الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أيها الأمريكيون .. - تحريركم - لنا أصبح يخيفنا ..فالتدمير تاليه

أنيس يحيى

2005 / 11 / 10
مواضيع وابحاث سياسية


صحيح أن هنالك بعض من وقف منذ البداية ضد حرب الأمريكيين على صدام حسين ونظامه الدموي . إلا أن الغالبية كانت إلى جانب هذه الحرب التي أزالت أبشع حكام الأرض قاطبة . ولمزيد من الدقة ؛ لقد كان مَن وقف إلى جانب الحرب على صدام حسين مبعِداً عن ذاكرته مسلسل الحروب الأمريكية في أماكن متعددة من العالم . فالقصد إزالة طاغية عجز شعبه ، وأمته بالتالي عن إزاحته .
إذا كان من ارتباك لدى القوات الأمريكية في العراق خلال الشهور الأولى بعد صدام مبرراً بالنسبة إلى حجم الأهداف والوسائل حينها ، إلا أن الأمر الآن ، وبعد مضي أكثر من عامين ، أصبح مدعاة إلى مراجعة حقيقية للنمط الذي تميّز به الأمريكيون : تدمير بقصد التحرير ، أو تحرير موصول بالتدمير .
ماذا نرى في المشهد العراقي اليوم ؟
بلد عاجز عن إخفاء توترات دينية ومذهبية وقومية مرشحة بيسر للافلات من ضوابط تتلاشى على عَجل ، والانغماس في بحر هائج من الدماء التي قد تراق ليس بقصد إستشراف غدٍ واعد ، بل للارتماء في أحضان التخلف والعوز والعصبية . ومما يجعل المشهد أكثر سوداوية هو انقياد بعض مكونات الشعب العراقي ، وربما جميعها لارادات قوى اقليمية فاعلة تتهيأ لملء فراغ مرتقب .
لقد تجاوز التقوقع والانغلاق مساحة العراق ، وبتنا نشهد ارتدادات هذا التأزم في أماكن أخرى ؛ عربية واسلامية . قد يقول البعض أن مسؤولية هذا الواقع يتحملها النظام السابق ، صدام حسين . وأنا جزء من هذا البعض . إلا أن المعالجات التي شاهدناها حتى اليوم تؤكد أنها كانت دون المطلوب بالتأكيد ، حتى ازدادت أصوات القائلين بأن تمزيق العراق إلى كيانات هزيلة تحتاج إلى مَن يحميها ، وبالتالي تمزيق المنطقة بأكملها ، هو من أهداف الأمريكيين الأساسية .
لسنا في موقع إبداء النصائح وتقديم الحلول ، فالعراق يزخر بمن يلعب هذا الدور . إلا أننا معنيون دون شك بالنتائج ، وليبتعد الساسة الأمريكيون ، وكذلك القادة العراقيون عن تبرير الفشل المؤذي في العراق ، إن لجهة جمع العراقيين في وحدة قد تتخذ شكلاً فيدرالياً ، أو في إبعاد شبح الخوف من الموت الذي يدخل البيوت دون طرقها .. ويتركوا التبرير للفلاسفة الذين بات الكثيرون يزاحمونهم على أدوار ينتظرون القيام بها . أما السياسيون فلهم موقع من اثنين : النجاح أو الفشل .
إن جميع هذا ، بالرغم من تردّيه لا يشكل سوى جزء محدود من المشهد العراقي .. أما الأجزاء الأخرى فهي آلية موت تتحرك بقوة وفعالية في أماكن كثيرة من العراق ، حتى أصبح ذكر عشرات القتلى العراقيين يومياً لا يثير أحداً ، أو يستفز مشاهداً للفضائيات العربية ، وربما العالمية .
أليس من نهاية لدوامة الموت هذه ؟ على العكس نراها تزداد وتشتد ضراوة ، ويزداد بالتالي رهان الظلاميين ، ليس في العراق وحسب ، بل في أماكن متعددة من العالم على فشلنا في الدخول إلى عصر نراه دون أن نحظى بفرصة الوصول إليه . نشاهد العراق ونعجز عن إقناع المترددين أن عراق اليوم أفضل من عراق صدام حسين .. وأصبح بالتالي الرهان على استبدال باقي الأنظمة العربية المستبدة محبطاً .
أيها الأمريكيون .. إن فشلتم في كلّ هذا ؛ وحدة العراق ، وأمن العراقيين ، أيكون تدمير القرى والمدن العراقية تعويضاً عن هذا الفشل ؟ لعنتم صدام حسين ، ولعناه مثل كل أحرار العالم ، لانه أرهب الأبرياء وقتل ما إشتهى منهم . ألا ترهبون الأبرياء عندما تصبّون حمم قذائفكم على أماكن انتشار الارهابيين في الأحياء السكنية وقرب المدارس والمستشفيات ودور العبادة ؟ أليس بين مَن تقتلونهم أبرياء ؟ بلى ، وبينهم الكثيرون ممن يودّون مساعدتكم في التخلّص من سطوة الجماعات التي اختارت إرهاب الآمنيين واستسهال سفك دمائهم .
كان الباعث إلى هذا المقال ما نشاهده طيلة اليومين المنصرمين من ضراوة يستخدمها الجيش الأمريكي على منطقة القائم القريبة من الحدود السورية . القصد من العملية التي أطلق عليها الأمريكيون اسم الستار الفولاذي ، القضاء على الارهابيين المتواجدين في هذه البقعة . لكن ما نراه ، ويشاهد بوضوح على شاشات التلفزيون ؛ بيوت مهدمة ، ومدينيون يُقتلون تحت القصف ، وأطفال ونساء وعجزة يهرعون في الشوارع بغية إتقاء الموت الذي بات يحاصرهم أينما توجهوا . هل تدمير القائم فوق رؤوس ساكنيها هو الحل الأمثل للقضاء على من يختبىء فيها من الارهابيين ؟ هل ما صرّح به وزير الدفاع العراقي : " لن نذرف دمعة واحدة على مَن يُقتل من العراقيين إذا كان يأوي إرهابياً " هو تصريح المؤتمن على حياة مواطنيه ؟ لا نجادل في مسألة إنهاء الارهاب في العراق ، ولكن ، هل على العراقيين الأبرياء دفع كفّارة من دمائهم عن مرحلة صدام حسين ، وكفّارة أخرى عما بعده ؟
أيها الأمريكيون .. لا مكان للنوايا في عالم السياسة ، وموقفنا منكم ستحدده النتائج . لن نغفر لكم إذا دفعتم العراقيين إلى التفتت والتجزئة ، ولن يكون مقبولاً إذا كان تدمير العراق ثمناً لهذه المهمة .
بالمحصلة .. علينا دفع فاتورة إزالة صدام حسين . وهذه الفاتورة ستدخل في حساب الأمريكيين دون شك . قد تكون الأرقام كبيرة ، ولكنها تبقى مقبولة إذا بقيت دون إهدار كرامات العراقيين ، ودون إبدال العراق بـ " عراقات " هزيلة ؛ فازالة صدام حسين ، وتهديد أنظمة الاستبداد الأخرى تستحق هذه التضحيات .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الإنفاق العسكري العالمي يصل لأعلى مستوياته! | الأخبار


.. لاكروا: هكذا عززت الأنظمة العسكرية رقابتها على المعلومة في م




.. ألفارو غونزاليس يعبر عن انبهاره بالأمان بعد استعادته لمحفظته


.. إجراءات إسرائيلية استعدادا لاجتياح رفح رغم التحذيرات




.. توسيع العقوبات الأوروبية على إيران