الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


متلازمة انسحاب خضير ميري

احمد جبار غرب

2016 / 1 / 3
الادب والفن


. هذا المختلف في كل شيء في طباعه في ثقافته في حضوره المبهر وسط المشهد الثقافي وفي جنونه العسل ..خضير ميري انه (فلته) الثقافة العراقية في المنجز والخلق ورسم معالم الشخصية الثقافية التي كشف بعض من هويتها وسماتها ..كانت رحلته مثيرة للجدل والتساؤل في الابحار في عالم معقد لا يدنو منه الا الكبار وذوي الارادة الصلبة والشخصية الحديدية انها الفلسفة التي شكلت ومهرت شخصيته منذ قراءاته الأولى لفلاسفة التشاؤم والجنون كنتشة وشوبنها ور وسبينوزا وكامو وربما كانت سببا في تشتيت ذهنيته وتحبيط ذاته وسط الاسئلة التي حاصرته ولم يستطيع الاجابة عليها في رحلة البحث عن الحقيقة والوجود وربما اراد ان يتجاوز زمنه ومرحلته العمرية .ولا ننسى ان ميري له دور في طرح المثقف العراقي ورؤاه في مصر تحديدا هو الوحيد الذي تفاعلوا معه وقدم نموذجا للكاتب العراقي المحترف والذي ينظر له باحترام كما هي نازك الملائكة والبياتي لكن الثيمة في سيناريو خضير ميري كانت لحظة تعرضه لحادثة في الطريق الصحراوي في مصر والتي قلبت كل حياته وهي بداية القشة التي قصمت ظهره عندما تعرضت ساقيه الى الاذى بحادث انقلاب السيارة التي كان يستقلها وإشكالية خضير تكمن في مأساته انه لم يحدد مساراته واهدافه والى اين يمضي؟ كان عبثيا بكل معنى الكلمة ففي حياته الاسرية المتأزمة اصابه النحس ولم يكن بأحسن الاحوال وربما كانت السبب وراء انهياره النفسي ومن ثم اعتلاله الجسدي كذلك كان بحاجة الى المال لكي يستمر في نشاطه ولأنه يؤمن بألا جدوى والعبث فقد تشبث بلحظته وعاش فيها ومن اجلها لم يفكر في الغد في العائلة في الزمن المستقبلي الذي لا يرحم لم يخلق لنفسه جدار صد او حماية من مثالب الزمن ولدغاته كان مسرفا في كل ما يشربه يدخن كثيرا ويحتسي كثيرا ويتزوج كثيرا اضافة الى عدم احساسه بالمسؤولية اتجاه اسرته لأنه يبحث عن حريته ولا يجدها ألا في الكتابة وتحقيق الذات كان يعيش عالمه الخاص به وهائما بتكوين شخصيته وهناك ثغرة في حياة خضير انه لم يجد نفسه عراقيا فقد حاربه البعض من الوسط الثقافي بادعاءات لا نعلم مدى صدقيتها ومنها ما يتعلق بالتناص والهيمنة عليه او اعادة صياغة الافكار بشكل ماهر وبارع وانتاجها من جديد كمنجز باسم خضير ميري ورغم انه اعترف بذلك وقال انها محاولة لا كتشاف قدرات البعض المثقف لكن في رأي ان تلك المحاولات بحد ذاتها تعتبر ابداعا و ربما لتميزه وشهرته السريعة حاول البعض رسم صورة مشوهة عنه وﻷ-;-ن المثقف العراقي مولع ومهتم بالشخصية وتكوينها وقولبتها وخلق لها اطارات بمعزل عن الكائن الثقافي الذي يحمله وعندما بزغ نجمه في مصر تلك القلعة الثقافية الكبيرة واصبح ينادى بخضير الفيلسوف واصبح حديث الوسط الثقافي المصري وكان من أصدقاءه الشاعر جمال الغيطاني ومحمد عفيفي مطر هلل له مثقفونا وحاولوا التقرب منه ومحاولة فهمه من جديد. والفلسفة هي ليست مهنة او خلق او ابداع ولا حتى فكرا هي رؤية قد تجدها في جماد او نبات او اي مادة .. كل أنسان بطبيعته هو متفلسف للأشياء التي تحيط به ولها تأثير عليه. خضير ينتمي للفلسفة العبثية القريبة من الوجودية فهو عاشق للحرية بل انه جازف بأغلى ما يمكن من اجل ان يحيى ويبقى عندما افتعل مسالة الجنون والنفاذ بجلده من بطش السلطات الامنية التي اعتقلته بتهمة انتماءه لأحدى التيارات الاسلامية وهو محض كيد وادعاء وشبهة، تعلقه بنتشه وتأثره به جعله يستعجل الجنون وهو مجنون فعلا وليس تمثيلا لكن ليس بفقدان القدرة العقلية وايقاع السيطرة الحسية انه جنون معرفي يجد فيه لذة ان يكون مثل نتشة او فان كوخ او غيرهم من العباقرة ومع هذا فخضير يعتقد ان الحرية تكمن في المصحات العقلية لأنك تستطيع ان تفعل ما تشاء دون حساب او عقاب بذريعة الجنون بينما عندما تكون خارج المصحة انت مقيد بالقوانين والسياقات البيروقراطية والانظمة البوليسية فتلك تكاد تكون سجنا كبيرا تحد من حريتك ورغم ان خضير ميري عانى كثيرا من آلام نفسية والارق بسبب تعوده على السهر وادمانه للقراءة كجز من حيويته العقلية والمعرفية وكان يذهب الى العيادات النفسية مبكرا من عمره ليس لجنونه وانما لرهافته واحساسه العميق بالأشياء وايضا للتخلص من الارق ..انا اول مرة التقي به كان في 79/80 عندما كان طالبا في كلية الفنون الجميلة وكنت ضمن فرقة مسرحية وزارنا برفقة احد الشعراء كنا نناقش فكرة مسرحية فتدخل هو وتكلم لعشر دقائق متواصلة ولم نفهم شيئا مما قاله ليس لأنه غير مفهوم وإنما لعمق الكلام وجبريته مثلما قارئ مبتدئ يقرأ اصل الانواع لأول مرة حتما (سيدوخ)لكن بالتجربة والتكرار يستعيد استيعابه وﻷ-;-ول مرة نفاجئ به(خضير) حتى اني قلت لزميلي (هذا عن ماذا يتكلم) قال لي اتركه انه (مخبل)..لخضير محطات كثيرة وصور كثيرة متعددة يصعب علينا ان نضعها في بودقة واحدة وهو ذا شخصية جذابه تجبرك على الاصغاء اليها وهو يحاول احتوائك أي كسبك لمواقفه او رأيه ربما لكثرة قراءاته السيكولوجية لفرويد وادلر وبافلوف ويتعامل مع الاخرين بصدق ونقاء تام لا يفتش في أصدقاءه مهما اختلفوا عنه .اي انه لا يرتاب منهم أو يضع التصورات المسبقة عن مواقفهم يهتم بان يكون مرحا في احاديثه او يضفي طابع السخرية والمفارقة فيما يقول منسجم مع ذاته واثق من قدراته صريح لا يخجل من سيرته ولا يعتبر ان التناقض في الانسان عارا ،غير متعالي يمتلك ادبا وخلقا رفيعا ترك فراغا كبيرا ولوعة لدى محبيه ربما تكون صدمة او متلازمة انسحاب اسمها خضير ميري كان يمكن ان يكون مشروع ثقافي مميز لكن اجحاف الحكومة والمؤسسة الثقافية والبيروقراطية فيها اجهضت اماله واحلامه ويكفي ان اشير الى امر ربما يدخلنا في عالم الفنطازيا واللامعقول الا وهو نعي وزارة الثقافة المصرية لرحيل ميري ايمانا منها بعلو كعبه في الفلسفة دون ان تكون هناك اشارة ولو اعلامية لفقدان هذا المبدع الكبير من أي جهة كانت وهكذا حال المبدعين والمثقفين العراقيين نصيبهم الاهمال والتسطيح والخضوع للقياسات والحسابات المريضة .. خضير ميري اسم لا يمكن ان ينتزع من الذاكرة بسهولة ..رحمك الله ياخضير








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كل الزوايا - -شرق 12- فيلم مصري يشارك في مسابقة أسبوع المخرج


.. الفيلم اللبنانى المصرى أرزة يشارك فى مهرجان ترايبيكا السينما




.. حلقة #زمن لهذا الأسبوع مليئة بالحكايات والمواضيع المهمة مع ا


.. الذكاء الاصطناعي يهدد صناعة السينما




.. الفنانة السودانية هند الطاهر: -قلبي مع كل أم سودانية وطفل في