الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عندما تخطىء السياسة الأمريكية في قراءة الشرق الأوسط

عماد يوسف

2005 / 11 / 12
مواضيع وابحاث سياسية


أخطأ الأمريكيون عندما اعتقدوا بأنهم قادرون على إعادة رسم الخارطة الجيوسياسية للشرق الأوسط الكبير بالمفهوم الأمريكي الجديد، النزهة التي تخيلوا بأنهم سيقومون بها على طريق إسفلتي معبد على طريقة " الهاي وي الأمريكي " ، تعكس تواضع الخبرات الأمريكية في شؤون عالم ما بعد ثورة الاتصالات والمعلوماتية، وقد أخطأ الأمريكيون، عندما اعتقدوا بأنهم سيعيدون أمجاد الملك ريتشارد " قلب الأسد"، والملك فيليب في حملتهم الصليبية لطرد صلاح الدين وإنقاذ أورشليم من براثنه، بذريعة إنتماءه الديني الاسلامي ، و تكرر الخطأ أيضاً بالتمثل بطريقة الاستعمار الأوروبي القديم في نمطه العسكري الانتدابي في بدايات القرن التاسع عشر والعشرين، ينم هذا عن نقص معرفي في التعاطي مع شؤون دول العالم الذي تدير دفته بعد خروجها منتصرة من حربها الباردة مع المعسكر الاشتراكي، هذا ما تثبته تجربة الحرب العراقية الفاشلة والمدّمرة، وحربها في كابول، والنظرية التي مسخت من خلالها القضية الفلسطينية وحولتها إلى خارطة طريق تفتقد إلى طريق تسير عليه، ثم تعاطيها مع ايران وبرنامجها النووي بسياسة العصا الفولاذية الممدودة دوماً، والتي تلّوح بالتهديد العسكري، ثم نزاعها الخجول مع كوريا الشمالية حول برنامجها النووي، يترافق ذلك كله مع ازدياد وتنامي الكراهية والضغينة لكل ماهو أمريكي لدى شعوب المنطقة العربية تحديدأ، ومناطق أخرى من العالم، وذلك بعد أن نجح الرئيس بوش الإبن " بإمتياز منقطع النظير" بتحويل هذه الكراهية ، من كراهية حكومة أمريكية، وسياساتها الانحيازية التي تمارسها، إلى كره عام، شمولي الرؤيا، كلّي الاستجابة عندما جعلت الجميع يشعر بأنها لم تنجب سوى الويلات والدمار إلى هذه الشعوب . لم يستطع الأمريكيون استثمار أحداث 11 سبتمر 2001 في تحقيق تعاطف عالمي واسع مع الحدث الجلل الذي أصاب مدينتهم البرّاقة " نيويورك "، ودرّتها الهندسية برجي التجارة العالميين، لقد كان قرار بوش بمعالجة هذه الأزمة بلغة الحرب الدامية، أفظع حالاً في ارهاصاته ونزعته الثأرية من عقل بن لادن الثأري المتطرف، مما جعل كل منهما مرآة للآخر، ويسير على هداه بنفس البوصلة وإحداثياتها، مع فارق في الإتجاه الجغرافي ..!
يخطأ بوش عندما يصرح في أحد لقاءاته مع أحد قادة السلطة الفلسطينية، عندما قال بأن الله أوحى له بأن " إذهب يا جورج ، وحارب الإرهاب في أفغانستان، وأن " إذهب يا جورج وقاتل الطاغية العراقي " وأخيراً ، بأن إذهب يا جورج واصنع دولة للفلسطينيين، لقد أصبح فخامته, أو > على الطريقة الأمريكية، يتقمص ثوب الأنبياء، ويأتمر بتعاليم الله عزّ وجل، ولكن أخطأ بوش عندما لم يقرأ ما قاله الله لأمة العرب والمسلمين منذ ألف وأربعمئة عام في كتابه الكريم إليهم ، أن : " إستعدوا، وأعدّوا لهم ما إستطعتم من قوة ومن رباط الخيل " ..!!
لم تأت هذه النزعة الأمركية نتيجة خطأ في قراءة واقع سياسي ما، بل جاءت معبرة عن النزعة الأمريكية ونظريتها في حل أزماتها، وبسط نفوذها بطريقة رجل الكاوبوي في أفلام " الويسترن "، الذي يستعرض بهلوانيتة في استخدام مسدسه في كل مناسبة ، حتى وهو يتناول كأساً من الشاي في مقهى صغير، ما يوحي بأن أمريكا نفسها لم تستطع أن تقرأ المتغيرات البنيوية لدى شعوب العالم الثالث بما فيها العراق، وبأن هذه الشعوب أصبحت تعي تماماً كيف تحافظ على أمنها القومي والاستراتيجي على تخومها وفي محيطها الإقليمي، تماماً مثل أمريكا التي تسافر بفيالقها آلاف الكيلومترات لحماية أمنها القومي، فكيف يحق لأساطيلهم وجحافلهم ، أن تقطع المحيطات الشاسعة لتسقط دكتاتوراً من نمط صدّام حسين !؟ بينما لا يحق لبلد مثل سوريا حماية أمنه القومي المتاخم لبلد يتهدده من خاصرته لمسافة تزيد على الستمئة كيلومتر، ولا يحق لحزب سياسي وعسكري من نمط حزب الله، أن يزود عن أرضه ووطنه المهدد من إسرائيل في كل لحظة..؟! ربما يعتقد هؤلاء المحافظين الصقور بعنجهيتهم بأن رجال السياسة في هذه البلدان لا يعلمون ما هو مفهوم الأمن القومي، لأنهم لم يتلقوا دروسهم في العلوم السياسية في جامعات تكساس وغيرها، ولم يفهم الأمريكيون بأن غالبية قادة هذه الدول ليسوا هؤلاء القادة البسطاء الذين قدموا بغالبيتهم من خلفيات عسكرية وإيديولوجية على نمط عبد الناصر والنميري وصدام والبكر وغيرهم، بعد ثورات راديكالية وانقلابات عسكرية قامت لإصلاح وضع قائم، ويجهلون معنى الحنكة السياسية في التعاطي مع قضاياهم المحلية والاقليمية والدولية، وبأن غالبية زعماء المنطقة اليوم هم سياسيون يتقنون قراءة النوايا الأمريكية البعيدة المدى، ويسعون للتصدي لها .
اليوم ؛ ليس عالم الامبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس، ولا عالم الامبراطورية التي قدمت للبشرية اللغة الدبلوماسية وأناقة الصالونات، والعطور الفاخرة مع بدايات القرن العشرين ، لقد كان لثورة الاتصالات والمعلوماتية التي ساهمت فيها أمريكا نفسها بقسط وافر، الفضل الكبير في إعادة خلق وإنتاج الوعي السياسي والمعرفي لمصالح هذه الشعوب وأمنها، وتعبيراتها المجتمعية والاقتصادية الذاتية ، واستقلالها الوطني، بعكس ماكانت عليه الحال مع الاستعمار الأوروبي القديم في بدايات القرن العشرين! وهذا ما لم تقرأه أمريكا، ولكن هو الذي أنجب بن لادن، والظواهري، والزرقاوي، والحركات والأحزاب الوطنية المقاومة تحت راية الأصولية الدينية، وحركات مناهضة العولمة في سياتل وامتداداتها ؟ وأنجبت رؤساء محنكين، وأطقم سياسية واسعة الاطلاع، كما أنتجت ثقافة اللااستسلام، والحزام الناسف، والقنبلة الموقوتة، والأهم من هذا كله أنها أعادت إنتاج مقولة شكسبير الشهيرة : >، ولم تقرأ أمريكا بأن أنظمة العولمة التقنية والاقتصادية التي ساهمت في خلقها وتكريسها، هي التي تساعد بن لادن في إدارة حربه ضدها، ولم تقرأ أيضاً بأن العالم الذي حولته إلى قرية صغيرة هو الذي أتاح دعم حركة المناهضين لها، وأمنَّ لهم الدعم العسكري والمادي واللوجستي، وهذا أيضاً ما لم يكن متوفراً مع أنماط الامبراطوريات السابقة في القرن العشرين . وما عميت أبصار مراكز الدراسات الأمريكية عنه، هو أن نزعات الترف من الحياة التي عاشتها أوروبا وأمريكا، والتي كانت تؤدي بالكثير منهم إلى الانتحار الفردي والجماعي، أصبحت حالة مثيرة ، ورغبة في التجريب لا تقاوم لدى الكثير من الشباب المسلم في أنحاء العالم، ولكن الحالة هنا أخذت شكلاً أكثر إثارة، لتأتِ دفاعاً عن الوجود عن طريق حزام ناسف يشارك حامله مع الآخرين رسالته المقدسة .
ما لم يقرأه الأمريكيون أيضاً، أن رئيسهم يحمل إسماً أنتجه التاريخ في منطقة الشرق الأوسط، وما لم يستطع الأمريكيون أن يقرأوه، هو أن شعوب هذه المنطقة، يعرفون كل شيء تماماً مثل راعي البقر " الكاوبوي" الذي يمارس البهلوانية بمسدسه، مع فارق بسيط، وهو أن البهلوانية هنا لا تستعمل في أفلام " الويسترن" ، بل لها أغراض وأشكال أخرى، يمارس بعض نماذجها أبو مصعب الزرقاوي ومن لمّ شمله في بلاد الرافدين..!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حرب إسرائيل وإيران... مع من ستقف الدول العربية؟ | ببساطة مع


.. توضيحات من الرئيس الإيراني من الهجوم على إسرائيل




.. مجلس النواب الأمريكي يصوت على مساعدات عسكرية لأوكرانيا وإسرا


.. حماس توافق على نزع سلاحها مقابل إقامة دولة فلسطينية على حدود




.. -مقامرة- رفح الكبرى.. أميركا عاجزة عن ردع نتنياهو| #الظهيرة