الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الفن والثقافة الشعبية

ابراهيم الحيدري

2016 / 2 / 3
الادب والفن




يعتبر فالتر بنيامين (1892-1940) واحدا من كبار نقاد الادب والفن في القرن العشرين، الذي حظت اعماله النقدية في الادب والفن والثقافة اهتماما واسعا تخطى المانيا الى العالم باسره، بالرغم من انه عاش حياته القصيرة من دون ان يحصل على أية شهرة يستحقها على مؤلفاته القيمة ، وانهى حياته القصيرة بالانتحار عند الحدود الفرنسية - الاسبانية في 25 ايلول (سبتمبر 1940) بسبب هلعه الشديد من الوقوع في أيدي الغستابو الألمان وانغلاق جميع نوافذ الامل في وجهه .

كان بنيامين احد رواد مدرسة فرانكفورت النقدية ولكنه اختلف مع بعض روادها الأوائل وخاصة أدورنو حول ازمة الثقافة في المجتمع البرجوازي ودور أو وظيفة الفن فيه. فقد رأى اعضاء مدرسة فرانكفورت، بان الفن يعبر عن ايديولوجيا وله ظيفة سياسية هي المصالحة بين النظام القائم والجماهير. وبحسب أدورنو, فإن الفن الجماهيري هو "ثقافة مصنعة" لا تتحكم بالجماهير عفوياً فحسب, وانما تشيّئ ما يظهر منها كثقافة, وليس كحقيقة وواقع.
يعود الخلاف الى النظرية الماركسية في الادب والفن التي ترى أن الفن والأدب الناتجين في أي تنظيم اجتماعي عفا عليه الزمن يمكن أن يظلا يمنحاننا متعة جمالية ويظلا معيارا ومثالا أعلى يستحيل بلوغه. وقد طرحت الواقعية الاشتراكية الأسئلة الأساسية عن تطور الأدب والفن وما تعكسه الثقافة من علاقات طبقية.
وتحيلنا نظرية الواقعية الاشتراكية الى مفهوم "الثقافة الشعبية" الى جانب فكرة الطبيعة الطبقية للفن باعتبارها خاصية أساسية مطلوبة في الفن والسياسة معا، حيث يحقق العمل الفني لكل فترة هذه الخاصية حين يعبر عن مستوى عال من الوعي الاجتماعي بالأوضاع الاجتماعية السائدة في عصر معين ويعطيها بعدا فيه إمكانية التقدم الاجتماعي.

غير ان النظرية النقدية التي اقترن اسمها بمعهد فرانكفورت للبحث الاجتماعي رفضت الواقعية الاشتراكية ووضعت النظرية النقدية كبديل أرحب من التحليل الاجتماعي الذي يتضمن عناصر هيغلية وماركسية وفرويدية.
ارتبط أسم بنيامين باسم أدورنو لفترة محدودة حيث نظر بنيامين الى الثقافة الحديثة نظرة مناقضة لنظرة أدورنو وذهب الى ان الاختراعات الحديثة في الفنون والسينما والإذاعة قد أسهمت بعمق في تغيير مكانة "العمل الفني" ، فإذا كان أدورنو قد رأى في ذلك انتقاصا من قدر الفن نتيجة معاملته معاملة السلعة التجارية، فإن بنيامين ذهب إلى أن وسائل الاتصال قد قامت بفصل الفن – نهائيا- عن مجال "الطقوس المقدسة" وفتحت أبوابه على السياسة. كما اختلف بنيامين مع أدورنو في نقطة اخرى هي الموسيقى، التي اعتبرها قوة دعائية نقدية. فقد ذكر أدورنو، بان بنيامين لم يكن مولعا بالموسيقى منذ سنوات طفولته الاولى. ومن يقرأ كتابات بنيامين يلاحظ موقفه من الموسيقى وبصورة خاصة في مقال له حول "المؤلف كمنتج" الذي اظهر بوضوح تأثره ببرشت حيث قال "وان تضيف الى الموسيقى كلمات"، وهو رأي يتضمن معنى سياسيا واضحا.
كما ان مفهوم" الفن الجماهيري" عند بنيامين يكشف في الواقع عن تأثره باراء برشت، الذي ارتبط معه بصداقة وطيدة، واعتبر اعماله المسرحية من أهم الاعمال الفنية واكثرها تاثيرا في الجماهير، بالرغم من خيبة امله من الستالينية، التي دفعته مؤخرا الى التمييز بين الماركسية والستالينية، على غرار ما فعل اعضاء مدرسة فرانكفورت. حيث رأى بنيامين بان الماركسية التقليدية "تتصور العمل مجرد تقدم للسيطرة على الطبيعة وليس تراجعا اجتماعيا، وقد برهن ذلك بالملامح التكنوقراطية التي انتعشت في ظل الفاشية. "فالعمل ينظر اليه بارتياح ساذج دوما، مع انه يتعدى استغلال الانسان للطبيعة الى استغلال الانسان للانسان نفسه".
ومع خيبة أمل بنيامين نفسه من صناعة السينما, فإنه بقي متفائلاً بوظيفة الفلم الثورية, فقد كتب مرة أن اعادة انتاج العمل الفني ستغير العلاقة بين الفن والجماهير, مثلما عمل بيكاسو وشارلي شابلن, اللذان تميزت أعمالهما بمضامين ثورية ونقدية. ومع انه اعتقد بأن المواقف النقدية والسمعية تتداعى معاً, فقد دعا, في الوقت ذاته, الى "تسييس اشتراكية الفن كجواب على فاشية تجميل السياسة".
وفي مفهومه لجدلية الصورة وروح العصر, قال بنيامين "إن الجمال الخالد لا يسفر عن وجهه إلا إذا تنكر بثوب العصر"، متأثرا ببودلير. وبهذا وضع الحديث تحت شعار الاتحاد بين الجوهري والعرضي, وهو السمة الحاضرة التي تربط بين الفن والموضة والجديد من جهة, وبين نظرة الشخص المعدم, العاطل من العمل والعبقري والطفل, الذي لا تتوافر له الحماية الكافية التي من الممكن أن تثيرها أساليب الإدراك التقليدية, من جهة أخرى.
وكان هابرماس أشار الى هذه العلاقة بقوله, إذا اعتقد بودلير بأن اجتماع الزمن والأبدية يتحقق في الانتاج الأصيل, فإن بنيامين حاول نقل هذه التجربة من المستوى الجمالي الى علاقة في المستوى التاريخي فابتكر مفهوم "الزمن الحاضر" وأدخل فيه شذرات من الزمن المسيحي أو "الزمن الغابر" الذي أصبح شفافاً حيث تمكن رؤيته في مظاهر الموضة, التي تذكرنا بالماضي. كما عارض بنيامين فكرة "الزمن المنسجم" والفارغ أو المملوء بفكرة التقدم التي تميز النظرية التطورية, ولكنه يعارض في الوقت ذاته, حبس التاريخ في المتحف وتحيّيد المعايير التي تحدثها التاريخانية, وهو بهذا يبرز استمرارية التاريخ ولا يريد وقف مسيرته.
ان مفهوم "الزمن الحاضر" عند بنيامين هو مزيج فريد من السريالية والتصوف المتجذر في الماضي, لأن انتظار الجديد المتوقع لا يتم إلا بفضل تذكر الماضي المقموع, وما يتحكم في فهم الماضي انما هو أفق مفتوح على المستقبل, وهو أفق التوقعات التي يحددها الحاضر. أما عمل التاريخ فيتحدد بمقدار ما يتراكم من خبرات وتجارب ماضية ضمن منظور المستقبل. وبهذا يصبح الحاضر الحقيقي مكان استمرار الموروثات المتجددة.
ولا يوضح بنيامين عمل التاريخ ولكنه يرتاب من التراث الثقافي المستمر الذي سيكون ملك الحاضر, وفي الوقت ذاته يسند الى الحاضر المتوجه نحو المستقبل مهمة التعايش معه واستذكار ماضٍ يتوافق معه حيث يمكن تحقيق التوقعات بفعل "أمل منقذ" بالتغير نحو الأفضل. والحال, ان الحاجة الى الخلاص انما تذكرنا بفكرة التصوف الدينية التي تعتبر الناس مسؤولين عن مصير الإنسان وحريته, وهي أفكار ليست سوى نوع من الحنين الى الماضي والى الطقوس الدينية التي تربط بنيامين بأيام طفولته الأولى.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كيف أصبحت المأكولات الأرمنيّة جزءًا من ثقافة المطبخ اللبناني


.. بعد فيديو البصق.. شمس الكويتية ممنوعة من الغناء في العراق




.. صباح العربية | بصوته الرائع.. الفنان الفلسطيني معن رباع يبدع


.. الأسود والنمور بيكلموها!! .. عجايب عالم السيرك في مصر




.. فتاة السيرك تروى لحظات الرعـــب أثناء سقوطها و هى تؤدى فقرته