الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اللوبي الفرنكفوني و منطق اللعب بالنار .. توظيف المؤسسة الملكية ضد مؤسسة رئاسة الحكومة

إدريس جنداري
كاتب و باحث أكاديمي

(Driss Jandari)

2015 / 12 / 24
مواضيع وابحاث سياسية


في كلمته، التي ألقاها مستهل الدورة الثامنة للمجلس الأعلى للتعليم، وظف السيد عمر عزيمان تأويلاته الخاصة للخطب الملكية من أجل تهميش الدور التنفيذي لرئيس الحكومة المنتخب شعبيا، في ما يخص مسألة فرنسة التعليم في المغرب. ففي رد غير مباشر على السيد عبد الإله بنكيران، الذي وجه انتقادا صريحا من داخل مجلس المستشارين لويز التربية الوطنية في شأن قراره الانفرادي بفرنسة بعض مواد التخصص العلمي في التعليم الثانوي، لجأ السيد عزيمان إلى الخطب الملكية يقتطع منها ما يشاء خدمة لتوجهه الفرنكفوني، و هو من خلال هذا التوجه كان يوجه رسالة صريحة إلى من يهمه الأمر سواء داخل المجلس أو خارجه، بأنه يمثل سلطة الحزب الفرنكو-تكنوقراطي الذي يمتلك سلطة الأمر و النهي في المغرب، و لذلك فقراراته غير قابلة للأخذ و الرد، حتى لو كان ذلك من طرف رئيس الحكومة المنتخب شعبيا !
إن أخطر رسالة يوجهها حزب التكنوقراط الفرنكفوني، من خلال توظيفه الإيديولوجي للمؤسسة الملكية في مواجهة مؤسسة رئيس الحكومة، هو إعلان الموت السريري لشيء اسمه السياسة في المغرب، فالسيد عزيمان و أمثاله من التكنو-فرنكفونيين يعلنون بالمباشر أن القرار السياسي في المغرب ملك لهم، أما الكائن الحزبي الذي يمثل السلطة التشريعية و التنفيذية من منطلق الشرعية الشعبية، فهو لا يعدو أن يكون ديكورا يوضع على الواجهة من أجل الترويج لل(نموذج الديمقراطي المغربي)، و لعل أبرز دليل على ذلك هو عجز سلطة رئيس الحكومة على إلغاء مذكرة أصدرها وزير التعليم في شأن مسألة خطيرة تتجاوز مستوى التدبير القطاعي لأنها مسألة سياسية في العمق، و هذا ما يعطي للوزير التكنوقراطي سلطة تتجاوز سلطة رئيس الحكومة، و من دون سابق إنذار يخرج علينا تكنوقراطي آخر من خارج الجسم الحكومي ليعلن تحديه للسلطة التنفيذية لرئيس الحكومة المنتخب شعبيا .
إن هذه اللعبة الخبيثة، التي يمارسها حزب التكنوقراط الفرنكفوني في المغرب، ذات أثر خطير على الممارسة السياسية لأنها توحي بعبثية الأحزاب و الانتخابات، و من ثم فهي تحتقر الدور التشريعي و التنفيذي للمؤسسات المنتخبة، من منظور أن الحكم يمارس من خارج هذه المؤسسات. و هذه اللعبة الخبيثة هي التي صنعت الكارثة الانتخابية سنة 2007 ، و أدت إلى توقف المحرك السياسي عن العمل بعد ذلك إلى حدود انفجار الوضع السياسي و خروج الشعب إلى الشارع للتعبير عن مطالبه، بشكل مباشر، ما دامت المؤسسات التمثيلية معطلة و الحكم يمارس من خارج الإطار الحكومي و البرلماني.
لقد جاء دستور 2011 ليعيد الاعتبار للمؤسسة الحزبية- و من خلالها لدور رئاسة الحكومة- حينما أقر الفصل السابع منه على الدور الأساسي الذي تقوم به الأحزاب، و هو بذلك كان يقطع مع ظاهرة التكنوقراط الذين يمارسون السياسة من خارج الإطار الحزبي، الأمر الذي يعفيهم من شرط المحاسبة الذي يقره الدستور. فالأحزاب بمنطق الدستور هي التي تعمل على تأطير المواطنين وتكوينهم السياسي، وتعزيز انخراطهم في الحياة الوطنية، وفي تدبير الشأن العام، وتساهم في التعبير عن إرادة الناخبين، والمشاركة في ممارسة السلطة، على أساس التعددية والتناوب، بالوسائل الديمقراطية، وفي نطاق المؤسسات الدستورية.(الفصل السابع) . و هذا الدور الدستوري المنوط بالمؤسسة الحزبية، هو الذي يؤهلها لتمثيل الإرادة الشعبية التي تتم بلورتها من خلال الانتخابات، لذلك يقر الفصل 47 من الدستور بتعيين رئيس الحكومة من الحزب السياسي الذي تصدر انتخابات أعضاء مجلس النواب، و على أساس نتائجها. و نفس الفصل يعطي لرئيس الحكومة الحق في ممارسة سلطاته الحكومية في اقتراح أعضاء الحكومة، و إعفائهم.
هذا المنطق الدستوري الواضح و الصريح، هو الذي يتم انتهاكه من طرف لوبي التكنوقرط الفرنكفوني، فهو يمتلك قدرات خارقة على توجيه العمل الحكومي بالاستناد إلى مرجعيات غير دستورية، و لا يستند في ذلك إلى مرجعية حزبية، و لا يمتلك حق التمثيلية الانتخابية، و رغم ذلك فهو يمارس سلطات تتجاوز المستوى التشريعي للبرلمان و المستوى التنفيذي للحكومة التي يجب أن تعمل تحت إشراف رئيسها.
و لعل هذا هو ما يبرر تحدي وزير التعليم التكنوقراطي لرئيس الحكومة من خلال إصدار مذكرة ذات طبيعة سياسية، و إصراره على عدم التراجع بعد التوجيه العلني و المباشر الذي تلقاه من رئيس الحكومة في جلسة دستورية لمجلس المستشارين. أما الأفدح من ذلك فهو أن يلجأ رئيس المجلس الأعلى للتعليم إلى توظيف منطق الخطابات الملكية لمواجهة سلطات رئاسة الحكومة، و كأنه يوحي للمغاربة بأن سلطة التعيين تتجاوز سلطة الانتخاب الشعبي، و هذا ما يشكل تحديا جديا لرمزية المؤسسات الدستورية، يذكرنا بالدور الذي لعبه مجموعة من الموظفين في عرقلة العمل الحكومي في الإعلام (سطايل) و الاقتصاد و المالية (بنسودة) .
إن هذا الانتهاك الواضح و الصريح لمنطق الدستور القائم على أساس ربط المسؤولية بالمحاسبة، من خلال تفعيل دور المؤسسة الحزبية، و ربط ممارسة السلطة بالتمثيلية الشعبية الناتجة عن انتخابات حرة و نزيهة، هذا الانتهاك الممارس من طرف لوبي التكنوقراط الفرنكفوني هو الذي يعرقل تقدم المسار الديمقراطي في المغرب، و هو بقدر ما يضخم سلطاته من خارج مجال التمثيلية الشعبية فهو، في الآن ذاته، يساهم في تأليب الرأي العام الوطني ضد المسار الديمقراطي الذي دشنه دستور 2011 و يفتح مجالا واسعا أمام المشككين في جدوى العملية السياسية برمتها، ما دامت السلطات الحقيقية تمارَس من خارج الإطار المؤسساتي الدستوري تشريعيا و تنفيذيا.
https://www.facebook.com/profile.php?id=100002430741367








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. التصعيد بين إيران وإسرائيل .. ما هي الارتدادات في غزة؟ |#غرف


.. وزراء خارجية دول مجموعة الـ7 يدعون إلى خفض التصعيد في الشرق




.. كاميرا مراقبة توثق لحظة استشهاد طفل برصاص الاحتلال في طولكرم


.. شهداء بينهم قائد بسرايا القدس إثر اقتحام قوات الاحتلال شرق ط




.. دكتور أردني يبكي خلال حديثه عن واقع المصابين في قطاع غزة