الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الف وخمسمائة سنة من الرمال

مساري البصراوي

2016 / 1 / 3
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


ألف وخمسمائة سنة من الرمال
..............
* في عام 626 ميلادية المكان الجزيرة العربية
هناك وتحت سقف ذلك البناء الذي يتكون من جذوع النخيل وسعفها تجلس مجموعة من الرجال ذوي البشرة السمراء وجوههم شاحبه عليها اثار الصحراء القاحله الرمال ملتصقه على وجوههم كأنها وجوه الاموات شفاههم جافه ولونها ازرق كنهر حزين فيها الكثير من الشقوق عندما تراهم تعتقد انك امام مجموعة من زهور دوار الشمس الذابله في قلب كل رجل منهم قصة من المعاناة والالم مرسومه على تجاعيد وجوههم يجلسون كالخراف التي تنتظر الذبح ينظرون الى بعضهم البعض لا يعرفون ما يقولون يتواصلون فيما بينهم بالنظرات الحزينه  كان احدهم يتكئ على جذع نخله ويمسك بيده عصا صغيرة يرسم بها مجموعة من الخطوط على الارض ويعود ليمحيها مره اخرى وهناك سمع منادياً يقول لقد جاء رسول الله لقد جاء ! نهض كالصبي المتحمس وهو ينظر الى الجانب الايمن من المسجد دخل رجلٌ تبدو عليه ملامح الثراء لم يكن يشبه الموجودين في المسجد فقد كان انيقاً ومحاطاً بالرجال .
* في عام 2016  المكان مدينة البصرة :
رجل اسمر البشرة يتكئ على جدار من المرمر يبكي بصوت خافت ملابسه متسخه وعليها غبار الطابوق الاصفر لن تستطيع ان تميز لون قميصه بسبب ذلك الغباء كان مرهقاً من ألم الدنيا وقسوتها فزوجته ماتت قبل ثلاثة اشهر ولم تترك له سوى فتاة صغيرة وبيت موحش كان ينهض باكراً للعمل كعامل بناء وعند عودة للمنزل لا يرى سوى جدران تحمل ذكريات ودموع ولا يجد نفسه سوى صورة تذكارية لا تحمل اي حياة ، كان يجلس في الحسينية ليندب حظه فهناك فقط يشعر بالراحه النفسية فلم يبقى لديه شخص يشكو اليه مشاعره ويرتمي باحضانه سوى ذلك الكائن الذي يعيش في السماء وبينما هو يضع يده على عينه سمع صوتاً يصيح " عباس عباس سيد صادق جاء ليرى الحسينية " رفع رأسه ونظر الى باب الحسينة واذا برجل بهي الطله يرتدي عمامه سوداء وتحيط به مجموعة من الرجال نظهر اليه وابتسم كأن مشاعره كمشاعر الام عندما تجد طفلها الضائع ...
الف وخمسمائة سنة من الرمال الملتصقه على اجساد الفقراء تجدهم يجلسون في نهاية دور العبادة ينظرون الى السماء يشكون لها حزنهم ، عندما يشاهدون رجال الدين يشعرون بالسعادة والصفاء الروحي يشعرون بالعبودية التي تريحهم من مشاكل الحياة فقد سئموا فكرة السباحه ضد التيار اخيراً  وجدوا من يتكلم معهم عن حياة اخرى لا يوجد فيها ألم لا يوجد فيها هواء فاسد لقد وجدوا من يتكلم معهم عن انهم في امتحان وان هذه الحياة مجرد محطة توقف وسوف يسير القطار مرة اخرى لكي يذهب بهم الى ارض الميعاد ارض خضراء ليس فيها سيد وعبد ، ابيض واسود ، جميل وقبيح هناك الكل متساوين هذه الافكار الجميلة تكاد ان تتحطم على يد الملحدين اولئك الذين يريدون ان يقتلوا تلك الاحلام الجميلة ان يذكروهم انهم سيموتون ولن تتغير الى الاحسن بل سيبقى الالم والبكاء ، يذكروهم انهم مجرد كائنات من ملايين الكائنات كائنات ليس لها هدف تعيش من اجله يذكروهم ان تلك الطفلة العمياء لن ترى الضوء مرة اخرى ان ذلك المقعد لن يمشي وان تلك العجوز التي تجلس في باب الشرچي لن يرجع لها الشباب مرة اخرى ان اكثر الاعداء الذين يشعرون بالخوف منهم هم الملحدون يذهبون الى الانترنت يجدونهم يذهبون الى التلفاز يجدونهم انهم كالطاعون الذي يريد الجميع ان يهرب من امامه اولئك . الحالمون النائمون لا يريدون ان يستيقضوا من احلامهم من اوهامهم فليس من السهولة ان تجد كل شيء يتحطم امامك يريدون ان يجلسوا على فراش الموت وهم يعتقدون انهم سيرجعون للحياة مرة اخرى . كاتب هذه السطور لم يحاول في احد الايام ان يخبر احد المرضى ان الله غير موجود ولم يتحدث مع معاق عن عدم وجود الجنة ولم اتحدث مع امي عن انها لن تشاهد ابي مرة اخرى ستبقى تلك الرمال على اجساد الفقراء وسيبقى رجال الدين انيقين الملبس وسيبقى الملحدون مستيقظون ينظرون بعين الشفقه الى اولئك النائمين الذين يتبعون خوفهم واحزانهم ويرفضون رؤية الحقيقه كما هي .
ان اصعب احساس لمن يعرف الحقيقة المجردة انه لا يستطيع اخبارها للجميع .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أصفهان... موطن المنشآت النووية الإيرانية | الأخبار


.. الرئيس الإيراني يعتبر عملية الوعد الصادق ضد إسرائيل مصدر فخر




.. بعد سقوط آخر الخطوط الحمراءالأميركية .. ما حدود ومستقبل المو


.. هل انتهت الجولة الأولى من الضربات المباشرة بين إسرائيل وإيرا




.. قراءة عسكرية.. ما الاستراتيجية التي يحاول جيش الاحتلال أن يت