الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نشأة اسرائيل تعبير عن معاناة الشعبين ؛ الفلسطيني واليهودي

أنيس يحيى

2005 / 11 / 5
القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير


قد يكون في العنوان بعض الاستفزاز ، خاصة وأن قرّاء هذا المقال عرب ، وكرهون بالتالي إلصاق أيّ عنصر تخفيفي عن اليهود الذين يعتبرونهم مغتصبي فلسطين . والتعبير الأخير قادر على إظهار حقيقته بيسر ودون جهد . فالفلسطينيون الآن يتحملون أوزار ظلامة الفكر السياسي العالمي الذي أوجد اسرائيل على أنقاض وطنٍ آهلٍ بشعبه منذ قرون عديدة .
إن معاناة الفلسطينيين اليوم لا تقارن بقساوتها ووحشيتها بما يتحمله يهود اسرائيل في وقتنا الحاضر . لكن وبعودة إلى الوراء نستطيع تبيان أساس تلك الفكرة التي أمدّت المستعمرين الأوروبيين بقصد إحكام سيطرتهم على بقاع الأرض .
تتفق المصادر التاريخية أن نابوليون بونابرت كان أول مَن دعا إلى إعادة مجد صهيون في فلسطين . كان ذلك أثناء غزوه لمصر عام 1798 . كان القصد من دعوته نيل تأييد اليهود ( يهود الشرق ويهود أوروبا ) في محاولته إضعاف خصمه ، بريطانيا ، وحرمانها من الوصول إلى الهند عبر أقصر الطرق البحرية . إلا أن الدعوة التيي نالت متابعة وافية ، إلى إقامة كيان لليهود في فلسطين كانت من اللورد بالمرستون Palmerston وزير الخارجية الانكليزية عام 1841 ، حيث أرسل بعثة إلى فلسطين برئاسة كييث Keith صاحب كتاب " تحقيق النبؤات " ، لاستكشاف البدء بمشروعه ، وطلب من القنصل الانكليزي في بيروت وود Wood تسهيل مهمة هذه البعثة .
لم يتراجع بالمرستون عن مشروعه بالرغم من تقرير اللجنة التي تبين لها قلة عدد اليهود في فلسطين آنذاك ( دون العشرة آلاف ) . فأجاب بالمرستون " .. إن العدد غير مهم ، وبمقدورنا حمل اليهود إلى فلسطين من أماكن مختلفة من العالم " . لماذا هذا الاصرار من بالمرستون ؟ الجواب هو تأمين الجهة الشرقية من المدخل الشمالي للبحر الأحمر بعد أن أصبح عزيز مصر محمد علي باشا موالياً للفرنسيين . بالاضافة إلى سيطرت الفرنسيين على مواضع أخرى من الجهة الجنوبية للبحر المتوسط . فقد احتل الفرنسيون الجزائر عام 1831 ، ولهم مؤيدون في " لبنان " عبر علاقتهم التاريخية مع الموارنة فيه .
كان السبب في تأجيل تلك الفكرة ما حرص الانكليز عليه في ذلك الوقت ، وهو عدم استفزاز الدولة العثمانية التي اتخذت من بريطانيا حليفاً لها في أوروبا في وجه الفرنسيين .
جميع هذا واليهود في منأى عن هذه المحاولات ، وأقصى ما كانوا يصبون إليه " مقعداً في مجلس العموم ( البريطاني ) دون الجلوس تحت شجرة تين أو زيتون في حر فلسطين " حسب قول أحد اليهود أنفسهم . وقد كتب العديدون منهم بأن فكرة نقل اليهود إلى فلسطين هي شكل متقدم من اللاسامية .
إلا أن الكراهية القاتلة لليهود تجلّت عند مقتل قيصر روسيا عام 1881 ، حيث أُتهم اليهود بقتله ، فلاقت الأعداد الكثيرة منهم الموت ، ووفر الهروب إلى غرب أوروبا النجاة للباقين .
كانت هذه محطة أساسية في تاريخ اليهود الذين ندموا على عدم موافقتهم العيش في كيان خاص بهم في فلسطين . بعدها أخذت الدعوات العلنية تؤكد تألّب اليهود حول هذه الفكرة التي يسّرت انعقاد أول مؤتمر صهيوني في سويسره ( بازل ) عام 1897 ، وبروز شخصية مواظبة منهم وهو ثيودور هيرتزل .
إن هجرة يهود روسيا إلى غرب أوروبا جعلت الأوروبيين ، وخاصة الانكليز منهم يحيون الفكرة القديمة ( إقامة كيان لليهود في فلسطين ) ، ويسعون بالتالي إلى تحقيقها ؛ فالأعداد اليهودية الكثيرة ملأت مدن أوروبا ، ونالت لندن حصة كبيرة منها ، فانخفضت أجور العمال الانكليز ، وارتفعت شعارات الكراهية لليهود مجدداً ، مما سهّل لوزير خارجيتهم بالفور إعلان وعده الشهير عام 1917 أثناء الحرب العالمية الأولى . لم يكن هذا الاعلان _ رغم الظروف المحيطة _ مقبولاً عند كافة اليهود . فقد وجد فيه بعضهم تأكيداً على إبعاد اليهود عن بريطانيا . فالسير أدوين مونتاج ، وهو يهودي ، وكان وزير التموين الحربي الانكليزي خلال الحرب العالمية الأولى ، رفع مذكرة إحتجاج إلى الحكومة البريطانية إزاء هذا الوعد ، واتهمها باللاسامية ، ومما قاله : " ... فلسطين ليست إرثاً يهودياً خالصاً ، بل هي إرث للمسيحيين وللمسلمين كذلك ... وإن اليهود في مراكش واليهود في انكلترا لا يشكلون شعباً واحداً ، كما لا يشكل المسيحيون في انكلترا والمسيحيون في السودان شعباً واحداً ."
يبدو إن إقامة وطن لليهود في فلسطين إحتاج إلى أكثر من حرب عالمية .. فالحرب العالمية الثانية جعلت من المترددين من اليهود حيال وطن خاص بهم ينكفئون عن مراكز القرار . فالنازية كانت السباقة ، وفعلت ما عجز الآخرون عن فعله بعد أن أصبحت أوروبا ضيقة جداً على اليهود ؛ فالجيش النازي سيطر على معظمها . فكانت البواخر تُملأ باليهود ، وبعضهم يجهل وجهة سيرها ، وإن إعتبر نفسه محظوظاً بالهرب من أوروبا .
لا شك أن اليهود في فلسطين مارسوا أفظع أنواع التوحّش والبربرية إزاء أهل فلسطين وأصحابها الحقيقيين . وهذا ما جعل أهم علماء القرن العشرين أينشتاين يرفض عرض الصهيونية لترأس دولة اسرائيل ، وأجاب : " أخجل أن أكون رئيس دولة قامت على أساليب بشعة من العنف " .
إن هذا العرض الموجز لنشأة اسرائيل يهدف إلى إظهار معاناة الشعبين ؛ الفلسطيني واليهودي . رغم أن العديد من اليهود أعلنوا في أكثر من مناسبة أن معاناتهم كانت مع الأوروبيين دون سواهم ، حيث لم تسجّل في السابق صراعات دموية حادة بين اليهود والمسلمين ، على العكس ، فقد كانت ديار الاسلام آمنة إلى حد بعيد لليهود والمسيحيين الذين ورد ذكرهم في القرآن كأديان موحّدة .
أخلص إلى القول أن المعاناة قادرة على اجتراح الحلول لدى أصحابها .. وقد يظهر بين الحين والآخر مشاريع حلول ، آخرها ؛ دولة فلسطينية إلى جانب دولة اسرائيل .. هذا المشروع ( الحل ) مضى عليه أكثر من عشر سنوات وما زال متعثراً .. وسيقى كذلك حسب ما أعتقد .. الحل يقتصر على إقامة دولة علمانية واحدة فوق كامل فلسطين تضم في داخلها القوميتين العربية واليهودية ، وإلا ستكون المعاناة التي أنزلها العالم بهذين الشعبين محدودة بالنسبة لما سينـزله هذان الشعبان بعضهما ببعض .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وسام قطب بيعمل مقلب في مهاوش ????


.. مظاهرات مؤيدة للفلسطينيين في الجامعات الأمريكية: رئيس مجلس ا




.. مكافحة الملاريا: أمل جديد مع اللقاح • فرانس 24 / FRANCE 24


.. رحلة -من العمر- على متن قطار الشرق السريع في تركيا




.. إسرائيل تستعد لشن عمليتها العسكرية في رفح.. وضع إنساني كارثي