الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الشفافية مسؤلية من ؟

بكور عاروب

2005 / 11 / 6
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


تأتي هذه المساهمة جزءاً من سلسلة محاضرات حول مفهوم الشفافية ذلك المفهوم الآخذ في الانتشار على كافة الصعد الدولية والإقليمية والمحلية . وتهدف هذه السلسلة من المحاضرات إلى نشر هذا المفهوم الذي أكد على ضرورته وأهميته جميع المخلصين وإن الاستجابة لنداء الضرورة الوطنية الشعبية في هذا المجال تعتبر من واجبات الثقافة والمثقف في وطننا الغالي .
من هذا المنطلق وفي إطار من الرغبة الصادقة إن شاء الله في إرساء قواعد بناء مجتمعٍ ووطنٍ قوي قادر على إسعاد أبنائه ومواجهة أعدائه وطن قوي بكل ما في الكلمة من معنى وقادر على توفير المنتج الأكثر أهمية وإنسانية لأفراده وهذا المنتج هو الكرامة وهي المفهوم الإنساني المرتبط بشرطي القوة والكفاية .
هذان الشرطان مرتبطان أساساً برفعة الفرد وقدراته الشخصية والجمعية ويعتمدان أساساً على قدرة هذا الفرد على وعي وإدراك المعطيات وقدرته على صياغة النتائج الأكثر إيجابية ومردوداً عليه ضمن هذه المعطيات .
وهذا يعني اتساع قدراته وموارده الثقافية وارتفاع قدراته التحليلية وبشكل عام ومختصر يعني رفع المستوى التربوي والتدريبي لهذا الفرد .
إن الدعوة لبناء مثل هذا الإنسان هي دعوة لوطن قوي وحياة مشرفة وهي تأكيد على ضرورة الاستثمار أولاً في الموارد البشرية وخلق ذلك المجتمع العلمي المقاوم خصوصاً وأن انفتاح الساحة المعرفية باتت فرصة نادرة للمخلصين في بناء أوطانهم وتجاوز تلك الهوة العميقة بينهم وبين الآخرين علمياً وسلوكياً .
كما أن ضعف القوى العسكرية وفقدان تلك الأقطار الداعمة في المنطقة لا يعني نهاية أي مشروع شعبي مكافح بل أن الفرصة ما زالت مهيئة لخلق نموذج رائد معرفياً وثقافياً يمكنه قيادة الحركة الفكرية في المنطقة ويقدم نموذج عالمي للدول الصغيرة الرائدة علمياً ومعرفياً وإيديولوجياً .
فالآن وفي عصر الفضاء المفتوح يمكن لقناة فضائية مثل الجزيرة أن تصل إلى المرحلة السادسة عالمياً من حيث التأثير الفكري بل وحتى على صعيد الاستثمار الإعلامي وهذا مثل بسيط من عدة أمثلة عديدة تدعونا إلى المزيد من الثقة بالمستقبل والحفاظ على حرارة مشروعنا الإنساني والاجتماعي .
ولكن لماذا الشفافية ؟
بكل بساطة واختصار لأن الشفافية تعني بكل بساطة النقيض للفساد الذي اعتبره ويعتبره كل مخلص وشريف ووطني وقومي وإنساني العدو الأول للأمة وبكل مكوناتها والسبب الأول في ضعف الأمة وكل أمم الأرض .
إن الفساد أصبح العدو الأول والأكثر شراسة الذي يمتص جهود وعرق الملايين من البشر في شتى أصقاع الأرض وهو مشكلة عالمية وليست مقتصرة على مناطق دون الأخرى ويشمل الدول الأكثر تقدماً وكذلك الدول الأشد فقراً بالطبع . لقد أصبح الفساد حالة اقتصادية سياسية وأحياناً مجتمعية شديدة التعقيد تحتاج إلى جهود جبارة يتعاون الجميع من أجل وضع حد لها .
ولقد أصبح الفساد العدو الأول والعقبة الكأداء في وجه مشاريع التنمية المستدامة ويكلف خسائر كبيرة في الأموال الحكومية التي لها حاجة ماسة لتمويل التعليم والرعاية الصحية وتخفيض الفقر في كل من الدول النامية والمتقدمة بحسب تصريحات بيتر إيجن رئيس المنظمة الدولية للشفافية في برلين .
هذا الفساد الذي يبقى أخف وطأة في المشاريع الخاصة ولكنه أقوى وأعمق وأشد في المشاريع العامة .
وإن المنظمة الدولية للشفافية في برلين تقدر في تقريرها السنوي للعام 2004 أن قيمة الخسائر الناجمة عن الرشوة على المشتريات الحكومية تبلغ /400/ ألف مليون دولار على الأقل في السنة في جميع أنحاء العالم .
ويشير تقرير المنظمة إلى أن الوضع الحالي في العراق يعتبر من أشد الأوضاع مأساوية ويهدد بضياع كل فرص إعادة إعمار العراق إذا لم تتم وتتوفر التدابير الصارمة المضادة للرشوة وهنا يكفي أن نذكر أن بول بريمر الحاكم السابق في بغداد متهم بثمانية آلاف مليون دولار من عائدات لبرنامج النفط وإعادة إعمار العراق ، هذا عدا التحويل المبذر للموارد إلى النخب الفاسدة في العراق .
والجدير ذكره أن أشد البلاد فساداً بحسب تقرير المنظمة الدولية هي بنغلاديش وهايتي ونيجريا وتشاد وميانمار وصنفت فنلندا ونيوزيلندا وأيسلندة وسنغافورة والسويد وسويسرا بأنها الأقل فساداً حيث حازت معدل يفوق تسع نقاط من أصل عشر نقاط على مقياس الشفافية العالمي .
أيها السادة وبعيداً عن الخوض في المكانة الرقمية العددية للقطر العربي السوري أو غيره من الأقطار العربية الأخرى يكفي أن نعلم أن تقديرات منظمة العمل العربية تقول أن حجم الأموال التي تحرم منها الجماهير العربية سنوياً يقدر بحوالي ثلاثمائة ألف مليون دولار ويكفي أن نعلم أن هذا الرقم يكفي لخلق عشرين مليون فرصة عمل وأن الوطن العربي قادر في حال توفر هذه المبالغ والمحافظة عليها أن يشغل كل القادرين على العمل في العالم في غضون أقل من خمسة عشر عاماً لنعلم مدى أهمية أن نعمل جميعاً من أجل خلق المجتمع الشفاف ومكافحة ذلك الفساد المستشري في أوصال الأمة ومرافقها ويدفعها بعيداً إلى الوراء عن الركب العالمي فمن يبدأ المشوار.

‹‹ القـائد أولاً ››
لقد بادر السيد الرئيس بشار الأسد في خطاب القسم ومن ثم في باقي خطاباته وكلماته وأحاديثه إلى إرساء الانطلاقة الواعية لخلق المجتمع الشفاف وحث السيد الرئيس على ذلك وانطلقت فعلاً حركة ( ولكن للأسف غير تطبيقية) من تحديث التشريعات الناظمة للحركة الاقتصادية والإدارية والمجتمعية إلى تعديلات وزارية متلاحقة بقصد رفع السوية الفعلية للأداء الاقتصادي والمجتمعي وربما تفاءل المواطن كثيراً على هذا الصعيد ولكن وللأسف لم تنجح القيادة السياسية والحكومات المتلاحقة في تحويل كلمات وتوجيهات السيد الرئيس إلى أنساق تربوية واجتماعية فاعلة في حياة المواطن وهذه مصيبة جميع المشاريع السياسية الطموحة . رغم أننا يجب أن لا ننكر الجهود الكبيرة التي حاولت هذه الحكومات بذلها في هذا الصعيد وأن هناك تغير ملحوظ في أداء الإدارات الحكومية لمصلحة المواطن والرسالة الديمقراطية لهذا المواطن ، لكن هذا التغير لا يرقى إلى المستوى المنشود من السيد رئيس الجمهورية ولا من المجتمع السوري وأن المطلوب بذل المزيد من الجهد على الصعيد الإدارة الحكومية لترسيخ مفاهيم الشفافية في الحياة الإدارية والاقتصادية السورية ولعل ما جرى على صعيد العمل الإعلامي كان مثالاً حيث هناك وزير يطالب ببذل المزيد من الصدق والجرأة والإخلاص والواقعية في العمل الإعلامي ولكن يفوت السيد الوزير أن هذه الانطلاقة تحتاج أساساً إلى كادر إعلامي متميز ومدرب على الجرأة والشفافية وقد أعد بشكل كاف للقيام بهذا الدور وان تجاوز الوضع الإعلامي المقيت في سورية يتطلب تجاوز تلك العاهات الثقافية والإعلامية و حفاة الفكر الذين يحركون دفة الإعلام .
أيها السيادة : إن الحديث عن الشفافية والفساد يجب أن يقودنا بالضرورة إلى أن أحد الأسباب الأساسية للفساد هو جهل أحد أركان العملية الإدارية أو الاقتصادية بالمعادلة الإدارية أو الاقتصادية أو يكون تردي مستوى المعرفة لدى هذا الطرف مما يوفر فرصة للآخرين لممارسة أشكال مختلفة من الفساد .
والسبب الأساسي الثاني والأشد إلحاحاً وضرورة هو الضغط الاقتصادي الذي يعاني منه بعض أطراف العملية الإدارية أو الاقتصادية مما يدفع بعضهم إلى ممارسة الفساد بمختلف أشكاله المالي أو الإداري السلطوي .
ما هو الذي يجري وما هو المطلوب إن الذي يجري على صعيد العالم هو تزايد وحشية الرأسمالية بانهيار التجربة القاصرة في الاتحاد السوفيتي السابق وانتشار سياسية السوق في كل أنحاء العالم والمطلوب هو النجاح في بناء التنمية الإنسانية والقضاء على الفقر وذلك يتوقف على تبلور عقدٍ اجتماعيِّ جديد يقوم على التضافر بين دولة كفء وحيوية وقطاع خاص كفء ومسؤول اجتماعياً ومجتمع مدني قوى وجماهيري بحق وليس مجتمع مدني كرتوني مقوى و لا يحمل رؤى وطنية تطويرية واضحة وكل ما يطمح إليه وما يهدف هو المزيد من المشاركة في هيكل القوة القائم والحصول على المزيد من متاعه.
" القطاع العام الاقتصادي والتربوي ثانياً "
إن المؤكد أن حافز الربح ليس بقادر على تأهيل الفقراء بصنوف رأس المال بالشكل اللازم لمكافحة الفقر على سبيل المثال لا ينطوي التعليم الأساسي أو الرعاية الصحية للفقراء على حافز ربح يُغري القطاع الخاص بالإقدام عليه .
إلا أنه يمكن إيجاد سبل لكي يساهم القطاع الخاص في هذه المهمة فدفع الضرائب طواعية هو أحد الطرق شريطة أن تستغل الحكومة عوائد الضرائب لتقوية الفقراء ويمكن أن تمثل الهبات طريقة أخرى ويمكن استخدام الحوافز الضريبية بشكل فعال لتشجيع القطاع الخاص على هذا السلوك المسؤول اجتماعياً .
إن الأهم هو أن الفقراء في حاجة للحماية من التوحش الذي لا راد له في غياب مؤسسات مجتمعية فعالة و مقاومة الاحتكار وحماية التنافسية وعليه ستبقى المسؤولية الرئيسية لتقوية الفقراء وحمايتهم في البلدان النامية في عنق الدولة رأي جماع السلطات التشريعية والتنفيذية ، وليس مجرد الحكومة وهذه للتأكيد مهمة الدولة في المجتمعات الناضجة . ومن هنا تمثل ضرورة الإصلاح والتطوير والتحديث للحكم بما في- ذلك الحكم المحلي والإدارات المحلية- ليكون بحق لعامة الناس ومسؤولاً أمامهم فعلاً ، مكوناً جوهرياً للعقد الاجتماعي في المجتمع الذي يريد الإصلاح .
إن نجاح أي مشروع شعبي مكافح يعتمد أساساً على قدرة قادته على زرع قيم هذا المشروع في نفوس الناس وإعادة تربيتهم على هذه القيم وبالتالي يتحول عموم الدفع الجماهيري دافعاً لهذه القيم وهذا المشروع وتأكيدها في حياة المواطنين والحركة التاريخية لهذه الفئة البشرية وهنا لا بد من الإشارة إلى كافة عناصر العملية التربوية من الهيئة التعليمية التي يقع عليها العبء الأساسي والأكبر إلى المؤسسة الثقافية العامة إلى الإعلام بكافة أشكاله وأصنافه وهو بالأساس انعكاسٌ لحقيقة المستوى التربوي والاجتماعي والثقافي الذي يعيشه عناصر المجتمع و هي أهم عناصر صنع المجتمع القوي الشفاف.
ثالثاً : القطاع الخاص وتنظيمات المجتمع المدني
إن مما لا شك فيه وبعد الدولة يمكن أن يمثل القطاع الخاص والمجتمع المدني الفاعل المجتمعي والشعبي العنصر الأهم في تقوية أي توجه لمكافحة الفساد وتقوية الفقراء بشرط أن تزول القيود على تكوين منظماته وفاعلية نشاطها وأن يصلح حال هذا القطاع بحيث تعظم قدرته على المساهمة الاقتصادية والمجتمعية وعلى المساهمة الفعالة في كافة النشاطات الوطنية وبشرط سلامة تكوين هذه التنظيمات المدنية وسلامة تكوين هيئات القطاع الخاص وتكريس روح الوطنية في منتسبيها وعناصرها .

المثقفون وأسباب الفساد
إن أعظم مسببات الفساد هو قعود نخبة أو طليعة المثقفين عن دورها التاريخي في النهوض بالمجتمع و عن اعتماد العلم والمعرفة سبيلاً لشحذ الوعي الاجتماعي الناقد توصلاً للتحرر والنماء ولكن في نسق الفساد لا يترك العلم والبحث كحاله خاصة وأن العلم ، كالفن بحاجة لمن يرعاه (من يقدرون على القيام به لا يطيقون تكلفته) وليس غريباً والحال كذلك أن تسعى أنساق الفساد إلى السيطرة على وسائل الثقافة المختلفة وعلى مراكز البحث وعلى عناصرها العالمة بالترغيب أو بالترهيب وغنيٌ عن البيان أنه لا يقدر على مقاومته هذه الثنائية الجهنمية إلا قلة يسعون لأن يكونوا "مثقفين" أي علماء مسؤولين اجتماعياً .
يتبنون العلم وسيلة لتحرير الضعفاء ورفعة الأمة بينما يختار الآخرون أن يلتحقوا بنسق الفساد لدرجة أو أخرى ومعروف أن "العلماء" الذين يلتحقون بخدمة هيئات الفساد يرفلون في متاع الحياة الذي توفر الهيئات الفاسدة خصوصاً في المجتمعات المتخلفة, بينما يعاني الفصيل الأول عواقب إصراره على الرجولة والوفاء عواقب ليس أقلها التهميش من هيكل القوة القائم ومن متاعه وهكذا فإنه بتقاعس بعض من نخب المثقفين عن دورهم التحرري يوطدون دعامات الفساد في المجتمع .
ولكن أساساً ما هي مقومات بناء المثقف الذي يدعو إلى التربية الشفافة هي لا شك توفر المادة العلمية لديه حول الشفافية كشعار وكقيمة وكمفهوم علمي اقتصادي له أسسه التي يمكن أن تكون مادة دراسية غنية . إننا في هذا المجال نود تقديم بعض المقترحات العملية وهي :
1- إدخال مادة الشفافية في المناهج الإدارية والاقتصادية والجامعية و تلقين مبادئها وأهميتها للناشئة .
2- إقامة مركز إداري تدريـبي للشفافية .
3- إقامة مركز محاسبة تتبعي لحالات الفساد بصلاحيات إعلامية واسعة .
4- الاستفادة من الثورة الرقمية المعرفية في تعميم ثقافة الشفافية جماهيرياً .
5- دعم المثقفين من أجل مزيد من الجهود على صعيد تعميم ثقافة الشفافية .
6- إصلاح السلطة التشريعية من أجل سلطة تشريعية رائدة في مكافحة الفساد وتعميم حالة الشفافية اجتماعياً واقتصادياً ورفد السلطة التشريعية بالكفاءات القانونية والثقافية القادرة على الاستفادة من التجارب العالمية في هذا المجال.
وإننا جميعاً نرجو أن تصل سورية إلى الرتبة الأولى عالمياً في سلم الشفافية ومعاييرها من أجلنا ومن أجل كل عيون شعبها المكافح المقاوم الذي يجابه الإعصار والتاريخ السيئ الحاقد والمثقفون المنجذبون نحو وهج السلطة كالفَراش وأنفلونزا الطيور و أنفلونزا المحافظين الجدد وأنفلونزا حمى الفساد وكل زبانية الكره في العالم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ما التصريحات الجديدة في إسرائيل على الانفجارات في إيران؟


.. رد إسرائيلي على الهجوم الإيراني.. لحفظ ماء الوجه فقط؟




.. ومضات في سماء أصفهان بالقرب من الموقع الذي ضربت فيه إسرائيل


.. بوتين يتحدى الناتو فوق سقف العالم | #وثائقيات_سكاي




.. بلينكن يؤكد أن الولايات المتحدة لم تشارك في أي عملية هجومية