقاه الإسلام الأصولي منذ إطلاق المملكة السعودية ودول الخليج لالة التبشير التي أوقعت المسلمين في شتى أنحاء العالم في شراك الإسلام القروسطي الحنبلي أو ما يوصف اليوم بالوهابي . لقد إحتاج هذا الإسلام القروسطي الذي يلقى رواجا واسعا بشكل مرعب بين المسلمين اليوم --;-- إحتاج لهذه الطرائقية التبريرية التي تهدف إلى صبغ أعمال القتل الديني بطابع عقلاني إنتقامي بإستحضار الحقبة الإمبريالية ومحاولة البرهنة على أن العنف هو الحالة الأصلية بطرح فظاعات مختلف الإثنيات الدينية والعرقية .

لقد لعب المشرفون على الالة الدعائية السلفية ذلك الدور الذي لعبه أنصار النظرية العرقية , ولأجل إقامة تبرير عقلي لأعمال القتل والإبادة اللاعقلانية كان العرقيون في حاجة للداروينية الإجتماعية ليكون الصراع العرقي الحالة السائدة الطبيعية , ما يقود إلى إنتفاء أي شبهة عن القتل العرقي , وأما الطرائقية الإسلامية الحديثة فهاهي قد وجدت ضالتها في النظرية المظلومية لتمهد الأرض أمام العنف الديني الذي يتصور العالم في حالة حرب دينية دائمة تحكمها المفاصلة القطبية .

ان الحركات التحررية الوطنية كانت أقصى مطامحها التحرر من الهيمنة الخارجية , وأما الإسلام السياسي فهو ينطلق من الحقبة الإحتلالية والأطروحة المظلومية ليتخذ شكلا نضاليا , ليفصح لاحقا عن مطامعه التوسعية ذات الأصل الديني المبيح لدماء "الكفار" والمخالفين . لقد أصبح من عادة الطرائقية الإسلامية الخطابية الحديثة أن تبني من حادثة صغيرة معزولة كل المبررات لخوض حرب إبادة شاملة . ومن حروب القرن السابع حججا لخوض حروب القرن الواحد والعشرين . وقد أصبح من عادتها تصنع الإضطهاد بكل الأساليب المبتذلة ,بالكذب والتزوير والخداع , إنها بذلك تتخبط وقد أدركت هشاشة "اللاعقل" , واللاعقلانية يصفها "لوكاش" على أنها -الشّكل الذي يتّخذه فكر للتّهرب أمام إجابة جدليّة على مسألة جدليّة , وكل اللاّعقلانيّة بأشكالها "الحسنة" و "الرّديئة" مهّدت الطّريق للفاشيّة .- ذلك ما يقوم عليه التصور الديني الميتافيزيقي للكون .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بين الحنين والغضب...اليهود الإيرانيون في إسرائيل يشعرون بالت


.. #shorts - Baqarah-53




.. عرب ويهود ينددون بتصدير الأسلحة لإسرائيل في مظاهرات بلندن


.. إيهود باراك: إرسال نتنياهو فريق تفاوض لمجرد الاستماع سيفشل ص




.. التهديد بالنووي.. إيران تلوح بمراجعة فتوى خامنئي وإسرائيل تح