الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


- نسيان - .. 2

محمود العكري

2016 / 2 / 13
سيرة ذاتية


إن الخوف الذي يباغتك، وليس الخوف الذي يعرفه الكله، بل خوف من درجة كبيرة تضاف عليه قيمة " زائد " فيغدو خوفا مرضيا، خوفا من حدوث أشياء في الحقيقة هي لن تحدث، خوف من أنك ستموت الآن رغم أن الآن قد فات عليه الأوان ولم تمت.
هكذا تغدو كائنا أنانيا جدا، لا تفكر إلا في أن تكون، أن تستمر في اللعبة التي تحبها، أن توجد رفقة الحياة وفقط، وفي هذا الطريق لا يهم مدى إمكانية وجود الآخر من غيرها، لا يهم حتى سؤال: ما المهم؟ لأن المهم هو أن تعود دقات قلبك لنبضاتها العادية وأن تستطيع الوقوف من جديد، المهم هو أن يذهب السؤال الملعون من جمجمتك القذرة.
لقد تغذيت كفاية من ينبوع الألم حتى كونت مفهوما جديدا للأنانية يتمثل بالأساس في خوفك وهلعك، حين تكون خائف أنت لا تفكر في شيء غير زوال ذلك الخوف، فقط حين تكون خائفا تصير بالفعل أنانيا، لأن الأنا وحدها من تتطاير في الهواء..
وبغتة يداهمك المقربون منك، الذين ساعدتهم يوما، في محاولة منهم لمعرفة ما الذي وقع للغريب، ما الذي تغير من ذلك الكائن القوي الذي لا يخشى إلى هذا الإنسان الضعيف الخائف.
إن التغيير الذي تتحصل عليه يكون باديا أولا عند أقربائك، عند من يعيشون رفقتك كل يوم، ولأن المحمود ليس محمودا إلا والكتاب في يده، فقد كانت قولة الأب وهو في قمة الغضب لما آل إليه الحال وتأزم الوضعية النفسية للابن الصغير الطموح: يا بني دع عنك الكتب وعش حياتك، هناك فتيات ينتظرنك، هناك حياة تنتظرك، هناك خارج مثير جدا يا بني، لم لا تنسى كل ما تعلمت لتبدأ حياة جديدة وفق غريزتك، إننا في الأخير بشر لا غير.
كنت أكتفي بالقول: معك حق يا أبي، سأرى، سأفعل، الخير في ما اختاره الله.. وفي قرارة نفسي أدري جيدا أنني لست القائل، إنها فقط مقدمة لتبسيط الوضع.
وفجأة تباغتني الأم وهي من شدة الخوف على ابنها المدلل لا تعلم ماذا تقول حتى: محمود، كفاك تدخينا، محمود زر طبيبا، محمود إننا نحبك ولن نعيش بدونك، قل لنا ما بك يا بني، ما الذي أصابك يا صغيري؟ لم تكن هكذا فيما مضى، لم غادرت الضحكة وجهك، لما انتحرت كلماتك التحفيزية، لم وألف لم يا بني؟؟
أضطر لقول جملتي الصغيرة التي قد تطمأن الأم على حال ابنها: أنا بخير أماه، أتعلمين أنك أجمل هدية بالنسبة لي، هيا عانقني ودعنا نضحك، كنت أفعلها وفي عينيّ بكاء يأبى الخروج.
ليأتي الدور على أخي الصغير الذي صار ممرضا، وكم فرحت له بهذه المهنة، فيقول: أخي لا شيء بك، أنت بخير وعليك أن تؤمن بهذا، إيمانك بالأمور هو الوحيد الذي له القدرة على مساعدتك، وما دمت تدعي المرض فأنت حتما ستكون طعما لما تدعيه.. كنت أجد في كلمات أخي نوعا من المنطق، نوعا من التعقل، نوعا من التشخيص المرضي لمرضي، ونوعا من الحقيقة التي أحتاج للإيمان بها، لكنني أعود القهقرى للسؤال من جديد: وما أدرى أخي بحالي؟ ماذا لو كان يكذب؟ فأقول له: أنت لا تحس بما في داخلي، أنت لا تشعر بالألم الذي أحيا على أوتاره يا أخي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الوساطة القطرية في ملف غزة.. هل أصبحت غير مرحب بها؟ | المسائ


.. إسرائيل تستعد لإرسال قوات إلى مدينة رفح لاجتياحها




.. مصر.. شهادات جامعية للبيع عبر منصات التواصل • فرانس 24


.. بعد 200 يوم من الحرب.. إسرائيل تكثف ضرباتها على غزة وتستعد ل




.. المفوض العام للأونروا: أكثر من 160 من مقار الوكالة بقطاع غزة