الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الديكُ الذي أضحى دودة

عمر حمَّش

2016 / 1 / 13
الادب والفن


الديكُ الذي أضحى دودة ...


قصة قصيرة


عمر حمَّش


في دار المخيم نما، لكنَّه جاء معقوفا، برأسٍ دقيقٍ، يتقدمه عُرفٌ عالٍ؛ يطلقُه لريحٍ، ولغيرِ ريح، يحدِّبُ أنفه كمنقار، ويحني عودهُ قليلا؛ ليريحَ ظهرَهُ النحيل ..
يناديه الصغارُ: يا ديك
وجارُهُ "المنسيّ" يحركُ رأسَ جثتِه المُمدّدة في الزقاق؛ كلما قال:
أهلا ديك ... تفضلْ يا ديك ..
لكنْ أن يصبحَ دودةً!
هذا الذي أطار عقلَه، وأغرق عينيهِ في سحابةِ سَوَاد ...
أنْ يتمنى نعمةَ ابنةَ المنسيّ، وهي لا تتمناه .. يرسل خيالُه؛ لوقعِ خطوِّها على صحن الدار، يلتقطها؛ وهي تردُّ على طلبات أبيها المتكررة للشاي ..
أن يمشي كرجلٍ صار ديكا، أو يتقوّس كديكٍ كان رجلًا، وأَنْ يهربَ كلما انهمرتْ الحجارةُ على الخُوَذ، يفرّ مع الأولاد؛ من قبل أن يلتقطوه؛ فيدكوا عظامه؛ من غيرِ أنْ يتفهموا أنّه ليس سوى الديك .. وقد يجرُّه الصِّغارُّ مثل جريحِ حربٍ .. أمه تأتي؛ لتنوح، وذراعاها فوقها تحومان، مثلما تحومُ أذرعُ كل الأمهات.
والمنسي قد يقهقه، وهو يلوي عينيهِ: لا تخرج يا أستاذ.
هو الديكُ ذو العرفِ الشهير، النحيلُ الذي قد تقصفه أيُّ ريح ...
كلُّ هذا ارتضاهُ .. لكنْ أن يصبح دودة ..!
كان وقتَها يستحمُ .. يغرفُ الماءَ بالمقلاة، ليسكبٌه مباشرةً على عُرفِ رأسِه، والماءُ يهوي إلى ساقيه القصبتين ..
كانت الأشياءُ تبدو سليمةً، وكانت أذناه تحومان لاستقبال مَا تسنى من صوتِ نعمة التي خلف الجدار؛ لتنتفضَ ساقاهُ كوتَرَيْنِ لكلِّ همسةٍ يقذفها الجدار ..
لم يكُن ما ينبئُ بخطر؛ قبل أن يعلو الصخب، وتأتي الهرولة، ثمَّ في لحظةٍ يطيرُ الباب ...
في لحظةٍ صار ديكا منتوفا من الثياب..
صرخت أمّه، وهم يسحبونه .. وصرخت وهي تتعثر .. وصرخ هو كقصبةِ ريحٍ مثقوبة، وصراخُه جاء صفيرَا معطوبا..
تضاحك الجندُ وهم يدفعونه إلى بيتِ المنسي، تعلق بصفيحِ الباب .. لم يفهمْ، ولم يتخيلْ عبوره إلى هناك.
نادى الله لاهثا، ثمَ المنسي ...
كانت على الباب معركةُ تدور ... تخللها صوتُ المنسي المتهدّج من داخل بيتِه:
جننتنا يا ديك .. ولك ادخل تنشوف شو بدهم من سمانا؟
عند دحرجته إلى الداخل؛ كان قد تكوّم مومياءً ترتعش، كيس جلدٍ قد ضمر، تشجّه عظامٌ متبقية ... على التراب حطَّت غيمةُ السواد، غمرته، ثمَّ انغلقتْ ... لم يتبقَ في الدنيا سوى قهقهة الضابط، وشهقةَ نعمة ... ثمَّ جاءت صيحةُ المنسي التي شقّت فؤاده:
معقول يا ديك؟ ولك دودة أنت مش ديك...!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المغربية نسرين الراضي:مهرجان مالمو إضافة للسينما العربية وفخ


.. بلدية باريس تطلق اسم أيقونة الأغنية الأمازيغية الفنان الجزائ




.. كيف أصبحت المأكولات الأرمنيّة جزءًا من ثقافة المطبخ اللبناني


.. بعد فيديو البصق.. شمس الكويتية ممنوعة من الغناء في العراق




.. صباح العربية | بصوته الرائع.. الفنان الفلسطيني معن رباع يبدع