الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


... فيما بين كرة القدم وحكومة الكَدَم من اتصال

هشام حمدي

2016 / 1 / 1
عالم الرياضة


من اليسير التعرف إلى سريرة رياضي، وتطلع على جزء كبير من طريقة تفكيره، ومن العسير معرفة سريرة السياسي والاطلاع على نواياه وأفكاره لالتزامه لأهداف جماعته القريبة والمتوسطة بمرونة متحكمة في مواقفه وثقافته، وأما الرياضي فإنه كواجهة تجارية تستوعب ما فيها بنظرة خاطفة، إنه واضح الالتزام لفريقه ومشجعيه.
اللاعب المغربي أصبح حلمه الهجرة والاحتراف والغاية ليست دوما هي حب كرة القدم، بل الغاية تتلخص في الهروب من واقع اجتماعي واقتصادي حتى وإن كانت تلك الهجرة نحو أندية الدرجة ثانية في بلغاريا أو بلجيكا أو فرنسا أو الصين، مثلهم مثل جل الشباب الحالم بالهجرة حتى لو كانت سرية وغير شرعية وغير آمنة، هل تريد أمثلة لنمط الحياة في المغرب بمختلف جوانبه السياسية والثقافية والاجتماعية؟
إذن فلتشاهد بعض مقابلات بطولتنا الوطنية لكرة القدم التي تسيطر على عقل وحياة الكثير منا، وستدرك أن الكرة في المغرب نسخة طبق الأصل من المغرب نفسه، وستعلم من خلال الممارسة لهذه اللعبة كم نحن عشوائيون وكسالى وبلا طموح وبلا خطة واضحة وإن وُجِدَت فهي بلا غايات وبلا أهداف وإن وُجِدَ هناك هدف فلا وجود للحماس، ستعلم كم المغاربة متعصبون وهواة، لا يعرفون الاحتراف وتنقصهم اللمسة الأخيرة أمام المرمى ويهدرون فرصا سانحة للتهديف بسهولة ولا يجيدون التسديد عن بعد لكنهم يبرعون في إيجاد تبرير لهزائمهم.
فالكرة في المغرب تشبه المغرب، اللمسة الأخيرة مفقودة لدى معظم الفرق الوطنية، يبذل لاعبوها الجهد لكن مجهودهم يصبح بلا معنى واجتهادهم بلا فائدة مع الاقتراب من مرمى الخصم، فلا بد من قذفة طائشة أو استهتار أو تسرع أو توتر أو أنانية زائدة أو غرور أو إخلاص غائب، افتقاد اللمسة الأخيرة يمكن معاينته في المغرب بوضوح بداية من عمل النجارين حتى تصل للأطباء الجراحين دون نسيان المرور بالمنتجات الصناعية نهاية بتزفيت الطرق.
من يهاجمون المخزن كما يحلو لبعض الحقوقيين تسميته، لا يدركون أن نظام التوريث مبدأ أصيل في حياتنا يمكنك ملاحظته في ميادين شتى كالأمن والقضاء والتجارة والطب والجراحة والمقاولات لكن في ملاعب كرة القدم يوجد تطبيق واقعي أكبر له فهناك على سبيل المثال لا الحصر ابن غاندي وابن الأطلسي وابن البهجة لأختم بابن الحسوني.
المجاملة أكبر معاناة يشتكي منها أحيانا اللاعب الموهوب والتي تضعه على مقعد البدلاء الاحتياطيين لمصلحة آخر نصف موهوب، وهي من أسوء تجلياتها فكرة المحاباة والمحسوبية والزبونية التي يشكو منها أصحابا الحق في مواقع وأماكن كثيرة في المغرب وأشهرهم أصحاب الحق في التعيين كالأساتذة المتدربين ومعلمي التكوين النظامي في المدارس والثانويات المغربية.
المقاربة الأمنية المطبقة في التعامل مع الاحتجاجات والوقفات السليمة والسلمية والتي تنبذ العنف والظلم هي نفسها المُفَعّلة في الملاعب، فالشرطة موجودة في الملاعب لا لحماية المشجعين لكن للأسف لحماية اللاعبين والمسؤولين والقاطنين بجوار الميادين من المشجعين.
فلسفة اللعب على الخروج بالتعادل التي تنهجها الفرق الوطنية على الملعب، تنهجها الحكومة المغربية في التعامل مع حركة العدل والإحسان والمُتّأسْلِفِين وأخت الحزب الحاكم في الرضاعة حركة التوحيد والإصلاح، مع فارق بسيط هو أن الفرق التي تنتهج هذه الفلسفة تنهجها مع الفرق الأقوى فقط.
أبواب الاحتراف والانتقالات والإنتذابات التي تفتح أمام اللاعبين المغاربة للانتقال نحو أفق آخر هو بمثابة الهامش الصغير لاستنشاق الحرية الممنوحة للصحافة المغربية. هو احتراف الإشارة الأهم فيه الأعداد المحصل عليها من طرف اللاعبين وأنديتهم دون مشاهدة في النهاية للعب كرة قدم حقيقية، وهو هامش حرية الإشارة الأهم فيها حرية تعرية أخطاء الرؤساء وكشف مخالفات المسؤولين دون رؤية أشياء تتغير.
استمرارية وبقاء مدرب في منصبه رغم توالي الهزائم وتدني مستوى الفريق هو نفس الأسلوب المتعامَل به في الحكومة مع وزيرة 2 فرانك وقبلها وزير لپرتوش ووزير الكراطة ووزير الشوكولاطة الذين تتبعت الجرائد والمواقع الإلكترونية المغربية إخفاقاتهم في كل زمكان.
نقص اللياقة البدنية وهي صفة تميز اللاعب المغربي هي جزء من اللياقة البدنية المعتلة والمريضة للشعب المغربي قاطبة، فغالبية الشباب المغربي الذي لم يبلغ بعد الثلاثين يقبل بكثرة على استخدام الفياغرا وأما رجاله فبفعل الإجهاد في العمل أصبح مصابا بالسكري وضغط الدم والقولون العصبي مما يعرضهم لأزمات قلبية مع بداية الخمسينات، المغاربة يعيشون ويتعايشون مع تلوث بيئي فاحش ليطرح السؤال من أين ستأتيه هذه اللياقة؟.
المشجع والمحب الذي ينزل إلى أرضية الملعب ويقوم بركل الكرة لهز الشباك معتقدا في قرارة نفسه أنه ولا محالة سيَفُكُ النحس عن الفريق بتلكم الحركة باعتبار أن العيب يوجد في الشبكة، مثله مثل ذلك الشخص الذي أخذ أمواله إلى أحد النصابين ممن يتقنون الدجل ليقوم الجني بمضاعفتها باعتبار أن الجني هو المسؤول عن الثروات والأرزاق.
فكرة، الأهم هو المشاركة أو المهم هو التمثيل المشرف للمغرب تعطي، لهزائم المنتخب المتعددة وخسارات الفرق الوطنية العديدة، بُعْداً جماليا يحاول المسؤولون من خلالها جعل المشاهد المغربي يرى جانبا مشرقا في المشكلة، وكأنها عملية نَسْخ وقَص ولَصْق من عناوين الصحافة المغربية في سعيها تحسين الصورة قسرا مثل المغرب يحتل الرتبة 1 عالميا في تصدير الغاسول والسردين.
هناك مغاربة يقدسون شخصا ما فيحولونه إلى صنم يعبدونه ثم يبدؤون في ذمه وشتمه ورشقه بالحجارة وما أن ينكسر ذاك الصنم حتى يشعر بعضهم بفقده وافتقاد أيامه، وهذه أصبحت ماركة مغربية أصيلة تكررت خارج الملاعب مع أسماء أشهرها الزاكي وعويطة.
عند الهزيمة هناك مبررات لأي شيء وكل شيء مثل: ارتفاع درجة الحرارة أو أرضية الملعب غير صالحة أو تحكيم دون المستوى أو أن الرياح تعاكس الفريق ألا تذكركم هذه المبررات بتصريحات رئيس الحكومة مثل "الزيادة في أعداد الخريجين" التي يبرر بها ارتفاع نسبة البطالة أو "بلادك كيحسدوك عليها" لتبرير وتمرير قانون الصحافة والأسرة والقانون الجنائي والزيادة في أجور وزارة الداخلية بدل الزيادة في أجر من يبني الإنسان وهو رجل التعليم.
لاعبون يزعمون الإصابة بسبب اختيارهم المقابلات التي يريدون المشاركة فيها هم أنفسهم أبناء هذا المجتمع الذي يزعم بعض موظفيه في الدولة المرض هروبا من ضغط ووتيرة الشغل ويَدَعِي بعض أطفاله المرض بألم في الأسنان أو المعدة حتى لا يذهبوا إلى مدارسهم.
لاعبون سليطو اللسان في الملعب لا لشيء سوى إرعاب الخصم وإرهاب الحكم، هم أنفسهم أبناء هذا المجتمع الذين لا صوت يعلو عن أصواتهم في الشوارع بسائقي تريبورطوراته وسيارات أجرته الصغيرة والكبيرة ورجال مروره.
الاستعانة بالخبرات الأجنبية للتهرب من تحمل المسؤولية كان التطبيق الواقعي الأشهر له الاستعانة بشركات أجنبية للتنظيم ولتجميع القمامة وتنظيف شوارع البيضاء من الأزبال، أما إذا لم يكن تهربا من المسؤولية في الحالتين فلا مبرر له سوى عقدة نقص من الأجانب.
فلسفة الحفاظ على الانتصار أو الحفاظ على الهدف اليتيم تقود للهزيمة في اللقاء وتذكرني بتصريحات رئيس الحكومة ودفاعه المستميت عن مكاسب دستور 2011 والبقية تعرفونها.
الأولترات غريبة فعلا، فهي ربما قد تبيت في الملاعب لكن الأكيد هو حضورها المبكر إلى الملعب التشجيع بحماس قبل انطلاق المقابلة، ومع انطلاق ضربة البداية تتوقف عن تأدية المهمة المنوطة بها وهي تشجيع فرقهم حتى نهاية اللقاء كما في أوربا، والأغرب أنها لا تشجع إلا بعد تسجيل الهدف فيما المفروض هو التشجيع حتى إحراز فريقهم الهدف، هم نسخة طبق الأصل لبعض الموظفين الذين يحضرون إلى عملهم بحماس وفي وقت مبكر وما أن يشرعوا في عملهم حتى تلاحظ انتشار عدوى الكسل بينهم ولا ينشطون إلا بتحفيز مادي رغم كونه غير مستحق.
الملاعب الغير الصالحة والسيئة التي تقام عليها المقابلات هي نسخة كربونية من شوارع ملأى بالحفر وكثرة المطبات وإدارات مكاتبها تزكم الأنوف بملفاتها المليئة بالأتربة وقاعات العمليات الجراحية الغير المعقمة والمليئة بالبكتيريا والجراثيم والفطريات وعشرات الفصول التي يتكدس فيها التلاميذ بدون منفذ ولا نوافذ للتهوية.
البطء ميزة إيقاع المباريات هو نسخة من بط ء يميز وطنا بكامله ويمكن معاينته في الطريق التي أطلق عليها مجازا الطريق السريع، وهي صفة ملازمة لكثير من الإجراءات الإدارية كالتقاضي في المحاكم وعمليات ترميم وإصلاح الطرق والقناطر.
المواطن الذي يصل متأخرا إلى صلاة الجمعة حتى لا يحضر سماع الخطبة، وإذا اقترب من الجامع "ومازال الإمام يلقي خطبته" يتباطأ ويُخرج هاتفه ليعبث فيه وبه، هذا المواطن لا يمكنه أن يعرف الله ويستحضره سوى في ضربات الترجيح أو ضربات الجزاء.
مبدأ الدفاع المتبع من طرف الفرق المغربية هو نفسه المبدأ الذي يعيش فيه وَبِهِ المواطن المغربي، فهذا الأخير يدافع بكل ما أوتي من قوة عن قوته اليومي ويقاتل بشراسة على لقمة عيشه ومعاشه لأجل تأمين وأمان عائلته ولا يفكر في الهجوم مطلقا لتحسين وضعه ووضعيته، وهذا ما يسميه علماء النفس بغياب الطموح أو قل انعدامه.
الاهتمام بالفرق الكبيرة مثل الوداد والرجاء واستشارتهما في كل صغيرة وكبيرة على حساب بقية الفرق الفقيرة هو أمر يشبه عملية الإصلاح التي تقوم بها الحكومة ولا تستفيد منها سوى النخبة، الجامعة المغربية قسمت الفرق في المغرب إلى فرق القمة وفرق السفح والمظاليم المهملين.
هناك خاصية تميز ملاعبنا وتتلخص في كوننا لا نتحرك حتى يدخل مرمانا هدفا، وهي خاصية تنطبق على الحكومة فهي لا تتحرك وإن تحركت لا تتحرك إلا بعد وقوع الكوارث.
أخيرا، حين يدفع التعصب البعض إلى تصنيفك إما إسلاموي أو علماني، إما ودادي أو رجاوي، إما ذكي أو غبي، ويأتي آخر ليحدثك عن الديموقراطية والروح الرياضية، وينسى هؤلاء وأولئك كما يقول الأستاذ حمزة بحدو بأن المشاهد كما المسؤول يتقن مهارة اللعب لكنه يفشل في التعامل مع القضايا والتعاون بالرياضة لا لسبب عدا كونه نسي أو تناسى بأن الرياضة تُتَداول بين العقول قبل تداولها بين الأرجل.
الإنسانية هي الحل








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حالة غش في ماراثون بكين تلتقطها الكاميرات


.. تحدي الأبطال | حماس لا ينتهي مع بكي ووليد في Fall Guys و Hel




.. دوري أبطال أوروبا.. أربعة متأهلين من بينهم ريال مدريد وباريس


.. نجم ريال مدريد يحتفل بعد الإطاحة بالسيتى مرددا: الله أكبر




.. في 70 ثانية رياضة.. 6 منتخبات عربية تتنافس على لقب كأس آسيا