الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الوطنية والمذهبية وتراجع الإسلام السياسي

منعم زيدان صويص

2016 / 2 / 25
مواضيع وابحاث سياسية


أعتقد أن "علة ذلك الإخفاق" في العالم العربي والفُرقة بين أبنائه، والتأخر المزمن، يعود، بالإضافة لانعدام حرية التفكير لأجيال عديدة، إلى ضعف الشعور الوطني، الذي تغلّب عليه التعصب المذهبي، وقاد هذا إلى انعدام البرجماتية والنظرة العملية والعلمية للأمور. فالمصلحة المشتركة كانت، على مدى قرون، متعلقة بالمذهب وليس بتراب الوطن، الذي يجب الدفاع عنه لحمايته من تأثير المذاهب الأخرى وليس لأنه الملجأ الوحيد الذي يبذل الإنسان الغالي والنفيس في سبيل الحفاظ عليه، أما الدفاع عن الوطن فيأتي في المقام الثاني. لقد برهنت الأحداث في سوريا والعراق واليمن وغيرها أن المتحاربين ليس لديهم مانع بأن يدمر الوطن عن بكرة أبيه إذا كان البديل حكْم أتباع المذهب الآخر. هل كان تسليم الموصل لداعش وانسحاب الجيش العراقي على عجل من المدينة علامة من علامات الوطنية؟

لو لم يكن الإخلاص للمذهب متقدما على الإخلاص للوطن لما حصل هذا التدمير للأوطان في سوريا، والعراق، واليمن، ولتوصل الناس إلى الاقتناع بأن الوطن في سوريا سيبقى وطنهم حتى لو بقي تحت حكم العلويين فترة قد تطول أو تقصر، وأن الوطن في العراق سيبقى وطنهم حتى لو حكمه الشيعة لفترة قد تطول أو تقصر، وأن الوطن اليمني سيبقى وطن اليمنيين بغض النظر عن الحاكم، أهو زيدي أم سني. إن النزاع الحالي بين إيران ودول مجلس التعاون الخليجي أساسه مذهبي، سني-شيعي، واللوم طبعا يقع على المرجعيات المذهبية. الحرب والدمار في ليبيا وراءه محاربون ينتمون في غالبيتهم لمنظمات دينية ومذهبية متناحرة. لقد أجبر هذا التدمير الشامل قطاعا واسعا من الناس على الهروب من أوطانهم، فدفعوا كل ما استطاعوا جمعه من النقود للمهربين ليتمكنوا-- رجالا ونساء وأطفالا -- من الهجرة على قوارب متهالكة في رحلات عذاب شبه انتحارية إلى بلدان غريبة عليهم تماما، ليعيشوا كلاجئين.

ظهر الشعور الوطني بوضوح في منطقتنا بعد الحرب العالمية الأولى عندما ثار المثقفون العرب في الجزيرة العربية والهلال الخصيب على سلاطين الأتراك العثمانيين، آخر الخلفاء، بعد أن وجدوا أن أربعة قرون من حكمهم لم تنفع البلاد أو العباد الذين حكموهم وأبقوهم معزولين عن العالم، ولكن الوهابيين في قلب الجزيرة العربية سارعوا لاحتلال الحجاز، بعد رحيل الأتراك، ولم يجد حكام مكة الهاشميون، طلاب الوحدة العربية والمتطورون سياسيا والمطلعون على ما يحصل خارج بلدانهم والذين قادوا الثورة على العثمانيين بتأييد من المثقفين والنشطاء العرب في العراق وبلاد الشام -- لم يجدوا وسيلة لمقاومتهم، لأن حلفاءهم الإنجليز تخلوا عنهم، فترك حكام مكة الحجاز وغادروها إلى الشمال محاولين، رغم معارضة المنتصرين في الحرب، الإنجليز والفرنسيين، توحيد العرب في الهلال الخصيب على الأقل، ولكنهم لم ينجحوا. وكان الإنجليز خبثاء ويعرفون قوة التأثير الديني على مسلمي العالم فلم يتدخلوا في الحجاز ولم يساعدوا حلفاءهم الهاشميين ضد الوهابيين، لأن الأخيرين لم يكونوا طلاب وحدة بل كان جل ما يطمحون إليه حكم الجزيرة العربية وخاصة الأماكن المقدسة في الحجاز، وبذلك يكونون ممثلين للمسلمين في العالم. وقد كان لاستيلاء آل سعود على السلطة في الجزيرة العربية أثر كبير في تقوية العامل الديني، مع أن الحكم الوهابي في السعودية لم يحاول أن يتدخل في شؤون الدول والحكومات العربية، على سواحل الجزيرة وشمالها، التي كان يحكمها الإنجليز والفرنسيون. ولو لم يسيطر آل سعود على الحجاز والأماكن المقدسة ويُخرجوا الهاشميين منها لاتخذت الشعوب الإسلامية منهجا آخر وانفتحت على العالم ولتغير وجه التاريخ.

في ذلك الوقت نمت مظاهر الشعور الديني في العالم الإسلامي ضد انتصار الحلفاء الغربيين على دولة الخلافة المتمثلة في الدولة العثمانية، رغم أنها كانت حليفة لألمانيا، الدولة المسيحية، وبقي المسلمون يحلمون بدولة الخلافة حتى أن المهاتما غاندي، الذي كان يناضل لاستقلال شبه القارة الهندية عن بريطانيا، انضم لمطالب أبناء بلده من المسلمين الهنود الذين عارضوا إلغاء الخلافة عام 1924.

الإخوان المسلمون بدأوا بتدمير الشعور الوطني القومي منذ أن برزوا في العشرينات من القرن الماضي، ولا شك أنهم كانوا متأثرين بأفكار وهابية، وخابت كل محاولات الحكام العرب المتعاقبين أن تضعفهم وتحد من تأثيرهم على عواطف الناس، واستمرت الدكتاتوريات، التي وجدها معظم القوميين والمثقفين واليساريين والذين يطمحون إلى التطور وحرية التفكير، أهون الشرين. وعندما كان هناك شعور قومي وطني، خاضت الدول العربية عدة حروب ضد إسرائيل ولكن هذه الحروب الجماعية توقفت لأن الشعور الوطني تراجع لمصلحة الشعور الديني.

ولم تصبح الحركة الإسلامية قوة شعبية واسعة يُعتد بها إلا بعد فشل العرب في حربهم مع إسرائيل عام 1967، التي كان لها تأثير هائل على الشعوب العربية وجيل الشباب، وأقنعت قطاعا واسعا منهم أن الحكومات العلمانية، القومية واليسارية، فاشلة وأن البديل الوحيد هو الإسلام السياسي، ومنذ ذلك الحين تغلغل التيار الإسلامي في نظم التعليم في البلاد العربية وأنتج جيلين من الشباب يؤمنان بأن "الإسلام هو الحل،" وتفرع من التيار الإسلامي منظمات عديدة كل منها يؤمن بلون من الإسلام السياسي، ولمّا لم يستطع الإسلاميون أن يستولوا على الحكم في أي دولة عربية انفصل عنهم المتطرفون وظهرت عدة منظمات، أصبحت تعد بالعشرات فيما بعد، تؤمن بالعنف كطريقة للاستيلاء على السلطة، مثل القاعدة وداعش وجبهة النصرة وغيرها.

وببروز هذه المنظمات المتطرفة، التي سببت هذا الدمار الهائل في عدد من الدول العربية، بدأت شعبية الإسلام السياسي تتراجع وظهرت حركات عقلانية، حتى بين الإسلاميين أنفسهم، تدعو لفصل الدين عن السياسة، ويمكن القول بأن أول وأوضح وأهم هذه الحركات على الإطلاق هي ما سمي حركة "زمزم" في الأردن التي انشقت عن الإخوان المسلمين وحثت هذه الجماعة على التحول إلى "جمعية دعوية غير سياسية." وأعلنت أن المشاركة السياسية يجب أن تكون من خلال الأحزاب غير المبنية على الدين.

يقول الدكتور رحيل غرايبه، المتحدث باسم حركة زمزم: "نحن مع فكرة الدولة المدنية بكل وضوح وبدون رتوش، فالحزب يجب أن يكون مدنيا" و"علينا أن لا نركز في الأحزاب على التبشير بالإسلام أو القومية أو اليسارية. فالإسلام يشكل تراث الأمة وإطارها الحضاري الواسع، وهو ليس مُلكاً لأحد أو لحزب أو لفئة." وقال: "إن المرحلة السياسية المقبلة ليست مرحلة الإسلام السياسي، ولا مرحلة الأطُر الإيديولوجية أو القومية أو اليسارية بل الأطُر الوطنية المدنية."

الدكتور غرايبة يدعو إلى "الابتعاد بالدين عن الحكم وان نسهم في بناء دولة وطنية يتفق فيها الناس من شتى أصولهم وأديناهم على الوطن، وما خلا ذلك هو في سياق الحرية الشخصية التي تتكفل دولة المواطنة في الحفاظ عليها وحمايتها." ودعا إلى "تجاوز مرحلة الإسلام السياسي التي عصفت بالمنطقة واتت على ما أنتجت من حضارة إنسانية، والذهاب إلى دولة مواطنة مدنية كقاسم مشترك للجميع، مع إعادة الاعتبار للخطاب الإسلامي الحقيقي المستند إلى الحرية واحترام الآخر ونبذ العنف والتطرف." وقد بدأت الحركة تستعد للإعلان عن حزب سياسي يؤمن بهذه المبادئ التي يمكن وصفها بحق أنها ثورية.

ولا يمكن أن نختم هذا المقال بدون فقرة مختصرة عن إيران. كان للثورة الإيرانية في أواخر السبعينات من القرن الماضي تأثير قوي على الشعوب الإسلامية التي اعتبرتها ممثلة للمسلمين عموما لأنها جاءت ضد حكم الشاه الذي كان صديقا للغرب وإسرائيل والذي كان يطمح أن يكون شرطي أمريكا في المنطقة. وكان نجاح الثورة الإسلامية في الاستيلاء على الحكم سببا في تقوية الطائفية، لأنها أقنعت الإخوان المسلمين أن الإسلام السياسي يمكن تطبيقه وما عليهم إلا أن يقلبوا أنظمة الحكم العربية. ومع أن الثورة الإسلامية الإيرانية تبدو في ظاهرها مبنية على الدين، أو المذهب الشيعي، إلا أنها في الحقيقة تعتمد على قاعدة قومية فارسية، وتتوقع من الشيعة في العالم أن يتبعوا القائد الأعلى الإيراني، وكمثال على ذلك نشوء حزب الله اللبناني الذي أصبح أداة لتوسيع التأثير الإيراني في بلاد الشام والذي لم يترد في تأييد الأقليات الشيعية، معنويا وماديا، في البحرين، والسعودية، واليمن، ناهيك عن محاولة السيطرة على مستقبل العراق.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. القناة 12 الإسرائيلية: اجتماع أمني تشهده وزارة الدفاع حاليا


.. القسام تعلن تفجير فتحتي نفقين في قوات الهندسة الإسرائيلية




.. وكالة إيرانية: الدفاع الجوي أسقط ثلاث مسيرات صغيرة في أجواء


.. لقطات درون تظهر أدخنة متصادة من غابات موريلوس بعد اشتعال الن




.. موقع Flightradar24 يظهر تحويل الطائرات لمسارها بعيداً عن إير