الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الإنسان في الفكر المادي..

محمد البورقادي

2015 / 12 / 9
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


وماركس يحدد حياة الإنسان في البناء الرأسمالي وفي قوة وسائل الإنتاج التي تصنع التاريخ ..والدين وهم وليس حقيقة ..إنما هو أداة رأسمالية يقمع بها ملُاّك الإنتاج الطبقة العاملة لأن التفكير فيما ينتظر بعد الموت من متع وملذات يعبأ البروليتاريا على الإنتاج أكثر ..والأمل فيما يقدم يخلصها من حدَّة الإغتراب والإستيلاب التي تواجهه داخل المصنع ..وبالتالي فالدين بحسبه ليس إلا "أفيونا " يخدر الطبقة العاملة عن الشعور بالملل والرتابة الناتج عن مرارة وبؤس الحياة .. ولا أساس للأخلاق خارج المبدأ الإقتصادي الرأسمالي.. والفِكْر والحضارة والثقافة هي وليدةُ التطور الاقتصادي.. وأن العوامل الاقتصاديَّة هي المحرِّك الأوَّل لسلوكِ الأفراد والجَماعات..
ودوركايم يرى أن الدين صناعة بشرية ..وضرورة اجتماعية "المصالح الدينية ليست إلا صورة رمزية للمصالح الإجتماعية والثقافية "..تبقي الجماعة أو القبيلة في اتحاد دائم وأن الضمير الجمعي هو مصدر الدين وهو الذي يضفي طابع القداسة على ظواهر معينة كالطوطم مثلا الذي يعتبر رمزا للعشيرة .. فالبحث عن تفسير للكون وعن الظواهر الغير المفهومة التي تقع جعل المجتمع يفرز دينا مختصا به يسائل هذا الغموض ويجيبه بمعتقدات وممارسات معينة..وهو إذ يزعم بذلك يفنذ وجود تسيير خفي للكون من لدن قوة قاهرة غيبية تتجلى آثارها في النواميس المنظمة المحكمة لهذا الكون ويزكي دور المصلحة في اختيار النمط الديني المناسب لميولات ورغبات الجماعة ..
والدين عند أوجست كونت ليس إلا مرحلة تطورية في حياة البشر وهي الحلقة الوسطى التي تربط بين مرحلة الاعتماد على السحر الذي كان سائدا في المجتمعات القديمة والاعتماد على العلم الذي يسود الآن في المجتمع الحديث كوسيلة لتفسير العالم وفهمه ..
وفرويد يربط كل أفعال الإنسان بالدافع الجنسي الليبيدي ..فكل فعل يقوم به الفرد ما هو إلا ناتج ضمير باطني جنسي ..ويدعو إلى إزالة كل العوائق التي تكبح الإنسان من الإنطلاق الشهواني لأن ذلك يدفعه إلى الكبت وما الأمراض النفسية والعضوية التي يصاب بها الفرد إلا نتيجة هذا الكبت ..وكل الأحلام التي تعتري الفرد لها تأويل جنسي محض وليس لها حقيقة خارج هذا الإطار الحسي الطبيعي ..وأن الدين هذيان يجعل الحياة مستحلية لا تطاق بسبب تكاليفه وأوامره وهو يصادر سعادة الفرد ويساهم في كبته وبالتالي فينبغي محاربته ..
وداروين يأتي بنظرية الإرتقاء النوعي للأجناس الحية ويربط هاته العملية بالصدفة أو الطفرة التي تحدث فجأة بدون مسببات ..وأن المادة أزلية ليس لها بداية والخلية الحية التي انبثقت منها الحياة وتطورت من البسيط إلى المركب ومن المتجانس إلى اللامتجانس لها برنامج ذاتي تطوري داخلي ولا دخل لأي عامل خارجي في ذلك ..
والطبيعيون كلهم ينتصرون للمادة ولقوانين المادة التي تشكلها الطبيعة وتصوغها وفق جدلية حتمية تطورية ..وأن كل التغيرات والأحداث التي تطرأ ما هي إلا نتاج للقوة الدافعة في المادة وكل المنظومات القيمية والأخلاقية والأنساق الروحية الخارجة عن المادة هي لاغية ولا اعتبار لأحقيتها لاكتفاء الطبيعة الأزلية ذات النظام الذاتي بالضبط والتطور وفق البناء الخطي الحتمي الذي تفرضه إلزامية التقدم المادي للظواهر والأشياء ..
وأن الإنسان يعيش في الزمن الطبيعي وتحكمه الطبيعة بقوانينها ولا يمكنه تجاوزها أو الخروج عنها ..فهو ليس مركزها بل هو عارض في نضامها يتأثر بها ولا تتأثر به وتشكله ولا يشكلها ولا يتحدد وجوده من خلال القيم الأخلاقية والأعراف والتقاليد بل من خلال التطور التاريخي المادي للطبيعة ..وأن فكر الإنسان وإنتاجاته ونمط عيشه ما هو إلا نتاج هذه الآلية المادية ..
والطبيعيون إذ يرفضون وجود قدرة فوقية ويد عليا تحرك نواميس الكون من وراء الكواليس ..يفترضون وجود غائية طبيعية تتحكم في هاته الصياغة وهي ما يعرف بالتقدم الحتمي للمادة..
وهنا يقول ميرلو بونتي "اننا مثل برتقالات خضراء الزمن انضجنا للقطاف وكذلك الزمن انضجنا للموت".
والإنسان بحسب هاربرت ماركوز هو إنسان ذو بعد واحد وهو البعد المادي الإستهلاكي حيث يتحدد وجوده من خلال ذلك البعد النفعي البراغماتي التي صاغته أبجديات الرأسمالية المتوحشة ..ويُختزل فقط في هذا الحيز الطبيعي الوضيفي الذي يصوغ وفقه كل قراراته وسلوكاته ..وهذا ما آل إليه الإنسان الغربي بعد الحداثة حيث عرف العالم طفرة في كل مجالات الإنتاج التكنولوجي العلمي فأصبح هذا الكائن منزوع الإرادة في ظل الإغراء والقهر الذي تمارسه عليه هاته الوفرة الهائلة في كل شيء ..وماركوز إذ يزعم بذلك يلغي هو الآخر البعد القيمي الأخلاقي لهذا الكائن والذي تتأسس عليه الأبعاد الأخرى النفسية الإجتماعية والروحية ..وينفي كذلك الطابع الفكري العقلاني التركيبي الذي يتمتع به هذا الإنسان فيصير شيئا كباقي الأشياء ..
ويعتقد جون بول سارت بأن الإنسان كائن وجودي حر وأن وجوده سابق على ماهيته وله الحرية في أن يختار ما يشاء بشرط أن لا يعارض اختياره اختيار الآخر ..وأن مسألة الدين ليست إلا اختيارا قصد الهروب من الواقع حيث أن الإنسان قد قدم من عدم وسيذهب إلى عدم ..فوجوده إذن عبثي ليس له هدف في هذا العالم سوى المضي في مشروعه الوجودي وبذلك فهو يوافق داروين في أن وجود الإنسان هو طبيعي ناتج عن صناعة عبثية وليس عن إرادة عليا ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين في معرض البندقية


.. الهجوم على رفح أم الرد على إيران.. ماذا ستفعل إسرائيل؟




.. قطر تعيد تقييم دورها كوسيط في المحادثات بين إسرائيل وحماس


.. إسرائيل تواصل قصف غزة -المدمرة- وتوقع المزيد من الضحايا




.. شريحة في دماغ مصاب بالشلل تمكّنه من التحكّم بهاتفه من خلال أ