الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
شذرات في نفوس بريئة
محمد باني أل فالح
2016 / 2 / 7الادب والفن
في سالف الزمان والعمر كان في مقتبل أيامه كنت ذات يوم ذاهب للعمل بعد أنتهاء أيام الدراسة حينها كنت مارا في أحدى مناطق بغداد العصرية والهواء في ساعات الصباح الاولى كأنه ريح الشمال وهي تهب عارية كفتاة في ريعان الصبا أو نسمات صبح على ضفاف شاطىء يغفو على صدر عذراء ما عانق العشق ثغرها وصوت فيروز يغرد كأنه تراتيل أنجيل يرددها قسيس في حضرة قداس وترى أغصان الاشجار تتمايل كأنها غجرية تتراقص في ثوبها الاندلسي والعصافير ما برحت تنشد الحانها كسمفونية على مسرح الاوبرا والطرقات ضاحكة بأستيحاء تغازل أرصفتها بينما الهدوء ينشر رداء هيبته في لحظات صمت جميل كان المكان كأنه واحة في صحراء عدن لا يدخله إلا سلاطين الزمن المقدس ولا يسكنه ألا النبلاء من حاشية الملوك والأمراء حيث تنعدم الضوضاء والحركة ألا من صوت قدماي وهي تحث الخطى على أسفلت الشارع الاصم وتقلب الصور في ذاكرتي وهي تسترجع لحظات نداء والدتي بأن علي النهوض والذهاب للعمل مع أخيها الذي كان يعمل منسقا لحدائق باشاوات الزمن الأغبر حينها نهضت لأكفكف وجهي بالماء البارد الذي تثلج في خزان الماء الذي كان مصدر الحياة بالنسبة لنا ورحت مهرولا تاركا بيتنا الذي كان عبارة عن غرفة يتيمة هي بيت جلوسنا ومطبخ طعامنا وساعة راحتنا ومنام ليلنا رغم أننا كنا بعدد أخوة يوسف والشمس والقمر كانت هناك شجرة تتوسط فناء البيت لم تثمر منذ رأيتها كأنها عجوز عاقر ما ناكحها رجل قط ومياه الامطار كثيرا ما كنت تسكن باحة الدار وكنا نلهو فيها ساعات من المرح الطفولي الجميل وفي عتبة دارنا كان هناك حوض لجمع المياه حيث لا مطبخ في بيتنا ولا صنبور للماء فيه وعندما يمتلئ كانت أمي ترمي ما فيه الى الشارع وكثيرا ما كانت المشاكل تحدث مع الجيران بسببه فقد كانت سليمة سليطة اللسان وعدائية بشكل لا يطاق وكانت والدتي تتحاشى الرد عليها لانها كانت فضة الالفاظ قبيحة المنطق وكانت أمرآة ممشوقة طويلة كلسانها وعينيها تلمع كعيون صبايا الغجر كان لنا شباك وحيد في غرفة البيت يطل على شارع محلتنا وكانت بعض نوافذه لا زجاج فيها وكانت أمي كثير ما تغلق نوافذه بقطع قماش باليه لتصد زمهرير الرياح الباردة في ذلك الشتاء الاقرع وكأنه سفاح بثوبه البارد كانت أمي تجمعنا تحت غطاء واحد وتضع فوقه بساط الارض كي تحمينا من البرد ودائما ما كنا نجلس تحته ساعات عند الظهر أيام الصيف عندما كان والدي يقوم بطردنا قسرا ليختلي بعشيقة حياته الوحيدة بينما نذهب نحن للعب كنت أنا أعشق الجلوس تحت الشباك لأسترق السمع لضحكات العشق الازلي وكلمات همس كنت أجد صعوبة في فهم بعض مفرداتها الغجرية كم عشقت ذلك المكان ولازلت أتذكر يوما أبي وهو يخرج يده من الشباك ليصفعني بقوة ويطردني دون ذنب .
استفقت من غفوتي ورحت أعيد النظر الى تلك البيوت الفارهة وحدائقها الجميلة ولكن رسخ في ذهني ذلك المشهد الباذخ في الترف والثراء عندما شاهدت من فتحة باب أحد البيوت ذات البناء الضخم والزخرفة الجميلة والغرف الكثيرة والحديقة الغناء في أشجارها وكثرة ورودها والوانها التي تحيط بها وجمال وروعة عصافيرها المغردة في ذلك الفضاء المشع بالجمال وهناك وسط الحديقة يجلس رجل قارب الخمسين من عمره الى طاولة بيضاء تتوسطها باقة ورد وضعت في أناء جميل بينما تجلس اليه أمرأة جميلة كانت تعد الشاي اليه وهو يطالع جريدة ذلك الصباح لحظات أسرجت في نفسي الكثير من المشاهد التي يعيشها أمثالنا في مدن الصفيح وما يعيشه هؤلاء في مدن الرخاء فكم تمنيت أن يكون لنا بيت كبيوتهم نعيش ونلعب فيه دون أن يطردنا والدي عند الظهر وأكون عندها مضطرا للجلوس تحت الشباك .
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. الفنان أحمد عبد العزيز ينعى صلاح السعدنى .. ويعتذر عن انفعال
.. االموت يغيب الفنان المصري الكبير صلاح السعدني عن عمر ناهز 81
.. بحضور عمرو دياب وعدد من النجوم.. حفل أسطوري لنجل الفنان محمد
.. فنانو مصر يودعون صلاح السعدنى .. وانهيار ابنه
.. تعددت الروايات وتضاربت المعلومات وبقيت أصفهان في الواجهة فما