الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حرب قصف العقول وكسب القلوب:الحلقة الثانية

سعد سلوم

2005 / 11 / 10
الصحافة والاعلام


العراق وتاريخ صناعة الكراهية

(( الحقيقة ثمينة إلى حد انه لا بد من حمايتها بموكب من الأكاذيب))ونستون تشرشل

لقد ذكرنا في مقالنا عن( الموجة الرابعة للديمقراطية-ملف الحوار المتمدن) إلى إننا لا يمكن أن نتغاضى عن عدم استجابة الولايات المتحدة لقضية الديمقراطية في منطقتنا طوال النصف قرن الأخير من القرن الماضي بل انها عملت بالضد من ظهورها وعملت على تصفيتها فمن اجل أبعاد شبح الديمقراطية عن المنطقة! تم الترويج لفكرة مؤداها ان الدول النامية –بما فيها دولنا العربية-غير مؤهلة للديمقراطية وذلك بسبب تخلفها الاقتصادي وانخفاض مستواها التعليمي او عدم توفر الشروط التي تسمح بقيام التعددية السياسية وقد صاحب الترويج لمثل هذه الفكرة المغلوطة-والتي تم التنكر لها في ما بعد-هجوم فعلي على الديمقراطيات الناشئة في هذه البلدان عن طريق دعم الانقلابات العسكرية بل والتبرير لها بوصفها ضرورة للتحديث!وفرصة لتهيئة ارضية الاستقرار اللازمة للانتقال الى الديمقراطية.وقد جاءت الانقلابات العسكرية-التي سميت بالثورات لتجميل وجهها الوطني- بقطار أمريكي لتقوم بتصفية الحركة الوطنية والمشروع الوطني للتحديث .وهكذا تنضم للأسباب المعاصرة للعداء أسباب تاريخية تجعل من جذور العداء تتجمع على نحو تراكمي، يضاف اليها عامل سايكولوجي هام يتمثل في إن احدى المكونات النفسية في صياغة الشعور بالوطنية لدى شعوب المنطقة غالبا ما يعبر عنها بالشعور بالعداء للأجنبي وقد ظل مواطنوا دول المنطقة في حالة كره تجاه حكوماتهم الوطنية الرشيدة! لإحساسهم بانها تمثل الأجنبي او انها من صنعه اوتعبر عن مصالحها الخاصة المتطابقة مع مصالح الأجنبي وبذلك ينضم الى تاريخ كراهية المستعمر فصل جديد ملحق يفسر استمرار الكراهية له في ظل تجسده الماثل في شكل الحكومات المحلية اللاوطنية.
إن مفاهيم الذاكرة الجمعية هي مفاهيم خطرة تؤجج حمم كراهية دائمة لامنظورة سرعان ما تنفجر من فوهة بركان الواقع،ومن ميراث هذه النيران كان الشعور بالعداء لأميركا يستقي جذوره.و تحولات الخطاب الإعلامي الأمريكي تقع دوما في فخ المفارقة التاريخية ولا تستطيع تجاوز التناقض الذي يتغذى على معطيات مسجلة وموثقة في الذاكرة الجمعية لسكان المنطقة ، فعلاقات الولايات المتحدة مع صدام حسين في الثمانينات معروفة للجميع و كانت تدعمه وتسلّحه.. وحين صرح دونالد رامسفيلد، وزير الدفاع الامريكي سنة ،2002 "ان نظام صدام حسين فاسد وشرير للغاية، وقد قتل عدداً كبيراً من افراد شعبه، واستعمل الاسلحة الكيماوية ضدهم.. انه أحد أشد الانظمة فساداً ووحشية على وجه البسيطة". ولكن ذلك لم يكن مهما حين كان زار رامسفيلد الدكتاتور العراقي في الثمانينات بهدف تقوية العلاقات العراقية الامريكية ويذكر بعض المؤلفين الغربيين نكتة راجت ايام الحرب الاخيرة، وتروي عن رامسفيلد انه كان يقول لكل من يرغب في الاستماع، "ان لدى العراق اسلحة دمار شامل". فسأله أحد المتشككين قائلاً: "وكيف عرفت ذلك؟". قال: "لأن ايصالات بيع تلك الاسلحة معي؟!
وقد فضح الكاتب الفرنسي اريك لوران في كتابه (حرب ال بوش) العلاقة المتينة التي كانت تربط صدام بواشنطن ويتوسع في شرح العلاقات التي تربط بين عائلتي بوش و(بن لادن وصدام حسين- حسب قول لوران- مثل بن لادن عندما كان يقاتل ضد الشيوعيين عاش وازدهر بمشيئة الولايات المتحدة وتحديدا بوش ورفاقه).
كما هناك تشكك عام بالسياسات الأمريكية وضعف في مصداقيتها عمقته الحالة العراقية فالتقرير الذي رفعه العراق الى الامم المتحدة عن أسلحته وبرامجه التسليحية، على سبيل المثال وكان يتألف من 12 ألف صفحة قامت الولايات المتحدة "بقرصنته" ثم أعادته إلى الأمم المتحدة ولم تبق منه سوى 3500 صفحة.. فما الذي حوته الصفحات الناقصة وعددها 8500؟ لقد بات مفهوما من ذلك ان الولايات المتحدة تريد اخفاء معلومات تحرج الشركات الامريكية وادارة بوش. والنتيجة: حصول الاعضاء غير الدائمين في مجلس الامن - وعامة الناس - على نسخة امريكية مصححة، فقط، من تقرير برامج الاسلحة العراقية. تستبعد التواطؤ الامريكي في مسألة تسليح صدام حسين.
كما يتذكر العراقيون بمرارة كيف ان ادارة جورج بوش الاب قد وقفت زحف قواتها نحو بغداد في كانون الثاني 1991 لاسقاط نظام صدام حسين – بعد القضاء على البقية الباقية من قوات الدكتاتور التي احتلت الكويت – بحجة " ان الظروف الدولية القائمة – انذاك – لم تكن تساعد على ذلك ، او خوفا من ملء ايران للفراغ السياسي في العراق " . واعقب ذلك فصل حزين من العزلة الدولية للشعب العراقي استمر مدة تزيد على ثلاثة عشر عاما عبر فرض العقوبات الاقتصادية التي ساهمت في اضعاف المجتمع المدني العراقي وقوت من شوكة الدكتاتور وتسلطه وهكذا تم احباط الشعب العراقي من قبل قوة ادعت تحريره.
وفي اعقاب سقوط نظام صدام وبالتحديد في آيار 2003 ، هبط جورج بوش بطائرته الحربية(توب غان) على سطح حاملة الطائرات ابراهام لنكولن ، وأعلن بلهجة واثقة وفخورة : ( في أوقات نستخدم القوة العسكرية لتحطيم أمة . ولكن اليوم لدينا قوة عظيمة لتحرير أمة عبر تحطيم نظام خطر وعدواني) هذه التصريحات التي سوقت في اطار مسرحي معد مسبقا ربما ساهمت في تسويق صورة بوش لكنها لم تفعل شيئا لتحسين صورة الولايات المتحدة اذ لم يستقبلها العراقيون بعاطفية او بتصديق ولم يروا فيها سوى امر للتسويق الداخلي الامريكي لان التجربة في العراق تناقض تلك التفاؤلية التي تقف وراء الخطاب والصورة القوية للرئيس الامريكي ، أو على اقل احتمال توحي بأن " تحرير أمة " يتطلب اكثر من إسقاط نظام صدام الظالم الذي دعم من قبل الأمريكيين انفسهم ضد شعبه وجيرانه .والصورة الايجابية لامبراطورية عصرنا، لن تنشأ تلقائيا لو أن الدوافع الأمريكية كانت صادقة –بنظر العراقيين-في وقت لم تعد فيه القوة العسكرية كافية لردع أعداء أمريكا، من الذين أصبحت الاراضي العراقية جبهتهم الاولى في الحرب والحرب المضادة ضد خصمهم ،ومن ثم دفع كبش الفداء العراقي ضريبة الدم نيابة عن شعوب اخرى،-انظر مقالنا(كبش الفداء العراقي)المنشور في موقع الحوار المتمدن-وجاء الإخفاق الإعلامي الامريكي في تحسين صورة الولايات المتحدة ليعزز التصور المسبق عن الاعلام الامريكي في الادراك العراقي الشعبي الذي ساعد نظام صدام على تنميطه وهو تصور سلبي يختلط بنوع من الريبة والشك عميق وترجع بدايات تشكيله الى زمن اعتمد فيه الأعلام الأمريكي منذ الغزو العراقي للكويت على التلفيق والتفخيم بدءا من قصة حاضنات ألأطفال في مستشفى الكويت والتي كشفت على نطاق واسع لكن من الصعب محوها من الذاكرة العراقية،وصولا الى اسلحة الدمار الشامل المزعوم أن العراق يتملكها والتي لم ينجح الخطاب الإعلامي في تغطية العجز السياسي الأمريكي عن تقديم تبرير بديل أو شاف. ولم يكن مجرد التخلص من حكم صدام الدموي بكاف لإنسان تتعرض حياته يوميا لألوان الدمار والإذلال بل ان خطابا مضادا يصاغ منذ سقوط النظام البائد نجح في غزو الضمير الشعبي ازاء الفشل الأمريكي في العراق وعدم النجاح في تحقيق الاستقرار وتوفير متطلبات الامن والحياة التي شكلت وعدا زائفا ادى الى رد فعل معاد للخطاب الاعلامي ومن وراءه للوعود الأمريكية السياسية. وقد سخر الكثيرون في الداخل العراقي من اغراق محطات تلفزيونية عربية معينة بحملات اعلانية مغرية للغاية، اثناء الانتخابات العراقية الاخيرة، وهي الحملات التي جعلت هذه المحطات تصور الاوضاع في العراق بأنها تسير من حسن الى احسن، وتوحي بان بغداد باتت أكثر ازدهارا وأمنا من كثير من المدن خلافا للواقع .
يتصاعد اليوم وبعد إسقاط النظام الدكتاتوري ارتباط سكان المنطقة بعذاباتهم التي طالما غفل عنها الادراك الامريكي ويستنكرون داخل نفوسهم موقف الادارات الامريكية التي ظلت على الدوام تأخذ جانب الطغاة والمستبدين وتساندهم ضد شعوبهم بل انها كثيرا ما تنكّرت للانظمة الديمقراطية وعملت على الاطاحة بها، ولهذا فلا عجب في الكراهية التي تكنها للولايات المتحدة بعض الشعوب المظلومة عميقة وتحتاج معالجتها الى طول صبر وسياسات ثابتة واستراتيجيات ذات جدوى وليس مجرد التسويق الدعائي الأعمى عن مجريات الواقع.
فالوضع بعد الظفر بالحرب يضحى مطحونا بالصراع بين البنتاغون ووزراة الخارجية وكأنه ساحة خلفية لتلك الوزارتين وهو صراع ذا جذور ترجع لعام 1991 وكيفية معالجة الوضع العراقي بحيث أصبحت السياسة تجاه العراق مثل بيضة القبان ينهما على حد تعبير ستيفان هالبر وجوناثان كلارك في كتابهما عن التفرد الامريكي ونجم عن ذلك التخبط في مجيء غارنر ليحاول إدارة العراق لفترة معينة-يلفها الغموض- وفجأة يغادره دون أسباب تذكر وأحوال العراقيين في خط بياني يأخذ في الأنحدار ودول الجوار تنتظر فرصتها الذهبية للتدخل في الشأن العراقي. غارنر يغادر وبريمر يأتي ليزيد الأمر سوءا". بريمر يصدر قراراته الشهيرة التي كانت وبالا على استقرار البلاد يحل الجيش ويحل بعض الوزارات ومنها الأعلام دون استيعاب حقيقي لدور الأعلام كوزارة ومؤسسات وتأثير يومي في صياغة الادراك المباشر للواقع بالنسبة لرجل الشارع العراقي. لقد فشل بريمر في إدراك هذا الدور وتوظيفه لصالح التسريع في تشكيل العراق الجديد دون المرور بدوامات كثيرة مثل دوامة العنف ودوامة الحكومات الأنتقالية غير المؤهلة لموجة إعادة الأعمار ودوامة التدخل الخارجي في الأمر العراقي. من هنا بدأت فصول مأساة جديدة غذت اسباب العداء بوقود يومي جديد.
مما جعل من السخرية ان تمن الولايات المتحدة على سكان المنطقة بالتحرير او تدعي قدرة عجائبية لتحويل مجتمعاتهم الى نسخة امريكية فكثير من العراقيين مؤمنون بان الاشياء التي قدمها الامريكيون للعراقيين ، لا تختلف عن خطوط السكك الحديدية التى مدها الانجليز فى بعض مستعمراتهم. فتلك امور اريد بها خدمة الولايات المتحدة بالدرجة الاولى، واذا ما افادت الناس بصورة او اخرى، فلا ينبغى ان يتم التعامل معها بحسبانها فضائل موجبة لتحسين الصورة الأمريكية التي يمزقها التناقض بين السياسيات المنفذة على الأرض والادعاء الإعلامي الذي يحاول التجمل بها،بعيدا عن الشيء الحقيقي الذي قدمه لنا وهو منحة الفوضى التي غرقنا بها.
كما ان الطبقات المسحوقة تحس ان بلدها لم يعد ملكا لها وانه يعرض للبيع، انها حقيقة تستجيب لعنوان من قبيل((العراق للبيع)) وان البلاد لم تعد ملكا لهم . وهو بالمناسبة قريب من عنوان اختارته صحيفة "الاندبندنت" البريطانية والذي يقول : "أمريكا تعرض العراق للبيع". وهي صياغة قد يستجيب لها المتلقي العراقي لأنها تشرح إحساسه أكثر من استجابته لعناوين صحيفة "نيويورك تايمز" مثلا الذي يقول ((العراق يطرح قوانين تحث على الاستثمار من الخارج)).
فالعراقيون تعودوا على وجود سلطة قوية تسيطر على كل شيء ولا يفهمون بسهولة الدوافع لخصخصة وبيع قطاعات كاملة من الاقتصاد العراقي، من الاتصالات عن بعد، حتى المصارف والبنوك. وصار بوسع الشركات الأجنبية ان تشتري 100% من الشركات العراقية وان ترحل جميع الأرباح إلى الخارج؟!!.في حين تبقى البلاد أشبه بمستودع خلفي للنفايات الإيديولوجية والعسكرية وساحة للاحتراب بين جهات لا علاقة للشعب العراقي بها.
وفاقم من تشويه صورة الولايات المتحدة ما حدث من فظاعات في ابو غريب ،فعلى الرغم من توجيه الرئيس الامريكي جورج بوش رسالة عبر عدد من قنوات التلفزيون العربية لمحاولة استعادة ثقة العرب والعراقيين بعد الانتهاكات التي ارتكبتها القوات الامريكية في سجن ابو غريب بالعراق.فان تلقي الرسالة لم يكن كاملا لجميع العراقيين ولم تنجح في ايصال اعتذار او تبرير ملائم .وقد قال متحدث باسم الرئيس الامريكي: "انه سيقول ان ما قام به الجنود غير مقبول ومعيب.ولكن هل هذا كاف بالنسبة للعراقيين؟!.
وقال المتحدث باسم البيت الأبيض سكوت ماكليلان ان الرئيس وافق على اجراء مقابلات معه في قناة الحرة الأمريكية الناطقة بالعربية وفي قناة العربية وقال ماكليلان: "هذه فرصة للرئيس للحديث مباشرة الى الدول العربية ليبين لها ان الصور التي شاهدها العرب غير مقبولة ومعيبة كما ان"هذه الصور لا تمثل قيم أمريكا ولا تمثل المثل العليا التي تلتزم بها قواتنا كما كان وزير الدفاع دونالد رامسفلد قد قال ان المسؤولين عن السلوك "غير المقبول الذي لا ينسجم مع القيم الامريكية" سوف يقدمون للمحاكمة كما ادان الانتهاكات التي تعرض لها اسرى عراقيون على ايدي جنود امريكيين واصفا اياها بانها "سلوك غير امريكي وغير مقبول باي حال وتعهد رمسفلد في مؤتمر صحفي باتخاذ كل ما يلزم لعقاب من قاموا بهذه الانتهاكات، مشددا على انهم "انتهكوا بسلوكهم هذا قواعد السلوك في الجيش الامريكي، وخانوا الثقة التي اولاهم اياها الشعب الامريكي. ولكن احدا لم يتحدث عن ثقة الشعب العراقي مع انها الفيصل الاساس بالقضية؟!
المسؤولون الأمريكيون لا يقدرون الضرر الذي لحق بالسمعة الدولية لأمريكا جراء ذلك وحين رد السيد رامسفلد على سؤال حول الضرر الذي الحقته هذه الصور بمصداقية الولايات المتحدة دوليا، اقر رامسفيلد بانها اوقعت ضررا بالفعل، الا انه اضاف انها تظل حالة استثنائية. وهذا تخفيف من حدة الاضرار الواقعة بل انكار لها.
هل يمكن لهذه الأسباب والموجبات العميقة ان تتغير بفعل التوجه الأمريكي متعدد المسارات؛الذي يوفر مخصصات مالية سخية من الكونغرس لصالح برامج الإعلام الخارجي دونما تأثير عميق ؟!!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كيف تتطور الأعضاء الجنسية؟ | صحتك بين يديك


.. وزارة الدفاع الأميركية تنفي مسؤوليتها عن تفجير- قاعدة كالسو-




.. تقارير: احتمال انهيار محادثات وقف إطلاق النار في غزة بشكل كا


.. تركيا ومصر تدعوان لوقف إطلاق النار وتؤكدان على رفض تهجير الف




.. اشتباكات بين مقاومين وقوات الاحتلال في مخيم نور شمس بالضفة ا