الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لماذا لا تستطيع الولايات المتحدة القضاء على داعش؟

منعم زيدان صويص

2016 / 2 / 8
مواضيع وابحاث سياسية


منذ أن برز تنظيم داعش ودولة خلافته، بعد استيلائه على الموصل ومدن أخرى في سوريا والعراق، ومنذ بدء "الحرب الكونية" ضده بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية، انقسم الكتاب والمعلقون والناس عامة في هذه المنطقة إلى قسمين: قسم يَعجَب ويَستغرب لماذا لم تستطع الولايات المتحدة، القوة الأعظم، أن تقضي عليه بالسرعة المطلوبة، ولماذا قال أوباما بأن حربا كهذه ستستغرق سنوات، والقسم الثاني مقتنع تماما أن الولايات المتحدة تستطيع القضاء على داعش بسهولة ولكنها هي التي خلقت داعش لغرض في نفس يعقوب وتريد أن تستخدمه لتحقيق أهداف لها في المنطقة وربما في العالم، فلماذا تقضي عليه؟ وهؤلاء، وهم كثر، متأكدون أن هذه القوة العظمى في الحقيقة تستطيع عمل أي شيء في أي مكان وأن "تتنصّت عليك في غرفة نومك." ولم يقتنع أحد أن أعظم قوة في العالم، لا بل في التاريخ، لا تستطيع أن تقضي على بضعة آلاف من "الإرهابيين."

يتساءل كاتب معروف قبل أيام: "هل من الممكن تصديق أنَّ هذا التنظيم غدا قوة كونية تعجز حتى الدول العظمى، وفي مقدمتها الولايات المتحدة، عن مواجهتها والقضاء عليها وتخليص البشرية من شرورها؟ هل من الممكن أن نصدق أن الموصل والرقة أصبحتا بؤرتين عالميتين غير قادرة عليهما حتى الدول ذات الإمكانيات العسكرية الهائلة وذات القدرات النووية؟" لا أدري إن كان هذا الكاتب يتوقع أن تستعمل أمريكا أسلحتها النووية ضد هذا التنظيم؟

ولكن دعنا ننظر إلى الأمر من الناحية العملية ونسأل: هل بالإمكان هزيمة الإرهاب المبني على أسس دينية؟ هل بإمكانك التفاخر والقول أنك هزمت إرهابي ديني إذا قتلته؟ لا أعتقد ذلك لأن إرهابي كهذا، بغض النظر عن احتمال كونه مغسول الدماغ ومجرد أداة لا يتصرف من تلقاء نفسه، أو أنه يخدم هذه الدولة أو تلك دون أن يعرف، يرحب بالموت في سبيل خدمة قضية يعتبرها مقدسة، ويعتقد أن الحياة فانية وأن الحياة الخالدة تنتظره عند خالقه، بكل مسراتها ومكاسبها الأزلية، وما عليه إلا التضحية بنفسه، في قتال حقيقي، أو عن طريق تفجير جسده في أعداءه، والخيار الأخير حتما هو الأسهل لأن حياته ستنتهي بدون الم خلال ثانية أو اثنتين.

لنفرض الآن أن إرهابيا كهذا، هاجم منزلا واحتله واحتجز النساء والأطفال رهائن، هل بالإمكان قتله دون تدمير البيت على رأسه ورؤوس من فيه؟ هذا الإرهابي سيكون سعيدا لو فجر نفسه بمن حوله إذا حاول أحد أن يدخل هذا البيت عنوة.

كلنا يعرف تماما كيف قاتل الأكراد مسلحي داعش في عين العرب/كوباني وكم استمر هذا القتال. لم يبق مدني واحد هناك ولم يبق حجر على حجر. عندما كانت القوات العراقية والمتطوعون يحاولون طرد داعش من الرمادي، كان بعض المتفرجين من أمثالنا يتندرون حول عدم كفاءة الجيش العراقي والقبائل والمتطوعين، ويستهزئون بهم، ولكن في النهاية، وبعد عدة أشهر وبدعم من الطيران الأمريكي والعراقي، استطاعوا أن يحرروا المدينة، ولكن بأي ثمن؟ لقد تمكنوا من إخراج مئات قليلة مما تبقى من السكان المدنيين أحياء، قبل تدمير المدينة كاملة. هذا ما حصل لكل المدن والقرى التي سيطر عليها داعش وأجبر في النهاية على تركها.

لو لم يتمكن الدواعش من احتلال المدن، لما نجحوا أو تمكنوا من البقاء في المنطقة بضعة شهور ولما حصل هذا الدمار والقتل. لقد أعلنت داعش دولتها في الموصل بعد أن سلم الضباط الكبار من السنة زمام الأمور للتنظيم وساعدوه على السيطرة على المدينة والاستيلاء على الأسلحة الأمريكية الهائلة والجديدة، والعربات غير المستعملة التي نرى رجال التنظيم يمرحون ويسرحون فيها، وانسحبوا من المدينة مع عشرات الآلاف من الجنود احتجاجا على سياسة نوري المالكي الطائفية، وكان شعارهم مع الأسف: إذا كان العراق سيحكمه الشيعة فليذهب إلى الجحيم.

يعيش في الموصل الآن أكثر من مليون من البشر، بينهم آلاف من مقاتلي داعش. هل يود المذكورون أعلاه أن تبدأ أمريكا وحلفاؤها قصفا منظما وشاملا للمدينة (carpet bombing) وتدمرها على رؤوس مليون عراقي بهدف قتل بضعة آلاف من داعش؟

هؤلاء المتطرفون الذين يرحبون بالموت هم من يواجهون أعداء داعش في الموصل والرقة وغيرها من المدن والقرى في سوريا والعراق. مقاتلو داعش جاءوا إلى المنطقة ليحققوا هدفهم أو يقضوا دونه، وإذا ماتوا سيأتي غيرهم، بطريقة أو بأخرى وسيبقى هدفهم حيا في ضمائرهم. لو لم يحتلوا المدن والقرى وبعض آبار النفط ويسيطروا عليها لكان من السهل القضاء عليهم، ولذلك نقول إن قصيري النظر والأنانيين ممن مكنوهم من دخول المدن، في العراق وفي سوريا، بتأثير الطائفية البغيضة هم المسئولون عن هذه المأساة.

لقد تبنى أوباما الموقف الصحيح الذي يخدم بلاده وشعبه، الذي ليس من مصلحته تكرار ما حصل بعد غزو العراق والتورط في أفغانستان، ودخول حرب لا تنتهي تؤدي إلى قتل الآلاف المؤلفة من الأمريكيين، وتوغر صدور المسلمين ضد أمريكا، التي ليست الآن بحاجة لنفط منطقة لا تشكل أهمية استراتيجيه لها. وإذا كانت داعش وأمثالها أصبحت تشكل خطرا على أمريكا والغرب، فروسيا كفيلة بمحاربة داعش، وغيرها، بالنيابة، فحتى إسرائيل لن تكون في خطر في المستقبل المنظور نظرا لضعف العرب ولأن روسيا طمأنت الإسرائيليين، وإذا كانت الغالبية من الشعوب العربية والإسلامية تعتبر كل خطوة تتخذها الولايات المتحدة مؤامرة ضد العرب والمسلمين فليس من الحكمة أن تلهب أمريكا هذا الشعور؟ أمريكا الآن في أحسن أوضاعها الاقتصادية، فمستوى البطالة الأقل في تاريخها، ناهيك عن قدرتها العسكرية دائمة التفوق، ولا يقارن وضع روسيا الصعب معها ولا حتى وضع الصين الذي بدأ بالتدهور. أما إعجاب بعض العرب بفلاديمير بوتن ومقارنته بأوباما لمصلحة الأول فهو ليس في محله. بعض المعلقين والكتاب وصفوا أوباما بالجبن لأنه لم يرسل قواته لتغزو البلاد العربية، وهذا يبرهن أن هؤلاء لا يعرفون ماذا يريدون.

وينسى هؤلاء أيضا أن معظم الشعوب الإسلامية والعربية المتخلفة والمقهورة والمنهارة معنويا متعاطفة مع داعش رغم اعترافها بان أعمال هذا التنظيم إجرامية، ومنهم من يقول إن هذه فترة انتقالية ستدوم عقدا أو عقدين بعدها ستستقر دولة الخلافة وستصبح قوة أعظم وتنتهي بها الأمور للسيطرة على العالم.

أستغرب من الذين يستغربون أن الولايات المتحدة لم ترسل جيوشها لمحاربة داعش. هل يريدون من الأمريكان أن يرسلوا مئات الآلاف من جنودهم ليقتلوا متطرفين يؤمنون بما يقومون به وينتظرون مواجهة الأمريكان على أحر من الجمر؟ وهل هذا، إذا تم، معناه أن داعش قد هزمت؟ إن قتل الإنسان الذي يؤمن بمبدأ لا يعني هزيمته، لأنك تستطيع أن تقتل الإنسان ومع ذلك تفشل في هزيمة ما يؤمن به، فإذا عاش مبدأه بعد موته فهو المنتصر الحقيقي، وهذا سر قوة هؤلاء المحاربين. وكلما زادت عداوة العالم، وخاصة الغربي، لهم ازدادوا قناعة بأنهم على حق.

الحل قصير المدى يكمن في قطع تمويل داعش وكشف ووقف مصادر تسليحها وتسليح المنظمات الإرهابية الأخرى، ووقف تدفق متطوعي داعش ومنعهم من عبور حدود العراق وسوريا، واللوم يقع على الأنظمة العربية وتركيا وإيران الذين فشلوا في اتخاذ موقف مشترك ضد التنظيم. وقد سبق أن قلنا في مقال آخر قبل أكثر من سنتين أن " تحالفا تقوده الولايات المتحدة لن يهزم داعش" لأن الطريقة التي اتبعتها الولايات المتحدة في هجماتها الجوية على طالبان، في أفغانستان وباكستان، والتي تكررها حاليا مع داعش، برهنت على فشلها في إضعافهم ونتج عنها قتل وتهجير الآلاف من المدنيين الأبرياء. أما الحل بعيد المدى فيتطلب معالجة المناهج المدرسية والتربية الدينية لمنع فكر داعش وأمثالها من إفساد عقول الأجيال القادمة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - Bravo
nasha ( 2016 / 2 / 9 - 09:57 )
ممتاز احسن مقال قرأته على موقع الحوار المتمدن عن مشكلة داعش.
ما كتبته يا استاذ عين المنطق والعقل .
هذه هي طريقة التفكير المنطقية العلمية المقنعة.
عاشت ايدك


2 - دولة الارعاب و الارهاب الدولي هي امريكا!
علاء الصفار ( 2016 / 2 / 9 - 12:17 )
لا اعرف كيف تساق الامثلة البسيطة لتعمم على الحركات الارهابية التي تعتمد عليها امريكا وتتعكز! لنرجع الى بن لادن وعملية تدريبه واسقاط دولة شرعية وانتاج دولة اسلامية ارهابية! هذا ما تتبجح به هالري كلنتون وقالت نحن نحارب ما انتجناه من شرور! اي امريكا بلد ارهاب و شرور وقبلها كان لامريكا شأنٌ في دعم البعث والقومجية في ذبح الشيوعيين في العراق عام 63 في شباط! اما تحرير العراق من داعش فهو اسهل منه لا يوجد فراينا زيف امريكا ومطالبتها ب 10 اعوام للقضاء على داعش في سوريا ليظهر الروس ان داعش تدعم من تركيا و اكراد العراق و بتضليل امريكي غربي يجري النفط لاسرائيل للغرب باسعار بخسة اي ان امر الدعم هو دعم مالي سعودي قطري ومن ثم دعم امريكي غربي (بريطاني فرنسي) واما التشدق بامر تصحيح المناهج فهو تنظير لا يرى ارنبة الانف,فالمسلمين كان يعيشوا بسلام مع المسيح والايزيديين والصابئة وما دخل الامريكان المنطقة بحرب غزو العولمة حتى ظهرت القوى المشعوذة و كان دعمهم للاخوان واضح و كان رد 20 مليون مصري لطرد الاخوان, انتم يا سادة تتهمون الدين والشعوب و تتركون قوى الشر امريكا وداعش ومن ورائها تعمل. ليتم شتم المسلمين!ن

اخر الافلام

.. -تكتل- الجزائر وتونس وليبيا.. من المستفيد الأكبر؟ | المسائي


.. مصائد تحاكي رائحة الإنسان، تعقيم البعوض أو تعديل جيناته..بعض




.. الاستعدادات على قدم وساق لاستقبال الألعاب الأولمبية في فرنسا


.. إسرائيل تعلن عزمها على اجتياح رفح.. ما الهدف؟ • فرانس 24




.. وضع كارثي في غزة ومناشدات دولية لثني إسرائيل عن اجتياح رفح