الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


شباب يناير وعجائز يونيه

مرثا بشارة

2015 / 12 / 4
مواضيع وابحاث سياسية


لم يكن يوم الخامس والعشرين من يناير عام ألفين وأحد عشر يوما عاديا، بل يوم سينال حظا وافرا من التدوين في كتب التاريخ، وكثير من حبر الطباعة على صفحات الصحف المحلية والعربية والعالمية، والكثير والكثير من ساعات طوال في الجدال على شاشات الفضائيات، انه وباختصار يوم فيه تغيرت احوال البلاد وانقلبت الموازين وتزلزلت ارجاء مصر.
يومها اختلطت عليّ مشاعري بين الفخر والاعتزاز بشباب بلادي وانا اراهم يتحدون جبروت رجال الشرطة، وبين الحنق على هذا الجهاز التنفيذي الذي طالما رأى أفراده انفسهم اسيادا للشعب، يعاملون ابنائه كفئران الشوارع،
انتابتني فرحة عارمة وانا اقرأ كلمات حماسية تشجع المصريين على التغيير، كلمات تضمنت عبارات مثل: لن القي القمامة في الشارع، لن اقبل رشوة، لن اقدم رشوة، لن اتحرش.....وغيرها من هذه الشعارات النبيلة التي لم يتجسد اي منها على ارض الواقع!
ظننت يومها اننا على اعتاب تغيير حقيقي سيضع بلادنا على المسار الصحيح لتنافس الدول المتقدمة في يوم بات قريبا جدا!!!
لكن الامور بدأت تأخذ منحًى آخر، وفجأة بدأ كل شيئ يتهاوى، حتى غابت البهجة تماما وفارقت البسمة وجوه المصريين الكادحة وتقوقع الجميع خلف شاشات الفضائيات، لمتابعة الاخبار المنذرة بتغير الاحوال للأسوأ،
حينها سطع نجم حفنة من الشباب، ولمعت بعض الاسماء مصحوب كل منها بلقب ناشط سياسي او ناشط حقوقي، وتصدرت وجوههم الشاشات، وظلوا يملئون الدنيا ضجيجا ويتحدثون بأسم الثورة والثوار، ينفعلون ويصرخون، احتكروا الثورة لانفسهم وكأنهم اصحاب الحق في تقرير مصير البلاد والعباد، وكأن احدا من الشعب المكافح لم يشاركهم الثورة على الظلم والفساد، توجوا انفسهم ثوارا ابطالا وهم لا يملكون من الوطنية مثقال ذرة، ولا يملكون من البطولة سوى اقتناص الفرص ليصنعوا شهرة وهمية وليزيدوا من ارصدتهم في البنوك على حساب وطن سُرق من اصحابه المخدوعين....
ظلت البلاد في مخاض لا يهدأ حتى بزغ فجر يوم جديد خرج فيه الشعب كبيره وصغيره، الطفل والشاب والمراة والشيخ، خرج الجميع ليرفضوا الحكم الثيوقراطي، ليقولوا لا للدولة الدينية، ليقولوا لا لقدسية حاكم على حساب الوطن.
وكان للشعب – بكل فئاته- ما أراد، استرد أرضه وتاريخه يوم الثلاثين من يونيه عام ألفين وثلاثة عشر.
لكن وللأسف، (عادت ريما لعادتها القديمة) كما يقول المثل الشعبي الدارج، وتقوقع المصريون من جديد خلف الشاشات، لكن ريما عادت هذه المرة بوجه مختلف، بوجه اشد قبحا، واكتست الشاشات بالعديد من وجوه عجائز ظهروا من حيث لا ندري، نسمعهم في مداخلة هاتفية في احد البرامج، ثم نراهم في لقاء تلفيزيوني على إحدى القنوات، ثم تتلقفهم البرامج من شاشة فضائية لأخرى.
وفي غضون بضعة لقاءات يحصل الاستاذ فلان على لقب الدكتور والخبير، والمستشار.... علما بأن أحدا من هؤلاء لم يكن ليحلم بتلك الالقاب ، حملوها بفضل اعلاميين لا يملكون مادة إعلامية مهنية تبني المشاهد، فوجدوا ضالتهم في هؤلاء العجائز لسد "خانة العجز" في برامجهم ليقدموا للمشاهد مادة إعلامية سخيفة ركيكة لا تخرج عن إطار الثرثرة وتبادل الاتهامات والقذف بالشتائم.
يدعي كل اطراف النقاش الوطنية والسعي لاجل صالح الوطن والمواطن، وكلما كانت التصريحات نارية كلما ازدادت الشهرة وفتحت الباب على مصرعيه محققة مكاسب اكبر من مجرد حوار تلفزيوني مقابل أجر، بالطبع ستكون هذه المكاسب على كافة المستويات، اجتماعية و سياسية ووظيفية....

والحقيقة، اننا بعد ثورتين لم نتغير! ولو اندلعت المزيد من الثورات لن نتغير! لأن حكامنا وكل من هم في السلطة لم يأتوا إلينا من كوكب آخر، هم نتاج ثقافة نشئوا وترعروا فيها. ومع كل ثورة ستطفو على السطح فئة جديدة من المنتفعين، اصحاب المصالح، التغيير الحقيقي لن يأتى إلا بتغيير ثقافة مجتمعنا.
عاشت مصر الحضارة










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الرد الإسرئيلي على إيران .. النووي في دائرة التصعيد |#غرفة_ا


.. المملكة الأردنية تؤكد على عدم السماح بتحويلها إلى ساحة حرب ب




.. استغاثة لعلاج طفلة مهددة بالشلل لإصابتها بشظية برأسها في غزة


.. إحدى المتضررات من تدمير الأجنة بعد قصف مركز للإخصاب: -إسرائي




.. 10 أفراد من عائلة كينيدي يعلنون تأييدهم لبايدن في الانتخابات