الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


داعش : شروط الإنتاج..

محمد البورقادي

2015 / 12 / 17
الارهاب, الحرب والسلام


مما لا شك فيه أن هناك دواعي كثيرة ساهمت في تشكيل بذور هذه الدولة المزعومة ومهدت لانطلاقاتها وغزواتها ..
لقد كان لسقوط الخلافة على يد كمال أتاتورك في الدولة العثمانية بتحريض من زعيم المخابرات البريطاني "أرمسترنج" الذي صنعته بريطانيا للتدخل في حكم الإمبراطور وتوجيهه وفق الأهداف العلمانية للدول الصهيونية دورا أساسيا في التمهيد لنشوء التنظيمات الإسلامية المتطرفة في كل البلاد العربية هدفا في استرجاع أمجاد الدولة الإسلامية ..فبعد أن عزز الخبير علاقته بالإمبراطور بدأ الأخير بالتراجع عن نظام الحكم الإسلامي بدء ا من تخليه عن دفاعه عن فلسطين والسماح للإنجليز بالتقدم وانتهاء ا بقطع تركيا صلتها بالإسلام وجعلها علمانية لادينية ..وبذلك انطفأت على يديه شعلة الخلافة التي كان المسلمون طيلة قرون يستمدون من بقائها رمز وحدتهم واستمرار كيانهم..فتشتتت عزيمتهم وصارو شيعا ..ولشدة تحسرهم على تخلي أتاتورك على الخلافة لصالح اليهود وتوقهم إلى استرجاعها ليسود الحكم الإسلامي كما كان باتوا يتصيدون أدنى فرصة قد تتيح لهم الإنقلاب على الأنظمة الديكتاتورية الفاسدة التي تسيطر عليهم بتوجيهات وسياسات غربية صهيونية ...ومن ضمن تلك الأنظمة ما عرفته العراق في ظل الحكم البعثي الإشتراكي في عهد صدام ..حيث كان الحزب البعثي يتحكم في الأجهزة الأمنية الصارمة والمتحكمة بتعسف في الجهاز الإعلامي الذي تقيد انطلاقه وانفتاحه على العالم وتجعله مقتصرا فقط على الإحاطة بالشأن القومي الوطني ..والترويج للنظام الحكومي بأنه الأفضل في العالم من حيث تحقيقه لمطالب وحقوق الأفراد ..إضافة إلى عدم السماح لهم بالسفر خارج البلاد لكي لا ينظروا تخلف بلدهم عن باقي البلدان ..لقد كان نظاما قمعيا فاسدا بامتياز أورث الذل لأبناء العراق على حساب عزة الطبقة الحاكمة التي استأثرت بثروات البلاد ..هذا الكبت والحرمان الذي تعايش معه المجتمع البعثي آنذك ولد ضغينة وحقدا ضد الحاكم وجعل منه مستهدفا من قبل التنظيمات الجهادية التي كانت تنشط في السر متأهبة للإغتيال في كل الأوقات..ومما ضاعف من حدة الإحتقان هو غزو أمريكا للعراق حيث تفشت البطالة بسبب تهديم البناء الإجتماعي العراقي على يد القوات الأمريكية ..الأمر الذي جعلهم ينخرطون في ميليشيات إجرامية وحركات سياسية وطائفية وإقليمية وعرقية من أجل الحصول على مصدر رزق من جهة وبغية الإنقلاب على النظام الحاكم لتحقيق نظام عادل ورفاه ينعم به جميع الأفراد من جهة أخرى...
ولعل فشل ثورات الربيع العربي وما كانت تحمله من آمال وأحلام في تحقيق التغير الإجتماعي المنشود سببا رئيسا في تأجيج شعور الأفراد في الدول العربية وفقدان عزيمتهم على الإستمرار مجددا في الصمود .. فالشعور بالسخط والحنق ضد الأحوال الإجتماعية والقهر والظلم والإستبداد التي تعيشه طبقات واسعة في المجتمع العربي جراء سياسات الأنظمة القائمة كوّن لديهم ضميرا جمعيا وحّده هذا الظرف الطارئ وجعلهم يتخذون بذلك موقفا اتحاديا ضده ..ينتظر الإشارة فقط لإحداث الشرارة ..وهذا ما صبّ في مصلحة التنظيمات الجهادية المتطرفة وعلى رأسها الدولة الإسلامية التي تستقطبت إليها آلاف المقاتلين من مختلف دول العالم والسعودية في مقدمتها لأن بعض أبناء السعودية يرون صدق هذا التنظيم وجدوائية انتمائه للإسلام ويأملون كذلك في انتشار الخلافة على إثره كما انتشرت من قبل ..لكن لا يمكن الجزم بأن هذه الدولة تعتمد على بناء استراتيجياتها الحربية والعسكرية وتنسيقاتها الإستخباراتية على مقاتلين هواة بل تترأسها ضباط وقادة للجيش العراقي الذين تحولوا للقتال مع الدولة بعدما كانوا يقاتلون مع نظام صدام..كما أنه يضم عقولا نابغة كانت قد درست في جامعات أمريكا وبريطانيا في مختلف العلوم ..
وبفضل تنظيم الدولة المحكم وقاداته المحنكين وإمكانياته المادية الضخمة استطاعت في فترة وجيزة جدا أن تسطو على البنك المركزي العراقي الذي يحوي الذهب والمآثر التاريخية واستولى على أسلحة الذخيرة والمخازن العسكرية شاحذة بذلك طاقاتها القتالية ..وهذا ما توفر لها فقد اجتاحت نصف بلاد العراق ونصف بلاد وسوريا مستفيدة بذلك من عوائد النفط والضرائب والفدية التي تحصل عليها جراء تحرير الرهائن ..ولا شك أن قربها الجغرافي من تركيا وتواطئ الأخيرة معها مهّد لتصدير نفطها بدون عراقيل دولية مما زاد من توطيد علاقاتهم المشبوهة في مقابل تشويه العلاقة التركية الروسية التي تربطها بها مصالح جيواقتصادية مهمة ..وتنبغي الإشارة كذلك إلى أن أعداد الدولة في ازدياد كبير تُأثث له سياسات الهيمنة الصهيونية على البلدان العريبة ..والتي لا تحرّض فقط المسلمين على تبني المنظور الجهادي والإنتماء إليه بل وحتى الأفراد من قلب دول الغرب نفسها الذين ينددون بالظلم والإعتداء الذي تعرفه البلاد الإسلامية ويطمعون في الفرار من بلدانهم والإلتحاق بالدولة لتحقيق السلام بواسطة الحرب ..
وأما عن موقع أمريكا من الدولة فهي بخلاف ما يروّج له فهي لم تخلق هذه الدولة ولكنها أسست لها عن طريق سياساتها التدميرية وحربها المضمرة ضد الإسلام والعرب وما مورس في حق الشعب العراقي من ذل وإهانة طيلة سنوات من طرف الجيش الأمريكي هو تمهيد لنشوء هذه الدولة ..وما حدث ويحدث من إبادة للشعب الفلسطيني على يد إسرائيل هو نتاج حي كذلك لانطلاق هذا التأسيس ..فضهور هذه الأخيرة جاء نتيجة الإنتقام للقمع والهمجية ورد الإعتبار لهذا الشعب الذي كان مضطهدا وأسيرا في يد الحلف الصهيوني ونتاج أيضا للولاء والإمتيازات الزائدة التي عرفتها الشيعة على يد نوري المالكي والتي وازتها استبعاد وحرمان للطائفة السنية من حقوقها ومطالبها المشروعة الشيء الذي ألّب الأخيرة للثأر واسترداد حقوقها المسلوبة.. وما يؤكد ذلك هو كون أغلب المقاتلين في الدولة من أصل سنّي وليس شيعي ولو وجد البعض القليل منهم من الشيعة ..
وأمريكا أيضا ليست على استعداد لقتال الدولة الإسلامية خوفا من تأليب المسلمين المتطرفين الذين يعيشون وسط بلادها وتحريضهم على زعزعة أمن واستقرار البلاد بهذا الفعل...عن طريق القيام بعمليات إنتحارية أمريكا في غنى عنها ..وليست ندا لحرب الشوارع والإرهاب الذي تبرع فيه الدولة الإسلامية بشبكاتها العالمية الشديدة التنسيق.. شأنها في ذلك شأن بقية الدول الغربية ..فدرس 11 سبتمبر لن يُمحى من ذاكرتها ولن تخاطر بتكراره ..وفي حربها على الإرهاب ستقتصر فقط على تشديد المراقبة على الحدود الدولية وتكثيف جهودها الأمنية والاستخباراتية على المستوى الداخلي ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -تكتل- الجزائر وتونس وليبيا.. من المستفيد الأكبر؟ | المسائي


.. مصائد تحاكي رائحة الإنسان، تعقيم البعوض أو تعديل جيناته..بعض




.. الاستعدادات على قدم وساق لاستقبال الألعاب الأولمبية في فرنسا


.. إسرائيل تعلن عزمها على اجتياح رفح.. ما الهدف؟ • فرانس 24




.. وضع كارثي في غزة ومناشدات دولية لثني إسرائيل عن اجتياح رفح