الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


النفط.. الشيطان الثاني (1-2)

سامي فريدي

2016 / 2 / 2
السياسة والعلاقات الدولية


سامي فريدي
النفط.. الشيطان الثاني (1-2)
إذا أريد وضع عنوان رئيس لتاريخ الشرق العربي في القرن العشرين، فليس ثمة أكثر دقة ومصداقية من لفظة (نفط)! ذلك السائل البشع اللزج الكريه الرائحة والمثير للقيء.
النفط هو بؤرة الاهتمام العالمي ومصدر الطاقة الستراتيجي، مركز الصراعات الدولية والاقليمية والمحلية في منطقة الشرق الأوسط، والعامل الرئيس وراء الأحداث والحركات التي طبعت الحياة الاجتماعية والسياسية والعسكرية للمنطقة.
وليس غريبا أن يكون النفط، عامل قلق واصطراع وتخلف، بدل أن يكون عامل استقرار ورفاه وتطور، أن يكون نقمة وليس نعمة، (شيطانا رجيما) وليس ملاكا رحيما، لسكان المشرق العربي، وبالشكل الذي جعل بعض مجتمعاته تتمنى زواله، لتهنأ هناءة فاقديه، ولو بعد حين!
فظهور الدول والزعامات السياسية في الشرق الأوسط، يعود في أصله للمصالح الغربية في المنطقة، والمتعلقة بتأمين طرق المواصلات الدولية، أو تأمين مصادر الطاقة اللازمة لاستمرار اقتصاديات الهيمنة. يترتب عليه، ان النفط كمادة طبيعية، ليست له قيمة في ذاته، وانما له قيمة استعمالية. ولذلك، فرغم وجوده ومعرفته منذ القدم، فلم يكتسب أهمية سترتيجية،قبل تكور مجالات استعمالاته. استعمل قديما لعلاج الجروح الخارجية أو الجرب، وفي وقت لاحق صار يستخدم للاضاءة.
ولم تتطور استعمالاته المحلية، قبل اكتشاف الألماني كارل بنز لمكائن الاحتراق الداخلي في صناعة السيارات عام 1885م ، وبعد سنوات شاع استخدام مكائن الاحتراق الداخلي في انتاج السيارات الصغيرة والكبيرة والمكائن الزراعية والبواخر والطائرات، مسجلة زيادة في الطلب على وقود النفط، ليصبح مادة الطاقة الرئيسة في العالم بدل الفحم خلال القرن العشرين.
أسوة بمواد الاحتراق، يتكون النفط من سلاسل مركبات كيمياوية هيدروكاربونية بنسبة تتراوح بين [80- 90%] إضافة لعناصر أخرى كالأوكسجين والنتروجين والكبريت. وبناء على نسبة الكربون المتحد بالهيدروجين تتشكل صورة النفط في الطبيعة. فعندما تتراوح نسبة الكاربون بين [C1- C4] ينتج زيت الغاز، و[C5- C15] ينتج الزيت السائل، وما زاد عن ذلك يمون الزيت بحالة شمعية صلبة.
وترى النظرية العضوية أن أصل تكون النفط.يعودإلى بقايا المواد الحيوية المتحللة وتعرضها لمعدلات حرارية وضغوط عالية بين طبقات الأرض. خلال فترات زمنية طويلة وعهود سحيقة. ولابد أن العلماء المعنيين يمكنهم بحسب قياس الكاربون، تقدير عمر المادة النفطية العضوية، أو بدايات تحولاتها الكيمياوية تحت التربة. فالنفط بذلك، يؤرخ لقدم الخلية الحيوية وبالتالي قدم وجود الحياة الأرضية، والتركز الحيوي في مناطق معينة كالغابات أو المجمعات الحيوانية والبشرية.
وكان الأشوريون يعتقدون أن (عيون النفط) هي منافذ العالم السفلي أو الجحيم الذي يذهب إليه الخطاة والمجرمون، ودعوا تلك العين الزيتية المتدفقة (بابا كَركَر)- وهي لفظة آرامية معناها (الأب الملتهب) أو (الأب الحارق)، والذي يقابل (إله الجحيم) في الميثولوجيات الدينية.
قبل خمسة آلاف عام (ق. م).جرى استخدام مادة النفط في طلاء قيعان السفن التي كانت تصنع من البردي في بلاد سومر، واستخدمه البابليون في طلاء سطوح الزقورات والمباني الكبيرة كالجنائن المعلقة كمادة مانعة للرطوبة والتحلل.
وكان النفط معروفا في الصين منذ القرن الخامس الميلادي، وفي باكو/ إذربيجان كان النفط الأبيض يتدفق من عيون في الأرض حسبما أورده المسعودي في (مروج الذهب)/ القرن التاسع الميلادي. وعند انشاء مدينة السلام/ بغداد في القرن الثامن الميلادي، استخدم العباسيون النفط في تعبيد الطرق وطلاء قواعد الأبنية والسقوف.
وفي عام 1594م كان عدد الآبار في باكو يصل إلى مائة بئرا، يتم حفرها يدويا ويصل عمق بعضها (35م). وفي أميركا الشمالية كان الهنود الحمر يجمعونه في حفر صغيرة ويستخدمونه لعلاج الجروح. وعندما وصل المهاجرون الأوربيون استخدموه لأغراض الاضاءة. وفي عام 1859م جرى حفر بئر على عمق (21م) في بنسلفانيا باستخدام برج خشبي، كانت انتاجيته عشرين برميلا في اليوم الواحد. على أثرها جرى بناء أبراج عملاقة وحفر شبكة آبار حوالي البئر الأول البسيط، لينطلق منذئذ سباق البحث عن النفط وظهور شركات النفط العابرة للحدود. وحتى عام 1886م. لم يكن الاستخدام الرئيسي للنفط يتعدى الاضاءة ، أي ما قبيل تصنيع السيارات واكتشاف محرك الاحتراق الذاتي في ألمانيا.
وكان المصلح الكبير مدحت باشا والي العراق [1869- 1871م] أول من استقدم الألمان للتنقيب عن النفط وبناء مصفى للنفط في بعقوبة لتكرير النفط المستخرج من حقول مندلي.
أما في المناطق العراقية التي يتدفق النفط فوق سطح الأرض، أو يتم الحصول عليه بالحفر اليدوي البسيط، فقد عملت بعض العوائل على المتاجرة به لقاء ترخيص رسمي من الوالي. ففي القرن التاسع عشر كانت عائلة النفطجي الموصلية، تستأثر بتسويقه لقاء فرمان خاص من الباب العالي، يخولها حقوق استخراجه وبيعه. وقد استمر ذلك الحق لدى العائلة حتى القرن العشرين ودخول الشركات الغربية.
في عام 1902م تم حفر حقل (جيا سورخ)، وقام فرنسيون وألمان مشاركة في استخراج النفط في القيارة/ الموصل.
وفي تكساس / الولايات المتحدة، تم حفر بئر (سندلتوب) في عام 1901م ، بلغت انتاجيتها مائة ألف برميل يوميا. بعدها بدأ التنافس بين بريطانيا وألمانيا وفرنسا للتنقيب عن النفط في الشرق الأوسط. وكان أول أمتياز نفطي من نصيب البريطاني وليم دارسي من قبل شاه ايران باسم شركة النفط البريطانية الفارسية – بريتش بتروليوم لاحقا- التي سجلت باكورة نشاطها في بئر مسجد سليمان في اقليم عربستان جنوبي غربي ايران أعلى نهر الكارون عام 1908م. وبعد ثلاث سنوات منه بدأت البحرية البريطانية بالتحول من الاعتماد على الفحم- المستورد من الهند- للاعتماد على النفط في تسيير اسطولها البحري. وتم بناء مصفى عبادان لذلك.
في الأستانة كانت شركة سكك حديد الأناضول التابعة للبنك الألماني تعمل على مد خط السكك الحديد في تركيا، وفي عام 1903م حصلت على حق تمديد خط السكك الحديد إلى بغداد عبر الموصل، والمشهور بخط (برلين- بغداد). وفي نفس الوقت حصلت على حق التنقيب عن المعادن على جانبي الخط، على أن تقدم تقريرا بنتائجها خلال عام واحد..ونظرا لعدم التزامها بالشروط، اعتبر الامتياز لاغيا عام 1907م.
*
ما بين الحربين والصراع حول الشرق أوسط..
كان التنافس شديد بين بريطانيا وألمانيا على حقوق التنقيب عن النفط في العراق، وانتهى الأمر بتأسيس شركة النفط التركية عام 1912م بالتعاون مع كولوستي كولبنكيان – وهو رجل أعمال أرمني من البرتغال. وفي مارس 1914م جرى الاتفاق أن تكون أسهم الشركة كما يلي: 47%| شركة النفط البريطانية الفارسية، 25% البنك الألماني، 6. 22% شركة شل، 5. 2% حصة كولبنكيان. وفي الخامس من اكتوبر 1914م قامت الحرب العالمية الأولى.
في ابريل 1920م جرت اتفاقية سان ريمو بين بريطانيا وفرنسا وبموجبها تحولت حصة البنك الالماني في شركة النفط المشتركة لصالح فرنسا، مع تخصيص 20% لصالح العراق. وعقب تشكيل حكومة وطنية في العراق عام 1921م استمرت المفاوضات بين بريطانيا والعراق حول حق التنقيب عن النفط حتى مارس 1925. وهنا كانت الولايات المتحدة المنتصرة في الحرب تطالب بحصة في نفط العراق. وفي اكتوبر 1928م تم تغيير اسم شركة النفط التركية إلى شركة نفط العراق مع تعديل أسمهم الشركة بواقع 75. 23% لكل من: بريتش بتروليوم، شركة النفط الفرنسية، شركة شل، ومجموعة الشركات الأمريكية، مع نسبة 5% لكولبنكيان.
وفي يوم الرابع عشر من اكتوبر 1927م تدفق النفط في أول بئر تجاري تم حفره في العراق، بواقع تسعين ألف برميل يوميا في منطقة بلكانا في كركوك. وبذلك يكون العراق البلد الثاني بعد ايران يتدفق فيه النفط بصورة تجارية، لكن تسويق النفط تأخر حتى عام 1934م بسب الخلافات بين الانجليز والفرنسيين حول مد الانابيب في الاراضي الخاضعة لهما. وقد انتهت بمد أنابيب من كركوك إلى كل من: بانياس/ سوريا، طرابلس/ لبنان، حيفا/ فلسطين. في عام 1934م تأسست شركة نفط الموصل الخاصة بحقول شمال غرب العراق. وفي عام 1938م تأسست شركة نفط البصرة لتشمل حقول جنوب العراق والخليج العربي والأراضي القريبة من بادية الكويت. وقد افتتح حقل الزبير عام 1948م وباشر التصدير عام 1951م، وحقل الرميلة عام 1953م وتسويقه عام 1954م.
في منطقة الخليج العربي كان أول تدفق للنفط في حقل جبل دخان في البحرين عام 1932م، وبمعدل 9600 برميل يوميا. وفي قطر افتتح حقل دخان عام 1938م وفي عام 1938م تدفق النفط لأول مرة في الكويت في حقل برقان، وفي الثلاثين من يونيو عام 1946 بدأت تصدير النفط. وفي 1949 انشئت مصاة الاحمدي لتكرير النفط.
وفي أبو ظبي يعود اكتشاف النفط إلى عام 1953م وبدأ الانتاج عام 1962م.في الشارقة حفر أول بئر عام 1972م، أطلق عليه اسم المبارك. وفي رأس الخيمة تأخر حتى عام 1978م، أطلق عليه البئر الصالح.
والآن.. أين هي السعودية من قصة النفط"
أول امتياز للتنقيب عن النفط في نجد يعود إلى عام 1923م وانتهى عام 1928م دون توفيق. بعد عشر سنوات منه، في منتصف 1933م وافقت شركة ستاندارد أويل أوف كاليفورنيا (سوكال) على التنقيب عن النفط في نجد، وبعد عامين (1935م) حفر أول بئر في الدمام/ الظهران، كان محتواه النفطي ضعيفا، فاستمرت حملة الحفريات والمحاولات الفاشلة من حواليه، حتى حفر بئر رقم (7) في الدمام على عمق يقارب كيلومتر ونصف، بلغ أنتاجه (585. 1 برميل/ يوم).
في يناير 1944م.- وفي خطوة تهدف لإبراز اسم (المملكة السعودية الوهابية) بين الدول المصدرة للنفط، تم تغير اسم (سوكال) إلى شركة النفط العربية الأمريكية والمشهورة اختصارا (أرامكو)-.التي كانت تقوم بنشاطاتها- حتى عام 1952م من مكاتبها في نيويورك.
بعد تشكيل شركة أرامكو عام 1944م من شركتي ستاندارك أويل أوف كاليفورنيا وتكساكو، انضمت إليها مجموعة شركات أمريكية مثل شركة أيسو نيوجيرسي للزيت القياسي، شركة سركوني فاكيوم التي تحولت إلى شركة أكسون يوبيل لاحقا.. وبذلك شكلت أرامكو كارتل النفط العالمي الذي يضم كبرى شركات النفط والاستثمار والتسويق الأمريكية عبر بوابة الشرق الأوسط السعودية. وقد حاولت أرامكو – كارتل النفط الأمريكي- التوسع الجغرافي والتمدد خارج نفوذ بني سعود، عبر شبكة التابلاين التي أنشئت عام 1950م لتسويق نفط الظهران عبر ميناء صيدا على البحر الأبيض المتوسط، مرورا بدول الأردن وسوريا ولبنان؛ المخطط الذي يكشف ابعاد مخطط توسيع النفوذ الأمريكي شمالا، حيث بلدان الانتداب الانجليزي والفرنسي السابق.
ان خط التبالاين [الظهران- لبنان] يعكس صورة الموقف الخليجي الرافض للتعاون مع بني سعود، وعجز المحاولات السعودية العثور على مرفأ لتسويق نفطها عبر شواطي الخليج حتى فترة متأخرة. وهذا يعيد القارئ إلى حقيقتين غائبتين عن عيان كثيرين:
1- ان نفوذ بني سعود الوهاب لا تتعدى صحراء نجد وبواديها الجنوبية والشرقية.
2- عزلة بني سعود وديانتهم الوهابية داخل الصحراء، والموقف الرافض والمناوئ لهم في البلاد والشواطئ المحيطة بهم من كل الأطراف. بدء ببلدان الخليج العربي وسلطنة عمان وحضرموت واليمن والحجاز وصولا إلى الأردن و حائل والعراق. وهو حصار لا تحسد على مثله، يفسر سبب تعلقها بأذيال الحكومة الأمريكية، واندفاعها الوحشي نحو باكستان وشرق البحر الأحمر، حيث ينحكم الجوع والجهل والكثافة السكانية غير المسؤولة- المادة الرئيسية لتنظيمات القاعدة والنصرة وداعش وأمثالها من الافرازات الوهابية.المدعومة بالحلف الوهابي الأمريكي.
بين مخاوف حرب لبنان وحرب العراق خلال الثمانينيات، قامت أرامكو بمدّ خط انابيب لنقل نفط الظهران عبر البحر الأحمر عام (1981م) والذي ستتضاعف سعته عدة مرات، لتعويض توقف نقل النفط عبر تابلاين لبنان رسميا منذ (1983م).
وفي عام 2001م تبدأ السعودية باستثمار حقول المنطقة المغمورة (مثلث الحياد) بين العراق والكويت والسعودية، وانشاء مرفأ مقابل على الخليج لتسويق النفط، وذلك في وقت كانت التهديدات الأمريكية تحكم خناقها على العراق- البلد العربي الشقيق والمسلم- وذلك قبل أن يتاح للعراق الاستفادة من نفط مثلث الحياد بوقت طويل.
*
الحلف الأمريكي السعودي..
تمادي السياسة البريطانية في الاستفراد بالهيمنة الدولية وتهميش الآخرين أثار توجس الدوائر الأمريكية، فتقدمت باسفسار عبر القنوات الدبلوماسية للحصول على أجوبة بريطانية حول حقيقة مفاوضاتها السرية مع فرنسا عقب الحرب العالمية الأولى، فأنكر المسؤول البريطاني علمه بالأمر. وعادت لتأكيد مطالباتها، واستمرار بريطانيا في الانكار حتى انتهاء مفازضاتها السرية بالفشل. من جانبها كانت الولايات المتحدة قد القوات البريطانية في الحرب العالمية الأولى، وساهمت في تمويل 80% من الطاقة المستهلكة في الحرب، ولم يكن دلك ليمر دون مقابل.
حاولت بريطانيا استثمار نفوذها التقليدي في الشرق فيما بعد الحرب العالمية الأولى، واستمرار عمل الدائرة البريطانية الشرقية في الهند وفرعها الأفريقي في القاهرة، المنطقة التي سبقت في تسميتها بالشرق الأوسط – المصطلح الجيوبوليتيكي الأكثر شيوعا منذئذ. والواقع ان المناورات البريطانية كانت أثارت قلق الجانب الفرنسي، واتهمتها يلبسعي لطردها من شرق المتوسط [سوريا ولبنان] بعد اندحار ألمانيا في الحرب. لكن التهديد الأمريكي الجديد دفع بريطانيا للاحتفاظ بفرنسا مرحليا. من المفيد هنا الافادة من رواية (سباق المسافات الطويلة/ 1979م) لعبد الرحمن منيف – الخبير الاقتصادي النفطي[1933- 2004م]- للاطلاع على أجواء المشاحنات الدبلزماسية الباردة بين الجانبين البريطاني والأمريكي في ايران، وبالشكل الذي انتهى بخسارة بريطانيا للملعب الايراني. وفي سلسلة [مدن الملح/1984- 1989م] الروائية سيرة تاريخية اجتماعية اقتصادية لتطور بلدان الخليج العربي من بيئة صحراوية فقيرة إلى بلاد غنية مترفة عقب استكشاف النفط فيها.
في عام 1928م حصلت الشركات الأمريكية على حصة [75. 23%] من نفط العراق. وعندما تعجز عن زحزحة منافسيها في العراق، تتجه جنوبا، لتوقيع عقد تنقيب عن النفط مع أمراء نجد عام 1933م، والذي شكل مقدمة لتأسيس شركة (أرامكو) مع أواخر الحرب العالمية الثانية (1944م). قد يتفق كثير من الاقتصاديين على صعوبة فصل الاقتصاد عن السياسة على الصعيد الوطني (علم الاقتصاد السياسي)، فأن الأمر سيختلف قليلا في السياسة الخارجية حيث تستأثر عوامل أخرى بالأهمية، حينها يكون الاقتصاد مجرد تابع أو مكمل للعلاقة. ففي العلاقات بين الدولة العثمانية ةالغرب في القرن السابع عشر، كان التحديث العلمي والتكنولوجي أساس العلاقة. وعند النظر للعلاقات السياسية الدولية من منظور العالم الثالث، فأن حاجتها للحماية العسكرية والدعم السياسي يحتل الأهمية الأولى، على عكس المنظور الغربي لعلاقاته، وحاجاته لأسواق تصريف منتجاته ومصادر المواد الخام. فبيئة المنشأ للعلوم والنظريات السياسية ارتبطت بدائما الغرب، وتبنت حاجاته وظروفه، مما يجعل الأمر مختلفا في الجانب المستقبل والمستهلك أي العالم الثالث.
من هذا المنظور قد يبدو التحالف الأمريكي مع بني سعود استثناء لحدما. فالولايات المتحدة بلد نفطي غني سبقت بلدان الشرق الأوسط بنصف قرن تقريبا، ويفضله بالكمية والنوعية. وكان أولى لها توقيع هكذا تحالف مع ايران أو العراق، لو كان النفط هدفها الحقيقي فعلا.
بيد ان الحكومة الامريكية كانت بحاجة عن لمركز اقليمي يوازي شبه جزيرة الهند بالنسبة لبريطانيا، ولم تجد أفضل من (شبه جزيرة العرب) سيما وأن أمير نجد يعاني نت جفاء البريطانيين. وقد أريد لهذا التحالف أن يفوق في قوته ونفوذه أي تحالف دولي نظير في المنطقة، بدء بالأحلاف البريطانية مع حكومات العراق والأردن ومصر والخليج. بيد أن أصداء هذا الحلف لم تظهر للاعلام قبل الخمسينيات، وبدء موازين القوى بالتغير لصالح الولايات المتحدة. حتى منتصف القرن العشرين، تعامات الولايات المتحدة الأمريكية كأنها صديقة للشعوب وتياراتها السياسية أكثر من الحكومات، وملتا دعاياتها الاعلامية بوصفها نموذج العالم الحر والمتقدم لكسر الاحتكار الأوربي للحضارة الغربية، وكانت بذلك تستهدف مواجهة الدعاية والنفوذ السوفيتي المتزايد في الشرق الأوسط. والواقع ان مفهوم (الحرب الباردة).الذي ابتدعه البريطاني جورج أورويل يتسع لوصف السياسية الخارجية الأمريكية ضد سياسات القوى الدولية الأخرى، وفي المقدمة منها بريطانيا وفرنسا وروسيا – حليفاتها في الحرب العالمية الثانية-، قبل أن يستقر في مفهومه الأخير بين المعسكرين.
لقد انكلق كارتل النفط الأمريكي من نجد للتحكم في أسواق النفط من جهة، واستخدام النفط وسيلة للتدخل في السياسات الداخلية للبلدان والضغط على حكوماتها من جهة أخرى. وبالعودة لما جرى في العراق وايران وليبيا وفنزويلا وغيرها، من اضطرابات سياسية وانقلابات عسكرية خلال القرن العشرين، يمكن استقراء الدور السعودي -من خلال أرامكو- في زعزعة استقرار البلدان الأخرى والتآمر على مصالحها الوطنية، وبالشكل الذي انتهتا إليه خريطة العالم وأنهيار بلدان الشرق الأوسط اليوم.
هذه هي الأرضية الأساسية لتقدم ستاندارد نيوجيرسي للتنقيب في نجد، في ثلاثينيات القرن الماضي والاسراع لتشكيل تحالف أرامكو بوابة للتدخل الأمريكي في الشرق الأوسط وجنوبي آسيا.وذلك بدفع مباشر من الحكومة الأمريكية. ورغم أن الولايات المتحدة ليست عضوا في منظمة أوبك، فقد نجحت من خلال أرامكو، والدور السعودي في أوبك واوابك عدم الانحياز والعالم الاسلامي وغيرها من المنظمات الدولية، التدخل واملاء رؤيتها. ويذكر المعنيون الانشقاق الذي عانت منه منظمة أوبك على الدوام بين القرار الخليجي بزعامة السعودية وقرار كل من العراق وايران وفنزويلا. لقد فضلت السعودية الاصطفاف مع الامبريالية الأمريكية ضد المصالح الاقليمية وجيرانها في التاريخ والجغرافيا والقومية. ومن الغريب أن تتحدث السعودية عن العروبة والمستقبل العربي بعدما كانت لاعبا رئيسا في تدمير بلدان الشرق الأوسط عبر التآمر المباشر على حوماتها وشعوبها على مدى القرن العشرين كله. بل أن السعودية لم تكن لها أية علاقات ودية مع البلاد العربية،بما فيها ايران. وما زالت حتى اليوم تواجه صعوبات دبلوماسية مع بعضها، بعد وصول حكومات مهزوزة قريبة من المدار الأمريكي. وذلك لسبب بسيط أنها كانت ومازالت منذ البدء، مرفوضة فكرا ونظاما، من الشعوب قبل الحكومات، بما فيها شعبها المغلوب على أمره. وها هي اليوم تعاني جراح عزلتها جراء تخلي حليفها الأمريكي عنها، وبدئه سيناريو دوليا جديدا.
ٍٍمن عمق هذه الاشكالية، تحاول جهات سعودية إعادة كتابة تاريخها، وأضفتء مسحة من الوطنية والتاريخية على وجودها وتاريخها السياسي، لحد زعم التنصل من تحالفها الأمريكي الامبريالي والتنكر لـ(أرامكو)- الحكومة السرية في السعودية، متناسية أن عضويتها في كثير من المنظمات والمؤسسات الدولية كانت بدفع أمريكي مباشر. بل أن هيمنتها على شبكة النت العربية وعلاقتها بمؤسسة المكروسوفت وبرنامج صخر هو جزء من الحضانة الأمريكية للنظام السعودي، على حساب بلاد عربية أكثر جدارة منها على كل الأصعدة. والواقع التلاعب بالمعلومات التاريخية ر يقتصر على المجال السياسي وانما يشمل البيانات الاقتصادية والنفطية المسجلة ضمنا في اللوائح الدولية في حينها. ومهما بلغت الفوضى غير الخلاقة وانحدرت القيم الأخلاقية والمصداقية العلمية لما يحدث ويقال عبر الاعلام الفضائي والالكتروني، فلابد أن يعود التاريخ لأصله، و الأبيض لن يتحول إلى أسود أو العكس.
ولم يتأخر الزمن حتى تكشف الدراسات النفطية مستقبلا، حجم التهويل والمبالغات المجانية لأرقام الانتاج والاحياطي النفطي للسعودية، إن لم يقم الأمريكان أنفسهم بكشف تلك اللعبة وتفاصيلها.
*
استراتيجية الأمن الخليجي..
في الشهر الثاني من عام (1972م) انشئت دولة الامارات العربية المتحدة من اتحاد سبعة إمارات خليجية، في خطوة قابلة للتطور والتوسع لتشكيل اقليم موحد مستقل للخليج العربي من جهة، ومواجهة أطماع جيرانه الثلاثة الكبار، من جهة أخرى. وبالرغم من الأهمية السياسية الستراتيجية لقرار اتحاد الامارات الخليجية، فأن الأهمية الاقتصادية في البناء والتنمية وسيما في مجال نفط الخليج، له أهمية استثنائية كبرى في هذا المجال. وكان أولى أن تستمر جهود الاتحاد لضم بقية الامارات المكونة لمجتمع الخليج [الكويت وقطر والبحرين] بما يجعلها قوة سياسية واقتصادية أكثر رسوخا. وكان ذلك القرار الستراتيجي المبكر، سيكفي بلدان الخليج إعادة احتوائها من قبل الدولة السعودية الوهابية الأمريكية (أرامكو) عام (1981م) في إطار مجلس التعاون الخليجي ومقره (الرياض) والذي قدم مشروع توحيدها سياسيا وعسكريا عام (2011م) تحت هيمنة الأخ الأكبر. ان الدول التي رفضت الانضمام الى مشروع الشيخ زايد آل نهيان، قدمت فرصة ذهبية للوهابية السعودية للخروج من عزلتها الاقليمية والسيطرة على اقليم الخليج مجانا. بل أن انضمامها المبكر لاتحاد الخليج كان سيكفي الكويت شرّ الغزو العراقي (1990- 1991م) وانحيازها إلى ايران للحصول على حماية اقليمية من بعد. بل أن الفرصة ملحة اليوم أكثر مما سبق، أمام تداعيات المنطقة الراهنة والمستقبلية. بل أن انضمام سلطنة عمان لدولة الاتحاد الخليجي، سيجعل اقليم الخليج كتلة سياسية اقتصادية مائية واحدة من أوله حتى نهايته في المحيط الهندي.
*








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. منها متحف اللوفر..نظرة على المشهد الفني والثقافي المزدهر في


.. ماذا تضم منظومات الدفاع الجوي الإيرانية؟




.. صواريخ إسرائيلية تضرب موقعًا في إيران.. هل بدأ الرد الإسرائي


.. ضربات إسرائيلية استهدفت موقعاً عسكرياً في جنوب سوريا




.. هل يستمر التعتيم دون تبني الضربات من الجانب الإسرائيلي؟