الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اللحظة السياسية الراهنة وتكتيكات اليسار المصرى

محمد حسن خليل

2015 / 12 / 17
مواضيع وابحاث سياسية


اللحظة السياسية الراهنة وتكتيكات اليسار المصرى
يهمنا هنا قبل أن نستعرض مختلف تكتيكات اليسار فى بلادنا الآن أن نستعرض أهم ملامح الصورة السياسية والاقتصادية الراهنة التى تحدد ملامحها الرئيسية وتوازن القوى بينها وهو المحدد الأول لتلك التكتيكات.
1- المحدد الأول والمهم هو أن هناك معركة عنيفة ضد الإرهاب اكتسبت فى الفترة الأخيرة ملامح جديدة شديدة الأهمية. فرغم النجاحات العسكرية التى تحققت على الجبهة الداخلية بحيث تقصت قوى الإرهاب بشدة فى سيناء وفى مصر كلها مع استمرار مستوى أدنى من المعارك، إلا أن المنطقة قد اشتعلت فيها حرب الإرهاب، ومخططه فى تنفيذ الأهداف الغربية الرامية إلى التفتيت الإقليمى لدول وطننا وجوارنا. أوشك النظام السورى أن يسقط وتقلصت سيطرته إلى حوالى 15 إلى 20% من الأرض السورية، فاستعان بروسيا التى تدخلت بقوة وأدى تدخلها إلى عكس مسار المعارك فأصبحت الأرض التى تسيطر عليها داعش هى التى تتقلص على حساب تمدد مناطق سيطرة الجيش السورى. أدى حادث إسقاط تركيا للطائرة السوخوى 24 السورية إلى تصعيد شديد فى التدخل الروسى لمواجهة الإرهاب، فأدخل أحدث الأسلحة التى لم تخرج خارج حدود روسيا من قبل (صواريخ S400)، واستخدم صواريخه طويلة المدى التى تضرب من البحر الأسود، ودعم قواعده فى البحر المتوسط فى اللازيقية وطرطوس وأضاف لها قاعدة جديدة فى قبرص. أدى تراجع الإرهاب فى سوريا، هدفه الأول إلى اتخاذه قرارا بتوسيع مجال معركته لتشمل الحوادث الإرهابية فى فرنسا والأردن وجنوب بيروت وغالبا إسقاط الطائرة الروسية المدنية، وهو ما أدى إلى تصعيد مواجهة بعض الدول الغربية لمواجهة الإرهاب لخطره عليها ولمخاطر الهجرة إليها الناتجة عن حروبه فى الشرق الأوسط وأفريقيا، بالذات فرنسا وإيطاليا. قاد هذا إلى تصعيد غربى متمثل فى إعلان السعودية للحلف الإسلامى السنى ضد الإرهاب، والذى يحمل فى طياته استبعاد أطراف والتوجه فى المدى البعيد إلى تأجيج الصراع السنى الشيعى ليتسيد المنطقة بديلا لمواجهة الإرهاب والتفتيت. المحصلة تراجع الإرهاب ودخول أطراف جديدة فى المعركة وحركة ساخنة على الساحة الدولية، مع سيولة الفترات الانتقالية، خصوصا والخطر الإرهابى القادم يكمن فى ليبيا.
2- يسعى النظام المصرى إلى استكمال ما يقول عنه الركن الثالث للاستقرار المتمثل فى انتخابات مجلس الشعب بعد أن تم انتخاب رئيس الجمهورية وإقرار الدستور الجديد. واستقرار النظام فى عرفه هو استقرار حكمه على أسس أقرب إلى الحكم السابق السياسية والاقتصادية مع استثناء معركته ضد الإرهاب. برزت محاولات هذا "الاستقرار" فى سلسلة من القوانين المقيدة للحريات مثل قانون التظاهر والتعامل مع المضربين وغيرها. تشكل مجلس الشعب الجديد بالطبع مثل كل مجلس فى دولة رأسمالية من أغلبية من كبار رجال الأعمال، وتضم الكثير من رموز النظام القديم العائدين بقوة للانتقام واستعادة السيطرة بعد السعار الذى أصابهم نتيجة لاهتزاز سلطتهم بفعل الثورتين. يظهر هذا ليس فقط فى تصريحات مجلس الشعب الذى لم ينعقد بعد، ولكن فى إعلام رجال الأعمال وصحافتهم العائدة للانتقام وتشويههم لثورة الشعب المصرى والهجوم على رموزها. هذه هى النتيجة المتوقعة من انتخابات مجلس الشعب فى أى بلد رأسمالى، ولا يتعدى وهم التغيير من خلال نجاح ممثلى الشعب فى تحقيق أغلبية برلمانية، لا يتعدى بلاهة برلمانية. ولكن مجلس الشعب الجديد يحتوى على مجموعة هامة تمثل المعارضة الشعبية، وهى زاد مهم فى المعارك القادمة كما سنرى.
3- شهدت السياسة الاقتصادية للنظام تغيرات شديدة الأهمية فى عام 2015. فبعد فترة من التردد وتقديم بعض التنازلات فى الأجور والمعاشات للطبقات الشعبية والوقف المؤقت للخصخصة الفجة والأشكال الفجة لتحالف الفساد ورموزه الاقتصادية مع قيادات النظام السياسى فى عهد مبارك، وفترة من الشقاق مع أمريكا ومؤسسات التمويل الدولية، عادت الحكومة المصرية بقوة إلى كامل السياسة الاقتصادية لعهد مبارك. بدأت القروض الضخمة من البنك الدولى ومؤسسات التمويل الدولية وتجاوزت قروض البنك الدولى خمسة مليارات دولار فى أول ثلاث شهور من العام غير ما تلاها، تلاها المؤتمر الاقتصادى وبلورة كامل السياسات المباركية فى المراهنة أساسا على الاستثمارات الأجنبية، وعلى القطاع الخاص المصرى الذى أغرقوه بالامتيازات بدءا من إلغاء ضريبة 5% على ما يزيد عن المليون من الدخل، ثم تخفيض الحد الأقصى للضرائب إلى 22.5%، مع إعطاء كافة التسهيلات بل والدعم للمستثمرين الأجانب والمصريين بموافقة مجلس الوزراء مثل إعطاء الأرض مجانا، ورد مصاريف مد المرافق للمشروعات عند بدء الإنتاج، وتحمل بعض التأمينات الاجتماعية على عمالهم وبعض تكاليف تدريب العمالة مع السماح للمشروعات الأجنبية باستيراد العمالة من الخارج والسماح بدون حد أقصى لنسبتهم، مع السماح لهم بتحويل 100% من أجورهم للخارج، غير تحويل أرباح المستثمرين بالطبع! وارتبط كل ذلك بإلقاء عبئ الأزمة الاقتصادية على عاتق الطبقات الشعبية التى عانت من موجة تضخمية قاسية وارتفاعات فى الأسعار فى إطار مشروعات مثل رفع "دعم الكهرباء" خلال 5 سنوات، ورفع تكاليف المواصلات ومواد الوقود. لم تغفل الحكومة عن أثر هذا على احتمالات ثورة الجماهير فحاولت تقديم تنازلات محدودة بتدخل الحكومة فى توفير السلع التموينية وسلع الطعام من خلال بطاقات التموين الحديثة ومنافذ بيع القوات المسلحة غير إعادة شركتى المجمعات الاستهلاكية، الأهرام والنيل، من وزارة الاستثمار إلى وزارة التموين وإعادة هيئة السلع التموينية لمجال استيراد سلع غذاء أساسية مثل القمح وغيره، مع هجوم محدود على بعض أفراد مافيا الاستيراد، مع البعد تماما عن حظر الواردات الترفيهية إيمانا بحرية التجارة وفق قوانين منظمة التجارة العالمية، واستمرار العجز التجارى وعجز العملة الأجنبية الذى يواجه بتدبير العملة الأجنبية لاستنزافها فى سوق التجارة الكمالية واحتياجات المستثمرين والبورصة لتحويل أرباحهم ورؤوس أموالهم، وبالتالى تدهور قيمة العملة واشتعال التضخم ونقص عدد هام من الواردات الضرورية مثل أصناف من الأدوية الهامة. بالطبع أدى هذا إلى تصاعد الحركة الجماهيرية الاحتجاجية والإضرابية ضد النظام من قطاعات متعددة، ولعل من أبرزها الاحتجاجات على قانون الخدمة المدنية.
كيف انعكس هذا الوضع المعقد على تكتيكات فصائل اليسار المختلفة فى بلادنا؟
• رأينا فصيلا يساريا يعتبر مهمته الأولى محاربة الإرهاب، مع ما يشبه التطابق مع النظام فى باقى الجوانب، ويعارض معارضة محدودة ببعض البيانات مع افتقاد الجهد المنظم لاستثمار وضعه كحزب شرعى يملك المقرات لاستخدام امكانياته فى السعى للارتباط بالحركات الجماهيرية من خلال التأييد الجاد وتبنى مطالبها.
• كما رأينا أكثر من فصيل يسقط من اعتباره تقريبا خطر الإرهاب، ويعتبر عدوه الرئيسى هو النظام وميله لتقنين عدد من القوانين الاستبدادية والإجراءات المعادية لمصالح الشعب الاقتصادية فيرفع شعارات يسقط حكم العسكر، ولا يتورع عن التعاون والتجبيه مع فصائل من اليمين الدينى يتراوح بين حزب مصر القوية والسلفيين، بل والإخوان المسلمين أحيانا الذى يعدونه فصيلا وطنيا إصلاحيا وليس فصيلا من الثورة المضادة ومخلب قط للمخطط الدولى لإضعاف وتفتيت مصر ودول المنطقة.
• كما رأينا تصاعد روح اليأس والإحباط بين قطاعات عديدة من الشباب والمثقفين. تبدت سلبية تلك القطاعات فى انخفاض المشاركين فى الانتخابات البرلمانية الأخيرة إلى حوالى نصف المشاركين فى الانتخابات التالية للثورة (ربع الكتلة التصويتية فى مقابل نصف الكتلة التصويتية فى أعقاب الثورة)، كما تبدى فى كون الشباب هم أقل الفئات المشاركة فى الانتخابات، وأكثر الفئات إحباطا.
• لابد وأن يستند تكتيك اليسار المبدئى إلى تقدير لكل العوامل التى أبرزناها من قبل، وإلى توازن القوى بينها. فمن ناحية لا يمكن تجاهل وجود الإرهاب الذى رغم إضعافه داخليا ما يزال يلقى دعما خارجيا قويا خصوصا فى محاولة الضغط على النظام المصرى للتصالح مع الإخوان المسلمين، ونرى تصريح أوباما المباشر بأن الشراكة الاستراتيجية لن تعود كاملة مع مصر مالم تستكمل الديمقراطية بسياسة المصالحة ومنع الإقصاء، يقصد الإخوان طبعا. ونرى كيف يحيط الإرهاب بنا من سيناء شرقا ومن ليبيا فى الغرب التى توسع فيها الإرهاب حتى احتل بلدانا ساحلية مثل سرت وصار له ميناءه الذى يمكنه من تلقى الدعم البحرى ومن تصدير البترول، وكذلك من الجنوب بنظام البشير فى السودان الداعم للإرهاب. فى مثل تلك الظروف يتضح الخطأ الشديد فى شعار "يسقط حكم العسكر" الذى يصب فى دعم الإرهاب ويرتبط دائما بعلاقات مع قوى دينية يمينية. لابد من الدعوة لمقاومة الإرهاب كسياسة وثقافة وفكر وضم جماهير شعبنا كقوة لمكافحة الإرهاب وعدم قصر محاربته على الجيش والشرطة. كذلك من الخطأ تماما السكوت على اتخاذ الإرهاب ذريعة لمصادرة الحقوق الديمقراطية، ولابد من العمل على إسقاط قانون التظاهر، ولابد من العمل على تقنين حريات التعبير بما فيها حرية التنظيم والإضراب والتعددية النقابية العمالية وفى كل المجالات. ويهمنا أن نلاحظ أن توازن القوى القائم يقف حجرة عثرة فى محاولة الشرطة بناء جهازها القمعى، ويفضح حالات التعذيب فى أقسام الشرطة والوفيات التى نتجت عنه، كما يجب ملاحظة أن النظام لم يتمكن فى معظم الحالات فى الاحتجاجات والإضرابات الجماهيرية الواسعة من استخدام أسلحته القانونية الرجعية ضدها، ولجأ إلى تقديم التنازلات. إنه توازن للقوى فيه عيوبه ومزاياه، ويجب الاستناد إلى حريات التعبير والتنظيم لقطع الطريق على تغول سلطات النظام وعلى سلوكياته الاستبدادية. ولكن فى القلب من شعاراتنا يجب أن يأتى مطلب العدالة الاجتماعية: ففى وضعنا الراهن يتمثل أفضل حصاد لثورتى يناير ويونيو فى إزاحة غطاء الخوف عن الجماهير واتجاهها لتصعيد الاحتجاجات الجماهيرية فى مواجهة كل ظلم واضطهاد يقع عليها، وفى نمو التنظيمات المدافعة عن حقوق الجماهير من أحزاب ونقابات مستقلة أو رسمية محررة، ومختلف التنظيمات النوعية فى مجال المرأة والصحة والتعليم وحقوق الإنسان. إن الضفر بين نشاط تلك المنظمات وبين الاحتجاجات الجماهيرية المتنامية وسط العمال والفلاحين والموظفين ومختلف القطاعات هو الحل التاريخى المصرى الذى تمكننا منه اللحظة التاريخية الراهنة لارتباط حركة المثقفين بالجماهير. كما أن المناسبات الانتخابية، سواء انتخابات مجلس الشعب أو انتخابات المجالس المحلية القادمة، مثلت وتمثل فرصة جيدة للارتباط بالجماهير على أساس برنامجىّ يركز على مطالبها الملحة والعدالة الاجتماعية الغائبة. ومجلس الشعب يجب الاستفادة منه كما ينبغى من خلال الجمع بين القلة من النواب الوطنيين بداخله والضغط عليه من خارجة بالحركة الجماهيرية والمسيرات إليه والوفود التى ترفع مطالب المحتجين لكى تجعل منه منبرا للتحريض ومادة للاستجوابات، مع كشف كل ما يخطط للشعب من قوانين تجامل الطبقات المالكة على حساب إهدار حقوقهم الأساسية فى الصحة والتعليم والأجور وكافة جوانب مطالب العدالة الاجتماعية.
دكتور محمد حسن خليل








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين في معرض البندقية


.. الهجوم على رفح أم الرد على إيران.. ماذا ستفعل إسرائيل؟




.. قطر تعيد تقييم دورها كوسيط في المحادثات بين إسرائيل وحماس


.. إسرائيل تواصل قصف غزة -المدمرة- وتوقع المزيد من الضحايا




.. شريحة في دماغ مصاب بالشلل تمكّنه من التحكّم بهاتفه من خلال أ