الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأصنام

عمر حمَّش

2016 / 1 / 26
الادب والفن


الأصنام ...


قصة فصيرة


عمر حمَّش

لستُ أدري متى بالضبطِ هاجمتِ الأصنامُ مدينتنا، ولا من أين تأتت لها تلك الحركة العجيبة، كنتُ أعلمُ أنّها خارجَ نطاقِ العمران، وكنتُ أذهب مع رفقتي الصغار؛ نركضُ من حولِها، وهي شاخصة بعيون الحجر، كنَّا أيضا نمتطيها في غفلةٍ عن أعين حرّاسنا، وكم من المراتِ امتطيناها، ثمَّ بلنا في مآقيها ...
الأصنامُ ...
كانتْ فرجةَ العابرين، وكانتْ قواعدها ملاذَ العاشقين، قربَ غروب الشمسِ من تحتِ أذرعها المطويّة على خصورِها؛ هناك .. كانَ الهمسُ يحلو، وتبادلُ القُبل ..
أيضا في خلسةٍ عن أعين حراسنا ..
الأصنامُ .. كانتْ من الماضي البعيد .. نخاطبها مراتٍ ولا تستجيب، حتى أهملناها كشيءٍ من قمامة .. فقطْ كنا – وقتَها – بها نستظلُّ؛ والشمسُ تنفضُ عن عيوننا ما تبقى من بقايا للغمامة ...
لستُ أدري ما جرى ..
فجأةً وعلى غير انتظار؛ استطالتْ أصنامُنا، وكلُّ صنمٍ قد ارتدى عمامة.
في غفلةٍ منا ..
غادرت قواعدَها، ومشتْ .. مشتْ أصنامُنا في الطرقاتِ، وفي الأسواقِ، وفي الحارات، ولمْ أدرِ كيف كلّ هذا حدث، أطفالنا، ونساؤنا، وحتى حاكمُ مدينتنا؛ كلّهم صفقوا لحسنِ خطوّها، كُلنا صرنا نقفُ متفرجين، ننظر إلى اجتماعاتِها المتكررة.. ونحاولُ .. فقط نحاولُ فهمَ ما تدبرُه أصنامنا ..
مع الوقتِ .. صارتِ الأمهاتُ تفقدُ صبيانَها، ومع البحثِ يكتشفنَ أنَّهم تحولوا إلى حجارةٍ صغيرة .. وأنَّهم بلا كلامٍ صاروا، ولا فيهم بصَر ..
مع الوقتِ .. صارَ صبيان الحجر يتكاثرون، وصاروا يكبرون؛ لكِنْ كحجارةٍ نامية ...
الأصنامُ ...
غزَت برفقٍ مدارسَ مدينتِنا .. كان حراسُنا نائمين .. وفي نومِ حراسِنا تناسختْ هناك أصنامُنا؛ وفضاؤنا بها امتلأ .. ..
أنا عقلي ظلّ حائرا .. ظلَّ صدري يمور .. أحاولُ، ولا أحاولُ .. أفهمُ ما جرى، ولا أفهم .. وحيرتي زادت؛ حينما رأيتُ الحاكمَ ذاتَه؛ قد صار حجرا بوجهٍ لا يلين، وأغربُ الغريبِ أنني رأيتُ زوجتَه اليانعة تذوي كشجيرةٍ أصابها اليباس، وتلوِّحُ بيدها تباهيا ببعلِها الحجريّ الجديد ..
شمسنا أيضا ..
ذاتَ يومٍ شمسنا خرجت معتمة ..دقّقتُ فوقنا.. تمعنتُ، وأنا أصيحُ: شمسُنا حجرٌ مستديرُ معلّقة ...!
تحسستُ جسدي اللينَ .. وتسمعتُ أنفاسي الحرّى .. وعدوتُ بلا شاغل لي؛ إلا السعيَّ بين ما تبقى .. أهرولُ في الشوارعِ، وأرنو إلى بقايا الناسِ المتحركة .. وكلما عثرتُ على كائنٍ يتحركُ في مدينتنا؛ أصيحُ:
أنتَ حيٌّ يا صديق .. وفي عينيكَ لم تزل يقظة.. ؟!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كل الزوايا - -شرق 12- فيلم مصري يشارك في مسابقة أسبوع المخرج


.. الفيلم اللبنانى المصرى أرزة يشارك فى مهرجان ترايبيكا السينما




.. حلقة #زمن لهذا الأسبوع مليئة بالحكايات والمواضيع المهمة مع ا


.. الذكاء الاصطناعي يهدد صناعة السينما




.. الفنانة السودانية هند الطاهر: -قلبي مع كل أم سودانية وطفل في