الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أبو قتادة الفلسطيني – 3

حسن محسن رمضان

2016 / 2 / 10
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني




كانت، ولا تزال، مسألة التكفير هي المدخل الأساسي للفكر السلفي المتطرف. إلا أنها في ذاتها لا تستطيع أن تهمش جميع التيارات الفقهية والفكرية ضمن الفضاء الإسلامي وخصوصاً أن الأغلبية الساحقة من المسلمين هم ضمن التيارات المناهضة للسلفية سواء كمنهج، كالتيارات الفقهية في المذهبين الشيعي والسني والمتصوفة، أو كعقيدة، كالأشاعرة والعقائد الشيعية في الإمامة وأهل البيت وما تبقى من العقائد المعتزلية في الزيدية وعقائد المعرفة والاستدلال عند المتصوفة على الخصوص ومعهم الشيعة. فكان ولابد لهذا الفكر السلفي أن يشن حملة شعواء، كخطوة تالية لمسألة التكفير، على كل منهج أو عقيدة تخالف سياقه العام، وهذا ما فعله أبو قتادة.

ففي البداية يبدو أن أبو قتادة كان واعياً تماماً لأحد أهم اشكاليات الفكر السلفي وأحد ركائز خطورته الشديدة، وهو (مرونة هذا الفكر ومطاطيته) وقدرته على احتواء الرأي ونقيضه في آن واحد. ففي هذا الفضاء السلفي يكفيك أن تستشهد بأحد ممن يشملهم لفظ "السلف الصالح" ليصبح عندك دليل ما على ما تريد عمله حتى ولو كان هناك دليل آخر على النقيض. بل إن مواقف الصحابة انفسهم وأقوالهم قد تم استخدامها لتبرير آراء هم، أي السلفيين، لا يوافقون عليها أصلاً. فعبدالله بن عباس، على سبيل المثال، قد قاتل إلى جنب ابن عمه علي بن ابي طالب ضد معاوية ومن كان معه، ولكن السلفيون، وخصوصاً السلفية الرسمية التي ترعاها الحكومات القائمة، يتخذون قوله: (هو كفر دون كفر) كمقدمة لدليل على حرمة الخروج على الحاكم أو الملك حتى وإن خالف الشريعة وأحكامها ومعايير العدل والنزاهة ظاهراً علناً وبوضوح. عبدالله بن عباس قد خاض في تلك الحروب التي وقعت زمانه وقاتل فيها بدون أدنى شك حتى في نصوص السلفيين أنفسهم ، إلا أن هذه الحقيقة لم تمنع الذين يحتجون بمقولته تلك على التأكيد على حرمة قتال الحاكم أو الملك حتى وإن ظهر منه ما يوجب الشك في نزاهة أو سلامة تصرفاته. هذا الوعي من جانب أبي قتادة لهذه المطاطية السلفية المتناقضة الغريبة جعلته يكتب ما يلي مشيراً إلى أسماء رجال هم على منهجه وآخرون لا يعتبرهم كذلك:

"فمما يزعجك أن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى يستدل به كل ألوان الطيف، فالشيخ ابن لادن يستدل به، والشيخ حمود العقلاء رحمه الله تعالى كذلك، وكذا الدكتور أيمن الظواهري، ويستدل به كذلك الشيخ سلمان العودة والشيخ سفر الحوالي والشيخ الألباني، ويستدل له القرضاوي وربيع المدخلي ومحفوظ النحناح وعبد السلام ياسين وطه جابر العلواني، وبالتالي فأنا أرفض الدخول في معمعة الاستدلال الانتقائي أمام معركة واضحة المعالم وأستغرق في لعبة الشعارات كما يريده البعض، لكن يكفي أن أتهم وأعلن بكل وضوح حين أفهم ما يريده هذا التيار أنه رضي أن يعمل تحت مظلة عدوه".

بل إنه يبدو واعياً لما يُسمى بفقه السلفية الرسمي [الذي يكون موالياً للحكومات التسلطية القائمة]، وإن كان هو بموقفه هذا يؤكد لقرائه من حيث لا يدري بإشكالية الفقه السلفي عموماً ودرجة تناقضاته. يقول أبو قتادة:

"لن يعجز الباحثون في أحلامهم عن البدائل الجميلة السهلة أن يلبسوا أي بديل لباس الشرع والدين، فهي مهمة أتقنت على مدار التاريخ الإسلامي، إذ لن تكون أفكارهم أكثر سوءاً من التصوف وفلسفة اليونان ومع ذلك فإنه لم يعدم أهلها الاستدلال لها (...) ولن تكون كلماتهم أكثر سوءاً من فقه الحيل الخبيث لنجد له مستنداً من قاعدة أو حادثة تاريخية ما. وكما تقدم فشيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى جاهز لتمرير أي حلم لرجل أصاب عشاء ثقيلاً فبدأ يبدع في حلمه".

اشارته التهكمية إلى كتابات ابن تيمية وكيفية استخدامها لتمرير الرأي ونقيضه هو أساس مطاطية هذا الفكر والمحور الرئيس في خطورته الشديدة. ولكنه بالطبع يرفض التصريح بالسبب الحقيقي لهذه الإشكالية الخطيرة، ويعمد بدلاً من ذلك إلى إلقاء اللوم في ذلك على المنطق الفلسفي المستغرب الآتي لنا من بعيد، فنراه يعقب بعد هذا الاقتباس أعلاه قائلاً: "كل شيء يصلح حجة حين تتعملق الأفكار الأرسطية والتحليل السياسي الذي رماه لنا الشيوعيون والقوميون كزبالة عصر اكتشف الناس مهانته". ومن تلك المقدمة، ومن هذا الهروب من اتهام الفكر السلفي ومنهجه، يشن أبو قتادة حملة شعواء على الفلسفة والمنطق اليوناني وكل من له علاقة من قريب أو بعيد بهما. إذ أن هؤلاء، كما يسميهم، المفتونون بالمنطق اليوناني "ظنوا أن الحقائق هي ما وجدوه من نفايات اليونان"، وأن هناك من المسائل لم تظهر إلا "عندما نبتت نابتة السوء في تاريخ الإسلام فدخلت آثار اليونان ونفايات السابقين إلى أمتنا". فعندما ينقل أبو قتادة عن الشيخ محمود شلتوت رأيه في أحاديث الآحاد، والتي لا يعتقد المسلمون جميعهم فيما عدى المنهج السلفي بأنها تفيد علماً ويقيناً وجزماً، وهذا ما يعارضه أبو قتادة بالطبع كسلفي، يعقب قائلاً: "فعندما بلغ الأمر بهذه الأمة إلى هذه الحالة، وصار أمر أعلامها وعلمائها إلى تقليد السابقين وترك النصوص والآثار، تغيرت العقائد ومسخت أصول الإسلام، فصار المنطق اليوناني دثار الأصوليين ومهوى مرادهم". ولا يسلم أيضاً الإمام أبي حامد الغزالي من الغمز واللمز بسبب هذا الموقف من الفلسفة والمنطق.

بل إن الأمر مع الفلسفة هو جد خطير من وجهة نظر أبي قتادة، إذ إنه سوف يؤول إلى تزوير الإسلام نفسه. فعند الحديث عن محاولة تعريف "الإيمان" يقول أبو قتادة: "فحين غزت الأمة المسلمة فلسفة اليونان، وسيطر المنطق الأرسطي على عقلية المتكلمين من أصوليين وفقهاء، حاولوا تعريف الإيمان من خلال قالب الحدود الأرسطية، وكانت النتيجة مُفجعة ومدمرة، وعادت على الدين بالتزوير والتخريب". ويشرح وجهة نظره أكثر بقوله: "لقد أوجد علماء الكلام، وكذا الفلاسفة المشائين، الأرضية الفكرية للانحلال الديني والذي أفرز آثاره التشريعية والاجتماعية والسياسية وبالتالي الهزيمة العسكرية". فهذه الفلسلفة اليونانية والمنطق الأرسطي، من وجهة نظره، هما أساس المشكلة التي يعاني منها الأغلبية الساحقة من المسلمين في عقائدهم ومنهجهم وعملهم. بل الأمر عن أبي قتادة أخطر من ذلك، إذ نراه يكتب: "وفعلهم هذا جرأ الجهلة وغمار الناس بالفتوى والقول على الله بغير علم. فصار المرء يكفيه أن يفهم روح الشريعة والدين ويفهم مقاصدهما، حتى يقول ما يريد ويفتي كما يحب، وينسب ذلك كله لشرع الله ودينه". والجهلة وغمار الناس هنا هم علماء وفقهاء ومفكرين إسلاميين لا أول لهم ولا آخر. فالقائمة طويلة جداً عند أبي قتادة، فهي تشمل الشيخ محمد الغزالي ويوسف القرضاوي والشيخ محمد سعيد رمضان البوطي والشيخ الألباني وأبو بكر الجزائري والدكتور صلاح الصاوي والإمام أبي حامد الغزالي وأبي العلاء المعري والشيخ ابراهيم البيجوري وابراهيم اللقاني المالكي وراشد الغنوشي وفتحي يكن وسعيد حوّى والدكتور ربيع المدخلي وعبد الرحمن عبد الخالق وطه جابر العلواني ومحمد عمارة وحسن الترابي ومحمد سرور زين العابدين وعمر التلمساني والدكتور خير الدين حسيب وجودت سعيد وخالص جلبي والدكتور أحمد صدقي الدجاني وفهمي هويدي ومحمد سليم العوا والدكتور حسن حنفي [كتب فيه أبو قتادة مقالة كاملة] ومحمد أركون وعزيز العظمة وشيخ الأزهر وشيوخ السلفية الرسميين كلهم وبلا استثناء في المملكة العربية السعودية من أول عبد العزيز بن باز ومحمد صالح العثيمين ونهاية بآخر طالب سلفي في كلية الشريعة في أي جامعة سعودية حكومية وخطيب المسجد الحرام عبد الرحمن سديس وكل من انضوى تحت مسمى التصوف الإسلامي من أولهم إلى آخرهم وكل من تبنى مذهب الأشاعرة كائناً من كان، وأنا متأكد بأنه لا يزال هناك المزيد ممن غاب عن ذاكرتي أو ممن دونته في أوراق ملاحظاتي.

هجوم أبو قتادة على كل هؤلاء هو، وعلى غرار السياق السلفي الذي رأيناه مراراً سابقـاً، هجوم عنيف لا يُكني فيه ولا يجامل، بل يجنح أحياناً كثيرة إلى الإسفاف في انتقاء الكلمات. أما المفكرين الإسلاميين فعلاجهم سهل عند أبي قتادة. فهو يشرح لقرائه كيفية التعامل مع كل مسلم ينضوي تحت تلك المسميات:

"خلال مرحلة الجهاد ستُطهّر الأرض من غربان الشر وأبوام الرّذيلة. ستُلاحق هذه المسوخ التي تُسمى كذباً وزوراً بالمفكرين، وسيُصفّى الرتل تلو الرتل، العلمانيّون والشّيوعيّون والبعثيّون والقوميّون وتجّار الأفكار الوافدة. نعم، نحن نعرف أننا لن نصل حتى نُعبّد الطريق بجماجم هؤلاء النوكى. وليقل العالم أننا برابرة (...) وسيقولون عنا أنتم أعداء الحضارة. نعم، نحن أعداء حضارة الشيطان (...) وسيقولون عنا إرهابيّون. نعم، نحن كذلك، لأن الشر لا يخنس إلا بالسيف والنار".

لاحظ أنه عندما كتب أبو قتادة: (نُعبّد الطريق بجماجم هؤلاء النوكى)، فهو يقصد (المسلمين الذين يعيشون في البلاد في البلاد الإسلامية) تحديداً وحصراً، وهم بالفعل كانوا الأغلبية الساحقة من ضحايا هذا الفكر. بل إن أبو قتادة يذهب إلى أكثر من ذلك، فهو يحرض صراحةً، وبالاسم، على قتل المخالفين المسلمين. فهو يقول عن مؤسس طائفة الأحباش الصوفية في لبنان:

"كان بمقدور الشباب المسلم أن يعالجوا الشيخ الضال الحبشي برصاصة رخيصة الثمن في لبنان من بداية أمره. ولو فعلوا لكان الآن أثراً بعد عين، ولكن هذا الحبشي وأمثاله الآن قد اشتد عودهم وقويت شكيمتهم حتى صاروا أكبر من معالجتهم بالأبحاث والدروس (...) فأمثال هذه الانحرافات وهؤلاء الشيوخ يجب القضاء عليهم بالذبح في بداية أمرهم، وهم لا شهرة لهم ولا حساً ولا خبراً".

وفي الحقيقة شغلت مسألة مهاجمة ما يسمى بـ (الفكر الإسلامي) و (المفكرين الإسلاميين) حيزاً لا بأس به من نتاج أبي قتادة المكتوب. فهو لا يفوّت أي فرصة سانحة لمهاجمة هؤلاء المفكرين وما يحاولون طرحه باسم الإسلام. والسبب في ذلك يشرحه لنا أبو قتادة بقوله:

"هؤلاء القوم هم أئمة أهل الضلال في هذا العصر (...) واقع بئيس ومنحط بلا شك، بل واقع مهزوم ولا يفرز إلا آراء الهزيمة. ويحاول بكل جهده إصباغ الشرعية على هذه الهزيمة. ومن أجل استتمام الأمر على صورته الكاملة انطلق هؤلاء المنهزمون تحت شعارات عدة، وإلى مواقع عدة لخدمة هذا الانحراف: من هذه الشعارات التي استخدموها هو شعار (الفكر الإسلامي) و (المفكر الإسلامي) هذا الشعار بدأ استخدامه كبديل عن صورة "المجتهد" في اصطلاح أئمتنا".

أبو قتادة يلخص الخطوة الثانية بعد مرحلة التكفير، وهي أن أي سياق اجتهادي أو فكري خارج منهجه وفكره هو سياق كافر يجب تصفيته من على وجه الأرض، عاجلاً قبل آجلاً. وهذا الرأي هو المقدمة النظرية لعمليات القتل والاغتيال والتدمير التي مارسها هذا الفكر المتطرف في داخل الإسلامية قبل غيرها.

.......يتبع








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - التكفيري الأول في العالم اسمه محمد ابن آمنة
عماد ضوء ( 2016 / 2 / 15 - 19:56 )
التكفيري الأول في العالم اسمه محمد ابن آمنة

اخر الافلام

.. إسرائيل تقرر إدخال 70 ألف عامل فلسطيني عبر مرحلتين بعد عيد ا


.. الجيش الإسرائيلي يدمر أغلب المساجد في القطاع ويحرم الفلسطيني




.. مصلون يهود عند حائط البراق في ثالث أيام عيد الفصح


.. يهود أمريكا: نحن مرعوبون من إدارة بايدن في دعم إسرائيل




.. مجلس الشؤون الإسلامية في أمريكا: الرد القاسي على الاحتجاج ال