الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مقدِّمة :في العلم والتاريخ من أجل تغيير العالم - حوار مع جورج لابيكا

حسان خالد شاتيلا

2015 / 12 / 29
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


جــــــورج لابـيكا
 حسان خالد شاتيلا                                    
 
 
 
 
 
        في العلم والتاريخ من أجل تغيير العالم  -  حوار مع جـورج لابــيـكا
 
 
 
 
 
 
                  أجرى الحوار ومهَّد له
                       حسان خالد شاتيلا
  
 
 
 
 
 
                     جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة الحوار المتمدن
 
 
 
 
 
 
 
 
                                  إهـــــــــداء  إلى:                                
                                  جـورج إبراهــيم عــبد اللـه
                                  هــيثم نعــال
 
  
"إذا كانت الطبقة العاملة قد تلاشت كما يزعمون، فلماذا إذن تراها تتلقى الضربات كلها ملء وجهها ... إن الشيوعية هي الترياق الوحيد، والمضاد الوحيد للسموم، والعلاج الوحيد، والبديل الوحيد لمجتمع الاستغلال وللرأسمالية التي تفتقد دوما إلى الوجه الإنساني. إن معذبي الأرض كلهم يعرفون ذلك. هم الذين ما انفك عددهم يتكاثر، وما انفك أيضا عذابهم يشتد. الدينيئون الأوغاد وحدهم ليسوا إلى جانبهم. وعلى هذا النحو ترانا نتعرَّف على الأرزال المنحطِّين".
     
                                                       جورج لابيكا     
                                            من كتابه: الديمقراطية والثورة
 
 
 
 
 
 
 
  
                                  فهــرســت الـكــتاب
 
                                 الفصل الأول:
                                مــقـدِّمــــة
أولا: جورج لابيكا: في النظرية والممارسة، مقاربة مادية لنظرية الإحداث في      أعماله, بقلم حسان خالد شاتيلا:
1-             مقاربة تمهيدية للنظرية والممارسة
2-              المادية التاريخية قطيعةٌ ثورية مع الفلسفة والمعرفة محض النظرية:أولوية السياق التاريخي
3-              المادية التاريخية ثورةٌ سياسية مضادة للمعارف المثالية والمنطقية والتجريبية و(العلمية)
4-              الشيوعية هي هدف الماركسية
5-              الأولوية للسياق الموضوعي والممارسة
6-              الوقفة النظرية، من التلقائية والعفوية إلى المعرفة العلمية
7-              براكسيس غرامشي مٌلتَبَس
8-              من هو جورج لابيكا
9-              الشيوعية من حيث هي الحركة الواقعية للثورة
10-            هوامش
 
ثانيا: ستاتيس كوفيلاكيس
ثالثا: جورج لابيكا، أو نقد نظرية البراكسيس، بقلم حسان خالد شاتيلا
رابعاً: جورج لابيكا، الماركسية بلا معلم أو مدرسة، بقلم حسان خالد شاتيلا
 
                              الفصل الثاني:
             الماركسية هي الرد الوحيد لتغيير عالمنا اليوم
أولا: العولمة بوصفها العامل المقرِّر وإطار للعالم، أو الواقع في السياسة من حيث هو ما لا يرى بالعين المجردة.
1-  ما هو دور الوعي في عالمنا المثير لحلات كثر من الاستلاب
2- ما هي إمكانيات المقاومة المتاحة اليوم لمواجهة الإمبريالية
3- يقال إن عصر العولمة هو بمثابة عودة الإنسانية إلى العصر الوحشي بعدما صادرت الوعي النقدي والسياسة، ومن هو المسؤول عن التقهقر الشامل للإنسانية؟
ثانيا: الولايات المتحدة الأمريكية، ومناهضة الشعوب للإمبريالية.
1-    ما هو دور الولايات المتحدة الأمريكية في عصر العولمة النيوليبرالية أو الإمبريالية كما تسميها؟
2-    ما هي برأيك الحالة النضالية في وقتنا الراهن؟ وما الذي آلت إليه؟ وكيف نناضل؟
ثالثا: أزمة البرامج المناهضة للإمبريالية في العهد القمعي للعولمة الليبرالية
1-    هل البرامج المناهضة للعولمة النيوليبرالية في آزمة؟
2-    كيف أنت تصنِّف القوى المناهضة للعولمة النيوليبرالية، وأي مستقبل تحرُّري يرجى من وراء نضالها؟
3-    هل المقاومة في العراق تندرج في سياق مناهضة الإمبريالية؟
4-    - كيف لنا أن نقاوم العولمة ال
5-    نيولييرالية ونفنِّد أيديولوجيتها بدءاً من مفهوم الإرهاب من حيث هو إحدى الأدوات الأيديولوجية؟
رابعاً: العولمة النيوليبرالية تهدِّد الإنسانية بالفناء، فما هو البديل
1-    ماهو البديل للعولمة النيوليبرالية؟
2-    بلغت قيمة الاستثمارات الأجنبية التي دخلت إلى الصين في العام 2006 حوالي 60 مليار دولار.
3-    هل أنت تعتقد أن النظام الرأسمالي يتعايش بوجه الإمكان مع تقليص النمو؟ أم أن الثورة هي الرد الوحيد على المجتمع الاستهلاكي؟
خامسا: رد الاعتبار للثورة:
1-    ماذا عن رد الاعتبار للثورة؟
2-    ألم تلهث حركة مناهضة العولمة؟
3-    تقلُّص حركة مناهضة العولمة منذ العام 2004 !!
4-    حزب الله سيحكم على نفسه بالعزلة إذا بقي أسير الطائفة والعلاقات الإقليمية. ما رأيك بمستقبل المقاومة؟
5-    هل مقاومة الإمبريالية مجدية بدون أممية شيوعية جديدة؟
سادساً: الدين من حيث هو مبرِّر للسياسة، وأنت تقول من الأسهل على الإمبريالية أن تحارب الثقافة من أن تهزم الصراع الطبقي:
1-    هل يجوز برأيك اعتبار الأصوليين الذين يحملون اليوم السلاح ضد الأمريكيين في العراق حركة معادية للإمبريالية؟
2-    ألم يظهر الإسلام السياسي من حيث هو معاد للثقافة الغربية، ثقافة ضد ثقافة؟
3-    لماذا فشل اليسار حيثما حاول في الوطن العربي تشييد دولة ومجتمع اشتراكي؟
سابعاً: الماركسية هي الجواب للرد على الإمبريالية والعولمة النيوليبرالية
1-    كيف لهذه الحركات المتعددة مقاومة الإمبريالية والنضال ضد النيوليبرالية إذا لم يتوفَّر لها تنظيم مركزي يَجمع ما بين هذه الحالات؟
2-    ألا تعتقد أن الوضع الدولي غير مؤاتٍ حاليا للجمع بين القوى التي تَعْتَبِر الماركسية مرجعا لها؟
3-    أنت تقول إن اصراع الطبقي إذا هو لم يَنْدَرِج في السياق الأممي المناهض للإمبريالية، فإن الرأسمالي ستقضي علينا الواحد تلو الآخر
4-    كيف تُعَرِّف اليوم العامل البروليتاري؟ ألم يَخضَع هذا التعريف لتحوُّل واسع منذ القرن التاسع عشر؟
5-    أنتَ تحدَّثتَ عن الماركسية بصفتها النظرية الوحيدة القادرة على فهم العالم الحالي وانتقاد النظام الرأسمالي. هل لك أن توضِّح هذا الرأي؟ وما الذي آلت إليه الماركسية اليوم في الممارسة الثورية؟
6-    لعل ما تفتقر إليه الماركسية كي تحيي الثورة بقوة وتجدِّدها هو ظهور رجل ما عن طريق الصدفة يستطيع أن يحدِّد العلاقة ما بين النظرية والممارسة، قائد من أمثال لينين وروزا لوكسمبورغ
7-    يقتصر اليوم انتساب العمال إلى النقابات العمالية  في فرنسا على 10 بالمائة منهم،  كان عددهم غداة الحرب العالمية الثانية نحو خمسة ملايين عامل، في ما هو يقتصر اليوم على خمسمائة ألف فقط
8-    ماذا عن حزبٍ معادٍ للرأسمالية في فرنسا يحل محل "العصبة الشيوعية الثورية" ويضم الأحزاب الشيوعية كلها؟
ثامنا: في نظرية العنف   
1-    هل من وسيلة لمحاربةالإمبريالية بدون اللجوء إلى العنف؟
2-    هل تستطيع تغيير المجتمع البورجوازي بدون اللجوء إلى العنف؟
3-    هل نحن نبني استراتيجية تغيير للمجتمع البورجوازي بناءً على برنامج سلمي فقط حتى لو قاد الأمر إلى تزييف المجتمع؟
4-    أنت تدافع اليوم عن جورج إبراهيم عبد الله وأكسيون دديريكت (العمل المباشر: منظمة يسارية ثورية دعت إلى حمل السلاح، أسوة بالألوية الحمراء في إيطاليا، وعصبة بادر في ألمانيا، وذلك في نهاية السبعينات ومطلع الثمانينات)
تاسعاً: إسرائيل صنيعة الإمبريالية، والفلسطينيون ضحية لنظام الإبادة
1-    ماهي الوقفات التي تريد أن تسلِّجها اليوم في ما يتعلق بتاريخ القضية الفلسطينية وتطورها؟
2-    تتخطى الحالة الفلسطينية نظام التمييز العنصري إلى نظام الإبادة
3- إني أوُجِّه إليك سؤالا يستدعى منك ثلاثة أجوبة: لمَّا كانت إسرائيل صنيعة الإمبريالية كما أنت تقول، وهي تمارس دورة الأداة بيد الإمبريالية، فهل السلام ممكن في مثل هذه الحال؟ وهل الدولتان مرشحتان للحياة والتعايش؟ وفي مثل هذه الظروف أليس حل الدولة الواحدة العلمانية الديمقراطية هو الحل الوحيد الممكن؟
 
                    الـفصـــل الــثالـث:
                    المـاركـســـية الــثـوريــة
                    لـيـســـت هـي نـفـســها المـاركـســـية الأكــاديـمــية
أولا: الفلسفة لن تنتهي من فهم العالم
1-    إننا لا نفهم العالم إلا عبر تغييره، أما أن نفهمه من أجل تغييره، فإنه، حينذاك، يتحوَّل إلى مقاربة مثالية وأكاديمية في آن
2-    ألتوسير يسوعي النشأة والتربية، وتلقَّى تعليمه في المدارس اليسوعية، وأحب المعرفة محبة اليسوعيِّن لها
3-    أنت منذ وفاته تمتنع عن الحديث عنه
4-    أنت تحدثت عن الماركسية المدجَّنة. هل أنت تَعْتَبِر مدرسة فرانكفورت شكلا من هذا التدجين؟ ومن أية نقطة من أعمال ماركس وإنجلز هي انبثقت؟
5-    كيف تصنّف إذن أعمال فريدريك جيمسون؟
6-    ما الذي فقدته مدرسة فرانكفورت من الماركسية مع هابرماس في ما يتعلق بالتواصل؟
 ما هي النصوص من أعمال ماركس وإنجلز التي تُعتبر مرجعا في ما يتعلق بتأسيس مدرسة فرانكفورت؟
7-    ما هي النصوص من أعمال ماركس وإنجلز التي تُعتَبَر مرجعا في ما يتعلق بتأسيس مدرسة فرانكفورت؟
8-    هل لمدرسة فرانكفورت معادل في الشارع المدرسة، أم هي سجينة المدرجات الجامعية؟
9-    باستثناء جامعة باريس العاشرة (نانتير) وجامعة باريس الثامنة (سان دوني) من هي الجامعات في فرنسا التي تدرِّس لينين؟
10-       أنتً كنت آخر من درَّس لينين في الجامعات الفرنسية؟
11-       لقد درَّست أنت لينين في جامعة باريس العاشرة في السبعينات والثمانينات
ثانيا: الصلة ما بين الماركسية ونظرية المعرفة(الإبستمولوجيا): الماركسية قادت إلى القطيعة ما بين النظرية والممارسة
1-    الماركسية ليست نظرية للمعرفة، أو هي تفتقد إلى نظرية المعرفة. والمعرفة في الماركسية هي جدل النظرية والممارسة، وأزمتها التي لم تبارحها قط منذ اليوم الأول متأتية من افتنقادها للإبستمولوجيا، فكيف نجحت إذن الماركسية في الاستمرار على قيد الحياة، والتعايش مع أزمتها المعرفية هذه؟
2-    على مدى خمسين سنة صادر الحزب الشيوعي الماركسية. وكانت لديه عشرات الأجهزة الثقافية والإعلامية وغيرها بما يخوِّله أن يضع يده على الماركسية، مجلاتٍ وصحفٍ ومراكز للدراسات. إلى أن جاءت السبعينات وظهرت مجلة "دياليكتيك" التي كانت أبعد ما تكون عن الماركسية الأكاديمية، بل كانت السلطة المضادة لأجهزة الحزب الثقافية وتبحث عن بديل للإستراتيجية السياسية، وتجدِّد في مجال العلاقة ما بين الصراع الطبقي والعمل السياسي. وفي هذه الفترة ظهر الكتاب الجماعي الذي ينتقد فيه موقف الحزب من المثقفين، وأنت أحد المساهمين في مقالاته: "افتحوا النافذة يا رفاق"(12). كما ظهر في الوقت نفسه كراسا لويس ألتوسير في المنحى نفسه: "ما لا يجب أن يستمر في الحزب الشيوعي"(13). وهذه المرحلة تتميِّز بأهميتها في تاريخ الماركسية الفرنسية، طالما هي تُعلن عن ظهور ماركسية ثالثة، لا هي ماركسية الحزب، ولاهي ماركسية الجامعات، بالأحرى هي حركة لمثقفين ماركسيين منخرطين في الممارسة.
3-    من أية مصادر يأتي المثقف النقدي؟
4-    أليس المثقف النقدي تطوراً لمصطلح المثقف الملتزم، بالمعنى الذي كان سارتر يقول به. ألم يأت مصطلح المثقف النقدي ما بعد سارتر؟
5-    هل شاع استخدام مصطلح المثقف النقدي في الستينات والسبعينات من القرن الماضي؟
6-    بهذا المعنى، فإن المثقف هو بالضرورة يساري، ولا وجود إذن للمثقف اليميني
7-    ما هي الرسالة التي تستخلصها من معايشتك للأعمال الماركسية من جهة، ومن الماركسية من جهة ثانية، من حيث هي حياتك في الوقت نفسه؟
8-    ماهي الخلاصة المكثَّفة التي تُستخلص برأيك من الماركسية
ثالثا: الماركسية من حيث هي علم: موضوعه التاريخ، منهجه مُبتكر دوما، مصدره متجدِّد، والمرجعية العلمية ليست ثقافية
1-    أن جدل النظر والعمل يَذهب إلى نظريات وممارسات لا حصر لها. وهنا تكمن الأزمة في الماركسية والتي لم تبارحها منذ اليوم الأول لولادتها.
2-      إذا كانت الماركسية علماً، فإن هذا يقودنا إلى استنتاجٍ مؤدَّاه أن الماركسية منهج، وهذا يقود بدوره إلى انحراف منهجي للماركسية مشابه للانحراف الفلسفي والمنطقي، إلخ.   
            3 - ماهي مصادر الماركسية؟ الصراع الطبقي في فرنسا، والترودونيونات أو المنظَّمات العمالية   في      بريطانيا، والحركة العمالية في ألمانيا؟ أم هي الاقتصاد السياسي، والفلسفة الألمانية، والاشتراكية الفرنسية، وليست نتاج دياليكتيك التاريخ وتناقضاته، وعلى رأسها الصراع الطبقي، وبوجه خاص في فرنسا                                                                                                                                                            
                                                                                                            
4-    إن الخروج من الفلسفة إلى التاريخ والصراع الطبقي والعلم كما تبيِّن أنت في عملك "الوضع الماركسي للفلسفة" (22) لدى ماركس لم يأت بطبيعة الأمر عن هيجل، بل كان نتاجاً للصراع الطبقي في فرنسا. وأنت في هذه الصدد تعتمد على عبارة "المخرج" Ausgang من الفلسفة ومن ألمانيا إلى التاريخ والصراع الطبقي، التي تتردَّد في الأيديولوجيا الألمانية (23). هذا المخرج من الفلسفة حسب ما جاء في أعمالك يعنى أن الصراع الطبقي الذي اجتاح أوروبا في نهاية القرن التاسع عشر هو الذي أنتج الماركسية. الماركسية نتاج المخرج من الفلسفة الألمانية والاقتصاد السياسي البريطاني والاشتراكية الفرنسية، فهي ليست بهذا المعنى نتاج للمصادر الكلاسيكية الثلاث التي تحدَّث عنها لينين. وبهذا المعنى فإن لينين يخطىء بيداغوجيا عندما يتحدَّث عن المصادر الثلاثة لأن مصادره هذه ثقافية، أي أنه يوغل في الستالينية طالما هو يوغِل في تقليد مثالي للماركسية. وهو الأمر الذي يحمل بعض الماركسيين أو كثرٌ منهم على الاعتقاد بأن الماركسية نتاج تركيب للمراجع الثقافية إياها، وليست نتاج دياليكتيك التاريخ وتناقضاته، وعلى رأسها الصراع الطبقي، وبوجه خاص في فرنسا 
5-    إن المصادر الثلاثة لا تُفضي بالضرورة إلى تركيب ما هو أصيل لدى ماركس، أي الصراع الطبقي، وإنما إلى ما هو مثالي لدى ستالين.
رابعا: الماركسية علم أم فلسفة، لابيكا وألتوسير: المَخْرَج أم القطيعة مع الفلسفة؟      
1-  فلسفة ماركسية أم علم ماركسي؟   
2-    أي حيُّز أنت تشغل في الماركسية الفرنسية والعالمية؟
3-    عندما وَجَّهت إليك سؤالاً حول ما إذا كانت تسمية "فيلسوف ماركسي" تصح للتعريف بمن يَعمل في مجال الماركسية، فإني كنت أفكِّر بالسؤال الذي كان وُجِّه إلى إنجلز لمعرفة كيف يُعرِّف أعمال ماركس وإنجلز. وكان قَدَّم جوابا عن هذا السؤال تعريفا ثلاثيا: نقد الاقتصاد السياسي، والصراع الطبقي، والاشتراكية العلمية. فالأجوبة إذن بعيدة عن الفلسفة. بيد أن مصطلح الفلسفة الماركسية، مع ذلك، هو الشائع أكثر من غيره.
4-    لا مناص إذن من الفلسفة، فما هو رأي الماركسية والماركسيين؟
5-    ما الذي يتبقى على أرض الواقع من هذه الإشكالية. 
6-    وكان إنجلز كريما.
خامساً:  الـوضــع المـاركســـي للفـلســــفـة: الفلسفة إيديولوجية بالتربيع
1-    لقد عُنيتَ أنتَ بالوضع الماركسي للفلسفة، أو ما آلت إليه الفلسفة في أعمال ماركس، وذلك على نحو ما يَتبيَّن بوجه خاص في عملك "الوضع الماركسي للفلسفة"(36). ما هي القراءة الجديدة التي أَتيتَ بها لأعمال ماركس وإنجلز في ضوء رؤيتك للوضع الماركسي للفلسفة؟ أنت تقول إن الماركسية خَرَجَت من الفلسفة، عنها وعليها. فهي قَفَزَت من الفلسفة الألمانية إلى العلم، وعلم التاريخ بوجه خاص.
2-    لقد جاءت أجيال متعاقبة إلى الماركسية عبر تدريس الفلسفة في  الجامعات. وعايشت أيضا هذه الأجيال نمطا من الماركسية كان يزعم أن بحوزته أجوبة على كل الأسئلة. إلى أن جاء جيل من الماركسيين يضع الماركسية خارج الفلسفة. وبالرغم من ذلك، فإن الماركسية ليست معزولة خلال العقود الأخيرة عن التدريس الجامعي، وهي وليدة الممارسات المجتمعية والسياسية والثقافية والنظرية، وليس الصراع الطبقي وحده. الأمر الذي يضع بصورة متجددة علاقتها بالفلسفة موضع سؤال وبحث.
3-    كيف تقرأ ماركس؟ أنت كلينيني ترى في ماركس وإنجلز حزبيان، وهما يدركان المجتمع ويمارسان السياسة من حيث هما حزبيان، ويعبِّران عن فكر الحزب.
 
4-    إن تعبير "نقد" منتشر في أعمال ماركس وإنجلز. كيف أنت تعرِّفه؟
5-    ما هي العلاقة ما بين الدياليكتيك والتاريخ. هل الأولى مقولة علمية موازية للتاريخ، تسبقه من حيث المعرفة، وتوجِّهه؟ هل يمكن الفصل ما بينهما على وجه الموازاة مابين الاثنتين أو باعتبار أن إحداهما مكمِّلة للثانية؟
6-    هل هي نهاية الفلسفة ككل بدون تميِّز ما بين الفلسفات، أم هي نهاية الفلسفة التأملية النظرية فقط؟ إن الفلسفة تبدو في أعمال ماركس وإنجلز خصما للبروليتاريا، ومن إنتاج البورجوازية الصغيرة، برونو باور، ستيرنير، فويرباخ، وبرودون. هل تتسع الماركسية لفلسفة ليست من نتاج البورجوازية الصغيرة؟
7-    ألا يوجد حيِّز ما للفلسفة ضمن المادية التاريخية يتيح اكتساب المعرفة من حيث هو فلسفة محضة؟ وهل مصطلح المادية التاريخية كاف بحد ذاته لتعريف الماركسية كعلم؟
8-    ألا تأخذ الفلسفة مكانا ما لها ما بين العلم والمعرفة،  وما بين العلم والإيديولوجية؟
9-    ماهي العلاقة إن وُجِدَت ما بين البراكسيس وفكر الحزب، أم أن البراكسيس من حيث هو جدل النظر والعمل ينحصر فقط في مجال المعرفة؟ أنت تقول في "الوضع الماركسي للفلسفة" أن ماركس ما بعد "أطروحات فويرباخ" يَجمَع في فكر واحد ما بين المادية والاشتراكية والثورة، أو هو بتعبير آخر يفكر في هذه الموضوعات معا دون أن يفصل ما بينها.
10-                 لماذا تُسَجَل "ا؟لإيديولوجية الألمانية" نقطة العبور من ماركس الشاب إلى ماركس الراشد؟
11-                 ما هي العلاقة ما بين المَخْرَج من الفلسفة حسب ما تقول به أنت، والقطيعة الأبستمولوجية التي جاءت في أعمال ألتوسير؟
سادساً: التمييز ما بي المادة والفكر يقود إلى حيِّز من المطان غير موجود:
1-    تتمة لابيكا وألتوسير
2-    تبدو الأيديولوجيا وكأنها مقولة ثالثة إلى جانب الزمان والمكان لا يستقيم إدراك وعلم بدونها.
3-    حتى الزمان والمكان لا يفلتان من الأيديولوجيا.
4-    أنتَ تقول إن التاريخ هو نفسه الدياليكتيك، أليس الفكر نفسه جدليا؟ علما أن الفصل ماببين الفكر والتاريخ يقود إلى حيِّز من المكان غير موجود إن في التاريخ أو في الفكر، أو في آي مكان آخر.
5-    هل يتضمن الفكر مقولات التناقض؟ فإذا كان الجواب إيجابيا فإن المنطق الدياليكتيكي، أو الدياليكتيك من حيث هو منطق، أمرٌ مسوغ علميا. وفي مثل هذه الحال، فإن الدياليكتيك لايكون ماثلاً في التاريخ فحسب، وإنما في الفكر نفسه، وفي منطق العلم.
سابعا: المادية الدياليكتيكية والمادية التاريخية، الفصل ما الماديتين الاثنتين يقود إلى الستالينية
1-    الصلة ما بين الجدلية من حيث هي منطق من جهة، والتاريخ من حيث هو مادة من جهة ثانية،  تقودنا إلى الحديث عن العلاقة ما بين المادية التاريخية والمادية الجدلية.
2-    المادية الدياليكتيكية هي إذن نِتاج المادية التاريخية، وليس النقيض.
3-      الفكر إذن قوة مادية.
4-    عندما يقلب ماركس المنطق الهيجلي فإن الجدل بعد قلب المنطق يصبح جدل الفكر أم جدل التاريخ؟ ماركس على قطيعة مع هيجل، فما الذي يبقى من هيجل لدى ماركس بعدما يقلب ماركس المنطق الهيجلي؟ ثم هل جاء قلب المنطق عبر مسار فكري فلسفي، أم عبر صراع الطبقات؟
5-    إن هيجل موجود بصورة واسعة ومنتشرة في أعمال ماركس، أليس كذلك؟
6-    ألا يأتي هذا التقسيم بين المادية التاريخية والمادية الدياليكتيكية من الماركسية التي انتقلت إلى روسيا على يد هيجيليين من أمثال بليخانوف (43؟
7-    ألا يعود ستالين إلى الأصول المثالية التي كانت تسلَّلَت  إلى روسيا مع دخول الماركسية إليها عبر بيلخانوف؟ أليست هذه المثالية ضاربة الجذور في الماركسية الروسية؟
8-    هل عَرِف الماركسيون الأوائل في روسيا لابريولا وكروتشيه؟
9-    ألم يكن لابريولا مثاليا؟
10-                   هل نستنتج من ذلك أن الماركسية في روسيا من حيث بدايتها كانت تأثَّرت بالهيجيلية التي عادت لتظهر مجدَّدا لدى ستالين.
11-                   الصراع الطبقي هو المَصْدَر في مسار ماركس وإنجلز مقارنة بالماركسية الروسية التي لا تخلو من مصادر مثالية وفلسفية، أليس كذلك؟
ثامنا: تفنيد لنظرية الانعكاس:
1-    في عملك "الوضع الماركسي للفلسفة" تظهر فكرة مساري المعرفة والتاريخ. إنهما غير متوازيين. وهذان المساران يفنِّدان نظرية الانعكاس. فالفكرة لا تسير بصورة موازية للحدث التاريخي. إن للفكرة زمانها، وللحدَث التاريخي زمانه.  وليس بين الفكرة والحدث صلة ميكانيكية. وثمة أيضا علاقة ما بين الفكر الذي يأتي ما بعد العمل، كعلاقة الليل، حيث يحين وقت التفكير، بما كان أُنْجِزَ من عمل خلال النهار، حسب الاستعارة الشهيرة لهيجل في بومة مينيرفا، والتي عاد ماركس وأخذها عن الأول. إن العمل يسبق الفكر. والعلاقة ما بينهما ليست متوازية. بل إن المفارقة هي التي تغلب على العلاقة ما بين الاثنين. ومن أوجه هذه المفارقة أيضا أن الإنسان – حسب ما يقول ماركس في "الأيديولوجيا الألمانية" – مفتاح القرد.
2-    - كيف نُفِنِّد إذن نظرية الانعكاس؟
تاسعاً نظرية الإدراك ما بين الماركسية والفِينومينولوجيا
1-    إن دياليكتيك الإدراك يقودنا إلى الفينومينولوجيا (علم أو مذهب الظاهريات). إذ أن كل وعي هو وعي بشيء، فلا وجود للوعي بدون المادة من حيث هي موضوع الإدراك ومادته. والماركسية تَفتَقِد إلى نظرية في الإدراك. ولعل  موريس ميرلو بونتي (50) Maurice Merleau -Ponty يسد هذا النقص. وهو الأقرب الى ماركس من حيث ماديته؛ أليس كذلك؟
2-    ونظرية الغيشتالت (الشكل) (53)Théorie de la forme    أليست مادية؟
ماركس وإنجلز متكاملان
1-    إنك تولي اهتماما خاصا بإنجلز، وتدعو إلى دراسة أعماله ومنحها مكانة مساوية لأعمال ماركس. وهذا جديد في البيداغوجيا الماركسية.
2-    - كيف تميِّز ما بين ماركس وإنجلز، وكنتَ في السبعينات والثمانينات تقول إن مادية إنجلز أكثر تشدُّدا من مادية ماركس؟
3-    إنجلز متأثِّر أكثر من ماركس بعلوم الطبيعة؟
4-    ألم يَكتشف ابن خلدون علم التاريخ قبل ماركس. فالفكرة الكامنة ما وراء قوانين المقدِّمة تعلن عن نشأة علم للتاريخ، لتطوراته، وتغيُّراته، بالإضافة إلى العلاقة ما بين الأحداث التاريخية والإيديولوجية، ما بين السياسة أو أحداث التاريخ والدين. وإن الموضوعية والدياليكتيك موجودان في متن المنطق العقلاني الذي يقود المقدِّمة. فكأن هيجل وماركس مقيمان في المقدِّمة. والسؤال هو لماذا كان ماركس أكثر حاجة إلى داروين منه إلى ابن خلدون؟
5-    هل الماركسية والداروينية زوجان لا ينفصلان، فلا يصح أحدهما بدون الآخر؟ وهل كان ماركس بحاجة إلى داروين؟ وهل تقف الماركسية على قدميها لو هي حُرِمَت من مذهب التطور الطبيعي لداروين؟
6-    إن الاهتمام بمسألة البيئة في أعمال ماركس وإنجلز حديثة العهد نسبياً. فما هو معنى البيئة في أعمالهما.
7-    - لم يمارِس هيجل على إنجلز التأثير نفسه الذي كان مارسه على ماركس؟
إحدى عشرة: التاريخ من حيث هو علم وثورة:
1-    حَمَلَت الماركسية التاريخ إلى مقدِّمة المعارف، واعتبارا من هذه الثورة في نظام المعارف فإن السياسة لم تعد تحتاج إلى الفلسفة والقانون وعلم الأخلاق، ناهيكم بالدين، لتبرير نفسها، فقد أصبحت السياسة مع الماركسية تَستَمد شرعيتها ومبرِّراتها من التاريخ. فلقد استغنت الماركسية عن هذه المعارف والعلوم لتبيِّن أن التاريخ هو وحده الذي يبرِّر السياسة. لعل هذا هو أهم ما جاءت به الماركسية كثورة في المعرفة والممارسة، أليس كذلك؟
2-    الثورة مع ماركس لم تعد بحاجة إلى تبرير قانوني كي ما تُنجَز، أليس كذلك؟
3-    كنت أُريد أن أقول إن الثورة كي ما تُنجَز لم تعد بحاجة إلى القانون والفلسفة والدين وعلم الأخلاق ما دام التاريخ مصدرها.
4-    ستاتيس كوفيلاكيس في عمله "الفلسفة والثورة من كانط إلى ماركس" (55)  يُبَيِّن أن الفلسفة الألمانية بدءاً من كانط وعبر الإصلاحيين الألمان في القرنين الثامن والتاسع عشر كانت تقع تحت تأثير الثورة الفرنسية. فقد كانت الفلسفة الألمانية تتطلَّع إلى إنجاز الثورة الفرنسية في ألمانيا بادوات سلمية وعبر الإصلاحات أو بدون ثورة. إلا أن كانط وهيجل من بعده يعترفان في لحظات ما من مسارهما بأولوية التاريخ، وما هو حدث تاريخي على  القانون،  بمعنى  أن  أحداث  التاريخ  تَفلَت  من  القانون  وتقضي  عليه،  وتملي عليه  التغيُّر.
5-    ما جاءت به الثورة الفرنسية يُبَيِّن أن الثورة، كي ما تُنجَز، ليست بحاجة إلى قانون لتبرير نفسها، إنها ثورة ضد القانون أصلاً. ووجه التجديد الثوري في الماركسية من حيث مسارها المعرفي هو فصل علاقة الثورة بالقانون والفلسفة والدين والأخلاق وتحريرها من هذه الأنماط من المعرفة. كان ذلك كله ضمنيا في الثورة الفرنسية التي لم تستمد مبرِّراتها من القانون والدين والأخلاق والفلسفة. وقد أَرغمت الثورة الفرنسية بهذا المعنى الفلاسفة الألمان على العمل طوال العقدين قبل أن ينتهي هذا المسار إلى ظهور ماركس الذي يبرِّر الثورة بالعودة إلى التاريخ وماديته دون غيره من المراجع. إن التاريخ مع ظهور ماركس هو وحده الذي يبرِّر السياسية والثورة.
اثنتي عشر: تفنيد لمفهوم العلم والفلسفة بالمعنى الستاليني
1-    في نهاية المطاف أيُّهما من الاثنين أنتَ ترجِّح، الفلسفة أم العلم؟ أرجو منك أن تعذرني: إنه سؤال صحفي ليس غير، موجَّه إلى فيلسوف.
2-    ها نحن ذا في قلب الحتمية التاريخية. ما الذي آل إليه هذا المفهوم؟ 
3-    الثقافة مادة، وهي ليست روحا أو فكرا محضا، وليس ثمة مفارقة ما بين المادة والثقافة، أو تعالٍ للثانية إلى ما فوق المادة، فإذا كانت الثقافة تمارس تأثيرا في المادة، فإنها تمارسه من حيث هي بدورها مادة، فلا هي مثالية، ولا هي متعالية، ولاهي مثل أفلاطونية، ولا هي بالأحرى الفكرة المطلقة لهيجل
4-    الحديث عن الحتمية يقودنا إلى الغائية في التاريخ. كيف تفنِّد غائية التاريخ؟
 
                      الـفــصــــل الــرابـــع:
                فــي تــاريـــخ الـمــاركــســــية
أولاً: ماركسية ألتوسير أكاديمية
1-    أي حيِّز من الأهمية كان ألتوسير يشغله؟
2-    كَتَبَ ألتوسير "قراءة رأس المال". لو أنت قرَّرت أن تكتب كتابا لحث الماركسيين أو الشيوعيين على العودة إلى مصدر باعتباره هو الذي يستجيب أكثر من غيره لوضع النضال الشيوعي وأفكاره في الظروف الثقافية الراهنة للنضال والصراعات،  كما فعل لينين عندما كتب "المادية والنقدية التجريبية"، أياً من الأعمال الماركسية كنت لتختار، وأي كتاب منها يستدعي برأيك أن يحمل العنوان: "قراءة ...". أنا، يبدو لي من خلال معرفتي المتواضعة بأعمالك ونضالك، أُرَجِّح أنك ستكتب "قراءة البيان الشيوعي"، أو أي نص آخر وثيق الصلة بصراع الطبقات أو الأممية البروليتارية. ولربما يكون أيضا كتابا عن لينين. مثلا:"قراءة...". فهل توافق على ملء هذا الفراغ. وإذا وافقت، فما هي الأسباب التي حَمَلَتك على اختيار هذا العمل وليس غيره؟
3-    أنت تعتقد إذن أن"البيان الشيوعي" عمل وتاريخ راهن؟
4-    ما هو وجه المقارنة والخلاف إن وجد ما بين ألتوسير وهنري لوفيفر؟
5-    إذن ألتوسير قاد الماركسية في فرنسا على مسار أكاديمي طالما هو نفسه يَعترف بأنه نسي صراع الطبقات. فهل يُستخلَص من ذلك أن تعليم الماركسية أو البيداغوجيا الماركسية في عمله هي التي تَحتَل الأولوية في مجال العامل المقرر أو المحدّد للحتمية، كما كانت الفلسفة في روسيا هي التي تمارس دور المُخرِج عندما كَتَبَ لينين "المادية والتجريبية النقدية".
6-    هل يحتل "من أجل ماركس" لدى ألتوسير موقعا مماثلا لما كان مؤلف لينين "المادية والتجريبية النقدية" يحتله، من حيث أن هذين العملين يؤكِّدان على ضرورة العودة إلى المادية للخروج من البحر الفلسفي الذي كان الماركسيون يَسبَحون فيه؟ إن الأول كالثاني يُذَكِّر بضرورة العودة إلى المادية لدحض الفلسفة وانحرافات الحزب في منحى من المادية المثالية والانتهازية والإصلاحية
ثانيا: جان بول سارتر والماركسية: "كل معادٍ للشيوعية كلب"، و"الماركسية أفق عصرنا":
1-    ما هي إسهامات سارتر في الماركسية، وبوجه خاص ما قيمة عمله "نقد العقل الجدلي"؟ ألم يترك سارتر أثرا في الماركسية في فرنسا؟
2-    ماذا أضافت قراءة سارتر الجديدة لرأس المال على سابقاتها؟
3-    هل ثمة حياة تَستَحق أن تعاش بدون أنطولوجيا إلى جانب الماركسية؟ أو بتعبير آخر: هل تُلغي الماركسية أن يُفكِّر الإنسان في فلسفته الخاصة والشخصية كما أنت تقول أن يفكِّر بالوجود من حيث هو موجود (الأنطولوجيا)؟ وبالوجود والعدم.
4-    -  لتوخِّي التبسيط، هل ثمة مكان للوجودية الملحدة على هامش الماركسية؟ هل يستطيع الإنسان أن يعيش دون أن يتساءل من أنا؟ وهذا سؤال مادي ووجودي؟ أو هل يستطيع الإنسان الاستغناء عن الأنطولوجيا بمعناها الوجودي المُلْحِد؟
5-     هذه الحيازة للحرية جوهرية لدى سارتر طالما هو يَكشِف عن استلاب الحرية من أجل حيازة حرية حقيقية وواقعية. إن هذه الإشكالية لدى سارتر هي إشكالية ماركسية من حيث هي وهم أو استلاب الإنسان الحر، أليس كذلك؟
ثالثا- في تاريخ الماركسية  
1-    من هو أول من ميَّز ما بين ماركس الشاب وماركس الراشد في فرنسا ؟ هل هو جان إيف كالفيز      (22)  Jean-Yves Calvez  أم غيره؟
2-    من أين تتأتى أهمية كالفيز؟
3-    هل يمكن الجمع ما بين الإيمان الديني والماركسية في وقت واحد؟ ما رأيك كفيلسوف؟
4-    كيف تميِّز بين هذا الحشد من الماركسيين، من هنري لوفيفر، إلى أنطونيو نيغري وبوليتزر ولابريولا وغرامشي، إلخ ..؟
رابعا: الماركسية في إيطاليا وفر نسا: هيجل مقبول هنا مرفوض هناك، والنزاع بين المثقف والعامل خصوصية فرنسية
1-    كيف تتميَّز الماركسية الإيطالية عن غيرها؟
2-    ألا يوجد أيضا في فرنسا تقليد عمالي مقابل للتقليد العلمي                                         
3-    الماركسية الفرنسية مشبعة إذن بالتقاليد العلمية أكثر منها الفلسفية، والعمالية أكثر منها الثقافية.
4-    اعترف سارتر بهذا النزاع عندما قال أنا مثقف يقف إلى جانب البروليتاريا.
5-    هذا النزاع بين المثقَّفين وبين العمال غير موجود في إيطاليا؟
6-    هل هذا الحذر حيال المثقَّف هي خصوصية فرنسية فقط؟
7-    أنتَ كلما عدت للحديث عن التقليد العلمي في الثقافة الماركسية، فإنك تشير إلى ديكارت وسبينوزا، ولكنك تُهمل رينيه باسكال René Pascal(42) بصورة تامة بالرغم من أنه صاحب أفكار مجتمعية، فلماذا هذا الإهمال منك له؟
8-    ألا يوجد في فكر باسكال اتجاه مجتمعي؟
9-    لماذا اخترتَ روبسبيير موضوعا لعمل يحمل هذا العنوان؟
سادسا: الماركسية في أعمال فوكو وليفيانس وبوريو
1-                في أي سياق يَندرج المفكِّرون الفرنسيون الذي تلوا سارتر؟ فوكو، ليفيانس، دولوز، بورديو، إلخ.. ؟
2-                إن إسهام هؤلاء إذن كان بوجه الإجمال إيجابيا؟
3-                أي أن هؤلاء بدل أن يقتصروا على العلاقة ما بين البنى العليا والبنى السفلى بحثوا في العلاقات المتداخلة ضمن البنى العليا، وما بينها، في الأنظمة الثقافية والعلوم الإنسانية.
سابعا: المـاركســـية النمســـاويـة 
1-     كيف نشأت الماركسية النمساوية؟
2-    لقد شكَّلت الماركسية النمساوية قطيعة مع البلشفية على صعيد القومية والوضع الذي تحتله الثقافة في النظرية والممارسة. وكانت بمثابة المهد الذي شَهِد ولادة مدرسة فرانكفورت. ويُشكِّل غرينبيرغ صلة الوصل ما بين المدرستين.  والسؤال هو لماذا ظَهَرهذا التيار مع الحرب العالمية الأولى؟
3-    هل تجوز برأيك صيغة الجمع بالماركسية، فيقال ماركسيات؟
ثامناً: ما هي أقوى أعمال الماركسية وأفكارها في عالمنا الراهن، البيان، رأس المال، أطروحات فويرباخ، أنتي دوهرينك، إلخ..و هل أنت تَعْتَبِر أن  نمط الإنتاج الرأسمالي والإمبريالية ما بين الأمس واليوم والغد هو المقاربة الوحيدة الممكنة لفهم الرأسمالية وتغيير العالم.
1-    في الماركسية نقاط استدلال قوية، منها على سبيل المثال أُطروحات فويرباخ، وقيمة العمل، وصراع الطبقات، والمادية التاريخية، والدياليكتيك، أَيٌ من هذه الدلالات التاريخية ما تزال حالة راهنة أكثر من غيرها؟ أو ما هي المحصِّلة إن صح التعبير من تاريخ الماركسية؟
2-    هل هذا يعود بنا إلى  قراءة "رأس المال"؟
3-    ألا تعتقد أن العولمة ستذوِّب الإمبرياليات التابعة في إمبريالية واحدة؟
4-    ألا يُمَثِّل الرئيس نيقولا ساركوزي الليبرالية الفرنسية وهي آيلة إلى الذوبان في العولمة؟ ألم يصفِّ حساباته مع رأسمالية الرئيس جاك شيراك والجنرال شارل ديغول؟
5-    -  النيوليبرالية الفرنسية بقيادة الرئيس ساركوزي تريد تحرير الأجور من قيود الدولة. وقد تَرَكَت تحديد الأجور للمفاوضات ما بين العمال وأرباب العمل.
 
                                        الـفــصــــل الــخـامـــس:
              الأزمـــة فــي المـاركـســـية وظـــيفـة وأداة
أولا: الانحراف الإصلاحي لدى الماركسيين أو في الديمقراطية والثورة
1-    الشيوعية والماركسية زوجان يفترقان أحيانا، إن لم يكن في كثير من الأحيان، بل وإنهما في حالة طلاق أكثر من مرة.
2-    أخَذَت الأزمة في الماركسية منذ بدايتها منحى داخليا وثيق الصلة باستراتيجية الثورة / الديمقراطية.
3-    ثمة أزمة ملازمة للماركسية منذ نشأتها الأولى من جراء الانحراف الإصلاحي، فهل عَرَفت الماركسية أوجه أزمات غير تلك التي تعود إلى إستراتيجية الديمقراطية والثورة؟
 
 
ثانيا: الأزمة جزء لا يتجزأ من الماركسية:
1-     الأزمة جزء لا يتجزأ من النمط الوظيفي للعمل الماركسي، ولنتذكر أن مصطلح الماركسية نفسه كان مثار جدل ومهاترات، علما أن المصطلح يَحمل معه تناقضاته ما دامت الفيزياء لم تُسمِّ النيوتينية أو الأينشتانية
2-    كيف أنتَ تعرِّف الاشتراكية الديمقراطية؟
3-     ما بعد الحرب العالمية الثانية عَرِفَت الاشتراكية الديمقراطية في أوروبا رواجا غير مسبوق، وتسلم عدد من أحزابها الحكم، تارة بالتحالف مع الشيوعيين، وتارة أخرى بدونهم.
4-    هل يجوز أن تُوْصَف كل أحزاب الاشتراكية الدولية بالاشتراكية الديمقراطية، من حيث تنظيمها، ومشاريعها السياسية، وممارستها في الحكم؟
5-    إذا كانت منظَّمات الاشتراكية الديمقراطية تقوم على أسس من المشاركة في السياسات الوطنية، كل حزب في بلاده، أتراها مؤهلة للحياة في إطار أممي يتجاوز حدودها الوطنية؟
6-    ما هي التطورات التي طرأت على إيديولوجية الاشتراكية الديمقراطية، بما في ذلك الاشتراكية وتلك التي كانت شيوعية،  منذ انهيار الاشتراكية الواقعية؟
7-    ما هي الانتقادات الرئيسة التي توَجَّه برأيك إلى الاشتراكية الديمقراطية في الوقت الراهن؟
8-    هل تفسح الرأسمالية، سواء من حيث تطورها أم من حيث أزمتها، مجالا  جديدا أمام الاشتراكية الديمقراطية؟ هل ثمة مستقبل للاشتراكية الديمقراطية في ضوء ذلك؟
9-    إن أزمة الحركة العمالية تدحض في ضوء أجوبتك مصداقية إستراتيجية الاشتراكية الديمقراطية، والإستراتيجية الراديكالية على حد سواء. وفي مثل هذا السياق كيف تميِّز ما بين الإستراتيجية الإصلاحية وإستراتيجية القطيعة النهائية مع الرأسمالية؟
10-                   هل تعاني الشيوعية من حالة ضعف، أو وهن عبر التاريخ، كانت وما تزال ترافقها منذ سقوط كومونة باريس لغاية سقوط حائط برلين مرورا بكل الثورات التي اندثرت وفي مقدمتها كومونة باريس  وجمهورية روزا لوكسمبورغ؟
11-                   بعدما شهدت الشيوعية العلمية هذا المسلسل الطويل من الانحسار فإن استمرارها على قيد الحياة يُشبه المعجزة، أليس كذلك؟!
ثالثاً: الديمقراطية والثورة: السلطات الثلاث تقسيم إيديولوجي
1-    - نحن ما زلنا خلال حوارنا في قلب الديمقراطية حسب مفهوم الأممية الثانية لها، وما يرافق ويَتبَع ذلك من أحزاب شيوعية تسبح في الإصلاحية والديمقراطية بمعناها البورجوازي الضيق الذي يتقيَّد بتقسيم السلطات الثلاث، ولم تعد هي تطالب بالديمقراطية الموسّعة. وبمعنى آخر فإن ديكتاتورية البروليتاريا من حيث هي ديمقراطية الطبقة العاملة قد سَقطَت من البرامج السياسية والوثائق الفكرية لكثير من الأحزاب الشيوعية. وهنا يأتي تسرُّب استلاب جديد للإنسان من خلال هذا الامتداد لأثر الإصلاحية الشيوعية التي كانت بدأت مع الأممية الثانية، واستمرت بعد ذلك من خلال الديمقراطية. أنا اقصد أننا أمام استلاب الديمقراطية السائدة من حيث هي الوجه الآخر لاستلاب الإنسان الحر.
2-    ما الذي يتبقى اليوم من لينين؟
3-    هل تعتقد أن ثمة طريقاً ديمقراطياً إلى الاشتراكية؟ وهل ترضى البورجوازية بمثل هذا الانتقال؟
4-    أليس تقسيم السلطات الثلاث واختصاصات كل منها ترجمة سياسية لتقسيم العمل، هذا التقسيم الذي يُعْتَبَر أيدلوجيا بامتياز؟
5-    ماهي العلاقة ما بين تقسيم العمل من حيث هو أيديولوجيا بامتياز، والفصل ما بين السلطات الثلاث للدولة من حيث هي أيضاً أيديولوجيا بامتياز طالما كانت السلطات الثلاث إياها هي سلطات الدولة وليس المجتمع؟ إن الديمقراطية الحقيقية هي التي تَمنَح سلطات للمجتمع أوسع من سلطات الدولة، وبحيث يراقِب المجتمع عن كثب سلطات الدولة. أما في الديمقراطية البورجوازية فإن السلطات الثلاث هي الحيز الخاص بالدولة؛ بل إن الدولة هي نفسها التي تُقَسِّم على انفراد السلطة ما بين ثلاثة أجهزة، وتتقاسهما. ما رأيك؟
رابعا- المجتمع المدني: إذا كان المجتمع لا يليق بالدولة غيِّروا المجتمع إذن !
1-    لماذا تخلَّى ماركس عن مفهوم المجتمع المدني بعدما كان استعان به، ثم اكتفى بالمجتمع بدون إضافة؟
2-    إن كل فصل إذن ما بين الدولة والمجتمع يُغْفِل الصراع الطبقي طالما المجتمع غير متجانس ومحكوم بتقسيم العمل وتقسيم الطبقات.
3-    الدولة إذن تَنبَثق عن المجتمع، إلا أنها ما إن تتكوَّن حتى تضع نفسها فوقه أو أعلى منه، إن لم تنقض عليه.
4-    هل يمكن تشييد سلطة مجتمعية مضادة للدولة؟
خامساً- رد الاعتبار لدكتاتورية البروليتاريا لأن الغاية منها ذوبان الدولة وليس تكريسها    
1-    هل كان ماركس موفقا في ابتكار مصطلح "ديكتاتورية البروليتاريا"؟ ألم يكن من الأفضل أن يبتكر عبارات غير تلك، مثل ديمقراطية الشعب، أو الديمقراطية الموسَّعة، أو الديمقراطية الاجتماعية.
2-    هل كان ماركس موفقا في ابتكار مصطلح "ديكتاتورية البروليتاريا"؟ ألم يكن من الأفضل أن يبتكر عبارات غير تلك، مثل ديمقراطية الشعب، أو الديمقراطية الموسَّعة، أو الديمقراطية الاجتماعية.
3-    إنك تلمس هنا أمراً جوهريا عندما تقول إن الغاية من ديكتاتورية البرولياريا ذوبان الدولة، إذ أن ستالين فعل نقيض ذلك، فهو لجأ إلى ديكتاتورية البروليتاريا من أجل تكريس الدولة
4-    كيف يتأتى تغيير العالم عبر نمط الدولة البورجوازية أو بفضل تطوير أفضل للسلطات الثلاث؟
5-    أعود إلى سؤال سابق حول مفهوم الفصل ما بين السلطات الثلاث من حيث هو تعبير عن تقسيم العمل الذي يُعتبر أيديولوجيا بامتياز، وبوجه خاص في مجال القانون، حيث يَعتبر المشرِّع الذي وضع القانون أن ما وَضَعه يعلو فوق الإنسان والصراع المجتمعي، يعلو فوق أية قيمة أو معيار آخر غيره مع أنه من صنع البشر، ولن تلبث أحداث التاريخ والمجتمع أن تغيَّره أو تعدِّل فيه.
6-    هل تقود ديكتاتورية البروليتاريا إلى الستالينية، أو كيف تحوِّلت ديكتاتورية البروليتاريا إلى استبداد من النمط  الستاليني؟
7-    وعلى هذا النحو نصل رويدا رويدا إلى سقوط الاتحاد السوفياتي.
8-    في منتصف السبعينات، وقبل أن يتخلى الحزب الشيوعي الفرنسي بسنوات قليلة عن ديكتاتورية البروليتاريا كان بعض الماركسيين، ومنهم على سبيل المثال جان إيلينشتين Jean Ellenstein، يعتقدون أن أعمال لينين تَحمل في طياتها ستالين، وأن اللينينية هي التي أَنجَبت ستالين، وأنتَ كنت آنذاك تفنِّد هذه الآراء. ما هي النصوص في أعمال لينين التي تتيح لهم مثل هذه القراءة للينينية؟
9-    كيف تخلى سكرتير عام الحزب الشيوعي الفرنسي جورج مارشيه في العام 1977 عن     ديكتاتورية البروليتاريا؟ كيف أنت انتقدت التخلي عنها حسب ما يتبين من قراءة المقدمة التي تحمل اسمك لكراس لينين "الدفتر الأزرق"؟ Le Cahier bleu, le marxisme quand à l’Etat (31)
سادساً: لينين الراهن
1-     ما الذي تعنيه أنت عندما تتحدَّث عن لينين الراهن اليوم؟ وما الذي تَبَقَّى من "ما العمل؟" الذي يؤكِّد على الدور القيادي للحزب الشيوعي؟ 
2-     لقد تحدَّثت مطولا عن لينين من حيث هو حالة راهنة، وبالرغم من ذلك اسمح لي أن أُوجَّه إليك السؤال مجدَّدا، السؤال نفسه: هل يُعْتَبَر لينين حالة راهنة؟ حبذا لو كان الجواب موجزا.
3-    أليس مصطلح الماركسية اللينينية ابتكاراً ستالينياً طالما أن ستالين يجعل من لينين أداة أيديولوجية لديكتاتورية ستالينية بمنأى عن البروليتاريا؟ أنت تحدَّثت عن هذا الموضوع مطولا في كتابك "الماركسية اللينينة"
4-    ما رأيك بأعمال تروتسكي؟ لاسيما وأن لينين وتروتسكي كانا متعارضين ما قبل ثورة أكتوبر. الأول كتب "ما العمل؟"، والثاني كتب "ماهو برنامجنا؟". وأحدهما يخالف الآخر في قضايا الحزب والديمقراطية.. إلخ في هذين العملين اللذين كتبا في العام 1905. أنت قلما تحدَّثت عن تروتسكي. لماذا؟
سابعا- لينين: تحليل الظروف هو أهم ما جاء به ماركس/إنجلز
1-    في ما يتعلق بالعلاقة ما بين الممارسة والنظرية، أو العمل والفكر، تأخذ الممارسة في  أعمال ماركس وإنجلز، ولدى لينين بوجه خاص، وفي أعمالك أيضا، بخلاف كل الفلسفات السياسية والأكاديمية ونظريات المعرفة، إلخ، حيِّزا مركزيا هو من السعة والأهمية حتى أنه يفوق، من حيث أولويته، النظرية، يتقدم ويعلو عليها من حيث وظيفته الإبستمولوجية والسياسية الإستراتيجية، الممارسة حسب ما تتجلى في الصراع الطبقي المتجدِّد، وموازين القوى، والحركات الاجتماعية، والحزب، إلخ. وأعمال لينين، وحياته، ومنجزاته، تدلِّل بقوة على هذه الأهمية المعرفية للممارسة، أليس كذلك؟ إن ما يميِّز الماركسية من حيث ثورتها في عالم المعرفة والسياسة والفكر هو كشفها عن أهمية الممارسة في تغيير الفكر والعالم، أليس كذلك؟
2-    لقد عَلَقَت بالماركسية، أو بالأحرى الشيوعية، فكرة مؤداها أن السياسة تطبيق للنظرية. وغابت اعتبارا من ذلك أهمية الممارسة والفعل من حيث أن الممارسة مصدر للتجديد سواء من حيث الحدث التاريخي وما يحمله من معطيات كانت مجهولة عن الوعي والنظرية، أم من حيث تجديد النظرية السياسية. وفي هذا السياق من الممارسة والفعل تتجدَّد النظرية والوعي بالممارسة وعبرها، ثم تتجدَّ عبر الممارسة وما يحمله التاريخ من جدَّة غير مسبوقة في النظرية، مفاهيم الحزب، عقل الحزب، وديكتاتورية البروليتاريا. إن أعمال  لينين ما بعد ماركس وإنجلز توضِّح علاقة الاتصال ما بين المعرفة المادية والطبقة العاملة، الطبقة العاملة بوصفها التاريخ. وهو الأمر الذي يلقى رفضا في عالم الفلسفة والسياسة الليبرالية. فالطبقة من حيث هي مصدر للمعرفة والوعي، شأنها شأن التاريخ، غير مستساغ في الفلسفة. إن المسعى لدى لينين كما كان لدى ماركس وإنجلز سياسي مادي بصورة جوهرية، أي صراع الطبقات في التاريخ، وليس مسعى نظريا كما تريد الفلسفة؛ أليس كذلك؟
3-    الحزب الشيوعي ينشأ عن علاقة الاتصال هذه ما بين المعرفة المادية ومواقف الطبقة العاملة. فللطبقة عقل، والحزب الشيوعي هو عقل الطبقة العاملة ما دام هو نفسه حزبها. إن المعرفة على هذا النحو تنحاز في المكان فتغادر حيز المعرفة الشمولية التجريدية لتدخل إلى الحيز الواقعي للطبقة
4-    كيف تندرج ديكتاتورية البروليتاريا، والتحالفات الطبقية، وتطبيق النظرية،  في ما تسمِّيه أنت العملية النظرية لدى لينين؟
ثامناً- لينين والثورة: الماركسية ليست وصفة جاهزة، فالثورة سياق من الظروف وليس مسارا من الأفكار
1-    الثورة الفرنسية 1789، وثورة أكتوبر 1917 ما العلاقة بينهما، وما هو تأثير الأولى على الثانية؟
2-    الثورة حسب لينين تطبيق للنظرية أم ابتكار وتجديد لها؟ يبدو أن التطبيق هو الغالب لأن إنجاز ثورة في بلد يفتقر إلى بروليتاريا قوية وواسعة شرط لم يكن متوفرا في ثورة اكتوبر، فكأن النظرية تنسينا الواقع. كما أن الممارسة الثورية عبر اندلاع الثورة لأسباب موضوعية وضرورية تحمل معها التجديد في العمل نفسه كما في الوعي والنظرية. فهل يلحق الوعي بالممارسة دوما؟
 
 
تاسعاً – الإمبريالية والديمقراطية اليوم على مسار لينين
1-    أنت تفضِّل تعبير الإمبريالية على العولمة، وتُؤثِر الأممية من حيث هي البروليتاريا المنظَّمَة في العالم على الأندية الاجتماعية لحركة العولمة الأخرى، وتنادي بديكتاتورية البروليتاريا لأن الثورة هي الديمقراطية وقد فَتَحَت أبوابها أمام كل المحرومين سياسيا واقتصاديا، أو لأن الثورة والديمقراطية الواسعة لا ينفصلان. هل لك أن توضِّح ذلك؟
عاشرا- سقوط الاتحاد السوفياتي: ثورة أكتوبر ولدت في ظروف مقيتة، والشيوعية التي انهارت هي تلك "الروسية"، لكن الشيوعية الماركسية تبقى حية
1-    إن انهيار الاتحاد السوفياتي والمعسكر الاشتراكي، وخروج الأحزاب الشيوعية  ما بعد الانهيار في هذه البلدان وهي في حال من الهلهلة الكاملة، يعود بنا بقوة إلى أزمة الماركسية. والمشكلة الأولى أمام هذا الحدث التاريخي هي أن أكثرية من اليساريين يَستنتجون من هذا الانهيار أن الماركسية انتهت، وأن انتقال هذه البلدان إلى اقتصاد السوق والديمقراطية من النمط الغربي يُؤذن بنهاية الشيوعية. أنت تَعتقد أن هذه الأفكار هي استنتاجات متسرِّعة، وأن  مثل  هذه  الأحكام  المبسَّطَة  لا  تقوى  على  المقاومة  أمام   التاريخ  المعقَّد   للانهيار وأصوله الضاربة في القِدَم منذ الأيام الأولى لثورة أكتوبر 1917، من جهة،  وأمام تاريخ الماركسية من جهة ثانية.
2-    الأزمة الراهنة التي لحقت بانهيار الاتحاد السوفياتي ليست إذن غريبة عن الماركسية التي تتعامل معها كجزء لا يتجزأ منها؟
3-    هذا يقودنا إلى أن "الانتقال " في نمط الإنتاج الاقتصادي في روسيا أكتوبر 1917 مسألة في غاية التعقيد، وعن هذا التعقيد تأتي المشكلات اللاحقة التي كانت تجتاز الاتحاد السوفياتي، ثم انتهت في نهاية المطاف إلى سقوطه
4-    هذا كله يعود بنا كما أنت تقول إلى أن أزمة الماركسية والشيوعية ذات طبيعة سياسية.
5-    هل هذا يعني أن لينين لم يَنجح في سد ثغرات الواقع المجتمعي والسياسي والثقافي والاقتصادي والتي منها تمر الأزمة؟ لينين، حسب منطق الشامتين، لم يَنجح في العثور على وصفة طبية لمعالجة كل الآلام، بما في ذلك – حسب هذا المنطق – علاج لتهدئة آلام الحجارة.
6-    السياسية الاقتصادية الجديدة NEP  انتصارٌ للرأسمالية على الاشتراكية
7-    الديمقراطية الواسعة برأي روزا لوكسمبورغ هي نفسها ديكتاتورية البروليتاريا
8-    التحليل الثاني للصعوبات التي كانت تعترض ثورة اكتوبر 1917 نجدها كما قلتَ في أعمال غرامشي، فكيف كان غرامشي  يرى البلشفية؟ وهل كان برأيه ثمة مجال أمام نجاح ثورةٍ بروليتارية في روسيا المتخلِّفة، ثورة تمارس ديكتاتورية البروليتاريا، أو الديمقراطية الواسعة، على طريق الانتقال إلى الاشتراكية؟
9-    من الواضح أنك ترى أن أسباب انهيار الاتحاد السوفياتي  تعود إلى الظروف الموضوعية التي رافقت منذ اليوم الأول ثورة أكتوبر، وما تبعها في ما بعد من انحراف ستاليني ربما يكون هو نفسه وليد هذه الظروف، لتقود هذه الظروف في نهاية المطاف إلى سقوط الاتحاد السوفياتي في ظروف دولية، سياسية واقتصادية وعسكرية، معادية للاشتراكية، وتَحكم على النظام السوفياتي بالانهيار.
أحد عشر - الشيوعية ليست نمطا أو نظاما جاهزا للتطبيق
1-    أصبحت الشيوعية بحكم التراكمات التي تلت ثورة أكتوبر 1917 نموذجا واحدا، هو الروسي القابل للتطبيق في كل مكان. وأصبح النموذج أو النمط الروسي هو المثال الوحيد للشيوعية. أنت تعتقد أن الشيوعية غير ذلك. إنها من وجهة نظرك ابتكار مستمر وتجديد بالاعتماد على تحليل علمي لواقع ملموس، ابتكار هو المعادل الموضوعي لواقع متجدِّد. والسؤل بتعبير آخر: ما هي الشيوعية؟
2-    -  الشيوعية بَنَتْ لديمقراطية واسعة لا تقل في منحها للحريات عن الديمقراطية البورجوازية إلا أنها تُنجر قطيعة مع الأشكال البورجوازية للديمقراطية.
 
اثني عشرة: نهاية الدولة السوفياتية واستمرار الشيوعية المتجدِّدة
1-    موت الدولة السوفياتية هو نفسه تجديد للشيوعية؟ وهل مات ماركس ثم عاد إلى الظهور مجددا في عصر العولمة النيوليبرالية بعدما كان اختفى عن الوجود؟
 
                             الـفــصــــل الـســــادس
            فــي الــلاعـــنف، الإرهــــاب، المــقــــاومــــة والــعــــنف الــثـــوري
أولا: العنف واللاعنف
1-    يرى باليبار في كل من لينين وغاندى أكبر وجهين اثنين لنظرية ممارسة الثورة في النصف الأول من القرن العشرين (1). وكان كل من الاثنين أول من بدأ أثناء حياته نقاشا ما يزال يتردَّد حتى اليوم في عالم يجد فيه العنف لنفسه "حيزا بنيويا". والقاسم المشترك بين "هذين النمطين" أن كل منهما يدعو الجماهير إلى انتهاك الشرعية السياسية المجسَّدة بالدولة، لينين عن طريق "ديكتاتورية البروليتاريا"، وغاندي عبر "العصيان المدني" في سياقين تاريخيين غير متشابهين إلى حد بعيد. ما رأيك بمثل هذه المقاربة؟ هل هي تشق الطريق أمام حل مسألة العنف واللاعنف؟
2-    أنتَ ترى أن من أوجه التبسيط المفرط  أن نرجع بمشكلة العنف واللاعنف إلى لينين وغاندي من حيث أن كل منهما يُمثِّل نمطاً أو أُنموذجاً لهذا المذهب وذاك، وأن نقصر المسألة على هذين الزوجين.
3-    أنت إذن في مقاربة أُولى للمسألة تعقد صلة وثيقة ما بين العنف وسياقه التاريخي وترفض بالتالي المساواة ما بين العنف الإمبريالي وعنف المضطّهَدين. فما هو سياق الإرهاب؟
ثانيا: العنف: تعريف العنف بالتمييز بين أنماط من العنف لكل سياقه. الطروف والبنى هي التي تميّز بين المقاومة والإرهاب
1-    ثمة علاقة وثيقة ما بين العنف السائد في عالمنا اليوم على الصعد كلها، والعولمة.
2-    ما هو العنف؟ كيف تُعَرِّفُه؟
3-    هل العنف  واحد ويَتبَع لنظام واحد، سياسي، ديني، ثقافي؟
ثالثا: نمطان من العنف
 1-  العنف إذن حالات وأنماط متعدِّدة.
رابعا: التفاحة الرأسمالية الناضجة لن تسقط من تقاء نفسها
1-    هل يذوب السكر تلقائيا؟ أو هل من ثورة بدون عنف؟
2-    كيف تميِّز ما بين العنف والإرهاب؟
خامساً: العنف الحربي مهما اشتد فإنه ليس أكثر عنفا من عنف المجموعات الرأسمالية الكبرى
1-    عولمة العنف: أنت تردد دوما مع جوزيه مارتي "إن الواقعي في السياسة ليس هو ما نراه". كيف أنت تقرأ وترى مظاهر العنف التي تنجح العولمة ذات البريق الكاذب وعبر الثورة المعلوماتية في إخفائها.
2-    كيف تُفَنِّد أيديولوجية رفض العنف؟
سادساً: في العنف الثوري
1-    كيف أنت تِنزع عن العنف الأقنعة الإيديولوجية التي تغطيه؟
2-    أنت إذن تدافع عن العنف الثوري.
3-    وإلى ذلك، فإنك تبرر العنف التحرري والثورة.
 
سابعا: الشيوعيون مدعوون إلى دعم الحركات الثورية في كل مكان  
1-    ما الذي حملك على تكريس هذا العمل المطوَّل والمعمَّق حول العنف في مؤلفك الذي يحمل عنوان "نظرية العنف"؟
2-    هل يعود اهتمامك الشديد بنظرية العنف إلى فرانس فانون بوجه خاص؟ وهل عرفتَه شخصيا أثناء إقامتك لمدة طويلة في الجزائر؟ وهل أنت مدين لفانون بهذا الاهتمام؟
3-    أرجو منك أن تعود مجدَّدا وقبل أن تختتم هذه المقابلة المطولة إلى تبيان الأسباب التي من أجلها يفتقد العنف برأيك إلى مفهوم ذي حدود قاطعة وتعريف واضح. وعساك تضيف بعض التوضيح في هذا الشأن.
4-    في مؤلَّفك "نظرية العنف" تستعرض عددا كبيرا من أشكال العنف منذ شخصية النبي أيوب (36)  في العهد القديم: "العادل المظلوم عن غير وجه حق"، إلى التراجيديا اليونانية وشكسبير، وصولا إلى الوقت الراهن. لماذا هذا الاستعراض لظاهرة العنف عبر التاريخ؟
5-    وقد فَنَّدت كما بيَّنت قبل قليل نظرية اللاعنف.
6-    - هل ثمة مجال للتمييز بين عنف دفاعي وآخر هجومي؟
7-    يتساءل كثر من الناس: أي خطيئة ارتكبت السيارات والمدارس ودور الحضانة كي ما تُحرق في فرنسا؟
8-    ولماذا لم يظهر عنف من النمط نفسه في بلدان أوروبية غير فرنسا بالرغم من أنها تَعرِف مثل هذه الأخيرة الاستغلال الرأسمالي؟
9-    أنتً إذن تبرِّر أعمال الانتحاريين الفلسطينيين
10-                   هل تحوز المقاومة العراقية في ممارستها للعنف على مبرِّرات أقوى أم أضعف من عنف الشبان الذي يلقون بالحجارة في صدامهم مع قوى القمع، أو من تحطيم أنصار البيئة لمطاعم ماكدونال؟
11-                   يسود اعتقاد اليوم تحت تأثير أيديولوجية الطبقة المسيطرة ما بعد 11 سبتمبر مؤداه أن أسلوب عمل القوات المسلَّحة الثورية الكولومبية ومنظمة إيتا الباسكية غير مقبول. ما رأيك؟
12-                   وهل ثمة ما يبرِّر العنف الهجومي في بلدان ليست موضعا للغزو الأجنبي المباشر ككولومبيا والمكسيك والفليبين؟ أم أن العنف في مثل هذه الحالة يجب أن يكون دفاعيا فقط؟
13-                   العنف يكون ثوريا عندما تتوفر إمكانية للاستيلاء على السلطة، كما هو الحال في كولومبيا. أليس كذلك؟
14-                   سأجازف وأقول إن اليسار اليوم يعتقد أن فرص الحياة أمام النضال المسلح غير متوفِّرة، وأن الانتخابات حلَّت محل النضال المسلَّح. وفيدل كاسترو يذهب في هذا المنحى في مقابلة صحفية له مع رئيس تحرير الصحيفة الشهرية لوموند دييلوماتيك إغناسيو رامونه.
15-                   لذا، فإنك ترد الاعتبار للعنف الثوري
          متى ينقلب العنف الشعبي إلى إرهاب بافتراض أن مثل هذا الانقلاب ممكن الوقوع؟
 
         الــفــصــــل الســــــابـــع             
                           جـــورج لابيكــا                  
                         Georges  Labica              
                             أعـمـــالـــه
أولا:مؤلفاته
ثانيا: الإشراف على مؤلَّفات جماعية مشتركة
ثالثا: مسؤوليات علمية وأبحاث
 
                                       الملحق الأول:
              مدخل الماركسية في الأنسيكلوبيديا أونيفيرساليس
1-         المــؤتمـر العشــرون يَكـتشــف الغــولاك (الغولاك: نظام معتقلات النفي والعزل لأعداء الثورة، تأسس في العام 1918 مع بدء الحرب الأهلية).
2-         رفـض النـمـاذج، رد الاعــتبار، والقـراءات الجــديدة
3-         حـالات كــثيرة من التـحــديث
-4    المـاركســية والمـاركـســـيات
 
                                
                              الملحق الثاني           
             الماركسية أرثوذكسية وانشقاق   
                    مـن أجــل مـحــصــــلـة عـــلـمــيـة*
مـــدخــل المــاركــســــيـة فــي المــوســـوعــة الـفــلســـفـيـة الـشــــامـلـة 
1-  ماهي الماركسية اليوم بأنظارنا       
2-    مصطلح "الماركسيات" الذي شاع استخدامه في السنوات الأخيرة          
3-    إن الأطروحات الجديدة التي تقول بالماركسيات في صيغة الجمع تجد لنفسها ما يبرِّرها. فما هي هذه القراءات؟   
4-    لماذا وصلت بنا الأمور إلى مثل هذه الحالة؟
5-   إن الأعمال من أوَّلها إلى آخرها متعلِّقة بالظروف.
6-     إن الأعمال نقدية بصورة كلية
7-     إن هذه الأعمال، هذه الكتابات، هذه العملية، ظرفيةٌ ونقدية
8-     الماركسية من حيث هي صيرورة واقعية وخطاب في الصيرورة 
9-   النجاح وضع الأعمال في الوقت نفسه، وبصورة لا تَرحَم، تحت ضغط إكراه الظروف
10-      الأرثوذكسية في أول تجلياتها لم تأتِ بصورة اعتباطية
11-      النزاع مع التحريفية
12-      امتثال النظرية للسياسة هو العلامة المميِّزة للأرثوذكسية   
13-     ثمة ماركسية ممتدَّة حية وبصورة مستمرة وبعناد ما تحت التفسيرات الماركسية السائدة " ماركسية قطار الأنفاق Underground  " ( أو ماركسية مختبئة في حيِّز الأسرار)
14-     "أزمة الماركسية" تحوز على معنى إيجابي،
15-      وهو تقويض الدوغمائيات، واستعادة لعمل نقدي مندمج بالظروف والسياق التاريخي، وجسارة الإرشاد والابتكار، وإرادة في التغيير
                      المـلـحـــق الــثـالــث
                 المــاركــســــيـة ألـلـيـنـيـنـيـة
1-   أولا: المـاركـســـية الـلــنينية مـــدونـة لـمــجــــمـوعــة قــــوانــين:
2ثانيا: تــاريــخ تـكـــويــن مـدوَّنـــة القـــوانــين والفـلـســـفة مـا قــبل الســــتالـينية
2-ثانيا: تــاريــخ تـكـــويــن مـدوَّنـــة القـــوانــين والفـلـســـفة مـا قــبل الســــتالـينية:
3-ثالثا: الـصـــراعـات والـرهـــانـات الـســــياســـية
4-رابعاً: الفـلســفـة الـســتالـينية أو بـلـشــــفـة الفـلـســــفـة
5-خامساً: الـمــلـك الـفـيلـســــوف، أو الفــيلـســوف المــلـك
6-سـادسـاً: الفلسفة والسياسة: عــــقـل الـدولـــة
    7-سابعاً: الـفـلـســــفة والـدولــــة:  الفـلـســـفة خــادمــة الســياسـة بعدما كانت خادمة الـلاهــوت
   8 -ثامناً: بـــناء الـلـــيـنـيـنـيـة:  دور ســــتـالـيـن
   9-        تاسعاً: مـمـارســـات الـنظــريـة: تـصــفـية الـســـتالـينية
 
                        الـمـلـحـــق الــرابــع
                  الــديـمـــــقـراطـــيـة و الـثــورة
1      -أولاً - مقدمة:
2-ثانيا: ينقسم هذا العمل إلى ثلاثة أبواب تَحمِل على التوالي العناوين التالية: "الكلمات"، ثم "المفاهيم"، ف"الأشياء": 
3-     ثالثا : إزاحة ما علق بها من انحرافات وتشويهات، ومنها فكرة "النظرية" بالمعنى المدرسي للكلمة.
4-   رابعا: القرن العشرين شهد نهاية الاتحاد السوفياتي والحركة الشيوعية الأممية حسب ما عرفناهما
5-   خامسا: وفي القرن الواحد والعشرين ، تَحُول العولمة النيوليبرالية دون بناء الاشتراكية في إقليم أو على أرض واحدة.
6-   سادسا: ماركسية مَخفِيَّة تحت الأرض من أجل إعادة بناء الثورة يَعرض جورج لابيكا لعدد من الأدوات. سابعاً: والعملية النظرية في"الديمقراطية والثورة" تتدخَّل في ظرف مكوَّن من ثلاثة محاور: اللغة، والإيديولوجية السائدة،والنضال السياسي.
7-   سابعاً: والعملية النظرية في"الديمقراطية والثورة" تتدخَّل في ظرف مكوَّن من ثلاثة محاور: اللغة، والإيديولوجية السائدة،والنضال السياسي.
آ - في ما يتعلق باللغة
ب-: في ما يتعلق بالأيديولوجية السائدة أو التدخل ضد القانون. 
جـ : مسار النضال السياسي من أجل الثورة والديمقراطية.
8-   ثامناً: نظام الهيمَنَة الليبرالية الراهنة  
9-   تاسعاً: ديمقراطية السوق، والديمقراطية الاجتماعية الثورية:
           
                        الـمـلـحــــق الـخامـــس
            الإمـبريالــية أعــلى مراحــل الرأســمالية                             
              (مـقدمــة جــورج لابيكــا لكــتاب لــينين)
-------------------------------------------------------
-----------------------------------------------
-----------------------------------------------------------
------------------------------------------------------------------
 
                        الـمــلـحـــق الـســـادس
                 الـوضـــع المـاركـســـي للـفــلـســــفة
1-   مــقــدمــــة         
2-   أوروبا والمصادر الثلاث
3-   مــن الفلســـفة النقـــدية إلــى نقــد الفلســــفة
4-   الـمَـخْـــرَج  مــن الفـلســـــفـة
5-   ظــهور الطــبقة العـاملــة ونهــاية الفلســـفة
6-   الـمـجــتمـع المــدني الـبورجـــوازي
7-   الإيديولـوجــــية هـي حـامـل  تقســــيم الـعـــمـل     
8-    الـشــــيوعـية حــركــة الـواقـــع
 
                         المـلـحـــق الـســـابــع:
                         فــي نظـــرية العــنف
            
 
 
                             
 
                                    المــلحــــق الــثــامـــن:
                                   مدرســـة فـرانكـــــفورت
1- أولا: المـاركـســــية التحـــلـيلـيـة
2- ثـانـيا: والـتر بينديكسى شونفليز  بينيامين  
3- ثـالثـاً: تــيـودور آدورنـو
4- رابـعـــاً: مـاكـس هــوركـهــايمــر
5- خـامــســــاُ: هربرت ماركوز
 
                                الـمـــلـحـق الـتاســـع
      روبـيـسبـيير أو تـعـــلـم الفلســفة بــالـمـمـارســـة الـســـياســية
1-  روبيسبيير، هذا الفكر المُبدِع وليد الممارسة
2-  السياسة من حيث هي مصدر الثقافة والفلسفة
-----------------------------------------------------
                           
                                  المـلـحـــق الـعاشـــر
                                     الإيديولوجيا
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
                     الفصل الأول: مـــقــدِّمَــــة
-        أولا:  جورج لابيكا: في النظرية والممارسـة، مـقاربة مـادية لنظـرية الإِحـداث أو الإعـمالية في أعماله، بقلم حسان خالد شاتيلا
-        ثانيا: ســـتاتـيـــس كــوفــيـلاكـيـــس،
-        ثـالـثا: جورج لابيكا أو نقد نظرية البراكسيس بقلم ح.خ.ش.
-        رابــعـــا: الماركسية بلا مـعــلـم أو مـدرســـة
 
 
  
 
 
          
                أولا:  جورج لابيكا: في النظرية والممارسة
                 مـقاربة مـادية لنظـرية الإحـداث أو الإعـمالية في أعماله
 
 
يُعيد جورج لابيكا عبر أعماله، للمادية التاريخية التي تبلورت في أعمال ماركس، إنجلز ولينين، بعدما يستعيدها من قراءات لها، متناقضة أحيانا، ومتوازية أحيانا أخرى، يعيد إليها معناها من حيث هي إعْمَال مندرج في السياق التاريخي. أي إنها نظرية (إعمالية أو عملياتية) لا تنفصل عن الممارسة الواقعية في سياق تاريخي محدَّد، وذلك في ما الممارسة تندمج، في آن واحد، بالنظرية . فالشيوعية، شأنها شأن الصراع الطبقي، وغيره من مكوِّنات التاريخ، تُشكِّل موضوع المادية التاريخية وذاتها، أو إنها حالات سياسية تاريخية من تكوين المادية التاريخية، لا تَظهَر أو تُعرَف إلا من خلال حركة تغيير العالم، وذلك في ما هي، في الوقت نفسه، تعيد تنظيم النظرية والممارسة عبر حركة التغيير. النظرية تتغيَّر أو تتطور في ما هي تمارس تغيير العالم. النظرية والممارسة من حيث هما حدَّي المادية التاريخية. حدَّان للتعريف بالمادية التاريخية، وإن كان أحدهما لا ينفصل عن الآخر في الإعمال ما بين النظرية والممارسة. غير أن هذه الوحدة الجدلية بين الممارسة والنظرية لا تكشف عن نفسها إلا عبر حالات من الصراع الاقتصادي الاجتماعي، أي السياسي.  هذه الصراعات هي مصدر المعرفة، تبدأ تلقائية عفوية، لتصبح عبر الممارسة، من جهة، والإعمال، من جهة ثانية، ممارسة ومعرفة مُنَظَّمة، أي علما. "إن السياسة البروليتارية كما يراها لينين – حسب ما يكتبه جورج لابيكا في مخطوط له تحت عنوان "عن لينين" – تركيبٌ مستمرٌ، متطور ومتغيِّر، للعلاقة الجدلية بين النظرية والممارسة". إذ إن الصراعات، من حيث هي أعمال ذكية، فإنها هي التي تُنتِج الفكر. كل عمل يصدر عن الإنسان يَحمل معه قدرا من الذكاء الطبيعي. ماكسيمليان روبسبيير مثال حي للعمل الذكي الذي يؤدِّي إلى النظرية. "إذا ما انتفى العمل، على حد قول جورج لابيكا في الحوار الملحق، فإن العدم يحل محل النظرية". فالنظرية هي، بمعنى ما، ما تصل إليه الممارسة وقد بلغت غايتها. إن لينين، قارئ هيجل، حسب ما جاء في المخطوط المذكور أعلاه، "عن لينين"، قاد بلينين إلى النتيجة التالية: "الممارسة متفوقة على النظرية شأنا، لأن رتبتها لا تحوز فقط على الشمول، وإنما تُعْتَبَر، علاوة على ذلك، الواقعي المباشر".
 
إن الدفاع عن المادية التاريخية بوصفها "إعمالا" ما بين الممارسة العفوية والممارسة الواعية المنظَّمة، والنظرية من حيث هي ممارسة متطورة من العفوية التلقائية للجماهير إلى العمل الواعي المنظم، (نظرية إعمالية أو عملياتية)، يأتي كمحصِّلة للحوار الوارد لاحقا، من جهة، متزامنا، من جهة ثانية، مع ما يوجِّهه جورج لابيكا من انتقادات لفلسفة البراكسيس لصاحبها أنطونيو غرامشي. جورج لابيكا استقبل، في حوار معه لاحق بالحوار المنشور هنا، برضى تعبير النظرية العملياتية للعمل والفكر. لا سيما وأن الحوار الملحق يشق الطريق أمام التاريخ والممارسة من حيث هما الحتمية، كحالة من مكونات التاريخ، والتاريخ والممارسة من حيث هما مصدر للمعرفة. إن هذه المقدمة للحوار معه، إذ هي تأتي تحت عنوان "في النظرية والممارسة"، فإنها تعرض، هنا فقط، لهذا الجانب من أعماله ذات الصلة بالممارسة والنظرية. لا سيما وأن هذا الموضوع يشكِّل أحد المحاور الرئيسة للحوار الملحق.
 
إن أي عمل من الأعمال يتطلع إلى أن يكون ماديا، غير أنه لا يضع نفسه في صلب الخطوط والجبهات المتنقلة، المتحركة، لحالات الصراع في المجتمع، ليكتفي بدراسة مكوِّناتها النظرية، ربما يحظى باستحقاق أكاديمي أو تربوي، إلا أنه يبقى أبعد ما يكون عن حيازة الحمولة الواقعية للمادية التاريخية. إن الحوار اللاحق معه، وهو تحت عنوان "في العلم والتاريخ من أجل تغيير العالم" يطمح إلى تبيان أن المادية التاريخية، عنما يتعلق الأمر بالنظرية، فإنها ليست فقط إعمالا للممارسة، وإنما هي، علاوة على ذلك، عملية استراتيجية وتكتيكية، عملية تغيير العالم. هذا هو أحد معاني الأطروحة الحادية عشرة عن فويرباخ: "إن الفلاسفة فسروا فقط، وبصور مختلفة العالم، بيد أن ما يهم هو تغييره". من هنا يظهر "اللبس" الذي يلازم مصطلح الماركسية، حسب تعريف جورج لا بيكا له (1). فلقد فُرِض هذا المصطلح فرضا، تحت تأثير قراءات أكاديمية متباينة، وإيديولوجية، أو الصراعات السياسية بين التيارات الاشتراكية. مصطلح "الماركسية" يَحمل هذا المسمى عن طريق الخطأ، أو من جراء الأسباب المُخَفِّفة للمحكوم عليه. "الماركسية" كمصطلح، غالبا ما حَجَبَت الشيوعية.
 
إن ما يلي من صفحات يُلح على موقِع أو موضع الفعل والتاريخ، ومنها الذوبان ما بين الممارسة والنظرية، في أعمال جورج لابيكا. هذا، كي يتبيَّن ما تحوز عليه من أهمية، عودته إلى الشيوعية/الماركسية من حيث هي السياسة البروليتارية، نِتاج جدلية الممارسة والنظرية، وقد أضحت استراتيجية سياسية مبنية على أسس من صراع الطبقات وعلاقات القوى. لذا، فإن أعماله تذكِّرنا بأن الوقت قد حان كي ما نتخلَّص من الثقافة كثقافة، وغيرها من الانحرافات التي غزت واجتاحت الماركسية.
 
1)- مقاربة تمهيدية للنظرية والممارسة:
إن الحدث التاريخي، من حيث هو وقائع سياسية اقتصادية اجتماعية عسكرية، إلخ، وقائع تغيِّر في مجريات المسار السياسي الاجتماعي، تقلبه رأسا على عقب، أو تمس بالتغيير التكوين الاقتصادي الاجتماعي، ومنها على سبيل المثال لا الحصر، الثورة الفيتنامية، أو سقوط حائط برلين، نكسة الوحدة السورية المصرية وهزيمة الخامس من حزيران 1967، تجسِّد ما للممارسة والحدث، من حيث هو وقائع مادية موضوعية، سياق تاريخي وظروف موضوعية، من أفضلية في ما يتعلق بصياغة النظرية. "إن المفاهيم، على حد قول جورج لابيكا في الحوار معه، هي نِتاج التاريخ. فماركس، على هذا النحو، لم يبحث عن الجانب النظري لديكتاتورية البروليتاريا عبر تأملات فلسفية، وإنما عَثَرَ على الصراع الطبقي في كومونة باريس". إن "المفهوم"، حسب ما يراه كاتب هذه الأسطر، ملتصق بالفلسفة بلزاق المثالية والعقلانية والتجريبية والذرائعية. في ما هو، وفق المادية التاريخية، "حالة" من الممارسة بعدما أصبحت واعية ومنظَّمة استراتيجيا. لاسيما وأن المفاهيم كالمقولات، ومنها الدولة أو الصراع الطبقي،  َيخضَع، حسب المادية التاريخية، للتغيير، من حيث المضمون والشكل، وإن كانت المكوِّنات التاريخية ثابتة ومستمرة، كالصراع الطبقي، على سبيل المثال. لذا، فإن المفاهيم أقرب ما تكون إلى الحالة التاريخية الواعية، أو الممارسة وقد تمخضت عن استراتيجية سياسية مُنَظَّمَة وواعية، منها إلى المقولات المنطقية، والمفاهيم الفلسفية والعلمية. *
 
وإذا كان جورج لابيكا يَعترف بما للوحدة الاندماجية للنظرية والممارسة من أهمية في المادية التاريخية، ومن جانبها الاستراتيجي الثوري بوجه خاص، إلا أنه لا يُغْلِق على هذه الوحدة في إطار من نظام فلسفي عقلاني، وإنما يُرجِع أهميتها إلى الممارسة المادية والسياق والظروف التاريخية.
 
إن مصدر وحدة النظرية والممارسة يعود إلى أن الأولى كالثانية تكوينٌ مادي، أو، بتعبير آخر، من نتاج التاريخ، أو المادية التاريخية إذا توخينا الدقة. إن الممارسة تَدمج الفكر، من حيث هو ممارسة بلغت حالة التنظيم والوعي الاستراتيجي، وليس من حيث أن الفكر تكوين مستقل عن الممارسة. الفكر، بدوره، ممارسة بلغت حالة الوعي، وهو من لبنة الممارسة وعجينتها، وليس له أي استقلال عن الممارسة. ثمة ما بين الممارسة والنظرية اتصال لا محلَّ فيه لأي انقطاع معرفي. جاء في مخطوط لجورج لابيكا "عن لينين": "إن هذه المادية لدي كل من ماركس وإنجلز، حسب ما يراه لينين، لا يقف عند عتبة التاريخ والممارسة، وإنما هما يجمعانهما جمعة شاملة. إنهما يجمعانهما بهذا الشكل، حتى أن معنى التحليل التاريخي لا يستوي له وعيٌ ما لم يستند إلى التاريخ، وعلاقات القوى، ودمج الممارسة بالتفكير السياسي. أي إننا لن نكون مثاليين عندما يتعلق الأمر بالتاريخ والسياسة، بمقابل أن نكون مجرد ماديين في الفلسفة".
 
ثم إن العلاقة ما بين النظرية والممارسة ليست علاقة معرفية (إبتسمولوجية)، ذلك أن ظهور البروليتاريا الذي تجلَّى في أحداث تاريخية عظمى، ثورة عمال النسيج في ألمانيا، ثورة 1948 في فرنسا، ثم كومونة باريس ( 1971)، أفضى إلى ثورة شاملة امتدت واتسعت إلى حد يصل إلى القطيعة مع الفلسفة، والمعرفة محض النظرية، والإيديولوجيا. الانحياز الشيوعي إلى جانب البروليتاريا يأتي عن هذه القطيعة. فالبروليتاريا وثوراتها هي التي تغيِّر حيز المعرفة، فتنقله عبر القطيعة مع الفلسفة والإيديولوجيا من حيِّز المعرفة الفلسفية إلى حيِّز المادية التاريخية. إن ظهور البروليتاريا، بتكوينها الاقتصادي المجتمعي، وممارساتها المناهضة للأيديولوجيا السائدة، يفضي إلى قطيعة كاملة وحاسمة مع الفلسفة والأيديولوجيا، ويَفرض هذا التكون الثوري للبروليتاريا، من حيث هي طبقة، المادية التاريخية. فلقد فَصَلَت المادية التاريخية حيِّز العلاقة ما بين النظرية والممارسة عن الفكر الفلسفي، وحاضنته الإيديولوجيا. دحضت هذه العلاقة  إلى حد القطيعة الكاملة ما بين المادية التاريخية من جهة، والفلسفة والأيديولوجيا من جهة ثانية. هذه القطيعة هي الشغل الشاغل لأحد أعمال جورج لابيكا الرئيسة، والذي يَحمل عنوان "الحيِّز الماركسي للفلسفة" Le statut marxiste de la philosophie     . 
المادية التاريخية، من حيث هي المعرفة الجديدة التي ترافق ظهور البروليتاريا كطبقة مجتمعية لم تعد معرفية فلسفية ، وإنما أضحت معرفة مصدرها الممارسة التي تُشكِّل تكوين المعرفة، وليس مصدرها فحسب، وإنما تطورها أيضا من ممارسة عفوية تلقائية انعكاسية للواقع المادي الموضوعي، إلى ممارسة واعية مبرمجة موضوعية ومنظَّمة تنظيما سياسيا، في أحزاب، ونقابات وجمعيات. العمليانية، أو ما يدرج على تسميته خطأً معرفةً أو نظريةً، إنما هي حسب المادية التاريخية لدي ماركس، إنجلز، لينين، وغيرهم كثرٌ، هي علمٌ،  أو هي ممارسة أصبحت معرفة دون أن يتغير تكوينها من حيث هو ممارسة متطورة تنتقل من العفوية والتلقائية، والانعكاس الميكانيكي التلقائي، إلى الممارسة الواعية المنظَّمة، إن من حيث التنظيم السياسي والنقابي والحزبي، أو إن من حيث التنظيم الاستراتيجي الثوري، والبرنامج السياسي.  المادية التاريخية، بهذا المعنى، استراتيجية عملياتية نضالية وحربية. أي إن العلاقة  ما بين النظرية والممارسة علاقة عملياتية، من نِتاج مستديم ومتغيِّر للممارسة التاريخية بجانبها الواضح الظاهر والعياني، وما كان منه أيضا،  في طيِّ المجهول، الكامن المَخفي.
 
2)- الماديةُ التاريخية قطيعةٌ ثورية مع الفلسفة والمعرفة محض النظرية: أولوية السياق التاريخي:
هنا، إذن، يرتسم الخط القاطع الذي يفنِّد كل تفسير مثالي لوحدة النظرية والممارسة، وللعلاقة ما بين هذين الحدين. ذلك أن التفسير المثالي يمنح الأولوية والتفوُّق للنظرية.  منشأ هذا الاختلاف، هنا، يرجع إلى واقع مادي مؤدَّاه أن موضوع وفاعل هذه الوحدة ما بين النظرية والممارسة إنما يندرج في السياق التاريخي. هذا السياق، هو نفسه ما يرافقه ويلازمه من تغيير في الواقع تغييراً جديداً محدثاُ، يطال من الحرب الطبقية، والنضال ضد الإمبريالية، وغير ذلك من مكوِّنات التكوين الاقتصادي المجتمعي، ونمط الإنتاج. هذه المتغيِّرات المادية الموضوعية، اقتصادية، مجتمعية وسياسية، فضلا عن الإيديولوجية، تُملي قوانينها على حيِّز النظرية، وتغيِّر من مكوِّناتها وفقا لموازين القوى، نمط الإنتاج وصراع الطبقات. ذلك أن هذه العلاقة فيما لو أُخذت بمفردها، وبمعزل عن السياق التاريخي، وإذا ما تجاهلنا ما بين الحدين من وحدة حسب المادية التاريخية (النظرية والممارسة هما الركيزتان الماديَّتان للمادية التاريخية)، وتجاهلنا المتغيِّرات التطوريَّة المتحوِّلة، والمستديمة، عبر السياق الموضوعي التاريخي، فإنها تقود إلى الخلط مجددا ما بين الممارسة والنظرية، والفصل ما بين المادية التاريخية والمادية الجدلية، واعتبار الأولى منهما تطبيقا للثانية. أي إن المادية التاريخية، إذ هي تغيِّر الواقع، فإنها تتغيَّر بدورها. بتعبير آخر، فإن المادية التاريخية، من حيث هي وحدة الممارسة والوعي، تغيِّر الواقعي الموضوعي، وتتغيَّر بدورها معه.
 
لا تَأخذ الممارسة السياسية من وجهة النظر هذه حيِّزا لينينيا بين غيره من العمليات، ذلك أنها تَشْغَل موقع الأساس في كل مداخلاته وأعماله، ما دام نمط الممارسة للنظرية هو الذي يجعل منها تحليلا ماديا. الأمر الذي يَحمل جورج لابيكا على كتابة ما يلي: "إن ما يقود لينين في كتاباته الفلسفية، وهي أبعد ما تكون عن الفلسفة، وذلك في إشارة إلى مؤلَّفه "كرَّاسات  حول هيجل"، بالإضافة إلى الملاحظات التي كان لينين يسطِّرها على هامش هذا الفيلسوف وذاك، وبوجه خاص لدى قراءته لهيجل، ينتهي إلى النتيجة التالية: إن هذا الاتصال ما بين الشامل والواقع الحاضر أمامنا، هنا والآن، الممارسة الحالية والمباشرة بالمعني الشمولي ،هو الذي يشرح لنا ، ويكشف لنا، عن الأسباب التي نجدها في قلب وصميم اللينينية، والتي تُبيِّن كيف أن  الممارسة السياسية لدى لينين تستند إلى المادية". إن مقاربة لينين في هذا المنحى، في ما يتعلق  بما تحتله الممارسة من حيِّز، يعود بها جورج لابيكا إلى "ماركس نفسه في مطلع مؤلَّفه :"العمل المأجور ورأس المال"، تؤكد إن مقاربة ماركس التي يتمسك بها ليست مقاربة نظرية بالمعنى التقليدي لما هو محض نظري. هنا يُسجِّل لينين: إن ملاحقة صراع الطبقات في تاريخها اليومي، هي صيغة تترك صدى صيغة لماركس الشاب وصديقه إنجلز...: هذا هو ما يستخلصه لينين ويحتفظ به". بل، وإن جورج لابيكا يلح في عمله "كارل ماركس أطروحات فويرباخ" على الوحدة ما بين المادية والممارسة. "ها هنا توجد – على حد قول لابيكا – أكثر الأطروحات وضوحا في "أطروحات فيورباخ"، وذلك وفق منطق الماركسية –(2). فالاتصال المشار إليه أعلاه يعني مادية الممارسة، طالما يرتبط الاتصال المشار إليه حسب حيِّز المادية والممارسة، والمشار إليه أعلاه، ارتباطا لا يتخلله أي انقطع، ويتعلق أحدهما بالآخر. هذا لأن نقد  المذهب المادي الميكانيكي، من جهة، ونقد المادية التاريخية من جهة ثانية، يقود إلى التعارض بين المادية الحدسية التأملية وبين مادية الممارسة التاريخية الجدلية، ويحل مادية الممارسة محل المادية الأولى.
 
إن ما هو طاغ في أعمال لينين، حسب ج. لابيكا، هو السياق والممارسة السياسية. "إن ما هو مسيطر – حسب ما يكتب جورج لابيكا، هو، إذن، الممارسة السياسية، والاتصال ما بين النظرية والممارسة، هذا الاتصال الذي يَمتحن الأفكار على محك التناقضات الواقعية. أعمال ماركس هي الدليل الذي يملي علينا الدفاع عنها في مواجهة كل الأخطار الي تهدِّدها، وكل ما تدسه الإيديولوجية البورجوازية واسعة السيطرة من جراثيم. فلنلح على التنبيه إلى الممارسة السياسية كما ينقلها لينين. ولنلح أيضا على واقعة مؤداها أن الثورة تؤدي دوما، أو كلما ظهرت ثورة جديدة، إلى ابتكار أنظمة جديدة كي ندركها، وكي نجعلها مستمرة، ومن أجل إنجازها. إن عمل المفاهيم والممارسات يهدف إلى إدراك وتقدير علاقات القوى بصورة الأقرب إلى الواقع، سواء في داخل البلاد، كما على الصعيد الدولي ما بعد العام 1917".
 
فلنشر إلى أن هذا الانتقال الثوري من التحليل المثالي لمعرفة المجتمع والإنسان، إلى التحليل المادي لها، عبر الاتصال الجدلي ما بين الممارسة والنظرية، والذي يعطي كلا من السياق والميدان السياسي حيزهما  بالغ الأهمية، من حيث هما حيِّز المعرفة وميدانها، فإن جورج لابيكا يوضح بقوله: "إني اعتقد أن ذلك هو معنى مقاربة لينين للمادية التاريخية، ومعنى أعماله. حتى أن السياق يشكِّل الموضوع المركزي في أعماله وكتاباته (5)". فأعمال لينين، حياته وكتاباته، هي من أولها إلى آخرها، ومن ألف إلى الياء، ترافق السياق. "إن ما يجعلنا ندرك طوال أعمال لينين كيف كان يعجن عجينة التاريخ، فإن المفاجآت لا محل لها إذا اعتبرنا أن أعماله هي انخراط  لا انقطاع فيه بين أعماله وأفعاله وحياته من النمط النظري، ومثيلاتها من النمط السياسي. حينئذ ندرك بصورة جليَّة أن هذه الأعمال مجتمعة تشكل المرافقة أو المواكبة للعمل السياسي انطلاقا من الإعمال المتصل، غير المنقطع، ما بين الممارسة والنظرية، على مسارٍ من السياق" (6).
 
3)- المادية التاريخية ثورة سياسية مضادة للمعارف المثالية والمنطقية والتجريبية  و(العلمية):   
هذه الممارسة متفوقة على غيرها ضمن مجموعة من العمليات الشمولية، مجموعة من العمليات تشكِّل في ما بينها المادية التاريخية. فإذا كانت هذه العمليات المندمجة في كل شامل تشكّل ثورة في مجال المعرفة، فإنها تشكِّل أيضا ثورة سياسية عبر الحزب، وموازين القوى، ونمط الإنتاج، والثورة، وغير هذه وتلك من العمليات المكوِّنَة للتاريخ. الأمر الذي يعزِّز حيِّزَ الممارسة والسياسة في المعرفة. إن هذا الانتقال، حسب نقدية جورج لابيكا، من الفلسفة إلى السياسة من حيث هي ميدان للمعرفة والممارسة، يَحمل جملة من نقاد الماركسية الشيوعيين، ومنهم على سبيل المثال أندري توسيل André Tosel على اتهام لابيكا بأنه يبالغ أكثر من اللازم حينما يُسَيِّس الماركسية إلى هذا الحد. إلا أن تسيِّس الماركسية إن صح التعبير، يحيل السياسة في أعمال لابيكا إلى المادية التاريخية. المادية التاريخية مجموعة شاملة من العمليات السياسية. أو هي مادية تاريخية يُحاز عليها بالمفردات السياسية: كصراع الطبقات، موازين القوى، نمط الإنتاج الرأسمالي، الدولة، الثورة، الحزب، التكوين الاقتصادي الاجتماعي، الإيديولوجيا والبروليتاريا. لينين هو الذي يوضِّح أحسن التوضيح هذا التراكب بين السياسة والمادية التاريخية. "إن ما نجده، على حد قول لابيكا، في صميم اللينينية، هو الممارسة السياسية التي تجد في المادية التاريخية سنداً تأسيسيا لها (7)". فالسياسة، بهذا المعنى، حالة من حالات المادية التاريخية.  فإن "الحزب، كما يوضِّح لابيكا في الحوار معه، ناجمٌ عن هذا الاتصال غير المنقطع ما بين المعرفة المادية، وأوضاع الطبقة العاملة ومواقفها. والحال أن للطبقة فكرا، والحزب الشيوعي يمثِّل فكر الطبقة العاملة طالما يبقى حزبها". إن المعرفة تَنتقل، على هذا النحو، من حيِّز المعرفة التأملية الشمولية كي تخلي مكانها للطبقة.
 
هذه المقاربة الإحداثية، العملياتية أو النظرية العملياتية، مُتضمَّنة بالعمل السياسي، في ميدان الصراعات المجتمعية، والإيديولوجيات الطبقية. هذا هو حيُّزها، حيَّز عملها. إن هذه الممارسة للنظرية لا يستقيم لها معنى ما لم تُنجز عملياتها. أي إنها لا تحوز على معناها ما لم تعمل ضمن الشروط الموضوعية المفروضة عليها عبر الممارسة من الخارج كي ما تغيِّر من هذه الظروف. فلنقل فورا ودفعة واحدة أن لابيكا يَفهم مسألة تغيير العالم باعتبارها مرتبطة بصورة اندماجية بالنظرية، من حيث أن النظرية من حيث بنيانها هي نظرية هذا التغيير، بل وإنها نظرية التغيير، وليست أبدا مجرد نظرية ليس غير. إن ماركس مَعنى، حسب ما يكتب لابيكا، مَعنى بالمقام الأول في مؤلَّفه "رأس المال"، بتغيير العالم، حسب ما  تُعبِّر عنه الأطروحة الحادية عشرة لفويرباخ (إن الفلاسفة فسَّروا العالم، ليس غير، كل بصورة مختلفة عن الآخر، غير أن المهم ليس ذلك، وإنما تغيير العالم).إن ماركس، على هذا النحو، يدشِّن عملية علمية، ومسار من الاكتشافات، بيد أنه يتركها بطبيعة الحال غير مكتملة. والحال أن عملية البناء هذه، ولما كانت تُعنى ب/"الكون التاريخي" (التاريخ من حيث هو كون) (لويس ألتوسر)، فإنها لم تأتِ إلا بصورة لاحقة لسابقاتها من عمليات اكتشاف غيرها، ومنها، على سبيل المثال، الفيزياء، فإنها تَحْمُلُ بصورة لا مثيل لها في ما سبقها، على إعادة البناء بمجمله، ومنه المعارف والممارسات.  كيف لنا أن ندرك، بوجه خاص كلمة "فلسفة"، دون أن نحرمها من معناها منذ الفجر اليوناني، ما كان يطرأ من تغيير للظروف المادية للوجود، حيث يتغيَّر الناس بتغيير أنفسهم، فيقلبوا، في الوقت نفسه ودفعة واحدة، الأفعال التي لا تنفصل نظريا وبالممارسة عن هذا المجرى التاريخي.  الجواب لا يكمن بتغيير الأشكال السابقة للمعرفة، وكفى، وإنما يكمن في إعادة بنائها (8)". جورج لابيكا يبدو أكثر وضوحا في ما يتعلق بالمادية أو النظرية، عندما يشير في مخطوطه "عن لينين"، "إن تغيير العالم ليست وجهة نظر شمولية، وإنما هي معاينة تُلْزِمُ الماركسيين بإعمالها أو إدراجها في مجال الممارسة، وذلك في حالة بعينها. ويضيف لابيكا فيشير إلى أنه يردِّد في غالب الأحيان العبارات القائلة: إن الماركسية والتكوين الاقتصادي الاجتماعي يحيل أحدهما للآخر".
 
جاء في "معجم الماركسية النقدي"، أن النظرية، حسب ما يشير إليه استاذ الفلسفة محمد الملفي في تقديمه لجورج لابيكا أمام جامعة وهران بالجزائر في العام 2007، أن النظرية بعكس ما كانت غالبية الأنظمة الفلسفية المتقدِّمة على ماركس، تكفُّ مع مجيء ماركس وإنجلز، ونشر "الإيديولوجية الألمانية"، تكفُّ عن حيازة قيمة الاستقلال الذاتي، كي تُوْضَعَ موضع امتحان المعايير، والظروف المادية، والممارسات، امتحانها لها لتبعيتها لها، وارتباطها بها. ذلك أن هذه العملياتية في سياق محدّد قوامه قوانين التاريخ، والطبيعة والمجتمع، هي التي تُسمِّي هذه النظرية ب/"المادية التاريخية"، حيث العلم يتجدَّد من حيث هو معرفة، وذلك في ما هو يكتشف في نفس الوقت أن التاريخ يتجدَّد إلى ما لا نهاية. الأمر الذي يقود ب/ستاتيس كوفيلاكيس (*)   Stathis Kouvélakis  الذي يُؤثِرُ ، حسب ما يكتبه في
 
مقالة له منشورة لاحقا طي هذا الحوار، عبارة "مفاهيم محدودة"، وذلك  في إشارة له تفيد بان مكوِّنات المادية  التاريخية في أعمال ج. لابيكا، كصراع الطبقات أو نمط الإنتاج الرأسمالي، تخَضع، على حد ما يكتبه، للتحوُّلات. تخضع، بمعنى آخر، لقوانين تغيِّر العالم في ما هي تحتفظ بجوهرها.  بل، وإن من جوهر هذه "المفاهيم المحدودة" ما هو عرضة للفناء في شروط موضوعية محدَّدة، كصراعات الطبقات، والدولة، إلخ، والتي تفنى بفناء نمط الإنتاج، (كالرق والعبودية، الدولة في المرحلة الشيوعية، إلخ).
 
يُعطي جورج لابيكا للسياق التاريخي بالمعنى اللينيني مكانة الأولوية، طالما تَستمد الماركسية معناها أو مفاهيمها المحدودة من تغيير العالم، وما لم تُكَرَّس ماركسية ما لبناء العالم الشيوعي، فإنها لن تحوز على المفهومين معا، أي إنها ليست شيوعية، وليست ماركسية. إن الأعمال النظرية لجورج لابيكا بصفته أستاذا جامعيا للفلسفة السياسية، ومديرا للأبحاث في المركز الفرنسي للأبحاث العملية CNRS ، وبصفته أيضا مواطنا في عالم ملتَزِم  بالصراعات من أجل التحرر المجتمعي والقومي، وإذا كان لابيكا يمثِّل ماركسية هي، من الوجهة النظرية،  ماركسية الممارسة السياسية، بشرط أن يُفهم من المفهوم المحدود لهذه "الممارسة"، أنها، هي نفسها، المادية التاريخية، فإن مقاربته النظرية تهدف أولا وأخيرا إلى الكشف عن أهمية "السياق"، وأهمية الإعمال والنضال ضمن "السياق" التاريخي. إن لابيكا يكرِّس معظم أعماله، حسب ما يتوضح عبر الحوار المنشور لاحقا، لنضال الانسان الشيوعي ضمن تحرُّك وتَنَقُّل خطوط الجبهات النضالية أو القتالية ضمن الصراع في المجتمع. لذا، فإن أعماله، بهذا المعنى، تَخْرُجُ، على هذا النحو، وعلى مسار "الإيديولوجية الألمانية" لكارل ماركس وفردريك إنجلز، تَخْرُجُ من الفلسفة، لتأخذ على غرار ما يأتي في "البيان الشيوعي"، مسارا شيوعيا، إحداثيا،إعماليا أو عملياتيَّاً.
 
4)- الشيوعية هي هدف الماركسية:
يتبيَّن من الحوار اللاحق أن لابيكا يَعْتَبِر "أن الشيوعية هي التعريف الوحيد للخروج من المنازعات بين المدافعين عن الماركسية"، فلسفةً كانت هذه المبارزات، أم نظرية تحليلية، إلخ. أية شيوعية إذَن؟. "الشيوعية، على حد قوله، من حيث هي إبداع علمي". فإن الشيوعية تعيد للتاريخ/للصراعات/ للممارسات/ أولويَّتها في حيِّز المعرفة. ويُضيف، حسب ما يأتي في الحوار اللاحق، إلى أن "التجربة إذا هي لم تتقدَّم على الفكرة، فإن المعرفة تضحى ضربا من المستحيل".
 
فهل يَعْتَبر لابيكا نفسه شيوعيا قبل أن يكون ماركسيا ؟ فإذا كان هذا السؤال جدلا لا معنى له، أو هو ضربٌ من الَّلهو، لاسيما وأن من الصعوبة بمكان رسم خطٍ فاصلٍ ما بين الشيوعية والماركسية، فإن التمييز، بالرغم من ذلك، ما بين الماركسية والشيوعية ذو تاريخ واقعي.  فإذا ما وُجِّهَ إليه السؤال لمعرفة الأسباب التي تجعل من الماركسية والشيوعية خطين متوازيين، تجده يجيب "إن التاريخ هو الذي يقود إلى التمييز بين الماركسية وقد أضحت تعليما أكاديميا، وبين ماركسية ثانية ظلَّت نظرية نضالية". فقد قاد "الإهمال الذي يلحق بهذه العلاقة ما بين النظرية والمعرفة، قاد إلى تكريسٍ للدراسات النظرية والثقافية، مما أدَّى إلى الانزلاق إلى ما لا علاقة له بالعلاقة ما بين النظرية والمعرفة. ثمة أيضا تأثير الستالينية مادامت "تربية الطقوس والتكرار في ما يتعلق بالحزب، دون العودة إلى معايير النقد، انتهى إلى ترسيخ القطيعة ما بين النظرية والمعرفة، القطيعة ما بين المثقفين والطبقة العاملة، والقطيعة ما بين الماركسية والشيوعية"، والقطيعة ما بين المادية التاريخية والمادية الجدلية، طالما يعتبر أن الأولى مستقلة عن الثانية، وأن الثانية ماهي سوى تطبيق مستقل للأولى. الأمر الذي يشكِّل مفارقة لأن الشيوعية هي هدف الماركسية". وينجم عن ذلك أن العودة إلى وحدة النظرية والممارسة، مع الإلحاح على أولوية الممارسة والسياق، ناهيكم والتاريخ، هو الذي يَحُول دون كسوف الشيوعية تحت تأثير هذه الماركسية وتلك. إن المادية الإحداثية، الإعمالية (او العملياتية)، هي ذاتها الشيوعية، وذلك، على أقل تقدير، من جراء النمط الشيوعي للممارسة. إن ماركسية ما، على حد قوله، لا تبلغ إلى الشيوعية، فإنها ليست ماركسية.
 
5-) الأولوية للسياق الموضوعي والممارسة:
تُشكَّل أعمال جورج لابيكا قطيعة مع تقاليد يزيد عمرها عن المائة سنة، والتي تُغلِق على الماركسية في سجن الفلسفة، أو في قلعة العقيدة، إن لم يكن في الحصن المنيع لنظام فكري اقتصادي، أو اجتماعي. فإذا كانت أعمال لابيكا لا يُغلَق عليها في ماركسية ما أيا كانت هذه الماركسية، فإن أعماله، بالمقابل، تضع الشيوعية في المقدمة، ذلك أن ما يَمنحه من اهتمام بالنظرية لا يتعدَّى النظرية نفسها طالما هي بصورة جوهرية ممارسة الإحداث، إعماليه أو عملياتية. إنها ماركسية مناضلة بالمعنى المتعدد الأبعاد، ماركسية مكسيميليان روبسبيير، ماركسية الكومونة، أو هي صورة طبق الأصل للينين حسب ما يؤكده في مخطوطين اثنين له "عن لينين" و "فلاديمير إيليش".  إنها ماركسية العودة إلى الشيوعية بعدما تتخلَّص من انحرافاتها الفلسفية، والاشتراكية الديمقراطية، والمنهجية، والتحليلية، والبيروقراطية، وبراكسيس غرامشي، وعلم الاجتماع السياسي أو الاقتصادي، وغير هذه وتلك من مذاهب وعلوم ومدارس تزعم لنفسها أن الماركسية تقف حيث هي، أو حيث ما هم وصلوا إليه، ثم أقلعوا عن البحث والعمل. فأعماله تلِّح، كما يتضح في الحوار المقبل، على التماهي بين الماركسية وبين الشيوعية. تماهٍ لطالما انحاز في منحى علمي، فلسفي. بمعنى آخر، فإن النظرية، من حيث هي السياسة البروليتارية، فإنها عمل وفكر متماهية بتغيير العالم. إنها السياسة، من حيث هي، حيِّزٌ من المعرفة والفعل، ومن أجلهما. فإن المعرفة العلمية التي ترافق تغيير العالم إلى ما لا نهاية، وتمهِّد له، لا تنتمي، لدى لابيكا، إلى الميدان الفلسفي، والمدرسي، والجامعي، والأكاديمي، والمنهجي، والعلوم الجامدة. إنما هي تنتمي إلى السياسة، من حيث هي معرفة مادية جدلية تاريخية. فإذا كانت السياسة بهذا المعنى معرفة مادية تاريخية، فإنها، في أعماله، ليست معرفة أخرى غير المادية التاريخية، بعدما تخلَّصت هذه الأخيرة من ذاك الخليط المزيج من السياسة والعلم والتاريخ وعلم الاجتماع وعلم الاقتصاد، وعلم الاجتماع السياسي، إلخ. إذ إن الانزياح العظيم للمعرفة، مع ماركس وإنجلز، أي مغادرة المعرفة للفلسفة وقطيعتها معها، إنما يلازمه انتقالٌ للمعرفة من الانحرافات المذهبية والعلمية إلى المادية التاريخية من حيث هي كلٌ شاملٌ، أي السياسة، والتاريخ، والطبيعة، والعلم، والمجتمع، حسب ما تبيِّنه الأطروحة الثانية من أطروحات فويرباخ.  (إن التساؤل في ما يتعلق بمعرفة ما إذا كان يجب أن يُمنَح للفكر الإنساني حقيقةً موضوعية، ليس مسألة نظرية، وإنما هي مسألة ممارسة. ففي حيِّز السياسة يجد الإنسان الحقيقة، أي الواقع الفعلي مقرونا بالقوة، من حيث هما يشكِّلان الطبيعة الدنيوية للفكر. وإن الخلاف ذات الصلة بتبيان فاصل ما بين واقعية الفكر الفعلية من عدمه – وهذا خلاف لا علاقة له بالواقع – وإنها مسـألة محض مدرسية). ويعلق لا بيكا على الأطروحة الثانية، فيكتب "إن ما تأتي به الأطروحة الثانية لفويرباخ ذات أهمية قصوى. ذلك أنها تُحْدِثُ ثورة في نظرية المعرفة، سواء أكانت تزعم لنفسها أنها مثالية، أو مادية، ثورة في ما يتعلق برفضها النهائي القاطع لكل مفارقة بين الذات وبين الموضوع، سواء أكانت هذه المفارقة داخلية، حسب الفكرة لدي هيجل، أو شروط المعرفة لدى كانط، أو مبدأ أنطولوجي حسب فويرباخ. إنها في ما تحمله من أبسط المعاني يقول: الفكر من نمط الممارسة (الإعمالية أو العملياتية) ، وإنه ممتنع عن الإدراك، ولا تُحيطُ به أية معرفة ما لم تلازمها الممارسة؛ إنها ممارسة"(9).
 
تمضي بنا أعماله إلى المعرفة بعدما انتقلت من ميدان إلى آخر، هو ليس ميدان النظرية، وإنما هو الحيِّز السياسي، حيث تمارس النظرية العملياتية استراتيجيتها وتكتيكها في التاريخ، الطبيعة والمجتمع، أي المادية التاريخية. هذا الإعمال يتكوَّن نظريا بصورة مُنَظَّمَة وفق قوانين التاريخ/الطبيعة/المجتمع الإنساني/ والطبقة العاملة ومنظَّماتها الثورية. كي يترتَّب عن ذلك، القطيعة مع النظرية ما لم تكن إعمالية أو عملياتية، نظرية قوامها الاتصال المستمر ما بين الممارسة والوعي المادي، أو المعرفة المادية، فإن هذا الاتصال يتكوَّن من انتقال الممارسة من التلقائية والانعكاس وردود الفعل، إلى الممارسة المنظَّمَة الواعية حزبيا ونقابيا. والحال، إن انكفاء النظرية العملياتية على الصعيد العام والعالمي، وذلك على غرار ما نحن عليه في ما يتعلق بالأممية البروليتارية، يؤدي، بالتالي، إلى غياب الحزب الشيوعي القادر على إطلاق الثورة قوميا وأمميا.  إن مؤلفاته تقود ما بعد ماركس وإنجلز ولينين، إلى القطيعة مع النظرية والمعرفة، ما لم تكن كلا منهما اتصالاً مستمراً ما بين الممارسة والمعرفة وليدة الممارسة، إن لم تكن هذه المعرفة المادية هي نفسها الممارسة وقد نضجت عبر الصراع الاجتماعي والاقتصادي والإيديولوجي. ثمة هنا قطيعة معرفية إحداثية، إعمالية ثورية، حاسمة مع الفكر سجين قلعته الحصينة، وقطيعة مع المدارس الفلسفية، وقد  تحرَّرَت الماركسية /الشيوعية من الأنظمة الفكرية والمدارس والعقائد، كي تجعل من السياسة أو المادية التاريخية حيِّز الإحداث الإعمالي  للممارسة المتصلة بالمعرفة اتصالا خلواً من التقطع والانفصال، أو كي تجعل من السياسة ميدانا للمعرفة والممارسة، وقد استعادت النظرية ماهيتها، من حيث هي جوهريا ممارسة.
 
ولما كانت العولمة النيوليبرالية تسيطر على عالمنا اليوم، فإنها تُعتَبَرُ مصدرا جديدا لتحديث الشيوعية، وذلك على نحو ما يوضِّح ذلك في مؤلفه "الديمقراطية والثورة"، ثم في "نظرية العنف"، ومن خلال كتاباته على امتداد السنوات الخمس الأخيرة من حياته. ففي أعماله هذه - الحوار معه ينقل عيِّنات من أعماله الأخيرة – يدعو إلى شيوعية السياسة البروليتارية وقد تحرَّرت من الانحرافات الفلسفية، الثقافية، كي تُعيد للثورة مصداقيتها. أعماله، مؤلفاته، نضاله، تَحُثُ على أولوية نظرية السياسة البروليتارية التي تترجم عن تاريخ الصراعات، وتحرَّضُ كي تأخذ نظرية السياسة البروليتارية المقام الأول، وكي تتقدَّم على سواها في جميع الميادين والمجالات، بحيث تعود من جديد مُحَمَّلَةً بالمعرفة العلمية. لويس ألتوسر من جهته، كتب مؤلفه الشهير "قراءة رأس المال"، تحت تأثير شاغله الشاغل حينذاك، كي يعود بالشيوعيين إلى المنابع، بعدما أغلِقَ عليهم وراء جدران القلعة الحصينة، قلعة الأيديولوجية الرسمية للأحزاب الشيوعية. لابيكا، من جهته، كان حريا به أن يردَّ على ألتوسر، كي يعيد للماركسية كامل معناها من حيث هي الشيوعية، وصراع الطبقات، والأممية البروليتارية. كان يتوجب عليه للرد على التوسير أن يؤلِّف كتابأ بعنوان "قراءة البيان الشيوعي". الواضح أن الاختلاف بين لابيكا وألتوسير واسع ، وهو نوعي. فلابيكا يُعطي الأولوية للعمل الذي يتحول إلى نظرية دون أن يقطع اتصاله المستمر مع العمل، في ما يُعطي ألتوسير، خريج المدارس اليسوعية، يُعطي، على غرار اليسوعيين، الأولوية "المقدَّسَة" للفكر، الذي يتوه إلى ما لانهاية – على حد قول لابيكا – في عالم الفكر، النظريات والتنظير، وينتقل من الفكر إلى الفكر. إن لابيكا  يوافق – حسب ما يأتي في الحوار اللاحق -على مقاربة من هذا المثيل، البيان الشيوعي مقابل ألتوسر "قارء رأس المال"، حتى وإن كانت بعض مكوِّنات البيان الشيوعي – على حد قوله –  لا تردُّ على مكوِّنات واقعنا الحالي.
 
يشير أندريه توسيل   André Tosel في  قاموسه "الفلاسفة"، إلى أن جورج لابيكا "مدافع عن لينينية معادية للستالينية" (مرجع سابق). إن أعماله الممتدة عبر خمسة عقود تُعنى بتوضيح العلاقة غير القابلة للانفصال ما بين الماركسية والشيوعية. إن الشيوعية، حسب ما يأتي لاحقا في الحوار، هي الهدف النهائي للماركسية. هذا التماهي ما بين الشيوعية والماركسية يعود برأيه، من جهة، إلى أن البروليتاريا تحمل معها المعرفة، إن لم يكن العلم، على أن تَحمل هذه المعرفة العملية اسم "المادية التاريخية". كما يعود هذا التماهي ما بين الماركسية والشيوعية إلى أن المعرفة قد غادرت دونما عودة، مع ظهور الثورات العمالية في فرنسا وألمانيا، ومع ظهور الروابط العمالية في بريطانيا، وما بعد الثورة الفرنسية (1789)، غادرت ميدان الفلسفة لتقيم في ميدان السياسية (10). أي إن ظهور البروليتاريا من حيث هي قوة ثورية يؤدي إلى انتقال المعرفة من الحيز الفلسفي لها، إلى حيِّزها السياسي. جاء في مدخل البروليتاريا في معجم الماركسية النقدي (11 )، أن ماركس، بعد أن أقام بصورة مؤقتة في المنزل الفلسفي، يكتشف الحدود الضيقة للفلسفة، وأن ثورة عمال النسيج في سيليسيا قد ذهب بالمعادلة: الفلسفة/البروليتاريا، أدراج الريح: "إن الثورة السيليسية، على حد قول ماركس، تبدأ، على وجه التحديد، حيث تنتهي حالات العصيان العمالية في بريطانيا وفرنسا، فإنها هي التي تسجِّل الوعي بماهية البروليتاريا ( 12 )". فالبروليتاريا تضحى اعتبارا من حالات العصيان العمالية مُنظِّرة التاريخ، ليس فقطا من حيث هي قوة مجتمعية، وإنما بالنظر أيضا إلى هذا الانقلاب الذي يَنتقل بالمعرفة من الفلسفة إلى التاريخ. "إن البروليتاريا، حسب ما يلاحظه جورج لابيكا، تكف عن ممارسة دور سلبي". "لا بد من الاعتراف، كما يرى ماركس، أن البروليتاريا الألمانية هي المنظِّر للبروليتاريا الأوروبية، كما أن البروليتاريا الإنجليزية هي اقتصادِيُّها، والبروليتاريا الفرنسية هي السياسة ( 13 )".
 
إن محصِّلة ما تحمله هذه الثورة معها في مجال المعرفة، كما في مجال التاريخ الواقعي، يُفَسَّر من خلال ظهور المجتمع المدني من حيث هو بديل للفلسفة من حيث أن الفلسفة كانت حتى غاية الثورة السيليستية موضوع المعرفة العلمية، ومن حيث ان الفلسفة أضحت، في ضوء هذا الانقلاب، جزء لا يتجزأ من البنية العليا، أو حسب تعبير جورج لابيكا "الفلسفة من حيث هي الأيديولوجيا مضروبة حسب علم الجبر أضعاف أضعاف المرات"، وكلتاهما، الفلسفة والأيديولوجيا، موضع لرفض المادية التاريخية لهما، وذلك بالانطلاق من المجتمع الذي يحمل معه صراع الطبقات.
 
"إن حيِّز هذه الثورة في مجال المعرفة العلمية، بخلاف ما يراه ألتوسير الذي يدافع بلا هوادة عن الحيّز الماركسي للفلسفة، كما الحيِّز الفلسفي للماركسية، حسب ما يشير إليه ستاتيس كوفيلاكيس Stathis Kouvélakis   في تعريفه بكتاب لجورج لابيكا تحت عنوان "الديمقراطية والثورة"( 14)، إن حيِّز هذه الثورة هو "الخروج من الفلسفة"، الخروج منها وعليها في آن واحد. ال/أوسغانع Ausgeang  ، حسب ما يأتي ذكره في "الأيديولوجية الألمانية" لماركس وأنجلز. هذا المَخْرَج الذي يُفْهَمُ منه، برأينا، كاستعراض للفلسفة وقد توجَّهت نحو تجاوز نفسها بنفسها. إنه تجاوز، لا بمعنى أن الفلسفة تتحول إلى علم شمولي، لأن مثال هذا التحوُّل يؤدي إلى عودة الشهوة التقليدية للميتافيزيقا، وإنما من حيث أن هذا التجاوز يستعيد كل عناصر الكسر، بما في ذلك كافة حدود الفلسفة وحفلاتها. هذه الاستعادة تأتي بالانطلاق من تموضع نظري ملازم لها، هو المادية التاريخية، هذا الخليط المزيج الأول من نوعه، من النظرية والممارسة، أو من إنتاج للمعرفة بشرط أن يأتي هذا الإنتاج ضمن التدخل في مجال الصراع الأيديولوجي، وذلك بالانطلاق من موضع هو بالضرورة منحاز ونضالي" (كوفيلاكيس، م.س.).
 
ف"أطروحات فويرباخ"( 1845) تشدِّد على أسبقية وتفوُّق الممارسة على النظرية، حسب ما يأتي في الأطروحة الثامنة: ف"لحياة المجتمعية ممارسةٌ بصورة جوهرية. ذلك أن كل الأسرار التي تلتف على النظرية للإفلات منها نحو التصوف، إنما هي تجد حلا عقلانيا لها في الممارسة الإنسانية، وفي فهم هذه الممارسة. إذ إن النظرية إذ هي تَستَثمِر نفسها وهي منخرطة بالممارسة، فإنها تعود ليس غير، على هذا النحو، إلى الحيِّز الذي تكونت فيه. إن وحدة النظرية والممارسة لا تتكون على مستوى النظام التأملي النظري، أو على مستوى ما تنتجه هذه الوحدة من حركة تابعة لها في الحيِّز الخارجي  لها، وإنما في الشروط الموضوعية المشتركة التي تحدِّد بالممارسة تمثّلات نظرية وهي في حالة الفعل. أي إن الشروط الموضوعية، بمعنى آخر، هي التي تحدِّد الأولى والثانية في وقت واحد". "إن فويرباخ - حسب لابيكا - يُذوِّب الماهية الدينية ليحولها إلى ماهية إنسانية. لكن ماهية الإنسان ليس تجريداً ملازما للفرد الواحد. ذلك أن ماهيته من حيث واقعيته الفعلية، هي مجمل العلاقات المجتمعية" ( 15).  فإذا كانت النظرية إعمالٌ أو إحداث في حيز الممارسة، فلأن الممارسة، وفق ما يأتي من تعريف للنظرية متن "المعجم النقدي للماركسية"، إعمال بالنظرية وفيها، وهي التي تعطي للنظرية شروط ما هو ممكن، ومعاييره: "إن معرفة ما إذا كان الفكر الإنساني يتمخض عن حقيقة موضوعية ليست مسألة نظرية، وإنما هي مسألة متعلِّقة بالممارسة، حسب ما يأتي في الأطروحة الثانية لفويرباخ. فإثبات الحقيقة يأتي عبر الممارسة، أي إثبات ما لفكرة الدنيوي غير الديني من واقعية وقوة. إن النقاش حول واقعية الفكر المعزول عن الممارسة ليس سوى نقاش "مدرسي"، حسب ما يقوله ماركس في أطروحات فويرباخ.
 
على هذا النحو، فإن نظرية الإحداث، أو النظرية العملياتية أو الاعمالية تُحْدِث انقلابا للعلاقة التقليدية ما بين النظرية والممارسة. بل وإن الأهم من ذلك أنها تُحدِث انتقالا لميدان المعرفة من المعرفة النظرية التأملية، إلى ما هو سياسي، أو مادية الممارسة، ما دام تحديد هذه العلاقة يأتي، كما يقول ماركس، من جهة، من وحدة النظرية والممارسة، ما دامت النظرية تتشكل من خلال ما ترسمه الممارسة من شروط تمليها على النظرية. فضلا عن ذلك، فإن وحدة النظرية والممارسة يأتي، من جهة ثانية، عن تبعية النظرية للممارسة، لأن العلاقة ما بين النظرية والممارسة ليست علاقة تكامل، وإنما هي علاقة الوحدة من خلال تبعية النظرية لممارسة: إن النظرية برأي ماركس تجد مبادئ مصداقيتها من خلال الممارسة، كما وإنها تجد في الممارسة معاييراً لوظائفها التي تحكم الواقع. 
 
هذا يعني أن المادية التاريخية، حتى لو تحدَّثنا بلغة علم التربية، غير قابلة للتقليص إلى نظرية محضة، و لا حتى إلى براكسيس يربط ما بين النظرية والعمل، وهي ليست علاقة تكامل بين الطرفين. إنها الشيوعية بعينها. بمعنى أن البروليتاريا وحزبها الطبقي ينتجان معا المعرفة ونقد الأيديولوجيا، انطلاقا من شروط الطبقة العاملة في ما هي تغيِّر العالم بالعمل والحركة، بالإعمال والنضال المسلَّح بالاستراتيجية والتكتيك، وليس عبر ترداد أنظمة نظرية معروفة بصورة مسبقة. إن المادية التاريخية نظريةٌ للعمل الطبقي. فإذا ما حذفنا الطبقة العاملة من المادية التاريخية، فإن علاقة التماهي ما بين الشيوعية والمادية التاريخية تصبح قطيعة ما بين هذين الطرفين. بمعني آخر، فإن المعرفة الحيادية لا وجود لها. إذ إن الحقيقة هي ما تُنتجه الطبقة وحزبها الطبقي. لذا فإن "النظرية العملياتية" هي أفضل تعبير لتشخيص أعمال جورج لابيكا في ما يتعلق بالمادية التاريخية. (16 ). فإذا كان كاتبنا الشيوعي يعطي المادية التاريخية معناها الحقيقي ألا وهو الشيوعية، فإنه يُعرِّف، على هذا النحو، المادية التاريخية من حيث هي نظرية عملياتية  تَجمع بصوة لا انقطاع فيها ما بين العمل والوعي، الذات والموضوع، المادية التاريخية من حيث هي سياسة أو مادية إحداثية .. إعمالية من أولها إلى آخرها، من التاريخ إلى الإنسان، إلى المجتمع وحتى غاية الطبيعة. وسنعود لاحقا إلى استعراض عمل الكاتب الشيوعي في ما يتعلق بنقد الفلسفة والبراكسيس اللتين لا تعطيان للممارسة دور الأولوية بامتياز.
 
فإذا كان من المعلوم أن ماركس وإنجلز يقرَّان بضروريات النظرية، من حيث هي منهج علمي يخالجها بيداغوجية الجماهير، إلا أن أهمية النظرية، مثلها مثل أهمية البحث العلمي، تستقي أهميتها من كونها ممارسة بصورة جوهرية، مرتبطة بالسياسة بصورة مباشرة. علما أن أهمية النظرية التي لا تنفصل عن الفعل، تظهر جليا عبر الزمن البيداغوجي (التربوي للجماهير)، وذلك، كما هو الحال، عندما نعرِّف على سبيل المثال الماركسية من حيث هي نظرية. باستثناء هذه الوقفة البيداغوجية  عبر زمان المعرفة لتعريف الماركسية من حيث هي نظرية، فإن العلم مستَخلَصا من المادية التاريخية يستقي ماهيته التاريخية، منذ تأليف كتاب "رأس المال"، ويَسَتمِد، على هذ الحال، وظائفه الواقعية، من حيث هو شكل من تنظيم الحركة العمالية. ف" ماركس يُصادف، عندما ينتهي من كتابة الجزء الأول من "رأس المال"، ما كان يبحث عنه في الوقت نفسه من محتوى واقعي للاشتراكية العلمية في إطار الأممية، لاسيما وأن الجزء الأول من الكتاب ينتهي في ما كانت البروليتاريا الباريسية تستولي لأول مرة في التاريخ على السلطة.  الأمر الذي يقود ماركس إلى البحث عن الشروط التي لا بد من توفُّرها من أجل إنجاز الشيوعية بصورة ملموسة (17)". الأمر هنا معنيٌ، على هذا النحو، بنظرية الممارسة والفعل، النظرية من حيث هي الفعل، والممارسة من حيث هي "عجينة" النظرية، كما يقول لابيكا في دراسة له "عن لينين".
 
يُنشئ "المعجم النقدي للماركسية" هذه العلاقة ما بين النظرية والثورة. إن وظيفة الممارسة ضمن النظرية هي التي تحدِّد تعريفها: إن العلم في خدمة الثورة، أي إن أحد الطرفين لا وجود له بدون الطرف الآخر. جاء في "ما العمل" للينين "أن الحركة الثورية لا وجود لها ما لم توجد النظرية. في ما يذهب إنجلز في المنحى نفسه عندما يشير في مقدِّمته لمؤلَّفه "حرب الفلاحين" إلى ضرورة الربط ما بين النضال النظري والنضال الاقتصادي من جهة، والنضال السياسي أيضا من جهة ثانية. وكانت علاقة الارتباط هذه واضحة في "البيان الشيوعي" لماركس وإنجلز. "ذلك أن الطبقة العاملة، كي ما يُكتب لها إسقاط سيطرة البورجوازية، فإنها ملزمة باستيعاب المعرفة النظرية للعلم. هذا الاستيعاب ستكتسبه بمساعدة من الشيوعيين".
 
والحال، ما هو معنى الوقفة النظرية ضمن المادية التاريخية؟ الجواب يأتي عبر أداء النظرية لوظيفتها، على أن يُفهم من النظرية أنها ليست نظاما معرفيا أو إبحارا في عالم التأملات، مقولة منطقية أو فكرة في القالب الفكري للمفهوم، وإنما عبر أدائها لوظيفتها التي تنعجن في ميدان الصراعات لحل إشكاليات النزاعات، إن لم يكن حل إشكالياتها السياسية في حيِّز الممارسة. هذه الوقفة النظرية إذا كانت ذكية، فلأن الممارسة نفسها لا تقل عن الوقفة النظرية ذكاءً. إذ إن النظرية العملياتية، أو فلنقل أعمال لينين على سبيل المثال بمفهوم النظرية العملياتية، تتدخَّل كي تقيم العلاقة ما بين الوعي الاقتصادي والوعي والسياسي للبروليتاريا. علاقة، غالبا ما يخالجها تباين زماني ما بين هذين الوعيين للاثنين. لينين في مؤلفه "ما العمل" ينشئ مفهومه النظري استنادا إلى تحليلٍ للعلاقات ما بين الحركة الاقتصادية للنقابات، والحركة السياسية للأحزاب. إن المشكلة التي يتساءل لينين عن فحواها هي مشكلة الممارسة: أي معرفة كيف ننتقل من الحركة الأولى إلى الحركة الثانية. الأمر الذي يَمنح النظرية فحواها من حيث هي نظرية عملياتية. ذلك أن التنقل ما بين الحركتين الاثنتين للعثورعلى التلاحم  الذي يوحِّد ما بين الأولى والثانية، يتطور على إيقاعٍ من اغتناء الصراعات في الميدان السياسي. إن تدخل الفكر النظري، ها هنا، أي الوقفة النظرية بتعبير آخر، طالما ترتبط هذه العلاقة في حيِّز الممارسة، وليس في حيِّز المقولات المنطقية أو الأشكال الفكرية البحتة، إنما تجد حيِّزها حيث يوجد الترابط بين شكلين اثنين من الوعي البروليتاري، الاقتصادي منه والسياسي، واللذين يتطوران وفق إيقاعات متباينة السرعة. ها هنا تتيح الوقفة النظرية حل التناقض عبر الممارسة، من جهة، وتقليص المسافة ما بين الوعي الاقتصادي وزمانه، والوعي السياسي وزمانه، من جهة ثانية. بالنتيجة، فإن الوقفة النظرية، وقوامها الحركة عبر التغيُّر، وإن كانت ضرورية بحد ذاتها لأسباب تربوية ووظيفية، فإنها تحافظ على الفكرة الأساس لأولوية الممارسة على النظرية (18).
 
إن زمان الوقفة النظرية غير قابل للاختصار إلى نظرية بحتة، أو إلى نظرية من حيث هي نظرية، من حيث هي كيان معرفي منفصل، ما دامت النظريةٌ إحداثية عملياتية، حتى عندما تتدخَّل النظرية لمعالجة التفاوت أو التناقضات ما بين حركات ذات أنماط متباينة، أو لتحريك خطوط القتال المجتمعي، أو ما دامت. النظرية العملياتية تخضع للممارسة التي تَسْكُنُها، وإن كانت، النظرية كامنة في هذه العملياتية، وخاضعة لقوانين نزاعات متغيِّرة. فإذا كان العمل النظري في جانبه البيداغوجي خطوة زمانية في حيَّز المعرفة لا مفر منها كي ما تقبض البروليتاريا على وعيها الطبقي، فإن هذه الوقفة النظرية تُعتبر بأنظار لينين في مؤلفه "ما العمل؟"، "أقل نظرية طالما هي مبينة على خبرات الحياة السياسية". ذلك أن الطبقة العاملة كي ما تتعرَّف على هويتها من حيث هي كذلك، "فإنها ملزمة بمعرفة العلاقات المتبادلة ما بين كافة الطبقات المجتمعية المعاصرة بصورة دقيقة، معرفة...معرفة أقل نظريه منها أكثر صلة بالممارسة (19)". لذا، فإن النظرية هي، إذن، وقفة معرفية في زمان الممارسة عبر الزمان الأوسع للنظرية الإحداثية العملياتية. إن هذه الوقفة النظرية لا تمت بصلة كما في الفلسفة إلى مقولة فلسفية جامدة، وهي بالأصل ليست مفهوما عقلانيا جامدا، أو ذات أسبقية معرفية على الممارسة، وإنما هي بالأصل حركة وظيفية تحدِّدُها بصورة حتمية الظروف الموضوعية للنزاعات في المجتمع. الأمر الذي يحمل محرِّر مصطلح "النظرية" في "المعجم النقدي للماركسية" إلى نتيجة مؤدَّاها أن "المعجزة النظرية، شأتها شأن الوعي التلقائي، وهمٌ".
 
6)- الوقفة النظرية، من التلقائية والعفوية إلى المعرفة العلمية:  
تتأتى أهمية الوقفة النظرية، ليس فقط من حيث هي علم الإنسان، أو القانون، وإنما لكونها بالإضافة إلى ذلك المعادل الموضوعي لقوانين التاريخ، الطبيعة والمجتمع، أو بمعنى أن الوقفة النظرية تتمخض عن هذه التكوينات الإحداثية التي تَتَّخذ شكل القوانين. هاهنا تمَّحي العلاقة ما بين الذات والموضوع، الطبيعة والمجتمع. وكي ما تأخذ الوقفة النظرية موقعها من حيث هي علم، أو بالأحرى معرفة علمية تمارس وظائفها بموجب قوانين الطبيعة، التاريخ والمجتمع، فإنه يجدر أن نثّبِّتَ ما يلي:
 
آ-) يُفهم من مصطلح "العلم" في المعجم النقدي للماركسية، معنى، على حد قول لجورج لابيكا،  أوسع من العلوم الموروثة عن نظرية المعرفة لدى اليونانيين. إذ إن العلم يشمل ليس فقط أنظمة المعرفة، أو تلك المندرجة في خانة العلوم كالرياضيات، الفيزياء، الكيمياء وعلم الأحياء، أو حتى العلوم الإنسانية، فإن معنى العلم يشمل أيضا كل معاني المعرفة، أو المعرفة بمعناها العام، بما في ذلك المنهج والتعليم (20).
 
ب-) إن النظرية العلمية حسب ما يأتي معناها باللغة الألمانية "ويسينشافت"، يشمل بتعريف جورج لابيكا للمعرفة العلمية، كما يحدِّدُه ماركس، علوم الطبيعة، التاريخ والسياسة. "إن التاريخ نفسه، يكتب ماركس، في  Erganzumgsband حيِّزٌ واقعي من تاريخ الطبيعة، ومن تاريخ تحوُّل الطبيعة إلى إنسان، وعلوم الطبيعة التي تشمل علم الإنسان، حتى أن علم الإنسان يشمل كل علوم الطبيعة، ويلغي غيره من العلوم". إنجلز يستعيد بدوره في رسالة له موجَّهة إلى ج. لامبلوخ، هذا المعنى عندما يكتب "إن التاريخ والطبيعة هما المكوِّنان اللذان يُمدَّانِنا بالحياة، وبحيث نكون ما نحن عليه"( 21 ).                                 
 
ج)- إن مكوِّنات النظرية متأتية من تدخل الإنسان حيال الطبيعة، وتطور التاريخ. ها هنا نجد الأسس التاريخية والطبيعية للعلم. جورج لابيكا يستعيد هنا إنجلز لتفسير الأسس التاريخية والطبيعية للعلوم، أو للمعرفة: ف"إذا كان مفهوم تاريخ الطبيعة أضحى ممكنا، بعدما نحَّى هذا المفهوم جانبا كل أحاديَّة في المادية الفرنسية، فإن ذلك ليس في متناول فهم فويرباخ (22)". ماركس بدوره أيضا ينشئ المفهوم التاريخي للطبيعة في مدوَّنة شهيرة له وردت في كتابه "رأس المال": " إن التكنلوجيا تكشف لنا عن عمل الإنسان حيال الطبيعة، وترينا مسار إنتاج حياته المادية، وإن التكنولوجيا، بالتالي، تُعرِّفنا على أصل العلاقات المجتمعية والمفاهيم الثقافية التي تتمخض عنها(...) ها هنا يوجد منهج مادي واحد، منهج هو، بالتالي، منهج علمي. بيد أن المادية التجريدية لعلوم الطبيعة لا تُدرك التطور التاريخي. بل وإن أخطاءها لا تَخفَى عن الأنظار ما يقع فيه المتحدِّثون باسمها من تجريد وإيديولوجيا ما أن يتخطوا ميدان اختصاصهم"( 23 ).                                                                                                      
                                                                                                   
العلم بهذا المعنى ليس وليد مقولة فكرية أو علما جامدا. الأمر الذي يقود لابيكا إلى دحض ما يطرأ على المادية التاريخية وعلم الإنسان من تشويه باسم علم جامد أو إيديولوجية فَرَضت نفسها على التقليد الماركسي تحت تأثير التطوُّرية (داروين) والوضعية، بما يؤدِّي إلى اختفاء العلم الجديد في أعمال ماركس وإنجلز. إذ إن "حماس إنجلز للرياضيات لم ينتهِ به إلى الخلط بين نظامي الطبيعة والتاريخ . كاوتسكي الأقرب إلى داروين منه إلى ماركس وإنجلز. ذلك أن قراءة إنجلز، من حيث أن اعماله تشكِّل محطة مرور لا بد منها، قد أضحت نقطة انطلاق لعلم ما هو سوى أيديولوجية، من بليخانوف إلى لينين، ومن ماركس وإنجلز إلى ستالين (بوجه خاص نظرية الإدراك من حيث هي معرفة انعكاسية  آلية (24)".
 
د)- بهذا المعنى، فإن النظرية من حيث هي قوانين، فإنها ليست معرفة سواها غير التاريخ، صراع الطبقات، وقوانين الترابط الشاملة التي تسمَّى "الجدلية". فاللحظة النظرية، من حيث هي نقطة توقف بيداغوجي وتعليمي لنَقْل العلم عن الواقع المتغيِّر، المتحوِّل، المتناقض أو المتصارع، وقد انفصلت بصورة افتراضية عن الممارسة، فإنها المعادل الموضوعي للطبيعة، التاريخ والمجتمع، أو المجتمع وهو في حيِّز الدراسة من حيث هو صيرورة للتاريخ الطبيعي. هذه المقاربة يُعثر عليها لدى لينين، في مؤلّفه "من هم أصدقاء الشعب وكيفي يناضلون ضد الاجتماعيين الديمقراطيين. هذه المقاربة تعود إلى كل من ماركس وإنجلز. إذ إن اعتمادهم على وظائف مفهوم "القانون" توضِّح ذلك بصورة أفضل. فالقانون الأساس لدى ماركس، وهو الذي يفتح "نمط الإنتاج الرأسمالي" هو بعينه "تاريخ كل مجتمع حتى غاية يومنا الحالي"، وهو أيضا، بعينه، "تاريخ صراع الطبقات". إنه، بهذا المعنى، "القانون الطبيعي الشامل للحركة". لكن جورج لابيكا يلاحظ/ من جهة أخرى، أن مفهوم الطبيعة والتاريخ لدى ماركس متبايِّنان على أكثر من صعيد واحد.  "إن القوانين المُستَنبَطَة من مؤلفه "رأس المال" لا قيمة لها إلا في بنية المجتمع البورجوازي، حيث يسود نمط الإنتاج الرأسمالي. إنجلز من جهته يلاحظ تباينا ما بين قوانين التاريخ ذات الصلة بالعلاقات المجتمعية، بها دون غيرها، وبين القوانين الأبدية للطبيعة (26)". فالنظرية تحتوي الجدلية من حيث هي "علم للترابط الكوني الشامل"، أو "علم القوانين العامة للطبيعة، والتاريخ والفكر" (إنجلز، أنتي دوهرينغ).
 
ه- و)- النظرية هي نظرية الاشتراكية العلمية. بيد أنها أيضا نظرية الانعكاس. فالاشتراكية العلمية يعود تاريخها  لدى ماركس منذ تمييزه في مؤلفه "بؤس الفلسفة"، ما بين الاقتصاد السياسي من حيث هو علم البورجوازية، والشيوعية من حيث هي علم البروليتاريا. ها هنا، فإن أعمال ماركس تأخذ منحى "نقد الاقتصاد السياسي"، وتفترض أيضا تغيير حيِّزها الميداني، والذي كان إنجلز أوضحه من حيث هو معالجة الاقتصاد من حيث هو علم التاريخ. هذا التغيير الميداني للمعرفة، يقود بجورج لابيكا إلى ملاحظة مؤدَّاها أن النظريةَ انعكاسٌ للتاريخ في حيِّز الفكر. إنه يشير في تعريفه بالاشتراكية العلمية "أن الاشتراكية العلمية تتمخض عن الاقتصاد وليس الفلسفة، أو بالأحرى عن نفد الفلسفة"، وهي "انعكاسٌ في الفكر لهذا النزاع ما بين علاقات الإنتاج والقوى العاملة. انعكاسها بصورة أفكار في مطلع الأمر في تلافيف دماغ الطبقة التي تعاني بصورة مباشرة وفورية، الطبقة العاملة" (إنجلز، أنتي دوهرينغ) (27). إن "رأس المال" بهذا المعنى، وقد أضحى الاقتصادُ السياسي "نقدَ الاقتصاد السياسي"، (رسالة ماركس إلى إنجلز، بتاريخ 10 أكتوبر 1869) يوفِّر علمية الاشتراكية (28). فإذا كانت هذه النظرية علمية، فإنها تضحى موضوع دراسة (حرب الفلاحين).
 
ح)- النظرية هي بعينها قوانين الممارسة. ذلك أن قوانين تَدَخُلًها ملازمة للتاريخ، الطبيعة والمجتمع. بمعنى آخر، فإن الممارسة، من حيث هي منقادة للنظرية وبالنظرية، فإن القانون ملازمٌ لواقع صراع الطبقات. فالممارسة بنفسها، إذن، منقادة لقوانينها وبقوانينها، وذلك حسب ما تعكسه النظرية من قوانين. هذا هو معنى التحليل الملموس لحالة ملموسة حسب لينين. فبرنامج ممارسة الصراعات السياسية موجَّه، على هذا النحو، بقوانين الممارسة من حيث هي نفسها ليست سوى قوانين التاريخ، الطبيعة والمجتمع، أو النظرية الإحداثية العملياتية. ذلك أن النظرية لا تتدخَّل إلا وفق قوانين الواقع من حيث هو نفسه قوانينها. لذا، فإن الذات والموضوع ليسا سوى تكوين واحد، خاضع للصيرورة والتغيُّر والتحول والتطور والتناقض، وهو يشكِّل علاقة متَّصلة متطورة متناقضة متغيَّرَة ما بين الذات والموضوع. لكن هذه الوحدة ما بين الذات والموضوع هي، من حيث الممارسة الواقعية تتحوَّل عبر زمان كل منهما إلى سباق غير متساوِ ما بين زمان الذات عبر وعيها، وزمان الموضوع عير وعيه. سباق غير متساوِ ما بين الذات الواعية والظروف الإٌتصادية موضع الوعي. هذا هو أيضا حال النظرية والممارسة، وما بين الطرفين من اتصال ضمن حركةٍ للزمان، قوامها التناقص والتطور والصيرورة، والتباين الزماني   ما بين زمان  الوعي السياسي أو الممارسة، وبين نقد الاقتصاد السياسي أو النظرية، فضلا عن التباين الزماني ما بين النظرية والزمان وما بين التكوينين من سباق غير متساوْ في الزمان. على هذا النحو، فإن الاشتراكية وقد أصبحت علما بعدما كانت طوباوية، فإنها تمارَس من حيث هي علم، تاريخُ طبيعةٌ ومجتمعٌ. فالاشتراكية العلمية موجَّهة باتجاه تملك الطبقة العاملة لوسائل الإنتاج، والاستيلاء على سلطة الدولة. بهذا المعنى، فإن الاشتراكي العلمية من حيث هي "التعبير النظري لحركة البروليتاريا ("أنتي دوهرينغ" لإنجلز) " فإنها تضمن للناس إمكانية وعي، إنجاز وممارسة، تاريخهم. إن النظرية تضحى ممارسة واقعية لأنها قانون للممارسات التي تشكِّل هي نفسها الموضوع الموضوعي للنظرية من حيث هي ملازمة للتاريخ، الطبيعة والمجتمع.
 
ط)- النظرية هي نفسها الثورة: يلاحظ جورج لابيكا إن النظرية، من حيث هي قوانين موضوعية للتاريخ، فإنها تكون، تارة، ضد التاريخ أو نمط الإنتاج الرأسمالي، كما هو حال "رأس المال"، وتكون، تارة أخرى، مرافِقَة لقوته الثورية. الأمر الذي يقود لابيكا إلى الاستشهاد بلينين الذي يبدأ سيرته الذاتية كقائد شيوعي بالعبارات التالية: "إن المهمة العاجلة للعلم لدى ماركس هي أن يُعطي الكلمة الحقة للنضال"، وأن ينهمك العلم بطبيعة الحال – حسب ما يضيف لينين - في مراقبة رأس المال، وأن يقلب المعرفة بعدما تُشيَّد على أسس العلم، رأسا على عقب". الأمر الذي يلخِّصه إنجلز – على حد قول لينين – على خير وجه بقوله: "إن العلم لدى ماركس يُعتَبَر قوة تاريخية قيد الحركة، قوة ثورية" ( حولية الاجتماعي الديمقراطي Der  Sozialdemocrat  "  ، العدد 13)، (30).
 
النظرية انتقالٌ من تلقائية الممارسة والمعرفة إلى العلم عبر الكشف عن القوانين الملازمة للطبيعة، التاريخ والمجتمع. فإذا لم تكن النظرية انعكاسا، أو بتعبير آخر إن لم تكن نظرية الطبقة، فإنها لن تكون سوى مجرد إيديولوجية. إن أهمية الوقفة النظرية وثيق الصلة بدورها البيداغوجي، من حيث هي مربية وبرنامج سياسي، من حيث أن النظرية هي التي تَنْقُلُ الوعي والممارسة التلقائيين للجماهير والطبقة العاملة، من حلة العفوية والتلقائية إلى وعي علمي. من هنا تأتي الأهمية الممنوحة لمصطلح "الاتحاد" الذي يترجم – حسب لابيكا في "المعجم النقدي للماركسية" نمط من العلاقة الخاصة ما بين الاشتراكية والحركة العمالية (31). إذ إن الوعي الاشتراكي، في حالته العفوية، كي ما يتمكَّن من السيطرة على الواقع التاريخي، ويتحوَّل إلى معرفة علمية، فإنه لا يُنجز ذلك ما لم يتعرَّف على قوانين التاريخ والطبيعة والمجتمع، قوانين هي نفسها الوعي الاشتراكي بعينه، أي المعرفة العلمية. ف/"الوعي الاشتراكي اليوم لا ينشأ إلا بالاستناد إلى قاعدة لمعرفة علمية عميقة (32). هذه المعرفة العفوية لا تصير علمية ما لم تتشكَّل قوانينها بصورة نظرية. إن لينين في "نيو زايت New Zeit   (الزمان الحديث) 1901- 1904، عشرون، واحد رقم3، ص 79) يؤكد- حسب ما يلاحظ لابيكا – "أن الوعي الاشتراكي عنصرٌ في الصراع الطبقي للبروليتاريا يأتي من خارج هذا الصراع، وهو ليس حالة تنبثق بصورة تلقائية" (33).
 
والاتحاد، يُعتبر من حيث تعريفه – حسب لينين – لقاء ما بين النظرية والممارسة. بتعبير آخر، فإن "الاتحاد" ما بين العلم والطبقة، ما بين الاشتراكية العلمية والطبقة العاملة التي تتعرف بهذا "الاتحاد" على نفسها، وذلك بقدر ما تشكِّل النظرية وعيا تلقائيا بالواقع بعدما  تحوَّل هذا الوعي التلقائي إلى قوانين علمية أو نظرية. "انتقال من الممارسة العفوية إلى ممارسة عارفة تحتوي النظرية، انتقال، من النضال الاقتصادي الذي يُغلِق على العامل في عالم المصنع، إلى النضال السياسي الذي يمنح للجماهير رؤية للمجتمع الشامل، ويرفع في الوقت نفسه مسألة السلطة، أو حسب ما يقول إنجلز: "إن الحركة الثورية لا وجود لها بلا نظرية ثورية".
 
إن النظرية، حسب جورج لابيكا، هي الطبقة في تكوينها العلمي. "فالاتحاد، بهذا المعنى، ينتقل بمفهوم الثقافي، وفق حركة تنتقل من "المثقف البورجوازي" – حسب تعبير لكاوتسكي –، ومن هؤلاء المثقفين على سبيل المثال ماركس وإنجلز، إلى "المثقف العمالي" – حسب ما يرى لينين – وقد تكوَّنَ بفضل هذه الحركة المتنقلة، ومنهم على سبيل المثال برودون Proudhon ، فايتلينغ  Weitling، فايان Vaillant ، بابلBabel ، وإلى أخيرا العمال ما بين بين. أي إن الاتصال ما بين النظرية والطبقة هو المبدأ الأساس ل"الاتحاد". فالنظرية، كما يقول لابيكا، إذا ما حُرِمِت من العلاقة مع الطبقة، فإنها لن تعدو كونها مجرد كلمة في جملة واحدة 35).
 
7)- براكسيس غرامشي مُلْتَبَس :
إن أطروحة فويرباح الحادية عشرة، والتي تنص بأن "الفلاسفة فسرَّوا العالم بصورة متباينة، وما يهم هو تغييره"، تفيد أن النظرية والممارسة تشكلان ما بينهما وحدة. وانطلاقا من هذه الأطروحة تظهر للعيان تاريخية الفلسفة التي تمنح مفتاحا لفهم العلاقة ما بين النظرية والممارسة. ذلك أنها تتضمن، من جهة، نبذَ "للفلسفة المطلقة، المجردة أو التأملية، وتؤكد، من جهة ثانية، أولوية الممارسة، أي التاريخ الواقعي لما يطرأ من تغيير على العلاقات المجتمعية، أي في نهاية التحليل، ما يطرأ من تغيير في الاقتصاد، وبتعبير أكثر دقة ووضوحا ما يطرأ من تغيير في نقد الاقتصاد السياسي، أي من حيث تظهر المشكلات موضع البحث والعمل من جهة النظرية. ها هنا يظهر ما يطرأ من تحوِّل على الوعي التلقائي والضمني لممارسة الجماهير والبروليتاريا، من حالة ضمنية وعفوية إلى نظرية علمية صريحة. أما وقد أضحت هذه الأخيرة علمية، بعدما انتقلت من التلقائية إلى المعرفة العلمية، فإنها تبحث عن الحلول المناسبة لما تطرحه الممارسة من مشكلات معرفية.  علما أن هذا الانتقال من التلقائية الضمنية للممارسة والوعي إلى النظرية العلمية يأتي عن تدخل الإنسان في المجتمع، التاريخ والطبيعة.
 
في ضوء ما تقدَّم، فإن المعرفة – حسب ما يراه جورج لابيكا – تتبع أساسا نظام الممارسة، سواء في ما يتعلق بالوعي التلقائي، أم في ما يتعلق بالنظرية العلمية (36). فالممارسة تفرض على النظرية مشكلتين الثنتين: الأولى تتعلق بالشكل التلقائي الذي يبقى على مستوى الممارسة مضمرا أو ضمنيا، والثانية تتعلق بممارسة تضحى بصورة صريحة نظريةً. أضف إلى ذلك أن الممارسة على صعيد الوعي الضمني والتلقائي  تظهر في صفوف الجماهير والطبقة العاملة. هذا الوعي التلقائي، وإن كان يتكوَّن على صعيد الوعي الضمني، وكان أيضا يفتقد إلى المفاهيم والأحكام النقدية، فإنه، بالرغم من ذلك، ينقل معه نمطا ما من أنماط حيازة الواقع، شأنه في ذلك شأن الوعي العلمي، وإن كان يبقى أقل وعيا مما يصل إليه الوعي العلمي. لذا، فإن الوعي الضمني التلقائي إذ هو يتدخل بالممارسة في الواقع من أجل تغييره، فإنه ينتقل ما بين المعرفة/فالنظرية/فالمعرفة النظرية أوالعلم. هذه المعرفة تتبع بشكليها التلقائي ومن ثم النظري، وذلك في ضوء أطروحات فويرباح، تتبع الممارسة التابعة هي نفسها، بصورة متصلة، للنظرية. ثمة هنا إذن صيرورة متَّصلة، معرفية واعٍية، متطورة، متغيِّرة ومتناقضة، تنتقل من الممارسة التلقائية إلى الممارسة الواعية، النظرية والعلمية.
 
أطروحة فويرباخ الثانية، وهي التي تتساءل: " عما إذا كان علينا أن نضفي على الفكر الإنساني حقيقة موضوعية أم لا، ليست مسألة نظرية، وإنما هي مسألة تتعلق بالممارسة. ذلك أن الإنسان يعرف، يدرك الحقيقة من خلال الممارسة، أي يدرك الواقع الفعلي وتبعية فكره لنمط أرضي من الممارسة التي تنتقل من العفوية الضمنية، إلى نظرية صريحة أساسها ممارسة صريحة واعية ومنظَّمة، بيد أن هذه الممارسة إذا ما أضحت واعية ومنظّمة، فإنها تتخذ شكل النظرية المتصلة بالممارسة. إن الجدل المتعلق بمعرفة ما إذا كان الفكر يتبع الواقعية الفعلية، أو ما إذا كان الفكر معزولا عن الواقع، مسألة محض مدرسية"(37).
 
لا يميِّز، على هذا النحو، جورج لابيكا بين النظرية والممارسة، فإذا ما فعل وميَّز، فإنه هذا التمييز عبارة عن اتصال ما بين الممارسة بصورتها التلقائية الضمنية والممارسة الواعية المنظمة بشكلها النظري، إذ أن الفكر عبارة عن ممارسة متطورة ما بين العفوية الضمنية التلقائية، والوعي الصريح المنظَّم الواعي. لابيكا يكتب في هذا الصدد: أن أهمية الأطروحة الثانية لفويرباح بمكان. إنها ثورة في نظرية المعرفة (...). إنها بأبسط معانيها تقول ما يلي: إن الفكر من نمط الممارسة، ومتصل بها اتصالا لا انقطاع فيه ولا انفصال. إنها مستعصية على الإدراك بدون الممارسة. إن الفكر ممارسة. إذ إن الإنسان بصفته يحمل الفكر، أو ذات مفكِّرة، هو، في نفس الوقت، كائن طبيعي تاريخي، ذات- موضوع لتطوره وتحوُّله، مُنتِج ومُنتَج لمجموعة معقدة من الحتميات".
 
إن نظرية غرامشي في ما يتعلق بوحدة النظرية والممارسة لا تخلو من التباس. فإذا كان من اليسير أن نسوق النظريات التي تدحض كل ثنائية بين الفكر وبين الممارسة، فإن هذه النظريات، ما إذا كانت تعترف صراحة أو ضمنيا بأولوية الممارسة على الفعل، فإنها نادرة، صعبة المنال. من جهته، يلاحظ إرنست جوث Ernest Jouthe  (38) في تعليق له على شرح لابيكا لأطروحة فويرباخ الثانية أن لابيكا، إذ هو يؤكد على محمول الثورة في عالم نظرية المعرفة حسب ما يأتي به كارل ماركس، فإنه، في نفس الوقت، يسلِّط الأضواء على قراءة غرامشي لأطروحات فويرباخ حسب نظرية البراكسيس الغرامشي. فإذا كان الفكر ممارسة"، "فإن "فن ابتكار المفاهيم"، و"الأصول اللغوية للفكر، والأصول الفكرية للغة من جهة الوعي الفكري"، يستعصي تكوينها بصورة مستقلة ذاتيا، معزولة عن الفعل الذي يُمارس لتغيير الواقع، ومن ثمة التغيُّر بدوره بعدما يكون قد غيَّر الواقع، وذلك في صورةِ المُغَيِّر المُتَغَيِّر. فإذا كان الفكر ممارسةً، فإن وحدة الفكر والممارسة ليست وحدةً ما بين كيانين مفصولُ احدهما عن الأخر بصورة قبلية، ومن ثم اتحدا عبر علاقة من نمط أدواتي (براكسيسي). ذلك على غرار البراكيس الذي يَعتَبِر أن النظرية تخدم الممارسة، وأن هذه الأخيرة تعود بمعارفها لخدمة النظرية. هذا المفهوم الأدواتي يقود في أغلب الأحيان إلى انحرافين اثنين. أحدهما يرجِّح بصورة أحادية النظرية لينتهي بالتالي إلى انحراف نظري. الثاني يُرجح الممارسة بصورة أحادية لينتهي إلى انحراف ممارساتي.
 
8)- من هو جورج لابيكا: إن أعماله تذهب في منحى مضاد لكل نظرية تكاملية تجمع بين النظرية وبين الممارسة. إنها تدحض أيضا كل تقليص للمادية التاريخية إلى مرجعية مُلتَبَسة لأطروحات ماركس وإنجلز. تَراها، بالإضافة إلى ذلك، تُفَنِّد "التقليد الماركسي" الذي يخلط أو يميِّز ما بين المادية الجدلية والمادية التاريخية. إنها، علاوة، على ذلك، تشكِّل قطيعة مع كل تعريف للمادية التاريخية يأخذ بالتعريف الثقافي والقومي، سواء أكان غربيا أو شرقيا. فأعماله أبعد ما تكون عن الاستمرار الوراثي لأرنست بلوخ، جان بول سارتر، وهنري لوفيفر أو جورج لوكاش، مادامت ثمرة لمرجعية التاريخ من حيث هو المحرِّك المنتِج لصراع الطبقات، الديمقراطية البورجوازية، ديكتاتورية البروليتاريا، الإمبريالية، الشيوعية، ونمط الإنتاج الرأسمالي، إلخ. إن أعماله بهذا المعنى ليست وراثة مستمرة لماركسية فرنسية، أو ماركسية غيرها، وإن كانت تجد موقعا لها بين هؤلاء جميعهم.
 
ما يميِّز أعماله عن غيرها أنها منبثقة عن المادية التاريخية بصورة فورية ومباشرة. فبخلاف ما يُسمَّى "الماركسية الغربية" التي تُجمع بالرغم من الخلافات ما بينها على خصائص مشتركة، حسب ما يلاحظ المؤرِّخ الماركسي بيري اندرسن  Perry Anderson في مؤلف له تحت عنوان "في الماركسية الغربية"   Sur le marxisme occidental : انزياح من الاهتمام الاقتصادي والسياسي، إلى الفلسفة. القطيعة ما بين الممارسة والنظرية. هذا، في ما يَجمع ما بينها تقليد القطيعة مع الجماهير والنضال السياسي، بالرغم من أنها تَجتمع حول اتجاه راديكالي معاد للرأسمالية والإصلاحية (39).  بيد أن جورج لابيكا، يذهب في مسار مغاير لتعريف بيري أندرسن، ما دامت أعماله تشكل قطيعة مع الفلسفة كي تأخذ بالمسار السياسي، المادية التاريخية والمادية الفاعلة، على قطيعة حاسمة مع كل تفسير فلسفي علمي أو سياسي. إن أعماله بهذا المعنى، وعلى غرار ما يتبيَّن أعلاه، لا تُقلِّص صراع الطبقات - كما يفعل لويس ألتوسير - إلى صراعات على الصعيد النظري، وإنما تنحو بمنحى الإحداثية العملياتية، والمادية التاريخية التي تعادل المنحى السياسي.
 
يرى ستاتيس كوفيلاكيس Stathis Kouvélakis أن لدى لابيكا مفهوم للنظرية والفلسفة "موروث عن ماركسية "الأنفاق تحت الأرض" Undergrond،  والتي تذهب في منحى مؤداه أن الفلسفة ليست استعراضا للقوانين الشمولية للطبيعة والتاريخ، حسب مزاعم المادية الجدلية، أو ليست بحد ذاتها أنطولوجيا نقدية، أو مجموعة من الأنظمة الفكرية التي تَستعرض جدلية المقولات الموجودة بصورة قبلية، حسب ما يذهب إليه جورج لوكاش وجان بول سارتر. إنها التدخل في حالة ملموسة بمنتهى الدقة، تهدف إلى تحريك خطوط الحدود كي ما تصدَّ هجوم الأيديولوجية المسيطرة، وتفتحَ إمكانات جديدة ذات رهان سياسي، إمكانات سياسية هي نفسها أيضا الصراع الأيديدولوجي" (40). أو حسب ما يشير إليه ستاتيس كوفيلاكيس  في الصفحات القادمة: "إن أعمال لابيكا متعذرة على الاستيعاب والإدراك ما لم تنطلق من الأطروحة الأساس. فالفلسفة تفتقد إلى موضوعها. إنها ليست أنطولوجيا، وليست مفهوما من الأنظمة الفكرية، وليست فلسفة البراكسيس، وليست أيضا نظرية للممارسات النظرية، أو ليست صراع للطبقات متن النظرية، أو طاقة احتياطية لإنتاج المفاهيم. فضلا عن ذلك، فإن مفاهيمها ومقولاتها المنطقية  ما هي سوى "مفاهيم بيانية"، وهي "مفاهيم محدودة"، وليست مجموعة من المقولات ذات الاستقلال الذاتي ذات المزاعم "الميتافيزيقية العلمية"".
 
تكشف كتاباته في مجالات الصراعات السياسية، الطبقية أو المعادية للإمبريالية، على غرار نشاطاته للدفاع عن نضالات الشعوب وحركات التحرر الوطني، وبوجه خاص فلسطين، أو من خلال تضامنه مع الشيوعيين الذين اختاروا العنف الثوري فرفعوا السلاح ضد الأنظمة الرأسمالية في فرنسا وإيطاليا وألمانيا وإسبانيا ، ناهيكم وعمله الدؤوب مع جبهة التحرير الوطني الجزائرية في الجزائر، حيث كان يناضل بصورة سرية في حي القصبة بالجزائر العاصمة، ويساهم أثناء الاحتلال الفرنسي بتحرير صحيفة "المجاهد"، لسان حال هذه الجبهة،  شأنه في ذلك شأن نضاله ضمن صفوف الحزب الشيوعي، وتفنيده للفلسفة والإيديولوجيات في "أعماله النظرية"، تكشف عن وظائف النظرية الإحداثية العملياتية من حيث هي نتاج للتاريخ المادي، وعلم للتاريخ يتدخل في الميدان السياسي للنضالات من أجل ترجيح كفة البروليتاريا، والشعوب المناضلة من أجل حريتها واستقلالها  في موازين القوى، وبهدف دحض وتعرية الإيديولوجية المسيطرة بما في ذلك التي تزعم لنفسها أنها عمالية (41). إن غزارة أعماله في مجالات الصراعات الملموسة، ومنها بوجه خاص "الديمقراطية والثورة"، "الماركسية اللينينية"، و"نظرية العنف"، بالإضافة إلى "فلنفتح النوافذ يا رفاق"، فضلا مقالات أخرى له، سياسية ونظرية، إنما يكشف كل ذلك أن التاريخ هو المرجعية الأساس في هذه الأعمال، فمنه ينطلق الوعي النقدي في تعرية الأيديولوجية، التاريخ هو المرجع وليس المادية التاريخية، منطق المقولات الفكرية المستقلة ذاتيا، والفلسفة التي تزعم لنفسها أنها حائزة على القوانين الشمولية للطبيعة والتاريخ.
 
المادية التاريخية في أعماله ليست نظرية جامدة، أو نظاما منطقيا جدليا مستقل ذاتيا، إنما المادية التاريخية إنتاج متجدِّد للمعرفة شرط أن ينطلق التدخل في الميدان السياسي والأيديولوجي انطلاقا من وضع طبقي تابع لصراع الطبقات والمقاومة لدحر الإمبريالية، والعولمة النيوليبرالية، والأممية البروليتارية، وأنماط الإنتاج، ومشكلات الدولة والثورة، رأس المال البنكي، الانتقال إلى الاشتراكية، السياق والتحالفات، ورفض الفلسفة والإيديولوجية، وغير ذلك من الموضوعات الواقعية للتاريخ، أو للمادية التاريخية. جورج لابيكا، في هذا المنحى، يرضى لنفسه أن يَتبَع لينين، "لينين الإحداثي العملياتي"، و"لينين الإعمال النظري"، أكثر منه تابعا لتاريخ الماركسية في فرنسا التي يغلب عليها الطالع الأكاديمي، الفلسفي أو حتى (العلموي).
 
إذا كان لا مفر من الاعتراف أن تبعية النظرية العلمية للسياسة كانت تميِّز الماركسية في فرنسا خلال مرحلتها الأولى، فإن النظرية، على حد قول لابيكا (42)، وعلى غرار البلشفية، قد تحوَّلت إلى الستالينية. فأضحت، باستثناء أعمال هنري لوفيفر، ولويس ألتوسير، فلسفة جامدة عقيمة، تابعة للحزب الشيوعي الفرنسي ومحتَكَرة من قبل هذا الحزب (42 مكرر). فضلا عن ذلك، فإنه يشير إلى أن هذا الانحراف يسبر جنبا إلى مع انحرافٍ ثانٍ، ألا وهو الانحراف (العمَّالوي) الذي يطبع الحزب الشيوعي الفرنسي بطابعه منذ تأسيسه وحتى غاية اليوم. فالحركة الشيوعية في فرنسا نَقلَت عبر تاريخها تقليدا (علماويا متمركسا) على غرار ما ينقله بول لافارغ  Paul Lafargue الذي يفصل بصورة قاطعة حازمة وحاسمة ما بين العلم والطوباوية، أو على غرار فيلسوف الحزب الشيوعي الفرنسي جورج كونيو Georges Cogniot  الذي يدعو ثلة من العلماء كانت تقوم بزيارة مجاملة إلى مقر الحزب، إلى التعريف بنظرياتهم من حيث هي مماثلة لقوانين الجدل (43). بالإضافة إلى ذلك، فإن الماركسية الرسمية كانت تنشر "موقفا حذرا من المثقفين ذات الأصل البورجوازي".
 
إن أعمال جورج لابيكا إذا ما هي قُرأت في سياق الماركسية في فرنسا، أو بالمقارنة معها، فإنها ليست فقط صِداما ضد الرأسمالية، بنيتها وآلياتها في المجتمع، على غرار ما يفعله متن مقالاته التي ترافق الحياة السياسية في فرنسا وأوروبا، وإنما تَحمل أيضا نقدا للصيغة الرسمية للماركسية كي ما يحافظ على وحدة النظرية والممارسة السياسية في المادية التاريخية، مقابل انحرافات، إما أن تكون مثالية بالمعنى الفلسفي، أو أن تكون بيروقراطية كما هو حال الماركسية اللينينية والمادية الجدلية. ها هنا على وجه الدقة، فإن النظرية العملياتية في أعماله تخوض نضالا بالنظرية والممارسة لدحض الإيديولوجية البورجوازية المسيطرة، من جهة، ونمط الإنتاج الرأسمالي من جهة ثانية، والانحرافات الواقعة تحت سيطرة الستالينية، وما آلت إليه هذه الأخيرة كأداء إيديولوجي لتبرير الدولة، وإيديولوجية الدولة.  
 
 "الفلسفة – حسب ما جاء نقدها في "الموقع الماركسي للفلسفة"  Le statut marxiste de la philosophie – هي إيديولوجية بمقياس المربع في علم الجبر" l’idéologie au carré . هو يرى جوابا على سؤال لمعرفة ما إذا كان الزمان كالمكان مقولتين أيديولوجية: "أن لا شيء يفلت من الإيديولوجية". بل وإنه يضيف "أن الإدراك نفسه إيديولوجي". بيد أنه يُذَكِّر، بالمقابل، بأن الأيديولوجيا والفلسفة تهدِّدان بصورة مستمرة المجتمع طالما يبقى الصراع الطبقي موجودا".
 
جورج لابيكا شيوعي بمعنى أن أعماله لا تندرج في سياق هذه الماركسية أو تلك، وإنما هي ترجمة لعودة الشيوعية إلى حالة تاريخية راهنة. فإذا كان، بمعنى آخر، من المتعذر فصله عن جورج لوكاش، إرنست بلوخ، هنري لوفيفر، لويس ألتوسير، وأستاذه ديزانتي  Jean Desanti ، ما دام لابيكا يعطي أجوبة مختلفة عن مساهمات هؤلاء، فإن المحرك الأساس في أعماله تختلف عما كان هؤلاء ينقونه، ما داموا كانوا ينقلون تقليدا فلسفيا. ذلك أن موقعه من المادية التاريخية يغلب علبه ما هو سياسي (النظرية السياسية إن صح التعبير) طالما يعطى الأولوية للممارسة على النظرية، وتغيير العالم، والشيوعية من حيث هي حالة راهنة، أو بتعبير آخر، الأطروحة الحادية عشرة لفويرباخ. إن أعماله بجانبيها، الممارسة والنظرية، إنما يحرِّكها دافع قوامه مسألة مزدوجة: تغيير العالم، تغييرٌ، كي ما يُنجز على أرض الواقع، فإن استعادة الشيوعية للذاتية التي كانت أنتجتها، ألا وهي التاريخ، أمر لا مناص منه.
 
9)- الشيوعية من حيث هي الحركة الواقعية للثورة: 
بالنتيجة، فإن أعمال جورج لابيكا تعود بالمناضل إلى "الشيوعية" التي تَمنح تدخل الإنسان الثوري في الطبيعة والمجتمع حيزاً أوسع من تعبير "الماركسية". "الشيوعية" من حيث هي هذا التدخل الذي يمارٍس دور العامل المحَدِّد الحتمي بصورة أفضل مما يأخذه تعبير "الماركسية" الذي يُحيل في أغلب الأحيان، أول ما يُحيل، إلى النظرية المنفصلة عن الممارسة، أو غير المتصلة بالممارسة اتصال الذات بالموضوع؛ هذا إن لم تُحيل الإنسان الثوري إلى الماركسية الأكاديمية، الجامعية والمدرسية. هذا هو السبب الذي من ورائه كان جورج لابيكا يعتزم نشر دراسة تحت عنوان "عن لينين". دراسة كان لابيكا سطر أسطرها الأولى في محاضرة له كانت أُلقيت في العام 2007 بمناسبة الذكرى التسعين لثورة أكتوبر.
 
 ستاتيس كوفيلاكسي، من جهته، يشير، في المخطوط المذكور سالفا، إلى أن لابيكا في أعماله النظرية وبممارساته النضالية يَخرج من الفلسفة ليذهب إلى الشيوعية. "لابيكا الفيلسوف، نعم كان فيلسوفا بتفوق وجدارة. إلا أنه، بالرغم من ذلك، وحسب ما تظهر عليه أعماله، وبصورة خاصة في "الموقع الماركسي للفلسفة"، كان يردِّد "إن الماركسي لا علاقة بالفلسفة". ها هنا يظهر الاختلاف ما بين لابيكا ولويس ألتوسير الذي يميل بالماركسية إلى الفكر الفلسفي. لكن لابيكا يَعْتَبِرُ أن أعمال ماركس وإنجلز تُسجِّل "قطيعة مع الفلسفة، أو هي تَخرج منها إلى طريق المغامرة الفكرية التي ما تنفك تتجدَّد، وإلى الوجود حيث الشيوعية مرادف للوجود" (44). فإذا كانت الشيوعية تحيل إلى معنى أوسع من تعبير "النظرية"، والذي يُحيل من حيث هو مصطبح بيداغوجي إلى الماركسية، وأوسع من "الماركسية" ذات المعنى المُلتَبَس، وكانت النظرية بالرغم من هذا كله لا تنكر أن النظرية هي أحد مكوِّنات المادية التاريخية، فما ذلك إلا لأن "الشيوعية" منخرطة بصورة إلزامية ومُلْزِمة في حيِّز من الصراعات موجودٍ خارج حيِّز الفلسفة. هاهنا الشيوعية ملزَمَةٌ باتِّباع البرنامج السياسي للأحزاب الشيوعية والمتغيرات الممكنة، بالإضافة إلى تلك المتغيِّرات وأحداث التاريخ التي لا تكشف عن نفسها بصورة مسبقة. ملزمة أيضا بإعادة النظر ببرامجها السياسية بموجب هذه المتغيِّرات.
 
محمد ملفي، أستاذ الفلسفة في جامعة وهران بالجزائر (45) عرِّف لابيكا لدى تقديمه له أمام الجامعة في العام 2007 بقوله: " إن حيِّز الفلسفة بـأنظار جورج لابيكا يوجد في الحدث، ومن أحداث التاريخ هذه يوجد الدفاع عن تعليم الفلسفة". وأعاد إلى الأذهان أن من كتاباته تحليلٌ للحادي عشر من أيلول/سبتمبر، والانتفاضة الفلسطينية، واحتلال العراق، وغير ذلك من تحليل يهدف إلى القبض على الحدث التاريخي، كالعولمة النيوليبرالية التي شَغلت حيّزا هاما من أعماله خلال السنوات الأخيرة من حياته".      
 
النظرية بهذا المعنى، قوَّةٌ تَدخل إلى حيِّز الممارسة إذا ما هي انتشرت بين الجماهير، على حد قول ماركس. إنجلز، من جهته، يقول إن الأفكار قوة في حال الممارسة. فنظرية الإحداث هذه (العملياتية أو الاعمالية)  تعود بنا إلى أعمال لينين الذي يستطيع، على حد قول أنطونيو غرامشي في "كتابات الشباب"، أن يكون قوة فعالة في التاريخ (46). ذلك أن المفهوم المركزي في أعمال لينين هو الممارسة السياسية. إلا أن هذه الممارسة، ليست فقط وحدةً مع الممارسة وبها، وإنما هي أيضا بصورة جوهرية قوة تُغيِّر العالم، وتكتمل في ما هي تغيِّر نفسها. لينين يَكتُبُ في "برنامجنا (1899): "إننا لا نعتقد أن أعمال ماركس مكتملة وجامدة. بل، وإننا على نقيض من ذلك متيقنون أنها وَضَعت فقط أحجار الأساس لعلم يُملي على الاشتراكيين أن يتقدَّموا به في جميع الاتجاهات إذا ما كانوا لا يريدون أن يتأخروا وراء الحياة. إننا تعتقد أن الاشتراكيين الروس ملزمون بالمطلق تطويرَ نظرية ماركس بأنفسهم، لأن النظرية لا تشير إلا لمبادئ توجيهية عامة تستند حسب كل الحالات إلى خصوصيتها، في بريطانيا غيرها في فرنسا، وفي فرنسا غيرها في ألمانيا، وفي ألمانيا غيرها في روسيا (47)".
 
 النظرية إذن هي بصورة جوهرية تغييرٌ مرتين اثنتين، تغيير العالم وتغيير نفسها. الأمر الذي يقود لابيكا إلى ملاحظة مفادها "أنه ليس من غير الشرعي أن نرى في اللينينية مجموعة أطروحات مرتبطة بتطور الماركسية في إطار مرحلة تاريخية جديدة" (48). الأمر أيضا الذي يقود لابيكا في خاتمة مدخل "اللينينية" في "المعجم النقدي للماركسية"، التأكيد على أهمية "الملموس" في عمل لينين. "هنا، فإن الضرورة تلزمنا بأن نمتنع عن مقاربة "اللينينية" من حيث هي عبادة تيمية، وذلك على غرار ما كان لينين يحذر منه عندما يحث على الامتناع عن "العبادة التيمية" لدى مقاربة الماركسية، ويدعو إلى الالتزام بالمعيار كما تُحدِّده الماركسية؛ أي التحليل الملموس لحالة ملموسة"(49).
 
إن معنى الشيوعية يُبيِّن على خير وجه أن النظرية إذا ما أُخذت بحيث تكون موازية للممارسة أو متكاملة مع الممارسة، فإنها تفتقر حينذاك لمعناها. فلا تستعيد معناها ما لم تؤطِّر البروليتاريا، وتجسِّدُ دورها من حيث هي تجسيد للوعي التاريخي والمادية التاريخية. الحال بالتالي أن عبارة "الشيوعية" تَحمل بصورة أفضل المادية التاريخية طالما تعود بنا هذه الأخيرة إلى البروليتاريا، والنظرية من حيث هي قوة فعالة، أو قوة إحداث، ونظرية إحداث، نظرية إعمال، أو نظرية عملياتية. إذ إن أعمال ماركس منذ "الإيديولوجية الألمانية" تنحو بمنحى ينكر أن تكون الثورة الاجتماعية من نِتاج الأنظمة التجريدية، كي يربطها بممارسة البروليتايا. "إن نقد الواقع اعتبارا من الواقع نفسه، على حد قول جان روبلانJean Roblin  td ، في "المعجم النقدي للماركسية"، "مدخل الشيوعية"، يقود إلى أن النظرية عندما تستحوذ على الجماهير تضحى قوةً نظريةً"(50). بمعنى آخر، فإن النظرية لا وجود لها بحد ذاتها. إنها في حالة من الذوبان بالحركة العمالية. لذا، فإن التلاحم ما بين النظرية والممارسة، منه تنبثق الحركة المادية النقدية التي تستند إلى الشروط المادية للبروليتاريا من حيث أن هذه الشروط تجسد الإنسانية الاجتماعية بأكملها مذوبة بالبروليتاريا"(51). فإذا كانت هذه النظرية منحلَّةً بالبروليتاريا، فإنها ليست آمرا آخراً غير التغيير ضمن التغيير الذي يشكِّل بدوره حركة التاريخ، شرط أن يُفهَم من مقولتي الزمان والمكان، ليس ما هو منطقي جدلي متعالٍ عقلانيا، وإنما من حيث أن هاتين المقولتين متزامنتين بصورة لا تعرف الانقطاع مع الحركة الشيوعية والتغيير. "إن الشيوعية ليست من جهتي حالة واقعية لا بد من إنجازها كي ما توجد بالفعل، وليست نموذجا مثاليا يلزم الواقع أن يحتذي به كي ما يوجد. فالشيوعية حركة واقعيه تُلغي الحالة الراهنة. وإن شروط هذه الحركة تتكون من البواكير الموجودة حاليا"(52).
 
الشيوعية من حيث هي حركة البروليتاريا وقد ذُوِّبت في ماضي التاريخ، لا تتميِّز أبدا عن النظرية التي لا تَعْرِفُ الانفصال المعرفي (أو الابستمولوجي) عما تُنتِجُه، والذي يفرض عليها في نظام من إمكانيات التاريخ المرئية وغير المرئية، المتنبئ بها وغير القابلة للتنبئي بها. إن فكر الحزب (عقل الحزب) من حيث هو الترجمة الوظيفية للشيوعية، يترجم عن المعادلة ما بين المعرفة/الطبقة. إنه يعني التبني الواعي من جهة طبقة، وبوجه خاص وعي الطبقة العاملة والجماهير. "إن ماركس وإنجلز يؤكدان ، سواء في ما يتعلق ب"إيديولوجي البورجوازية"، أو ب"إيديولوجي الطبقات الوسطى"، أن لا شيء يحول دون أن يرتفعا إلى الذكاء النظري لمجمل الحركة التاريخية. بمعنى آخر: لا شيء يحول دون أن يتخليا عن وجهة نظر الطبقة التي ينتميان إليها، وأن ينتميا إلى وجهة نظر البروليتاريا. ذلك أن هذا الارتفاع من رأي طبقة إلى رأي البروليتاريا يؤكد التطابق الكامل ما بين موقف الطبقة والخطوة العلمية"(53).
 
لم تعد المعرفة بهذا المعنى نظرية تجريدية ما دامت الطبقة في حركتها هي التي تشع عنها المعرفة. هاهنا يمكث المعنى الإنقلابي لنظام المعرفة الفلسفية بصورة عامة، والمعرفة الهيجلية بصورة خاصة. إذ إن المعرفة أصبحت طبقة أو حزباَ بعدما كانت حتى غاية الآن عقلا. الأمر الذي يَحمل لينين على القول: "كان ماركس وإنجلز في ما يتعلق بحيز الفلسفة، منذ البداية وحتى غاية النهاية، رجال الحزب"(54). إن لينين – حسب ما يوضح جورج لابيكا – يَمنح  في أحد أعماله الأولى فكرَ الحزب أهمية بالغةً من حيث هو الإحداث (أو الإعمال) النظري- السياسي, فالمادية تفترض فكر الحزب. إذ إن متابعة حدث ما تلزمنا بكل صراحة ووضوح أن نلتزم بفكر مجموعة مجتمعية. فلينين يمنح فكر الحزب وظيفة مزدوجة. إنه، من جهة، يتيح تحليل حالة تاريخية محدَّدة. في ما يُلزِم، من جهة ثانية، بتطوير الوعي السياسي للجماهير.  الأمر الذي يقود إلى توسيع المعادلة الرباعية علم/مادية/ثورة/بروليتاريا، بإضافة تكوين خامس كي ما يُؤسَسُ للمعادلة، وذلك بإضافة خامسها ألا وهو الحزب"(55).
 
على هذا النحو، فإن النظرية والمعرفة معجون واحد لا ينفصل عن معجون التاريخ. هذا المعجون ما هو سوى المادية التاريخية، من حيث هي مادية الممارسة، والتي ظهرت مع الثورات البروليتارية في أوروبا، فرنسا وألمانيا، وبرفقة الاقتصاد السياسي في بريطانيا. هذه التكوينات الثلاث التي يستعرضها "البيان الشيوعي"، وهي الفلسفة الألمانية من حيث هي "المَخْرَج" من الفلسفة، الثورة الفرنسية من حيث هي كومونة باريس (1871) والصراع الطبقي، والاقتصاد السياسي البريطاني من حيث هو نقد رأس المال. إن هذا المَخرَج يُؤْذِن بتكوُّن "علم التاريخ"، أو التعريف بعلم واحد منفرد للإنسان، يجمع ما بين الطبيعة والمجتمع، وذلك من حيث أن هذا العلم يعادل علم الطبيعة ما دام الإنسان يتدخل بالمجتمع والطبيعة عبر الإنتاج والعمل، وطالما أن الإنسان طبيعة، والطبيعة مجتمع. ذلك أن التطور بوجود الإنسان وتدخله في الطبيعة يتحول إلى التاريخ، طالما ترتبط الطبيعة ارتباطا كاملا بصيرورة الإنسان من حيث حيِّزه الاجتماعي (56). إن هذا العلم، حسب جورج لابيكا، يشكل مخرجا من الفلسفة أيا كانت، حتى وإن كانت فلسفة علمية.
 
* *  *  *  *  *  *  *  *  *
 
ستاتيس كوفيلاكيس يقدِّم بدوره هذا الحوار مع جورج لابيكا الذي وقَعَ خياره على الماركسي اليوناني لأداء هذه المهمة. كان حريصا على ذلك. أما كاتب هذه الأسطر، فإنه كان يود لو أن جورج لابيكا يقدِّم بنفسه للحوار، إلا أن المنية اختطفته على حين غرة في الثاني عشر من شهر شباط/فبراير من العام 2009. هذا، ويعود تاريخ هذا الحوار معه إلى نهاية العام 2007 ومطلع العام 2008. غير أن ظروفا خاصة بكاتب هذه الأسطر، فضلا عن ظروف موضوعية، قد حالت دون إنجاز هذا العمل، ونقله إلى اللغة العربية في حينه. بيد أن ما كان جورج لابيكا يدلي به من آراء ومعلومات لم تفقد حداثتها، بالرغم من مرور ثماني سنوات على الإدلاء بها. لاسيما في ما يتعلق بالفصل الأول الذي يُنشَر تحت عنوان "الماركسية هي الرد الوحيد لتغيير العالم"، والذي يحتوي على معلومات، وإن كانت معلومة لدى متتبعي نقَّاد العولمة النيوليبرالية أو اللإمبريالية الجديدة، غير أنها تحتفظ بمصداقيتها ومعاصرتها لما هو الحاضر بالرغم من مرور السنوات الثمان. إن هذا الحوار موجَّهٌ في المقام الأول للمناضلين من أجل تشييد يوتوبيا علمية أو العالم الشيوعي.
 
إذا كان كاتب هذه الأسطر حريص بدوره على تكليف الصديق ستاتيس كوفيلاكيس بتحرير مقدِّمة للحوار، فلأن بحوزته ترسانة من الأدوات التي تتيح له إنجاز ما يأتي به من أعمال كان بدأ بها في سنوات الشباب والدراسة في الجامعة مع جورج لابيكا وتحت إشرافه. أضف إلى ذلك ، أن الحوار عبارة عن حجر من أحجار "الانتفاضتين" الفلسطينية، أو صرخة بين بحار من الهتافات العمالية ضد الرأسمالية والإمبريالية أو العولمة النيوليبرالية. هذا العمل أبعد ما يكون عن الماركسية الأكاديمية، و"الفلسفة الماركسية". بل، وإنه يتوق إلى المساهمة في الثورات الراهنة عبر التعريف بنظرية الإحداث أو النظرية العملياتية، والمادية التاريخية.
 
يُراد أيضا من هذا العمل الحيلولة دون أن تطغى الماركسية على الشيوعية، وأن تتحوَّل الشيوعية إلى إيديولوجية. فخلال ما يساوي النصف قرن تمسكت أعمال جورج لابيكا بتحديث الشيوعية عبر فكِّها عن حالات من الفشل لازمتها. كي ما يبلغ هدفه بأدواته وأسلحته وكفاحه لإلحاق الهزيمة بالإمبريالية والعولمة، ومن أجل دحض وتفنيد الانحرافات الأكاديمية، الإيديولوجية الفلسفية، التي لحقت بالمادية التاريخية والشيوعية، فقد كرَّس حياته من أجل الدفاع عن العنف الثوري، والديمقراطية في الثورة، وحركات تحرر الشعوب، ولتوضيح نظرية الممارسة او نظرية الإحداث من حيث هي بصورة جوهرية إعمال نقدي استراتيجي لدى لينين. إنه يردِّد على مسامعنا أن فعل التغيير إذا ما هو زال، فإن كل ما عداه يسقط. هذا هو معنى نظرية التغيير في التغيير في أعماله. هذا هو أيضا ما يسعى الحوار معه أن يُبَلِّغَه.  
 
في ما يأتي من صفحات عبارة عن توضيحٌ لنظرية المعركة الشيوعية والمادية التاريخية من حيث هي أداة لتغيير العالم.
 
إن مسار جورج لابيكا طوال خمسين سنة خلت من أجل نصرة الشعوب المناضلة من أجل تحرُّرها، وبهدف نشر الشيوعية والتعريف بها، كانت توقفت على حين غرة في الثاني عشر من فبراير من العام 2009. إلا أنه يترك بين أيدي شيوعيِّ العالم ترسانة من الأسلحة من أجل الثورات القادمة. لذا تراه يقف هنا وهناك وراء حاجز بناه عبر أعماله لإلحاق الهزيمة بالرأسمالية وبناء الشيوعية في المستقبل. فقد توطدت العزيمة بين جورج لابيكا ومحاوره عبر الصفحات المقبلة أن يكون الحوار بينهما فعلا نضاليا، وعبارات تصبو نحو الانقلاب إلى حجارة مرمية في وجه الإمبريالية والعولمة النيوليبرالية، الإمبريالية والسياسة الصهيونية. مرماة ليس فقط بقوة، وإنما بكراهية الطبقة العاملة للبورجوازية، الاستعمار والإمبريالية، وبحقد طبقي.
 
                                                                                            حسـان خـالـد شـاتـيلا
                                                                                      باريس، شهر آذار/مارس 2009  
 
 
 
 
 
 
 
 
                                                         هـــوامـش
 
·        ستاتيس كوفيلاكيس Stathis Kouvélakis، هو أستاذ الفلسفة السياسية في كينغز كوليج بلندن    King ‘s College، عضو أسرة تحرير المجلة الفصلية كونتر تان Contretemps
من مؤلفاته: الفلسفة والثورة من كانط إلى ماركس، باريس، المنشورات الجامعية الفرنسية، 2003 - فرنسا الثائرة والحركات الاجتماعية، باريس، منشورات تكستوييل، 2007- مدخل إلى نقد فلسفة القانون لدى هيجل، باريس، منشورات إيليبس-ماركيتينغ، 2001 – سارتر، لوكاش وألتوسير/ ماركسيون في الفلسفة، باريس، المنشورات الجامعية الفرنسية  2004- ماركس العام  2000، باريس، المنشورات الجامعية الفرنسية،2000 – قاموس ماركس المعاصر، باريس، المنشورات الجامعية الفرنسية، 2001.
Philosophie et Révolution. De Kant à Marx
L’introduction à la critique de la philosophie du droit de Hegel
Sartre, Lukacs, Althusser, des marxiste en philosophie
Marx 2000
Dictionnaire Marx Contemporain
 
1)- في مدخل "الماركسية" متن "المعجم النقدي للماركسية، بإشراف جيرارد بن سوسان، وجورج لابيكا، باريس، المنشورات الجامعية الفرنسية، مجموعة كوادريج، 1982، ص ص 711-713" marxisme, in Dictionnaire critique du marxisme, PUF, coll. Quadrige, 1982, pp. 711-713  يوقِّع جورج لابيكا هذا المدخل، ويشير إلى أن الظروف التي كانت تحيط بمصطلح "الماركسية" جاءت لتشمل أعمال ماركس وإنجلز، بدل أن تأخذ بالمقاييس المعيارية للماركسية النقدية، وهي: الاشتراكية العلمية، المادية التاريخية، ونقد الاقتصاد السياسي. "لقد تَغلَّب تعبير "الماركسية المتراكم بين ناظرينا عبر ما يزيد عن القرن الواحد، تغلَّب بالرغم من التباس معناه". وكان هذا المصطلح ذات صدى يشبه "المهاترات". " ماركس كان شديد التحفظ حيال هذا المصطلح لأسباب مبدئية". بل وإنه نفى عن نفسه أن يكون هو نفسه ماركسيا. ثم فُرِضَ هذا المصطلح على إنجلز من قِبل الاشتراكيين الذين كانوا يبتغون من وراء ذلك أن يميِّزوا الاشتراكية الانتقائية عن سواها من (الماركسيات)، وذلك على غرار كاوتسكي. بيد أن إنجلز إذ هو وافق على هذا المصطلح فإنه لم ينفِ عنه ما يرافقه من "حساسية". ثم "أمتد هذا المصطلح ليشمل كل من يأخذ بالتسمية أطروحات ومفاهيم المؤسسين الاثنين..."
1 مكرر)- جورج لابيكا، كارب ماركس، أطروحات فويرباخ، المنشورات الجامعية الفرنسية، باريس، المنشورات الجامعية الفرنسية، 1987، ص 107. Georges Labica, Karl Marx, Les thèses sur Feuerbach, Paris, PUF, 1987, p. 107.
2)- مرجع سابق، ص.95.
3)- جورج لابيكا، مخطوط.
4)- مرجع سابق.
5)- م.س.
6)- م.س. ص.ص. 126-127.
7)- م.س.
8)- م.س. ص, 52.
9)- أندريه توسيل، معجم الفلاسفة/ باريس/ المنشورات الجامعية الفرنسية، الطبعة الثانية، 1993. André Tosel, Dictionnaire des philosophes, Paris, PUF, 2ème edition, 1993  . جاء تحت مدخل جورج لابيكا أن أعماله وأبحاثه "تتناول بنى الماركسية ومشكلاتها النظرية كما أوضحها في المعجم النقدي للماركسية الصادر في العام 1982. هو مدافع عن لينينية مناهضة للستالينية. كما هو يدافع عن فلسفة قوامها ممارسة نظرية هي سياسية بصورة جوهرية".
10)- أوضح جورج لابيكا هذا الحدث العظيم الذي يواكب المادية التاريخية في أعمال ماركس وإنجلز، وذلك في مؤلف له تحت عنوان "الموقع الماركسي للفلسفة، بروكسيل، كومبليكس، 1976 ". طيا دراسة واستعراض للمؤلف.  Le statut marxiste de la philosophie, Bruxelles, Complexes, 1976. 
11)- المعجم النقدي للماركسية، ص 923.
12)- م,س. ص 924.
13)- م.س.
14)- ستاتيس كوفيلاكيس، الإحداث في الماركسية.  Stathis Kouvélakis, la revue Contretemps,n°13.
15)- أطروحات فويرباخ، ص 21. م
16)- جورج لابيكا، عن لينين، مخطوط (بين أيدي القارئ طياً). يسمي لابيكا أعمال لينين بأنها نظرية  إحداثية، أو نظرية عملياتية. ذلك أن أعمال لينين طوال حياته قوامها تغيير العالم انطلاقا من تحريك خطوط الصراع، ونقد الإيديولوجيا البورجوازية، وذلك بالاعتماد على نظرية لا تكف عن التجدُّد تحت تأثير الممارسة.
17)- المعجم النقدي للماركسية، مدخل "النظرية"، ص 1146.
18)-  م.س. ص 1144 : "بمقابل احتقار النظرية، فإن إنجلز يؤكد على ضرورة دراسة قوانين الفكر وتاريخها، إذ إن مصداقية الفكر النظري ليست مسبقة: إنها نتيجة، إنها أيضا الظروف المحيطة بالصيرورة الاجتماعية من حيث هي حيازة فطرية وراثية للواقع بشموليته، أي تاريخ وطبيعة. بيد أن هذه العملية ثَمْثُل من حيث هي تمَثلٌالذي للخصوصية التي إن هي لم تُنجَز، فإنها تتأخر أو تنقطع.  لذا، فإن إنجلز يدعو إلى استخلاص كل الظروف التي تحيط بخصوصية البحث لدى ماركس، والذي حمله إلى حيِّز بعيد جداً عن التجريبية التي كانت موجودة في "أطروحات فويرباخ"، وفي "الإيديولوجية الألمانية".َ الذي حَمَلَه أيضا إلى معرفة المنهج النظري الخاص بالاقتصاد السياسي الذي أسَّسه سميث وريكاردو. إن هذا التعرف المزدوج هو الذي يقود إنجلز، ليس فقط إلى استعراض منظَّم للمادية التاريخية، من حيث هي نظرية عامة، وإنما، علاوة على ذلك، تقوده إلى فصل الجدل المادي لأسباب بيداغوجية، ومن حيث أن الجدل المادي يشكِّل أحد مكوِّنات الفكر النظري المشترك في العلم لدى ماركس وغيره من العلوم. إن هذه النتيجية من حيث المبدأ تحتفظ بالفكرة الأساس، وهي التي تعيد للممارسة أولويتها، وتعيد أيضا للبحث العلمي بصورة مباشرة معناه من حيث هو ممارسة مباشرة للسياسة".
19)- م.س.
20)- المعجم النقدي للماركسية، مدخل "العلم" بقلم جورج لابيكا، ص.30.
21)- م.س. ًص.1030.
22)- م.س. ص1030
23)- م.س. ص 1032-1033
24)-م.س. ص 1034
25)- م.س. ص 1034
26) م.س. ص 1036
27)- م.س. ص 1039-1040
28)ـ م.س.
29)- م,س,
30)- م.س. ص 1042
31)- م.س. ص 496
32)-م.س.
33)- م.س.  ص 497
 34)- م.س. ص  498
35)- م.س.
36)- كارل ماركس، أطروحات فويرباخ، ص ص 52-53
37)م.س.
38)- إرنست جوث، التطهير النفسي والتحوُّل الاجتماعي في النظرية السياسية لغرامشي، مطبوعات الجامعة في الكيبيك، 1990، ص 101. Ernst Jouthe, catharsis et transformation sociale dans la théorie politique de Gramsci, Presse de l’Université de Qébec, p. 101.
39)-  مدخل الماركسية الغربية، المعجم النقدي للماركسية ص ص 717-718
40)- م.س.
41)- سيرة حياة جورج لايكا، انظر طيا.
42)- صحيفة لومانيتيه l’humanité ، 23 تشرين الثاني/نوفمبر 2003  ندوة في مدينة بواتيه الفرنسية تبحث حول موضوع دور فكر ماركس في سياق ثقافي طوال القرن العشرين تحت تأثير العلموية
43)- م.س.
44)- لومانيتيه، في إحياء ذكرى جورج لابيكا "حقيقة المثقف المناضل، 16 شباط/فبراير 2009
45)- محمد ملفي هو أستاذ الفلسفة في جامعه وهران، من مؤلقاته: إنجلز، الفلسفة والعلم، منشورات هرمتان 2004. Mohamed Moulfi, Engels : Philosophie et science, Paris, l’harmattan, 2004
46)- Scritti Giovanili, éd. Einaudi, 1958, in Dictionnaire Critique du Marxisme 651 . راجع، المعجم النقدي للماركسية، ص 651
47)- مدخل "اللينينية، بقلم جورج لابيكا، المعجم النقدي للماركسية، ص 650
48)- م.س. ص 651
49)- م.س. ص 652
50)- مدخل "الشيوعية"/ المعجم النقدي للماركسية، ص 202ـ2011
51)-
52)- م.س. ص 202 ، مدخل "الشيوعية"
53)-
54)-
55)ـ
56)- الموقع الماركسي للفلسفة، م.س ، ص ص 367-368
 
 








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الخلط الشديد
فؤاد النمري ( 2015 / 12 / 29 - 16:04 )
لا أدري هدف الرفيق شاتيلا من هذا الخلط الشديد في محيط قدريّ الضياع
البحث النطري في السياسة بعيداً عن حقائق الاقتصاد إنما هو قبض الريح
الكاتب ومقدمه يخلطان خلطاً شديداً في الحقائق الاقتصادية فلا يميزان بين العولمة والتيو ليبرالية والامبريالية
العولمة هي ظاهرة مرافقة لانهيار النظام الرأسمالي في مراكزه
التيوليبرالية هي اتجاه لإحياء الرأسمالية في بريطانيا ثاتشر وأميركا ريغان وفشلا
الامبريالية هي الطور الأعلى للرأسمالية وقد اندثرت قبل السبعينيات وتوقع ستالين اندثارها في وقت أبكر

ليكتب لنا الرفيق شانيلا عن موضوع محدد بعينه بصورة واضحة كي نستفيد من تجلياته

مع وافر احترامي

اخر الافلام

.. يونس سراج ضيف برنامج -شباب في الواجهة- - حلقة 16 أبريل 2024


.. Support For Zionism - To Your Left: Palestine | الدعم غير ال




.. كلام ستات | أسس نجاح العلاقات بين الزوجين | الثلاثاء 16 أبري


.. عمران خان: زيادة الأغنياء ثراء لمساعدة الفقراء لا تجدي نفعا




.. Zionism - To Your Left: Palestine | الأيديولوجية الصهيونية.