الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الربيع العربي : مابعد الأديولوجي يزيح مابعد الأستعماري

حسن اسماعيل

2016 / 2 / 27
مواضيع وابحاث سياسية



في كتابه ( الربيع العربي : نهاية حقبة مابعد الأستعمار) يعود المفكر الأيراني حميد دباشي استاذ علم اجتماع المعرفة في جامعة كولمبيا الأمريكية أ كثر من مائتي عام الى الوراء ليقرأ حقبتي الأستعمار ومابعد الأستعمار عاداً أياها ( حقبة استعمارية واحدة ) ليخلص الى تقييمات نظرية مثيرة للأنتباه في تعريفه للربيع العربي بأنه ( ثورة بنهايات مفتوحة ) وليس ثورة شاملة كما كان يحصل سابقاً . وهو لايهدف الى اسقاط النظام السياسي العربي الذي صنعته حقبة مابعد الاستعمار فقط بل ينوي تفكيك وهدم نظام المعرفة الأستعمارية أي المرجعية الفكرية لهذا الأنظمة السياسية .

أذن ثمة ضرورة لأنتاج معرفي يفكك نظام المعرفة الذي ورثناه من التاريخين الاستعماري وما بعده . وستكون القراءة الصائبة للثورة بداية المشوار كما هي جزأ لايتجزأ من الحراك الثوري نفسه في سعيه لأحداث التغيير في العالم .
يطرح دباشي فكرة الثورات ذات النهايات المفتوحة على شكل عمل مفتوح وصيرورة مستمرة بوصفها فكرة عملية للحفاظ على تماسك واستمرار هذه الثورات من الناحية النظرية .فقد انتهى زمن " السرديات الكبرى " التي تشتغل على " ثورة شاملة " مع " كارزما " معد لها , منبهاً الى أن الانتفاضات الثورية تولد معرفتها الخاصة التي لاتقل ألحاحاً عن الحراك الأجتماعي الثوري نفسه , مستعرضاً ماحصل في التاريخ الأنساني حين انتعشت أفكار روسو وكانت أثر الثورة الفرنسية 1789 . فيما كان كتاب توكفيل ( الديمقراطية في أميركا ) هو التعريف الاوفى للثورة الأميركية 1776. كما برز ماركس وانجلز في الكتابة عن الثورات الاوربية 1848 ( المسماة ربيع الأمم أو ربيع الشعوب ) . ونظر لينين وتروتسكي لثورة أكتوبر 1917 وكتبا عنها , مثلما نظر فرانز فانون للثورة الجزائرية . وفي ثورة الطلبة والشباب في ايار 1968 خرج جان بول سارتر وميشيل فوكو الى الشوارع لجر الثورة الى مايبغيان . وشغلت الانتفاضة الفلسطينية الراحل ادورد سعيد الذي اخرجها الى النور وجعلها محط انظارالعالم .
اليوم , هاهو حميد دباشي ينظر للربيع العربي ويفكك نظام المعرفة الخاطئ لكل من اليمن واليسار في المنطقة كنتاج لحقبة مابعد الأستعمار. فالأسلام السياسي ومعه كل أشكال الاديولوجيا مابعد الأستعمارية وصلوا الى نقطة استنفاذ معرفي في وقت تبرز فية الحاجة الماسة الى ( حداثة معرفية ) لاسيما بعد فشل " الحداثة السياسية " كطموح مثالي لأديولوجيات مقاتلة مفلسة .
يعيش دباشي هموم المنطقة والعالم العربي والمسلم . وكان قد قرأ – قبل الربيع العربي- الحركة الخضراء في ايران حزيران 2009 كحركة حقوق مدنية مابعد اديولوجية , وهي ثمرة انشغال طويل الامد بكل من التاريخ الفكري وصعود وهبوط التفكير الاديولوجي الأيراني عامة في علاقته مع الحداثة الأستعمارية . فالفكر الأسلامي قد أنهى دورته الحياتية في نزاعه مع " الغرب" . وكان الأسلام قدتطور تاريخياً ,وعبر القرون ,في حواره – صراعه وتلاقحه – مع القوى الفكرية والسياسية المتمثلة بالفلسفة اليونانية وعلم اللاهوت اليهودي والزهد المسيحي والثقافة الأمبريالية الفارسية .أما خلال القرنين الماضيين فكان الأستعمار الأوربي هو المحاور الرئيسي للمفكرين المسلمين . ويخلص دباشي الى انه يتعين على الأسلام اليوم اللجوء الى ( نمط تحرير ديني ) كما هو لاهوت التحرير الديني في أميركا اللاتينية . بدلاً من لاهوت يقوم على مناجاة النفس .
يقرأ المؤلف الربيع العربي كرواية وليس كملحمة . فما حدث من إحراق الشاب التونسي محمد بوعزيزي لنفسه بعد مصادرة الشرطة لعربة خضاره حتى اليوم هو ثورة مفتوحة النهايات , واقتران بين لغة وممارسة جديدتين للثورة تقومان على قراءة الواقع ك( عمل مفتوح) – حسب توصيف أمبرتو أيكو – وان النجاح السريع الذي حققتاه ثورتا تونس ومصر أمامه الكثير لأنجازه من حيث بلوغ ضمانات مؤسساتية عميقة الجذور للحريات المدنية والعدالة الاجتماعية . أن هذا الربيع رواية تستمر في كتابة نفسها وهي تتحرك للأمام , كتأويل ذاتي الحركة سيعيد تعريف مفهوم الديمقراطية نفسه كما طليعته المجتمعية .
الربيع العربي أستنكار قاطع لأطروحة اللبرالية الجديدة ( واقتصاد السوق) التي فاقمت الازمة الحياتية للمواطنين خاصة مع النمو الديموغرافي وما يواجهه الشباب من البطالة التي تدفع الكثير منهم الى الهجرة حيث يصطدمون بالعنصرية الأوربية . ياتي هذا في مقدمة الااوليات ( الميكانيزمات ) المحفزة للحراك الثوري فضلاً عن تحكم أنظمة مستبدة فاسدة وهيمنة النظام البطريكي على النساء .
يمثل الربيع العربي حالة من ( الدنيوية) : أي ان تكون داخل هذا العالم . فقد حل مابعد الأديولوجي محل مابعد الأستعماري ( واديولوجياته المفلسة ) . وبذلك انهى هذا الربيع ( اللاتوازن السائل والقابل للتداول بين الطوبائية والأديولوجيا كما ثنائية الدكتاتور / المفكر ) . اذ ( تحفل الحواف الأستعمارية للحداثة الاوربية بالطوبائيات الاديولوجية , فأذا أبعدت " الغرب " عن الأديولوجيا الأسلامية سوف يسقط الأثنان معاً , وهكذا الأمر مع باقي الأديولوجيات القومية والعالم ثالثية ).

أبتكرالربيع العربي ثورة من طراز مختلف هو يطرق على باب السلطة دون أن يتولاها . ولكن مهما كانت الثورة عفوية – أي بعيداً عن هيمنة القوى السياسية – فلا يمكن أن يترك امر بناء الديمقراطية الى العفوية أيضاً . والثوريون هم القسم الأساسي من الشعب الذي توكل الثورة اليه وسواء أعجبهم أم لم يعجبهم , ينبغي عليهم توضيح اهداف الثورة .
تحاول القوى المضادة للثورة وفي مقدمتها النظامان الثيوقراطيان في السعودية وايران مقاومة هذا الحراك الثوري بأنعاش الطائفية ( وتأجيج الحروب الطائفية ) . وهي سردية مصطنعة تجاوزها الوعي العربي والمسلم الذي يبدو متضايقاً اليوم من كل ما يمت بصلة لثقافة حقبة مابعد الأستعمار . وطرح هذه السردية عملية خاسرة سلفاً لأن الربيع العربي أعلن نهاية حقبة مابعد الأستعمار من خلال ادائه الجديد ( الروائي ) كثورة مفتوحة النهايات ستستغرق وقتها اللازم لكي تتبلور وتكتمل وربما تحتاج الى عقود . المهم انها انطلقت وشعارها كما قرأناه في ميدان التحرير بالقاهرة ( الثورة مستمرة ).
ثورة مفتوحة النهايات قضت على حقبة استعمارية مخاتلة اسمها مابعد الاستعمار وادخلت الانسانية والعالم في طور جديد – مابعد اديولوجي – في كيفية تعاطيه مع الرأسمالية المعولمة . تلك هي نظرية المفكر الأيراني حميد دباشي الذي تفاعل وانتصر للربيع العربي وأضحى منظره الاول .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صحة وقمر - قمر الطائي تجرب التاكو السعودي بالكبدة مع الشيف ل


.. لحظة تدمير فيضانات جارفة لجسر وسط الطقس المتقلب بالشرق الأوس




.. بعد 200 يوم.. كتائب القسام: إسرائيل لم تقض على مقاتلينا في غ


.. -طريق التنمية-.. خطة أنقرة للربط بين الخليج العربي وأوروبا ع




.. سمير جعجع لسكاي نيوز عربية: حزب الله هو الأقوى عسكريا لأنه م