الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


*** يوم أخر ***

ميلاد المكصوصي

2015 / 12 / 23
الادب والفن


في العراق ...بلدي المتحرر...من يريد السفر شرقا أو غربا...شمالا أو جنوبا...بعيدا أو قريبا...يجب ان يبكر قبل ثلاث أو أربع ساعات أضافيه كي يصل الى مبتغاه في الوقت المناسب...
لم تكن سفرتي بعيده...ألا أن أي تأخير ينغص حياتي...لانني عديمه الصبر...لم اتعود علی-;- سيارات ألنقل العمومي منذ وقت طويل يرافقني في رحلتي ثلاثه اشخاص لا اعرفهم...لذلك لذت بالصمت ....صمت مطبق وسافرت بأفكاري بعيدا...بعيدا جدا...لم أشعر بالوقت أنتبهت حين خفف السائق السرعه... يال الهول .....أربع صفوف متوقفه من السيارات ليس لها نهايه....منظر خانق برغم بروده اجواء السياره من الداخل ألا. أن حراره الشمس احرقت وجهي بعد خمس دقائق من وقوفنا ألتفت يمينا ويسارا...قوات أمن في كل مكان كلاب بوليس أصوات متعاليه هنا وهناك...شعرت بالقلق قلت بصوت مسموع يا ساتر يا رب...
أبتسم السائق وقال نحن على هذه الحال يوميا...جيئه وذهابا...
تطلعت بفضول الى السيارات القريبه منا...سيارات الحمل الكبيره سيارات الاجره مع السيارات الصغيره الكل يحاول حشر نفسه في اي فسحه كي يتقدم بضعه امتار عن الاخرين...أبتسم احيانا واحيانا أخرى يقتلني الغيض من البعض ...حكى لنا السائق قصه من قصصه الكثيره والمواقف الصعبه التي مرت به بسبب قسوه الانتظار تكلم بمراره وهويحكي قصه أمراه حامل كانت علی-;- وشك الولاده...وكيف كانت صرخات ألام التي تطلقها ...تجعله لا يهتم لمدى سرعه سيارته التي يحافظ عليها اكثر من نور عينيه...فهي سبب بقائه هو وعائلته الكبيره على قيد الحياه...لكنه امام ذلك الموقف الرهيب ...نسي كل شيئ أنطلق مسرعا أراد ان يصل بها الى المستشفى باي ثمن قبل ان يموت طفلها الذي كان يريد الخروج...الى هذه الدنيا الكئيبه. .وكانت الام تعاني من وضع حتم عليها أجراء عمليه قيصريه...كان يضرب مقود السياره بقوه حين علق بزحام السيارات في احدی-;- السيطرات توسل بالبعض فسحوا له الطريق ثم علق ثانيه ترجل من السياره كان يتحدث بهستيريه ويصرخ على الكل حتى ضن الجميع انها زوجته...بعد معاناه استطاع ان يتقدم قليلا...كان متأكدا أنهم سيسمحون له بالمرور حين يعلمون بحاله الولاده كانت الدقائق تمر كأنها دهر...
خنقت العبره صوته حين خفت صوت المرأه التي لم يكن يرافقها غير اثنين من اولادها الصبيان اخرسهم الخوف ...طلبت منهم ان يتصلوا بالأب اجابوا بصوت واحد ابي بعيدا عنا يعمل في شرطه الحدود وليست هناك شبكه اتصال هو يتصل بنا حين يذهب الى المدينه القريبه من وحدته...ازداد السائق حيره...همست الام أهتم بأولادي اتوسل اليك ......فليس لهم احد غيري هنا...
أجهش السائق بالبكاء...ولم يكمل القصه...انتظرته..مسح دموعه..وضرب مقود السياره من جديد...ثم اخرج سيكاره...
لم أجرئ على سؤاله عن نهايه قصته خشيت أن تكون أسوء مما توقعته...كنت انظر أليه بفضول شدتني تلك الملامح...يبدو ان للقصه نهايه حزينه ....وفجأه ضرب جندي صندوق السياره بقوه...افتح الصندوق وترجل من السياره..ناداه بانزعاج شديد...بعد أن شعر بتماهل السائق الذي مسح للتو دموعه وابتلع احزانه...لم يكمل القصه وربما سيبدأ معاناه جديده مع هذا الجندي الحانق...قد تكون حراره الجو هي السبب...وقد يكون محقا أذ أن طابور السيارات لا نهايه له لو تحمل برود اعصاب كل سائق لما كانت هناك نهايه لطابور التفتيش ...أخذتنا الذكريات الى قصه أشد أيلاما من وقوفنا هنا لمده ساعه ننتظر الدور خدرنا الحزن...حتى أننا لم نفرح بقرب الافراج عنا...الى طريق حريتنا المؤقته شعرت بمراره ...مر جندي اخر بجهاز سونارحول السياره أشار الجهاز الينا بحده...نظر الجندي الي بأمعان خفق قلبي خفت أن يكشف ما أخبئه من اطنان متفجرات في داخلي...ابتسم محرجا..قال متهكما...هل تحملين عطرا...اوحبه دواء....
تفاجئت كثيرا...لم يسألني أذا ما كنت أحمل سلاح او غير ذلك ابتسمت ببلاهه قلت لا....
تعجب السائق من جوابي فبادر قائلا...في رجلي شظايا من الحرب العراقيه الأيرانيه...
هكذا أذا....قال الجندي...الجهاز يشير لتلك الشظايا فضحكت...مع أن قلبي يكاد يخرج من صدري....ماذا لو امسكو بي وانا متلبسه....كيف ساحتمل قضبان السجن...واصابع الاتهام وهي تشير علي...
كنت مرتبكه جدا...كان واضحا علي اني كنت اخفي شيئ ما....لكنهم سمحوا للسياره بالمرور فما زال امامنا المرور من امام كلب مدرب لتفتيشها...سئلت السائق باستغراب كيف تحتمل هكذا معامله كل يوم....اجاب بتهكم...اليوم يعتبر نعمه مقارنه بباقي الايام....انا احتمل ما يعجز الحديد علی-;- احتماله أشعر اني ميت اسير بين الاحياء ...
توقفنا امام الاستاذ(الكلب) اثارت انتباهي معاملتهم الخاصه به حيث الاهتمام وابداء الاحترام لشخصه الكريم...مد بوزه الينا حدق الي بتمعن ترآی-;- لي أنه غمزني بنظره...قد يكون فهم علامات الارتباك علی-;- وجهي...
كان الاطفال والنساء يهربون من السيارات اثناء تفتيش الاستاذ لها...الا انا بقيت في مكاني كان ممنونا جدا لتصرفي حدق بي بامعان أراد أن يكافئني بصمته عن عدم النباح وفضح جريمتي أو ربما كان مصابا بالزكام ولم يستطع اكتشاف قلبي الملئ بالعبوات الناسفه ...المهم عبرنا تلك السيطره المهلكه سالمين....بدون خسائر...
عاد السائق لطبيعته عاد الصمت من جديد يطبق علی-;- روحي وحياتي وكل ما يحيط بي...
كنت احدق في السائق طول الوقت انتظر ان يكمل القصه...لكنه ابحر بعيدا بافكاره...
سنصل قريبا الی-;- مبتغانا يكاد الفضول يقتلني لاعرف نهايه القصه...
المراه مع طفلتها وشاب اخر لم يحركوا ساكنا طوال الرحله...كل منهم كان يحمل اوراقا..بيده واحلاما قيد الانتظار...
لم تثر دهشتهم قصه السائق ولا ما حصل من تأخير...ولم يقتلهم الفضول لمعرفه النهايه ...همهم الوحيد الوصول مبكرا فأمامهم طوابير أخری-;- سيقفون فيها طويلا...
وربما كانت قصصهم اكثر حزنا وعمقا....
واخيرا كسر حاجز الصمت قال بصوت مسموع يهرب العراقيون من الموت ليجدوه في كل مكان...وضعوا تلك السيطرات لحمايه الناس وأذا بها تكون سببا في انهاء حياه اسره كانت سعيده وتنتظر مولودا جديدا...تبا لهذه القوانين العقيمه...نموت بايدي الاعداء واهمال وتقصير من وجدوا لحمايتنا نحن شعب شبع ذلا وهوانا وما زال يفضل الصمت ويفكر باموره الشخصيه فقط المهم الوصول الی-;- مبتغاه باي ثمن المهم ان يعيش ....يعيش فقط ويتنفس








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مهندس معماري واستاذ مادة الفيزياء يحترف الغناء


.. صباح العربية | منها اللغة العربية.. تعرف على أصعب اللغات في




.. كل يوم - لقاء في الفن والثقافة والمجتمع مع الكاتب والمنتج د/


.. الفنان أحمد سلامة: الفنان أشرف عبد الغفور لم يرحل ولكنه باقي




.. إيهاب فهمي: الفنان أشرف عبد الغفور رمز من رموز الفن المصري و