الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


آل-عثمان ، ونهب مصر.

ارنست وليم شاكر

2015 / 12 / 24
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


آل-عثمان ، ونهب مصر.

لم تكن خلافة بل مخاتلة وخيانة.
صُدم العالم الإسلامي بسقوط خلافة بني عثمان وكأن خلافتهم خلافة ، هذا أولا ،- وثانيا كأن هذه الخلافة سقطت في القرن العشرين فعلا – أي عام 1924م – والحق أن الخلافة سقطت في القرن الثالث عشر عندما قتل "هولاكو" أخر خليفة عباسي في بغداد عام 1258 م وهو موضوع في زكيبة ، أو جوال، دهسا بالأقدام وحوافر الخيل – حتى لا يسيل دمه على الأرض حسب عادة التتار أو حسب وعد هولاكو بأن الخليفة إن جاءه ومعه مفاتيح المدينة فأنه لن يسفك دمه على الأرض .

** كيف سقطت "الخلافة" ؟
أخر الخلفاء الشرعيين " المستعصم بالله " وهو عبد الله بن منصور المستنصر ( 1242 – 1258م ) – الخليفة السابع والثلاثون وأخر الخلفاء العباسيين على وجه اليقين تاريخيا . كان قد ترك شؤون الحكم والسياسة للوزراء كما فعل من قبله من الخلفاء إما عن ضعف أمام الحرس التركي الذين حلوا محل الموالي الفرس بعد أن قضى "هارون الرشيد" على البرامكة - وإما لكثرة المشاغل بما هو أهم فيما يخص ملاعبة الحِسان والحَسناوات ، والإنسان لا يعيش إلا مرة واحدة وليس في الوقت متسع لفعل كل ما يتمناه المرء... تبا للوقت !! –

متكلا على وزيره "ابن العلقمي" الذي أخذ العهد بالأمان من "هولاكو" ،بعد مراسلات وتوسلات وهدايا، للخليفة أمير المؤمنين المستعصم بالله –وقد نجح "هولاكو" من خلال جيش من العسسة والجواسيس بمعرفة كل كبيرة وصغيرة عن البلاد وعن نسل بني العباس قبل أن يدخل بغداد بزمان – فلما أحرق المدينة بالنار وقتل الخليفة دعكا تحت الأقدام تقفى أثر كل شارد ووارد من بني العباس فأهلكهم جميعا – تماما كما فعل بني العباس مع بني "أمية" قبلا ، عندما جلس الخليفة "ابو العباس" الذي دعى نفسه بالسفاح عام 749م ، والذي لم يرضى بأمويا على قيد الحياة فما أكتفوا بقتل الأحياء بل أنهم نبشوا القبور وأخرجوا جثث بني أمية ليحرقوها بالنار – إلا جثة "عمر ابن عبد العزيز " التي تركوها لحالها فلم ينبشوا قبره – بل قيل أن جثة "هشام أبن عبد الملك" وجدت سليمة رغم أنه مات عام 743 م أي بعد أكثر من ست سنين من دفنها - فقاموا بجلد الجثة وصلبها ثم أحرقوها بالنار - [ 1] وقد شهد الحد طائفة من المؤمنين ...
ولم ينجوا من بني "أومية" إلا عبد الرحمان بن معاوية أبن هشام أبن عبد الملك ابن مروان – وبلغ الأندلس ، فسمي بالداخل فبقيت الأندلس أموية في حين "تعبس" الشرق كله –
أما في حالة بني عباس وبعد قرابة الخمس قرون جاء الدور عليهم ليعيشوا محنة بني أمية ، فقد أهلك "هولاكو" كل ذرية بني العباس ولم ينجوا منهم أحد، فقتلهم جميعا شر قتلة.

** معضلة فراغ الخلافة من الخليفة .
أضطر هولاكو للرحيل أثر صراع داخلي بين التتار على السيادة – وترك قيادة ما تبقى من الجيش لـ "تابوغا" المتحمس ولكنه الأرعن المتهور – فكان للمماليك البحرية - مماليك الناصر نجم الدين أيوب - بقيادة "قطز" الغلبة على من بقي من جيش التتار في "عين جالوت" 1260م – ثم مات "هولاكو " فخلفه أبنه الأكثر ضعفا من "تابوغا" والمدعو "اباقا" فكسر على يد "بيبرس" فأنتهى تهديد التتار إلى حين –

هُزم التتار ولكن لم يعد للعباسين وجود – وضاع الحديث الذي ابتكره بني العباس وصدقه الناس عن الخلافة تبقى في بني العباس حتى يتسلمها منهم عيسى ابن مريم [2] .
ولم يخطر على بال المماليك، وما كانت الناس لتقبل بخليفة غير عربي وليس من بني هاشم وليس من بني العباس – وشعر "بيبرس" البندقداري – الذي صار "الظاهر بيبرس" سلطان مصر والشام بعد أن قتل "قطز" بأن الأمر لن يستتب له وهو مملوك إلا بتفويض ومباركة خليفة ..... أزمة الشرعية!! ( قضية الشرعية هي أحد محاور التاريخ الهامة والتي يصعب فهم حوادث الأزمنة الغابرة بمعزل عن فهم الشرعية التي يستتب معها الحكم - فالسلطان يحتاج لشرعية والشرعية من الله من خلال الاعتقاد الديني – قبل أن تصير الشرعية من الشعب صاحب السلطة وفق الدولة الحديثة).

فما أن ظهر أول مدعي بأنه من نسل بني العباس يتسول في الطرقات على نغمة : ارحموا عزيز قوم ذل !! - الفضفاضة المربحة – حتى دعى "بيبرس" جنده بإحضاره عام 1261م ، وعمل شهادات من النسابة له كما ادعى أنه "أبو القاسم" أبن الخليفة العباسي "الظاهر بأمر الله" (الخليفة العباسي الخامس والثلاثون والذي تولى الخلافة 10 شهور من 1225- 1226 م ) – ولا يملك شهادة من أحد أقاربه لأن جميعهم قد قتل، ولكن "بيبرس" الذي وجد فيه مبتغاه أجلسه على عرش الخلافة ولكن في القاهرة لا في بغداد ليبقى فقط محلل شرعي لسلطنته ولا دخل له لا بحكم ولا بسياسة وأسماه "المستنصر الله"– هو فقط زينة في المراسم الدينية يدعى له من على المساجد وينصب السلطان – وما بقي من الوقت فهو يمرح مع النساء ولا يبرح داره . وكل من ظهر بعده يدعي نفس الدعوى وقبل أن يحقق فيها يدق عنقه فلا تقوم في البلاد فتنة.

** هل كان العصر العباسي الرابع – خلافة حقا ؟!
العصر العباسي الرابع هو العصر الذي "حكم" أو بالأحرى جلس على عرش الخلافة – خلفاء عن بني العباس ، كما أدعى كبيرهم- ولكن حكموا من القاهرة – في الفترة الممتدة من 1262- 1517م .
ويجب أن نطرح السؤال أي خلافة كانت هذه ، وحق السماء ، ل "خيال المقاته" القابع في القاهرة لا يفعل شيئا غير أن يأكل ويشرب ويتبرز ويتبول وينكح .. له الخمر بسخاء، ومما لذ وطاب من طعام وشراب ونساء، وملكات اليمين أو بعضا من الغلمان ؟!! هل هذه هي الخلافة – لمجهول النسب لفاحش السلوك يتمتع فقط بما يجلبه اللقب من خير وعز على نفقة المغيبين من البسطاء والعوام ، ولتصب في صالح اصحاب المصلحة والباحثين عن الشرعية فيقهروا بالدين العباد ؟!! –

وكثرت في هؤلاء القصص التي روت عنهم انحلالهم ومجونهم فقد تفشى فيهم كل صور الشذوذ وعشق الغلمان ، وقبل المجتمع سرا كل انحرفاتهم ولكنهم منعوا الكلام فيه جهارا نهارا .. وكأن الفعل لا يشين ولكن الجهر به هو الجرم المشين في عقيدة المنافقين وفي بلاد التدين بالطقس واللباس والسبحة والزبيبة .. وإذا اضفت لهم لحية وسواك فانك والله لبالغ بهم مبتغاك .

فما كان لخلفاء بني العباس في القاهرة رأي بل هو الواجهة الشرعية التي يستمد المماليك على قفاهم شرعية حكمهم بل قل –وعلى الاخص في أخر عهدهم- نهبهم للبلاد والعباد .. فجاء سليم الأول من القبائل التركمانية، والذي ليس في دمه نقطة واحدة من دماء عربية ليرث خلافة بني هاشم - أموية كانت أم عباسية أم علوية .
وكان أخر قائمة الـ 22 خليفة جلسوا على خلافة المسلمين من قاهرة المماليك الذين ليس لهم على الحقيقة غير الاسم واللقب والدعاء باسمهم في المساجد ،كما سبق وأشرنا ، وكان الخليفة "محمد المتوكل على الله" والملقب "بالمتوكل على الله الثالث" .هو أخرهم عند مقدم بني عثمان .

ولما أنتصر "سليم الأول" على المماليك بقياده "قنصوة الغوري" في موقعة "مرج دابق" 1516م .. ثم وصلوا إلى المطرية بالقرب من عين شمس حيث كسر "طومان باي" المملوكي الذي تولى زمام الأمور بعد مقتل "قنصوة الغوري" ، أخذ مما أخذ معه هذا المدعو الخليفة إلى اسطنبول كجزء من المتاع المنهوب من البلاد ، ثم أقدم على ما لم يتفتق ذهن المماليك قبلا وهو أن يقيلة وينصب نفسه خليفة للمسلمين معا أنه ليس بعربي ولا من بني هاشم – ولكن عنده ما هو أهم من هذا وذالك وهو القوة والغلبة – فالخلافة لمن غلب ، وهي كذلك منذ أن أبتدعت – والناس على دين مَن غلب.

** ما فعل العثمانيين في مصر.
بعد الموقعة الفاصلة في "مرج دابق" توالت انكسارات المماليك عند الأهرام والريدانية وعين شمس .... إلخ ، حتى قُبض على "طومان باي" وشنق على "باب زويلة" في 1917م لتدخل مصر "بفضل" الجيش التركي والمرتزقة في سياج وحيازة الإمبراطورية العثمانية – التي ستسمى خلافة بعد ذلك –
وبعد أن عبثوا بالبلاد ونكلوا بالرجال وفضحوا النساء ولاطوا بالصبيان كما سجل المؤرخون ، وحسب ما جاء على لسان المؤرخ المصرى "محمد ابن إياس" فى كتابه "بدائع الزهور فى وقائع الدهور" : «أنه لم يقاس أهل مصر شدة مثل هذه» ووصل الأمر لوصفه أنه وقع فيها مثل ما وقع من جند "هولاكو" فى بغداد، وفى موضع آخر من الكتاب أنه «وقع فى القاهرة المصيبة العظمى التى لم يسمع بمثلها فيما تقدم»، و«من حين فتح عمرو بن العاص مصر لم يقع لأهلها شدة أعظم من هذه الشدة قط» هكذا يصف المؤرخ يوم دخول الأتراك العثمانيين أو ما يصفهم بـ «العثمانية» إلى مصر بقيادة سليم خان .

** شهادة التاريخ على جرائم بني عثمان.
أبن إياس المؤرخ المعاصر وشاهد العيان ، صاحب شهادة متميزة لعدة أسباب:
أولا : لأنه مصري - من أصول جركسية - .. فهو ينقل لنا ، وهذا نادر ، صوت المهزوم .. نعم ، فالتاريخ الرسمي يكتبه المنتصر ولكن أين صوت مَن أنكسر؟!! ... بقراءة النصيين لو توافرا يكون الحكم أقرب ما يكون للحقيقة.

ثانيا : هو معاصر للغزو التركي العثماني الغاشم الباطش على البلاد فأبن إياس توفى في عام 1523م أي بعد دخول هؤلاء الوحوش مصر بست سنين .. فقد رأى رؤية العين ما فعله هؤلاء بالشعب المصري المسكين.

ثالثا : هو كاتب متمكن من الكتابة ، عارف مثقفا ، مستوعبا للتاريخ متفقها فيه .. لا تحمله العاطفة الدينية للدروشة – ونحن مسلمين في بعض فلا بأس ما دام الفاضح لنسائنا والهاتك لعرضنا والأخذ مالنا وضاربنا على القفى ابن ملتنا أو أبن أمتنا أو أبن وطننا كما سيصير فيما بعد - بل هو وطني شريف أراد أن يسجل ما وقع كوثيقة تاريخية ، فلا تعدم هذه البلاد رجالا يستحقون كل التوقير والإجلال على ندرتهم.

رابعا : يمثل ابن إياس حاله فريدة لا تتكرر كثيرا ، فهو لم يسعى لأعطية ولا تقرب لحاكم منتصر - ورغم أنه من أصول جركسية إلا أنه لم يجمل وجه المماليك قبل كارثة آل عثمان - بل قال فيهم مقال "مالك" في الخمر - لقد كان مؤرخا موضوعيا بصرف النظر عن ميله ونسبه ونسبته - بل كان أصدق مصرية ووطنية من مشايخ الأجر من المصريين الأصل .. ولم يكتفي بالابتعاد عن النفاق والتطبيل ومضى لحال سبيله بل لم يصمت يوم الصمت .. ووعى أن الكلمة الصادقة مقاومة وواجب وشرف .. إن كلمة الحق لهي واحدة من اشرف الحروب .

فمن يقرأ ما فعله الأتراك في الشعب المصري فأنه يقدم باقة فل معطر للانجليز والفرنسيين بل وإسرائيل لو جمعوا ثلاثتهم كل جرائم حروبهم الاستعمارية وتنكيلهم بكل حركات المقاومة المسلحة والغير مسلحة بالمقارنة بهول ما فعله آل عثمان في مصر في سبيل تحقيق امبراطوريتهم التي اسموها خلافة إسلامية ، والتي اهتزت لسقوطها قلوب المصريين السذج من اسلاميين في طور البزوغ ، فكان لطمه على جبين شعور باطل بمجد لم يكن بأكثر من عار.

فقد نقل ألينا "ابن إياس" دخولهم بالخيل ساحة الأزهر ومسجد ابن طولون كما أنهم خربوا ضريح السيدة نفسية وداسوا على قبرها ، كل هذا شهده المؤرخ المصرى ورواه فى عز جبروت العثمانيين ما يجعل شهادته الأقرب للحقيقة ...
يقص "ابن إياس" فى الجزء الخامس من كتابه الذى يشبه اليوميات - "حوليات"- أن سليم خان ، كان رجلا سيئ الخلق سفاكا للدماء شديد الغضب، وروى عنه أنه قال: «إذا دخلت مصر أحرق بيوتها قاطبة وألعب فى أهلها بالسيف" (ص 150 ) [*]

فقد بلغت الاستهانة بالمصريين من جانب العسكر التركي أنهم كانوا يحضرونهم للتسلي بهم .. فيخلعون عنهم العمائم، ثم يعرونهم ويتركونهم يسيرون في الشوارع عراه حتى يذهبوا بيوتهم على هذا الحال .. ويمنعوا الناس أن تكسيهم ويستروا عوراتهم ..
ومما كتبه ابن إياس نصا الآتي : «جماعة من العثمانية صاروا يمسكون أولاد الناس من الطرقات ويقولون لهن أنتم جراكسة فيشهدون عندهم الناس أنهم ما هم من المماليك فيقولون لهم: اشتروا أنفسكم من القتل فيأخذون منهم حسبما يختارون من المبلغ، وصار أهل مصر تحت أسرهم.. فانفتحت للعثمانية كنوز الأرض بمصر من نهب وقماش وسلاح وخيول وبغال وجوارى وعبيد وغير ذلك من كل شيء فاخر" (ص 148).

ومما يرويه لنا ابن إياس أن العثمانيين وبعد أن اعطوا عهد الأمان ، ودعي لهم من على المساجد إلا أنهم لم يشفوا غليلهم من القتل والفتك والهتك برقاب العباد وأعراضهم حتى أنه في واقعة واحد لفرقة منهم عند منطقة تدعى الوطاق بالريدانية يقول : " فلما كثرت رءوس القتلى هناك نصبوا صواري وعليها حبال وعلقوا عليها رءوس من قتل [...] حتى قيل قتل في هذه الواقعة أربعة آلاف إنسان، ما بين مماليك جراكسة وغلمان ومن عربان الشرقية والغربية وصارت الجثث مرمية من سبيل علان إلى تربة الأشرف قايتباي ، فجافت منهم الأرض وصارت لا تعرف جثة [فلان من فلان] وهم أبدان بلا رءوس " (ص 149)

وعند دخولهم القاهرة " إن العثمانية طفشت في العوام والغلمان من الزعر وغير ذلك ، ولعبوا فيهم بالسيف ، وراح الصالح بالطالح ، وربما عوقب من لا جنى، فصارت جثثهم مرمية على الطرقات من باب زويلة إلى الرملة ومن الرملة إلى الصليبة إلى قناطر السباع إلى الناصرية إلى مصر العتيقة ، فكان مقدار من قُتل في هذه الواقعة من بولاق إلى جزيرة الواسطى إلى [...] فوق العشرة آلاف إنسان في مدة أربعة أيام " (ص 156).

" أن ابن عثمان خرج من مصر وبصبحته ألف جمل محملة ما بين ذهب وفضة، هذا خارج عن ما غنمه من التحف والسلاح والصينى والنحاس والخيول والبغال والحمير وغير ذلك حتى نقل منها الرخام الفاخر وأخذ منها من كل شيء أحسن ، ما لا فرح به آباؤه ولا أجداده من قبل أبدا، وكذلك ما غنمه وزراؤه من الأموال وكذلك عسكره، فإنه غنم من النهب مالا يحصر". ولم يخرجوا من مصر إلا ومعهم أمهر العمال المصريين الذين اجبروا على السفر لاسطنبول ... "حتى توقفت 50 حرفة في مصر " (ص 207)

" وأما عساكره فكانوا جيعانين العين نفسهم قذرة [...] وعندهم عفاشة في أنفسهم زائدة وقلة دين ، يتجاهرون بشرب الخمر في الأسواق بين الناس ، ولما جاء عليهم شهر رمضان فكان غالبهم لا يصوم ولا يصلي في الجوامع ولا صلاة الجمعة [...] ولم يكن عندهم أدب ولا حشمة [....] وهم همج كالبهائم " (ص 208 )

"ثم تزايد منهم الفساد حتى صاروا يخطفون النساء والصبيان المرد ، وعمائم الناس من الطرقات والأسواق والأزقة في النهار والليل ، وصاروا الناس على رءوسهم الطير من العثمانية ، ويجدون القتلاء مرمية في الطرقات" (ص 233)

"ولم تقاس اهل مصر شدة مثل هذه قط ، إلا أن كان في زمن البخت نصّر [نبوخذنصر] لما أتى من بابل وزحف على البلاد بعساكره وأخربها وهدم بيت المقدس ، ثم دخل إلى مصر وأخربها عن آخرها وقتل من أهلها مائة ألف ألف ألف إنسان ، حتى أقامت مصر أربعين سنة وهي خراب ليس بهاد ديار ولا نافخ بنار ، فكان النيل يطلع وينفرش على الأرض ويهبط فلا يجد من يزرع الأرض عليها ولا ينتفع به ، [.... ] ثم وقع مثل ذلك في بغداد في فتنة هولاكو ملك التتار لما زحف على بغداد وأخربها وحرق بيوتها ، وقتل الخليفة المستعصم بالله وقتل أهلها ، واستمرت بعد ذلك خرابا إلى الآن. فوقع لأهل مصر ما يقرب من ذلك : ومازالت الأيام تبدي العجائب." (ص 175).

فنظم أبن إياس فاجعته شعرا فقال :
نوحوا على مصر لأمر قد جرى .:. من حادث عمت مصيبته الورى
زالت عساكرها من الأتراك في .:. غمض العيون كأنها سنة الكرى
الله أكبر إنها لمصـيبـة .:. وقعت بمصر ما لها مثل يُرى
لهفي على عيش بمصر قد خلت .:. أيامه كالحلم ولى مدبرا

فلا أعرف غير الجهل من العوام والتزوير من أنصاف العارفين من قال ودافع عن خلافة بني عثمان – الذين هم ليسوا بعرب وليسوا من بني قريش – فلا شرعية لهم في الخلافة – بل هم تولوا الخلافة عن نسل متسول بغير نسب ولا شهادة عدول بل نسبوه لمصلحة وغاية - دعي مدعي أنه من بني العباس –
فأخرهم قد قتل على يد هولاكو – ومَن جاء بعده لم يكن إلا محللا لسلطان المماليك ، وفي كل الأحوال لم يكن له من الخلافة إلا الاسم – حتى انتزعها المغتصب بغير حق ، بني عثمان من البرابرة التركمان ، ممن لا أهل لها من مدعي الإنتساب لآل عباس !!
فمن هو غير الاحمق الذي يمكنه أن يبكى على سقوط خلافة بني عثمان عام 1924م ؟ - فما بالك لو كان هذا الأحمق مصري وجهل ما فعله بني عثمان وسليم خان في مصر وأهلها إن كان يعتبر أهلها جدوده الأكرمين – سليم خان التركماني القادم من أسيا الوسطى مثل أبناء عمومته الجلاسقة والتتار ، والذي سيصير الخليفة على شعب مصر ، مصر التي غزاها فنكل بشعبها أشد التنكيل وجعل منها زيل الأمم ومستنقع الجهل والفقر والوباء لثلاث قرون عجاف!! –

فهل بكينا على زوال مستعمر بغيض وقح فقط لأنه أدعى الإسلام والخلافة ؟ وما مبرر بني عثمان لغزو مصر هل لم يكن المماليك مسلمين مثلهم ، وهل لم يكن شرع الله مطبق في مصر فجاءوا لتطبيق حدود الله ؟! - كم نحن سفهاء يا بني وطني فمتى ندرك أن الأمر كله لم يكن خلافة ودين بل سلطان وجشع ، وصراع بين الفجار على من يغشينا ويمتطينا ملك يمين.
=---------
[*] - الاقتباسات الواردة في هذا المقال عن النص الأصلي لتاريخ "أبن إياس" المعروف بـ "بدائع الزهور في وقائع الدهور" الكتاب السادس / الجزء الخامس تحقيق محمد مصطفى – إصدار الهيئة المصرية العامة للكتاب 1984م
[1] - "ثم نبش قبور بني أمية فلم يجد في قبر معاوية إلا خيطا أسود مثل الهباء، ونبش قبر عبد الملك بن مروان فوجد جمجمته، وكان يجد في القبر العضو بعد العضو، إلا هشام بن عبد الملك فإنه وجده صحيحا لم يبل منه غير أرنبة أنفه، فضربه بالسياط وهو ميت وصلبه أياما ثم أحرقه ودقَّ رماده ثم ذره في الريح،" البداية والنهاية - لأبن كثير - /الجزء العاشر/صفة مقتل مروان . وكذلك مروج الذهب للمسعودي الجزء الثالث ص 219.
[2] - تاريخ العرب –فيليب حتي ص 354 – دار غندور للطباعة والنشر – ابن الأثير ج3 ص33 – ابن الأثير ج5 ص 318 .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إيهود باراك: إرسال نتنياهو فريق تفاوض لمجرد الاستماع سيفشل ص


.. التهديد بالنووي.. إيران تلوح بمراجعة فتوى خامنئي وإسرائيل تح




.. مباشر من المسجد النبوى.. اللهم حقق امانينا في هذه الساعة


.. عادل نعمان:الأسئلة الدينية بالعصر الحالي محرجة وثاقبة ويجب ا




.. كل يوم - الكاتب عادل نعمان: مش عاوزين إجابة تليفزيونية على س